أعربت وزيرة الجيوش الفرنسيّة فلورانس بارلي السبت عن قلقها من تبعات ما اعتبرته تراجعا “تدريجيا ومتعمدا” للدور الأميركي في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنّ تجنّب الرد على اعتداءات في الخليج اتُهمت إيران بالوقوف خلفها، ولّد أحداثا “خطيرة”.
ومنذ أيار/مايو، تشهد المنطقة توتّرا متصاعدا على خلفية هجمات غامضة ضد ناقلات نفط وضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت منشآت شركة أرامكو النفطية السعودية. وقد ألقت الولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى باللوم على إيران، التي نفت أي دور لها.
لكن على الرغم من هذه الاتهامات والحوادث، وبينها إسقاط طائرة مسيّرة أميركية، تجنّبت الولايات المتحدة الرد بالمثل. وقالت بارلي في خطاب خلال مؤتمر “حوار المنامة” السنوي “رأينا عدم انخراط أميركي تدريجي متعمّد”، مضيفة أن هذه السياسة “كانت مطروحة على الورق” لفترة من الوقت لكنّها أصبحت أكثر وضوحًا مؤخّرا.
وأضافت “عندما مضى تلغيم سفن دون رد، أُسقطت الطائرة بدون طيار. وعندما حدث ذلك بدون رد، قُصفت منشآت نفطية رئيسية. أين تتوقّف هذه الأحداث؟ أين الأطراف التي تفرض الاستقرار؟”.
وتابعت بارلي أن “المنطقة معتادة على انحسار ثم تزايد التدخل الأميركي. لكن هذه المرة بدا الأمر أكثر خطورة”. ورأت الوزيرة أنّ التراجع الاميركي يمضي ضمن “مسار بطيء”، مذكّرة بمرور حاملة طائرات اميركية وسفن أخرى مرافقة لها هذا الاسبوع في مضيق هرمز الاستراتيجي. وقالت “لكن الاتجاه واضح، كما أعتقد، بصرف النظر عمن سيفوز في الانتخابات المقبلة”.
وفي استعراض للقوة، عبرت حاملة الطائرات أبراهام لينكولن والمجموعة المرافقة لها الثلاثاء المضيق الاستراتيجي. وبحسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، يعود آخر عبور لحاملة طائرات أميركية لمضيق هرمز إلى نيسان/أبريل.
من جهته، رفض وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير الحديث عن انسحاب أميركي من المنطقة، مؤكّدا أن “لا شك” في وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها. وقال “الولايات المتحدة حليف يمكن الاعتماد عليه إلى حد كبير، كما كان على مدى العقود السبعة الماضية”.
وتابع “هناك رغبة في الولايات المتحدة تاريخياً لمحاولة التراجع على الساحة الدولية، لكن هذه الرغبة لا تنعكس في الموقف الأميركي” على الأرض. ودافع الجبير عن رد الرياض على الضربات التي استهدفت أرامكو في أيلول/سبتمبر، قائلاً إن المملكة كانت “صبورة من الناحية الإستراتيجية” في تحقيقاتها بالهجوم حتى لا يكون هناك “أي شك” حيال الجهة التي تقف خلفها.
وتابع “لقد قلنا طوال الوقت أننا لا نريد الحرب”. وحذر الجبير من “استرضاء” إيران، معتبرا أن ذلك لم يفلح حتى مع الزعيم النازي أدولف هتلر. وشدد الجبير في كلمته بحوار المنامة اليوم السبت، على أنه لا يمكن السماح لإيران بمواصلة نهجها “القائم على تحديد سياستها الخارجية من خلال الأهداف الطائفية”.
وأضاف: “المنطقة تواجه خيارا بين الخير والشر بعد الهجوم على منشآت “أرامكو” في الـ14 من سبتمبر الماضي”، لافتا إلى أن “المملكة السعودية لا تعارض الحوار مع طهران، لكن الردع يجب أن يستمر لمنع إيران من تكرار الهجمات”.
واتهم الجبير إيران بنشر “طائفية مدمرة”، مؤكدا أن منطقة الشرق الأوسط فيها رؤيتان “رؤية النور ورؤية الظلام”. وكانت الولايات المتحدة اتّهمت إيران باطلاق الصواريخ والطائرات من دون طيار باتجاه أرامكو من أراضيها، لكن الرياض تجنّبت توجيه الاتهام ذاته وبدأت تحقيقا في الهجوم.
في السياق ذاته، وضعت وزيرة الدفاع الفرنسية نفسها على النقيض مع الولايات المتحدة بشأن أمن الملاحة في الخليج، بعدما أطلقت واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر تحالفًا بحريًا مقره البحرين لحماية الممرات البحرية في المنطقة.
وقال بارلي إنّ فرنسا تؤيّد مهمة أوروبية منفصلة، من المفترض أن تبدأ “قريبًا جدًا”. وأوضحت “نريد أن نوضح أن سياستنا مغايرة لسياسة الضغوط القصوى الأميركية” على إيران.
وكانت فرنسا وبريطانيا اقترحتا في تموز/يوليو بناء تحالف لحماية السفن في الخليج، لكن لندن انضمت في ما بعد إلى التحالف الذي أطلقته الولايات المتحدة هذا الشهر ويضم استراليا والولايات المتحدة ودولا خليجية بينها السعودية.
وفي خطابها، تحدّثت بارلي أيضًا عن احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية مرة جديدة في فرنسا، واعتبرت أنّ هذا الموضوع “خط أحمر” بالنسبة لفرنسا.
وقالت “نعم هناك خطر حدوث ذلك وعندما تنظر إلى محافظة إدلب فهناك خطر كبير. أنا مقتنعة بأنه إذا تم استخدام هذه الأسلحة مرة أخرى، فإن فرنسا ستكون مستعدة للرد”.
كما تطرّقت بارلي إلى التوترات حيال حلف شمال الاطلسي “ناتو”، معتبرة أنّه يظل حجر الزاوية للأمن في أوروبا لكن “حان الوقت للانتقال من الموت السريري إلى التخطيط”.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثار جدلاً في وقت سابق من هذا الشهر عندما قال انه يعتقد أن الناتو مات سريريا، معربًا عن أسفه لعدم التنسيق بين أوروبا والولايات المتحدة، وذلك في مقابلة مع مجلة “الإيكونوميست”.
وذكرت بارلي أنّ قمة الحلف في لندن في كانون الاول/ديسمبر المقبل سيتخلّلها اقتراحات “للتفكير في مستقبل الناتو”.
وكالات، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، 2019