ليس هذا الاقتراب جديدا . ولكنه يأخذ مسارا مجددا بالتأكيد …وهكذا الأمم والامبراطوريات ذات التاريخ ، أو الصانعة للتاريخ…
وهذا هو ما حدث مع الروس ، وما يسمونه بالتمرحل ، نتيجة الخبرة الطويلة والقوة القادرة على إدارة العلاقات فى أزمنة مختلفة .
ما الذى يعنيه الاقتراب الجديد ؟
– كسر احتكار الدول الكبرى للقوة الدولية ، أى التصدى للاستقطاب ..
– اللحاق بالمكانة فى الساحة الإفريقية التى تنافست فيها مختلف القوى الكبرى فترة الاستعمار .
– التطلع للاستفادة من دور مصر ، أو مكانتها فى القارة وخاصة فى أعلى مراحلها من أول الستينات .. ..القفزة المؤخرة تختلف كثيرا ، لأن امكانياتها أعرض ، والروس فى وضع أقوى ، والتحالفات ، تتنوع بين المجموعات الإقليمية الصغيرة فى شرق القارة الإفريقية ووسطها ، فضلا عن التحالفات الآسيوية .
فما الذى يساعد على التقدم فى هذه القفزة ؟ هل ما زالت الأيديولوجيا التاريخية ، من دين الكنيسة والامبراطورية التاريخية إلى مدارس الماركسية اللينينية ؟ أم تُراه التنافس السابق مع الصين على أساس أيديولوجى أيضا منطلقا من معسكر واحد ؟ أم تُراه الانفتاح بتجارة واسعة بلغت أكثر من 40 مليار دولار ، وساعدت على إنشاء المنتدى الاقتصادى الإفريقى الروسى ، مع انشاء صندوق بمشاركة مصر ( 5 مليار دولار ) ، وتوقيع عديد من الاتفاقات معها ، وعلى رأسها الاتفاقات العسكرية والتجارية .
لعل هذه الانطلاقات هى التى أعطت لمصر قوتها أمام إثيوبيا منطلقة من " سوتشى" كما جعلت الاثيوبيين لينى العريكة فى لقاءات القمة المصرية الاثيوبية ، رغم استمرار المفاوضات فى " واشنطن" …ولعل هذه الاجواء هى التى ستيسر النفاذ الروسى إلى مصر والقارة من جهة ، بل ويسهل قيام مصر بدور متجدد على نطاق أوسع …
ثمة مشكلة قد تكون نشأت أو ستنشأ قريبا ..وهى تحالفات روسيا خارج نطاق التحالفات المعروفة لها ..فماذا سيجرى مع إيران ، وجنوب شرق آسيا ، كما مضى السؤال بشأن التحالفات الاقليمية فى إفريقيا …والتى تمتد بسبب معتقد مثل Ethiopianism ، ذات الوجود فى شرق وجنوب إفريقيا إلى منطقة غرب إفريقيا ، وهى ليست مجرد معتقد دينى ولكنها فكرة " تحرير السود" ، وصعود الكنيسة الإفريقية لتحرير "هؤلاء السود " من التمييز العنصرى بما سُمى " لاهوت ا لتحرير " واتخذ قاعدته ممتدا عبر كينيا ووسط إفريقيا ، ومرتكزة فى جنوب إفريقيا بقاعدة صلبة ضد الأبارتهيد خدمها وجود الحزب الشيوعى القوى هناك .
امام الروس إذن ساحة كبيرة للانطلاقة الجديدة ، بعضها مستفيدا من التاريخ ، وحتى الجغرافيا .
فهل ينتبه الأفارقة والعرب خاصة أنهم أمام محاولة عملاق دولى لخلق عولمة بقيادتهم ، أو سحب الروح الاقصائية التى حكمت العولمة الغربية قبلا ، أو تتيح الفرصة لتحكم الصين والمحاولات المماثلة ( فى أمريكا اللاتينية ) من ناحية أخرى ؟
سيرحب الروس قطعا بمساهمة إفريقيا والعرب فى بلورة مفهومهم الجديد للعولمة بمساهمات واعية من تلك الأطراف الاخرى التى تعِد بذلك .
وللمستقبل أذرع أيضا:
لابد أن يساهم الأفارقة والعرب مساهمة جادة بالتفكير فى أنهم سيدخلون العالم الجديد ليحققوا إنجازا عالميا بدورهم بما يتوفر لديهم من امكانات علمية ومادية على أسس خلاقة يذكر الباحثون منها :
طرح مفهوم انسانى للعولمة الجديدة ،
التعاون مع الروس فى تفعيل عالم التقنية بالامكانيات العلمية والمالية الافريقية العربية ، مع تحقيق توازن سياسى واجتماعى حقيقى فى عصر تتنافس فيه " قوى الغرب والشرق" بما يكاد يقترب من شكله القديم …
وهناك خبرات روسية يتوجب على القوى الجديدة الاستفادة منها مثل خبرتهم السابقة فى مواجهة الإرهاب وسط آسيا ، على ألا يتحول ذلك إلى مجرد تجارة فى السلاح ، أو اختراقات للأقاليم الصاعدة فى الخليج …
وقد كان ثمة مساهمات تاريخية ناجحة فى الستينيات وما بعدها ، مثل التعاون العربى الإفريقى ، وتحقيق بعض أبعاد ما سُمى " بالتنمية المستدامة " والاستفادة من التطور الصناعى والتقنى وتبادلهما . لأن العولمة الجديدة قائمة فعلا على شكل جديد للعالم ، سيعتمد على تبادل الكفاءات والمعارف كل بقدر اجتهاده ، وأظن أن كتلة إفريقيا والعرب قادرة على الاجتهاد والاضافة .
حلمي شعراوي، مناضل ومفكر، كاتب وباحث عربي من مصر، خبير بارز في الشؤون الإفريقية
السبت، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، 2019