إنه لشرف لي أن أشارك في هذه الفعالية التي تأتي إجلالاً لرفيق النضال، ابن إفريقيا البار، الراحل المأسوف عليه الدكتور إدواردو موندلين، الرئيس السابق لـ"فريليمو" [جبهة تحرير موزمبيق] والذي اغتيل بشكل جبان في ٣ فبراير ١٩٦٩ في دار السلام على أيدي الاستعماريين البرتغاليين وحلفائهم.
ويتوجب علينا تقديم الشكر لجامعة سيراكيوز، وبالأخص برنامج الدراسات الشرق-إفريقية بإدارة العالم الأستاذ مارشال سيغال، على هذه المبادرة والتي لا تثبت وحسب مشاعر الإجلال والاحترام التي تحملونها لشخص الدكتور إدواردو موندلين الذي لا يُنسى، وإنما تتعدى ذلك لتثبت تضامنكم مع النضال البطولي لشعب موزمبيق وسائر شعوب إفريقيا في سبيل التحرر القومي والتقدم. عندما قبلنا دعوتكم، والتي نعتبرها موجهة لشعبنا ومقاتلينا، فإنما أردنا التأكيد مرة أخرى على علاقات الصداقة النضالية وعلى تضامننا مع شعب موزمبيق ومع قائدهم المحبوب د. إدواردو موندلين الذي تربطنا به علاقات النضال الأخوية ضد الاستعمار الأكثر تخلفاً، الاستعمار البرتغالي. إن صداقتنا وتضامننا صادقان لأبعد مدى بالرغم من أننا لم نكن دائمي الاتفاق مع رفيقنا إدواردو موندلين، ذلك الرفيق الذي شكلت وفاته خسارة كبرى لشعبنا أيضاً.
لقد سبقني المتحدثون في استعراض سيرة د. إدواردو موندلين وتأبينه التأبين الذي يستحقه ولم يبقَ لي هنا سوى التأكيد على احترامنا لهذا الرمز الوطني الإفريقي ورجل الثقافة البارز الذي كانه الراحل. وبنفس السياق أود القول أن أعظم ميزة في إدواردو موندلين لم تكن قراره النضال من أجل تحرير شعبه، بل كانت في أنه تمكن من دمج نفسه بواقع بلده وأنه تمكن من فهم أبناء شعبه وأنه تمثل ثقافتهم من خلال النضال الذي قاده بشجاعة وحكمة وثبات.
إدواردو تشيفامبو موندلين، رجل إفريقي من خلفية ريفية، ابن فلاحين وابن أحد شيوخ القبائل، طفل تعلم على أيدي المبشرين، تلميذ أسود في المدارس البيضاء في مستعمرة موزمبيق وطالب جامعي في جنوب إفريقيا العنصرية، حصل على المساعدة في شبابه عن طريق مؤسسة أمريكية، طالب مبتعث إلى جامعة أمريكية وحاصل على الدكتوراه من جامعة نورثويستيرن، مسؤول رفيع في الأمم المتحدة وبروفيسور في جامعة سيراكيوز، رئيس جبهة تحرير موزمبيق، استشهد مقاتلاً في سبيل حرية شعبه.
إن حياة إدواردو موندلين هي بالفعل غنية بتجاربها بشكل متفرد. فلو أخذنا الفترة القصيرة التي عمل بها كصبي-عامل في مؤسسة زراعية فإننا نجد أن دورة حياته تشمل عملياً كل تصنيفات المجتمع الإفريقي المستعمَر: من الفلاحين إلى "البرجوازية الصغيرة" المندمجة والمستلبة (assimilated)، وعلى المستوى الثقافي: من عالم القرية إلى ثقافة عالمية منفتحة تجاه العالم ومشكلاته وتناقضاته وآفاق تطوره.
إن المهم هنا هو أن إدواردو موندلين، بعد تلك الرحلة الطويلة، تمكن من العودة إلى القرية بشخصية مقاتل من أجل تحرير وتقدم شعبه وقد أغنته تجارب عالم اليوم، تلك التجارب التي غالباً ما تكون غامرة. وقد قدم بذلك مثالاً مثمراً: بمواجهة كل الصعاب والهروب من المغريات وتحرير نفسه من التنازلات والتعاقدات الاغترابية الثقافية (وبالتالي السياسية) تمكن من إعادة اكتشاف جذوره ومن فهم أبناء شعبه ومن تكريس نفسه لقضية التحرر القومي والاجتماعي، وهذا ما لم يسامحه الامبرياليون عليه.
اسمحوا لي بدلاً من حصر أنفسنا في مسائل مهمة بدرجة أو بأخرى للنضال المشترك ضد المستعمرين البرتغاليين أن أركز المحاضرة على مسألة أساسية وهي العلاقات المشروطة والمتبادلة بين نضال التحرر القومي والثقافة.
إننا إن تمكنا من إقناع المناضلين الإفريقيين وكل أولئك المعنيين بحرية وتقدم الشعوب الإفريقية بالأهمية القاطعة لتلك المسألة في عملية النضال فإننا نكون قد وفينا إدواردو موندلين الاحترام الذي يستحقه.
معضلة قاسية للاستعمار: الإبادة أم الدمج والاستلاب؟
عندما كان غوبلز، العقل المدبر للدعاية النازية، يسمع مفردة "ثقافة" فقد كان يتحسس مسدسه. هذا يُظهر أن النازيين – الذين كانوا ولا يزالون التعبير الأكثر مأساوية عن الامبريالية وتعطشها للهيمنة – وبالرغم من أنهم جميعاً منحطون كهتلر إلا أنهم تمتعوا بفكرة واضحة عن قيمة الثقافة كعامل من عوامل مقاومة الهيمنة الأجنبية.
إن التاريخ يعلمنا أنه يسهل جداً على أجنبي أن يفرض هيمنته على شعب ما في ظروف معينة، لكنه يعلمنا بذات الوقت أنه مهما كانت الجوانب المادية لهذه الهيمنة فإنه لا يمكن الحفاظ عليها إلا من خلال القمع المنظم والمستمر للحياة الثقافية لهذا الشعب. إن زرع الهيمنة بصورة نهائية لا يمكن تأمينه إلا من خلال القضاء الجسدي على جزء معتبر من الشعب الخاضع للهيمنة.
في الحقيقة، إن امتشاق السلاح بغرض الهيمنة على شعب ما هو قبل كل شيء امتشاق للسلاح بغرض تحطيم حياة ذلك الشعب الثقافية، أو على أقل تقدير تحييدها وشلها. ذلك أن الهيمنة الأجنبية لا يمكن أن تضمن تأبيدها طالما بقي جزء من ذلك الشعب متمتعاً بحياة ثقافية. ففي لحظة معينة، وبالأخذ بعين الاعتبار العوامل الداخلية والخارجية التي تحدد تطور المجتمع المعني، فإن المقاومة الثقافية (غير القابلة للتحطيم) قد تتخذ أشكالاً جديدة (سياسية واقتصادية ومسلحة) لتتحدى الهيمنة الأجنبية بشكل كامل.
إن الحل المثالي بالنسبة للهيمنة الأجنبية، سواء الامبريالية أو غيرها، هو في أحد هذين البديلين: إما القضاء عملياً على كل سكان البلد الخاضع للهيمنة، وبالتالي استبعاد أية إمكانية لمقاومة ثقافية، أو النجاح في فرض نفسها دون الإضرار بثقافة الشعب المهيمَن عليه، أي بكلمة أخرى التوفيق بين الهيمنة الاقتصادية والسياسية على ذلك الشعب وشخصيته الثقافية.
الفرضية الأولى تعني إبادة السكان الأصليين مما يفرغ الهيمنة الأجنبية من محتواها ومادتها: الشعب المهيمَن عليه. أما الفرضية الثانية فالتاريخ حتى اللحظة لم يشر إلى حدوثها، حيث إن التجارب الإنسانية الممتدة تسمح لنا بالتسليم بأن تلك الفرضية تفتقر لأية إمكانية عملية للحياة، حيث لا يمكن التوفيق بين الهيمنة الاقتصادية والسياسية على شعب ما، مهما كانت درجة تطوره الاجتماعي، والمحافظة على شخصيته الثقافية.
وللهروب من هذين الخيارين، أو ما يمكن تسميته بمعضلة المقاومة الثقافية، فإن الهيمنة الاستعمارية الامبريالية حاولت خلق نظريات هي في حقيقتها ليست سوى صيغاً فظة للعنصرية ترجمت نفسها عملياً كحالة حصار مستمرة للسكان الأصليين على قاعدة عنصرية ديكتاتورية (أو ديمقراطية).
وتلك هي الحال، مثلاً، مع النظرية المفترضة للدمج والاستلاب (assimilation) التدريجي والتي لا تتعدى كونها بدرجة أو بأخرى محاولة عنيفة لإنكار ثقافة الشعب المعني. إن الفشل الجلي لتلك "النظرية" التي وضعت قيد التطبيق من قبل عدة قوى استعمارية، بما فيها البرتغال، هو الدليل الأوضح على أنها غير قابلة للحياة، ناهيك عن أنها غير إنسانية. إن تلك "النظرية" قد وصلت إلى أبعد مدى السخافة في الحالة البرتغالية حين أكد سالازار بأن إفريقيا غير موجودة!
وهي الحال كذلك مع النظرية المفترضة للأبارتايد التي اختُلقت وطُبقت وطُورت على أساس الهيمنة الاقتصادية والسياسية على شعب جنوب إفريقيا من قبل أقلية عنصرية، مع كل ما جرّته تلك النظرية من جرائم ضد الإنسانية. إن تطبيق الأبارتايد يتخذ شكل الاستغلال غير المقيد لقوة عمل الجماهير الإفريقية، تلك الجماهير المحاصرة والمقموعة باحتقار في أضخم معسكر اعتقال عرفته البشرية.
التحرر القومي: عملٌ ثقافي
إن تلك الأمثلة تعطينا مقياساً لمدى معاناة الهيمنة الأجنبية بمواجهة الحقيقة الثقافية للشعب المهيمن عليه. كما أنها تشير للصلة المشروطة والمتبادلة بين العامل الثقافي والعامل الاقتصادي (والسياسي) في سلوك المجتمعات الإنسانية. وفي الحقيقة، فإن الثقافة في كل لحظة من عمر مجتمع ما (منفتح أو منغلق) هي حاصل النشاطات الاقتصادية والسياسية المصحوبة بدرجة ما بوعي مستيقظ، إنها بدرجة أو بأخرى تعبير حيوي عن نوع العلاقات السائدة في المجتمع بين الإنسان (بشكل فردي أو جماعي) والطبيعة، ومن جهة أخرى بين الأفراد والمجموعات والشرائح الاجتماعية والطبقات.
إن قيمة الثقافة كأحد عناصر مقاومة الهيمنة الأجنبية يكمن في حقيقة أنها التعبير القوي، على المستويين الأيديولوجي أو المثالي، عن الواقع المادي والتاريخي للشعب المهيمن عليه أو الذي يراد الهيمنة عليه. وبذات الوقت، فالثقافة هي ثمرة تاريخ الشعب وعنصر مقرر للتاريخ من حيث تأثيرها الإيجابي والسلبي على العلاقات بين الإنسان وبيئته وبين الأفراد والمجموعات البشرية في المجتمع وكذلك بين المجتمعات المختلفة.
فلنتفحص ماهية التحرر القومي، ودعونا نتفحص تلك الظاهرة التاريخية في السياق المعاصر، أي التحرر القومي بمواجهة الهيمنة الامبريالية. إن تلك الهيمنة كما نعلم تختلف في شكلها ومحتواها عن الأشكال التي سبقتها من أشكال الهيمنة الأجنبية (القبلية، الأرستقراطية-العسكرية، الاقطاعية، والهيمنة الرأسمالية في عصر المنافسة الحرة).
إن الصفة المميزة الرئيسية المشتركة بين كل أنواع الهيمنة الامبريالية هي نفي السيرورة التاريخية للشعب المهيمن عليه وذلك عن طريق الاغتصاب العنيف لحرية سيرورة التطور عند القوى المنتجة. الحال أنه في أي مجتمع، درجة تطور القوى المنتجة ونظام الانتفاع الاجتماعي لتلك القوى (نظام المُلكية) هما ما يحدد نمط الانتاج. وبرأينا، فإن نمط الانتاج الذي تظهر تناقضاته بدرجة أو بأخرى في حدة الصراع الطبقي، هو العنصر الرئيسي في تاريخ المجموع البشري، ومستوى القوى المنتجة هو المحرك الحقيقي والدائم للتاريخ.
ففي كل مجتمع، كل مجموعة بشرية باعتبارها كلٌ فعّال، يشير مستوى القوى المنتجة إلى المكانة التي وصلها المجتمع – وكل مكون من مكوناته – بمواجهة الطبيعة، إلى قدرته على الفعل والاستجابة الواعيَيْن فيما يتعلق بالطبيعة، إنه يشير إلى ويحدد نوع العلاقات المادية (المعبر عنها موضوعياً أو ذاتياً) التي تربط الإنسان ببيئته.
إن نمط الانتاج، الذي يمثل في كل مراحل التاريخ السعي الدؤوب نحو حالة التوازن بين مستوى القوى المنتجة ونظام الانتفاع الاجتماعي لتلك القوى، يشير إلى المكانة التي وصلها مجتمع ما وكل مكون من مكوناته أمام نفسه وأمام التاريخ. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يشير إلى ويحدد العلاقات المادية (المعبر عنها موضوعياً أو ذاتياً) التي تربط مختلف العناصر والمجموعات التي تشكل المجتمع المعني: العلاقات ونوعية تلك العلاقات بين الإنسان والطبيعة، بين الإنسان والبيئة المحيطة به، العلاقات ونوعيتها بين المكونات الفردية أو الجماعية في المجتمع. الحديث عن ذلك هو حديث عن التاريخ لكنه أيضاً حديث عن الثقافة.
إذن فإن الثقافة، أياً كانت المميزات الأيديولوجية أو المثالية لتعبيراتها، هي عنصر جوهري في تاريخ أي شعب، إنها ربما ناتج هذا التاريخ مثلما الزهرة هي ناتج النبتة. وكما التاريخ، أو ربما لأنها التاريخ، فإن للثقافة قاعدتها المادية المتمثلة في مستوى القوى المنتجة ونمط الانتاج. إن الثقافة تضرب بجذورها في أعماق الواقع المادي الذي تتطور فيه وتعكس الطبيعة العضوية للمجتمع والتي يمكن أن تتأثر، بدرجة أو بأخرى، بعوامل خارجية. والتاريخ يمَكّنا من معرفة طبيعة ونطاق الاختلالات والصراعات (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية) التي تسم تطور مجتمع ما. أما الثقافة فتمكنا من معرفة أي من التوليفات الحيوية قد تمت صياغتها ووضعها من قبل الوعي الاجتماعي بهدف حل تلك الصراعات في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي في ظل السعي نحو البقاء والتقدم.
وتماماً كما في حالة الزهرة والنبتة، فإن القدرة على (أو مسؤولية) تشكيل وتخصيب الجرثومة التي تؤمن استمرارية التاريخ تكمن الثقافة، وتلك الجرثومة بنفس الوقت هي التي تضمن آفاق تطور وتقدم المجتمع المعني. وبالتالي فإنه يصبح من المفهوم أن الهيمنة الامبريالية التي تنكر على الشعب الخاضع للهيمنة سيرورته التاريخية الخاصة به أنها تنكر عليه – بالضرورة – سيرورته الثقافية. إنه يصبح من المفهوم أكثر لماذا ممارسة الهيمنة الامبريالية، كما كل هيمنة أجنبية ومن أجل أمنها الخاص، تتطلب الاضطهاد الثقافي ومحاولة التحطيم المباشر وغير المباشر للعناصر الرئيسية لثقافة الشعب الخاضع للهيمنة.
إن دراسة تاريخ النضالات التحررية تظهر أن تلك النضالات كان يسبقها تصاعد للمظاهر الثقافية التي تقوى تدريجياً لتتحول إلى محاولات، ناجحة أو فاشلة، للتأكيد على الشخصية الثقافية للشعب المهيمن عليه وذلك برفض ثقافة المضطهِد. ومهما كانت ظروف إخضاع الشعب للهيمنة الأجنبية وتأثير العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في ممارسة تلك الهيمنة فإننا عموماً نجد جرثومة التحدي التي تقود إلى هيكلة وتطوير حركة التحرر في العامل الثقافي.
برأينا يكمن أساس التحرر القومي في الحق غير القابل للمصادرة لكل شعب في أن يكون له تاريخه الخاص أياً كانت الصياغات المعتمدة في القانون الدولي. إن هدف التحرر القومي هو استرداد هذا الحق الذي اغتصبته الهيمنة الامبريالية، وتحديداً: تحرير سيرورة تطور القوى المنتجة القومية. ولهذا فإن التحرر القومي لا يتحقق إلا عندما تتحرر القوى المنتجة تماماً من جميع أشكال الهيمنة الأجنبية. إن تحرير القوى المنتجة، وما يتبعه من إمكانية حرة في تقرير نمط الانتاج الأنسب لتطور الشعب المحرر، يفتح بالضرورة آفاقاً جديدة للسيرورة الثقافية في المجتمع المعني وذلك بإعادة كافة امكاناته إليه، تلك الامكانات التي تؤهله لتحقيق التقدم.
إن الشعب الذي يتحرر من الهيمنة الأجنبية لن يتحرر ثقافياً ما لم يعد إلى الطرق الصاعدة في ثقافته هو، وذلك دون التقليل من شأن الاسهامات الإيجابية في ثقافة المضطهِد وباقي الثقافات. إن ثقافة الشعب تلك تنمو في الواقع الحي لبيئتها وترفض كل التأثيرات الضارة تماماً كرفض أي شكل من أشكال الإخضاع.
وعليه نرى أنه إذا كانت الهيمنة الامبريالية بحاجة حيوية لممارسة الاضطهاد الثقافي فإن التحرر القومي هو بالضرورة فعلٌ ثقافي.
الطابع الطبقي للثقافة
بناءً على ما تقدم يمكننا اعتبار حركة التحرر على أنها التعبير السياسي المنظم للثقافة الشعبية المناضلة، وبالتالي يتوجب على قيادة تلك الحركة أن يكون لديها فكرة واضحة عن قيمة الثقافة في إطار النضال وأن تتحلى بمعرفة عميقة بثقافة شعبها أياً كان مستوى التطور الاقتصادي.
لقد أصبح شائعاً في أيامنا هذه التأكيد على أن لكل شعب ثقافته، فقد ولى ذاك الزمان الذي كان يتم فيه اعتبار الثقافة، بغرض تأبيد الهيمنة على الشعوب، من سمات الشعوب أو الأمم الغنية، ذاك الزمان الذي كان يتم فيه الخلط، إما جهلاً أو بسوء نية، بين الثقافة والمهارات التقنية إن لم يكن بينها وبين لون بشرة الإنسان وشكل عينيه. إن على حركة التحرر، الممثلة لثقافة الشعب والمدافعة عنها، أن تكون واعيةً لحقيقة أن المجتمع الذي تمثله – أياً كانت ظروفه المادية – هو صانع وحامل الثقافة، وعليها بالإضافة إلى ذلك أن تدرك الطبيعة الشاملة والشعبية للثقافة، تلك الطبيعة التي ليست ولا يمكن أن تكون سمة لقطاع واحد أو بعض قطاعات المجتمع.
في التحليل المعمق للبنية الاجتماعية (والذي يتحتم على كل حركة تحرر القيام به استجابةً للضرورات النضالية) تحتل السمات الثقافية لكل فئة اجتماعية حيزاً هاماً. فبينما للثقافة طابع شامل إلا أنها ليست أحادية الشكل uniform ولم تتطور بشكل متساوٍ في كل قطاعات المجتمع. إن سلوك كل فئة اجتماعية تجاه النضال تحدده المصالح الاقتصادية لتلك الفئة، إلا أنه يتأثر بثقافتها بدرجة كبيرة، ولربما نعترف حتى بأن اختلاف مستويات الثقافة بين أفراد الفئة الاجتماعية – الاقتصادية الواحدة يفسر اختلاف سلوك كل منهم تجاه حركة التحرر. هنا تحديداً تصل الثقافة إلى أقصى مستويات الأهمية بالنسبة لكل فرد: من حيث الفهم والاندماج في البيئة المحيطة، من حيث التعرف على مشاكل المجتمع الأساسية وتطلعاته، ومن حيث قبول إمكانية التغيير باتجاه التقدم.
في ظروف بلدنا الخاصة – ولنقل في إفريقيا – فإن التوزيع الأفقي والعامودي لمستويات الثقافة معقد بعض الشيء. ففي الحقيقة هناك اختلافات كبيرة في المستويات النوعية والكمية للثقافة من القرى إلى البلدات، ومن مجموعة عرقية إلى أخرى، ومن الفلاح إلى الحرفي أو إلى المثقف المحلي المندمج والمستلب assimilated بدرجة أو بأخرى، من طبقة اجتماعية إلى أخرى، بل وكما أشرنا بين أفراد الفئة الاجتماعية الواحدة، وإنها لمسألة في غاية الأهمية بالنسبة لحركة التحرر أن تأخذ تلك الحقائق بعين الاعتبار.
فتوزيع مستويات الثقافة في المجتمعات ذات البنية الأفقية – كمجتمع البالانتا على سبيل المثال – هو توزيع موحد تقريباً والاختلافات فيها مرتبطة فقط بالطبائع الفردية لكل شخص وبالفئات العمرية. أما في المجتمعات ذات البنية العامودية – مجتمع الفولا مثلاً – فهناك اختلافات مهمة بين قمة الهرم الاجتماعي وقاعدته. إن هذا يُظهر مرة أخرى الرابط بين العامل الثقافي والعامل الاقتصادي ويفسر أيضاً الاختلافات في السلوك العام لهاتين المجموعتين العرقيتين أو في سلوك كل قطاع منهما.
صحيح أن التعددية العرقية والاجتماعية تعقد الدور الحاسم للثقافة في حركة التحرر بعض الشيء إلا أنه من الحيوي ألا نغفل الأهمية القاطعة للطابع الطبقي للثقافة في تطور حركة التحرر حتى حين تكون فئة ما لا تزال في طورها الجنيني.
إن تجربة الهيمنة الاستعمارية تظهر أن المستعمر خلال سعيه لتأبيد الاستغلال لا يخلق نظاماً كاملاً لقمع الحياة الثقافية للشعب المستعمَر وحسب بل ويحث ويطور الاغتراب الثقافي في جزء من السكان، وذلك إما من خلال الدمج المزعوم لأفراد من السكان الأصليين أو من خلال خلق فجوة اجتماعية بين النخب المحلية وعموم الناس. وكنتيجة لعملية التقسيم تلك أو نتيجة لتعميق الانقسامات في المجتمع فإن جزءاً معتبراً من السكان، وبالذات "البرجوازية الصغيرة" الحضرية والريفية، يبدأ في تمثل عقلية المستعمِر ويشرع في اعتبار نفسه متفوقاً ثقافياً على الشعب الذي ينتمي إليه ويحتقر قيمه الثقافية ويتجاهلها. إن تلك الحالة التي تميز غالبية المثقفين المستعمَرين متبلورة إلى الحد الذي تزداد فيه الامتيازات الاجتماعية للمجموعة المندمجة المستلبة assimilated أو المتغربنة alienated مع آثار مباشرة على سلوك أفراد تلك المجموعة تجاه حركة التحرر. ولذلك فإن هدايةً روحية spiritual reconversion – للعقليات – تبدو مسألة حيوية لدمجهم الحقيقي في حركة التحرر، وتلك الهداية – إعادة الأفْرَقة في حالتنا re-Africanization – قد تحدث قبل النضال إلا أنها لا تكتمل إلا خلال مسيرته، من خلال الاحتكاك اليومي العميق مع جمهور الناس ومن خلال تقاسم التضحيات التي يتطلبها الكفاح.
لكننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الطموح والانتهازية اللتان غالباً ما تعاني منهما حركة التحرر قد تجذب للنضال، عندما يلوح في الأفق احتمال الاستقلال السياسي، أفراداً لم تتم هدايتهم. ونظراً لمستوى تعليم هؤلاء ودرجة معرفتهم العلمية والتقنية فإنهم قد يصلون إلى أعلى المستويات في حركة التحرر وذلك دون أن يتخلوا عن أي من تحيزاتهم الطبقية الثقافية. ولهذا فإن اليقظة على المستويين الثقافي والسياسي مسألة حيوية، ففي الظروف الخاصة والمعقدة جداً لظاهرة حركات التحرر ليس كل ما يلمع بالضرورة ذهباً: فالقادة السياسيون – حتى أكثرهم شهرة – قد يكونوا متغربنين ثقافياً culturally alienated.
إن الطابع الطبقي للثقافة يمكن تلمس أثره بصورة أوضح على سلوك المجموعات ذات الامتيازات في البيئة الريفية حيث تأثيرات الدمج والاستلاب Assimilation معدومة أو تكاد تكون معدومة، خاصة بين المجموعات العرقية ذات البنى الاجتماعية العامودية، وتلك هي الحالة مع الطبقة الحاكمة في متجمع الفولا مثلاً. فالسلطة السياسية لتلك الطبقة (الزعماء التقليديون، العائلات البارزة، القادة الدينيون) تحت الهيمنة الاستعمارية هي سلطة صورية بحتة، وعموم الناس يدركون أن السلطة الحقيقية إنما تقع بيد الإداريين الاستعماريين الذين يمارسون تلك السلطة. ومع ذلك فإن تلك الطبقة الحاكمة تحتفظ بشكل أساسي بسلطتها الثقافية على جمهور الناس في المجتمع، بكل ما يعنيه ذلك من آثار سياسية غاية في الأهمية. والاستعمار الذي يقمع ويمنع كل تعبير ثقافي وازن على المستوى الشعبي لعامة الناس يدرك هذا الواقع، فنجده يدعم ويحمي هيبة تلك الطبقة الحاكمة في قمة الهرم ويحمي نفوذها الثقافي، ويقوم بتعيين الزعماء الذين يثق بهم ويلاقون بشكل عام قبولاً بين السكان ويمنحهم امتيازات مادية مختلفة بما فيها تعليم أبنائهم الأكبر، ويخلق مشيخات في مناطق لم تكن فيها مشيخات من قبل، وينسج علاقات ودية مع القادة الدينيين ويبني المساجد وينظم قوافل الحج إلى مكة… إلخ، لكن الأهم أنه باستخدام أجهزة القمع الإدارية الاستعمارية يعمل على ضمان الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية لتلك الطبقة الحاكمة بالصلة بعموم الناس. إلا أن هذا كله لا ينفي احتمالية أن ينضم أفراد أو مجموعات من الأفراد من بين تلك الطبقات الحاكمة إلى حركة التحرر وإن بوتيرة أقل من "البرجوازية الصغيرة" المندمجة والمستلبة assimilated. إن عدة زعماء تقليديين وقادة دينيين ينضمون للكفاح منذ لحظة انطلاقه أو خلال مسيرة تطوره ويسهمون بإسهاماتٍ حماسية في سبيل قضية التحرر. ولكن مرةً أخرى، اليقظة مسألة حيوية: فبتمسكهم بتحيزاتهم الثقافية الطبقية ينظر أفراد تلك الفئة بالعموم إلى حركة التحرر على أنها الوسيلة الوحيدة لتجيير تضحيات عموم الناس للقضاء على الظلم الاستعماري الواقع على طبقتهم، وبالتالي لاستعادة سيطرتهم السياسية والثقافية كاملةً على الشعب.
في الإطار العام لتحدي الهيمنة الاستعمارية وفي الظروف الخاصة التي نتحدث عنها يمكن ملاحظة أن من بين أخلص حلفاء المضطهِد نجد بعض كبار الموظفين والمثقفين المندمجين والمستلبين assimilated من أصحاب المهن الحرة وعدد كبير من ممثلي الطبقة الحاكمة في المناطق الريفية. تلك الحقيقة تمنحنا مقياساً (سلبياً أو إيجابياً) لمدى تأثير الثقافة والتحيزات الثقافية على الخيارات السياسية تجاه حركة التحرر. كما أنها تُظهر حدود ذلك التأثير وتفوق العامل الطبقي في سلوك الفئات الاجتماعية المختلفة. فالموظف الكبير أو المثقف المندمج والمستلب assimilated – وكلاهما يتسم بأنه متغربن ثقافياً بشكل تام culturally alienated – يلتقيان في الموقف السياسي مع الزعيم التقليدي أو الزعيم الديني الذي لم يتعرض لأي تأثير ثقافي أجنبي، فتلك الفئتان تضعان امتيازاتهما الاقتصادية والاجتماعية – أي مصلحتهما الطبقية – فوق كل اعتبار وبالضد من تطلعات الشعب. إن تلك حقيقةٌ لا يمكن لحركة التحرر تجاهلها نظراً لخطر خيانة أهداف النضال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
نحو صياغة تعريف للثقافة القومية
إن حركة التحرر، ودون أن تقلل من شأن الاسهامات الإيجابية التي قد تقدمها الطبقات والشرائح الغنية للنضال على المستوى السياسي، يجب أن تبني عملها في المستوى الثقافي على الثقافة الشعبية المنتشرة، وذلك بغض النظر عن مدى تنوع المستويات الثقافية في البلاد. إن تحدي الهيمنة الاستعمارية ثقافياً، والذي هو المرحلة الأولى في حركة التحرر، لا يمكن تصوره بشكل فعال إلا على قاعدة الثقافة السائدة بين جمهور العمال في الريف والبلدات، بما في ذلك "البرجوازية الصغيرة" القومية (الثورية) التي تمت إعادة أفرَقَتها أو التي هي في طور الهداية الثقافية. وأياً كانت درجة التعقيد في هذا المشهد الثقافي في القاعدة، فإن على حركة التحرر أن تكون قادرة على التمييز بين ما هو أساسي وما هو ثانوي، بين ما هو إيجابي وما هو سلبي، بين ما هو تقدمي وما هو رجعي، وذلك بغية توصيف الخط الرئيسي في التعريف التقدمي للثقافة القومية.
وكي تمارس الثقافة دورها الهام الملقى على عاتقها في إطار تطوير حركة التحرر فإن الأخيرة مطالبة بأن تحمي القيم الثقافية الإيجابية لكل جماعة اجتماعية واضحة المعالم ومن جميع الفئات، وهي مطالبة أيضاً بتحقيق التقاء تلك الروافد القِيَمية في تيار الكفاح وإعطائها بعداً جديداً: البعد القومي. وأمام ضرورة كهذه فإن النضال التحرري هو قبل كل شيء نضال من أجل بقاء وحماية قيم الشعب الثقافية ونضال في سبيل تحقيق انسجام وتطور تلك القيم في إطار قومي.
إن الوحدة السياسية والمعنوية لحركة التحرر وللشعب الذي تمثله وتقوده هذه الحركة تفترض ضمناً تحقيق الوحدة الثقافية لجميع الفئات الاجتماعية الحاسمة في الكفاح. وهذه الوحدة تتحق من جهة بالاندماج التام بين حركة التحرر وحقائق بيئتها ومشاكل الشعب وتطلعاته الأساسية، ومن الجهة الأخرى بالتحديد الثقافي التقدمي لمختلف الفئات الاجتماعية المساهمة في النضال. وتلك العملية الأخيرة عليها أن تحقق الانسجام بين المصالح المختلفة وحل التناقضات وتعيين الأهداف المشتركة في السعي نحو الحرية والتقدم. وإذا ما وعت شريحة واسعة من السكان تلك الأهداف وأظهرت وعيها هذا بعزم أمام كل الصعاب ورغم كل التضحيات فإننا نكون قد حققنا نصراً سياسياً ومعنوياً كبيراً، وبنفس الدرجة نكون قد حققنا إنجازاً ثقافياً حاسماً لصالح نمو ونجاح حركة التحرر.
الإفلاس الثقافي للاستعمار
كلما كان الفرق أكبر بين ثقافة الشعب المهيمَن عليه وثقافة المضطهِد كلما كانت إمكانية تحقيق ذلك النصر أكبر، حيث يرينا التاريخ أنه من الأسهل تحقيق الهيمنة على شعب ما وإدامة تلك الهيمنة إذا كانت ثقافة ذلك الشعب شبيهة أو مماثلة لثقافة المحتل. وربما جاز الجزم بأن فشل نابليون، أياً كانت الدوافع الاقتصادية والسياسية لغزواته، يكمن في أنه لم تكن لديه الحكمة (أو القدرة) للحد من طموحاته والاكتفاء بالهيمنة على تلك الشعوب ذات الثقافات الشبيهة بالثقافة الفرنسية. ويمكننا تعميم ذلك على الامبراطوريات القديمة والحديثة أو المعاصرة.
إن إحدى أكبر الأخطاء التي اقترفتها القوى الاستعمارية – إن لم تكن أكبرها على الإطلاق – قد تكون في أن تلك القوى قد تجاهلت أو استخفت بالقوة الثقافية للشعوب الإفريقية، وهذا يظهر بشكل جلي في الهيمنة الاستعمارية البرتغالية بالذات والتي لم تكتف بالإنكار القاطع لوجود قيم ثقافية لدى الإفريقي ولكونه كائناً اجتماعياً، بل واصلت منعه عن أية نشاطات سياسية. إن الشعب البرتغالي الذي لم يتمتع حتى بالثروات المنهوبة من شعوب إفريقيا – لكن ذو الغالبية التي تتمثل العقلية الامبراطورية للطبقات الحاكمة – يدفع اليوم ثمناً باهظاً في ثلاثة حروب استعمارية لاقترافه خطأ الاستخفاف بواقعنا الثقافي.
إن المقاومة السياسية والمسلحة لشعوب المستعمرات البرتغالية، كما في بقية بلدان وأقاليم إفريقيا، قد تم قهرها بالاعتماد على التفوق التكنولوجي الذي يتمتع به المحتل الامبريالي وتواطؤ أو خيانة بعض الطبقات الحاكمة المحلية، حيث إن الطبقات العليا التي ظلت مخلصة لتاريخ وثقافة شعبها قد تم تدميرها وتمت إبادة قطاعات كاملة من السكان. لقد تم نصب المملكة الاستعمارية بكل ما يعنيه ذلك من جرائم واستغلال. إلا أن المقاومة الثقافية للشعب الإفريقي لم تتحطم، فبالرغم من أنها قُمعت واضطُهِدت وتمت خيانتها من قبل فئات اجتماعية معينة هادنت الاستعمار إلا أنها صمدت بوجه العواصف، حيث احتمت بالقرى وبالغابات وبروح الأجيال المتعاقبة لضحايا الاستعمار. وكما في حالة البذرة التي تنتظر الظروف الملائمة لتنبت كي تحفظ بقاء النوع وتطوره فإن ثقافة الشعوب الإفريقية تزدهر مرة أخرى اليوم على مستوى القارة في ظل نضالات التحرر القومي. وأياً كانت أشكال هذه النضالات، ونجاحاتها وإخفاقاتها والوقت اللازم لتطورها، فإنها ترسم بداية حقبة جديدة في تاريخ القارة، كما تمثل في الشكل والمضمون العامل الثقافي الأبرز في حياة الشعب الإفريقي. وكنتيجة للقوة الثقافية ودليل عليها، فإن نضال شعوب إفريقيا التحرري يفتح آفاقاً جديدة لتطور الثقافة خدمةً للتقدم.
غنى إفريقيا الثقافي
لقد ولى الزمن الذي كنا فيه بحاجة للمحاججة وإثبات نضج الشعوب الإفريقية الثقافي. فاللاعقلانية التي تتصف بها النظريات العنصرية لغوبينو وليفي برول لم تعد تقنع ولا تهم أحداً سوى العنصريين. فبالرغم من الهيمنة الاستعمارية (أو ربما بسببها) تمكنت إفريقيا من فرض الاحترام لقيمها الثقافية، وأظهرت نفسها كإحدى أغنى القارات بتلك القيم. فمن قرطاج أو الجيزة إلى زيمبابوي، ومن مروي إلى بينين وإيفي، ومن الصحراء أو تمباكتو إلى كلوة، وعبر اتساع وتنوع الظروف الطبيعية في القارة باتت ثقافة الشعوب الإفريقية حقيقة غير قابلة للنكران، في الأعمال الفنية مثلما في التقاليد الشفهية والمكتوبة، وفي علم أصل الكون مثلما في الموسيقى والرقص، وفي العقائد والأديان مثلما في التوازن الديناميكي للبنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أبدعها الانسان الإفريقي.
ومع أن القيمة العالمية للثقافة الإفريقية اليوم لا جدال فيها إلا أنه حري بنا ألا ننسى أن الإنسان الإفريقي – الذي "وضعت يداه حجر أساس العالم" على حد قول الشاعر – قد طور ثقافته على الأغلب، إن لم يكن على الدوام، في ظروف غير ملائمة، من الصحاري إلى الغابات الاستوائية، ومن المستنقعات الساحلية إلى ضفاف الأنهر العظيمة التي كثيراً ما تكون عرضة للفيضانات، بالرغم من كل الصعاب وبمواجهتها، بما في ذلك الكوارث التي تدمر الانسان وليس فقط النبات والحيوان. إننا نتفق مع بازل ديفيدسون وغيره من دارسي المجتمعات والثقافات الإفريقية في أنه بإمكاننا القول بأن الانجازات التي حققتها العبقرية الإفريقية على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية وفي ظل الظروف غير المؤاتية للبيئة المحيطة يجب أن تسجل من بين الأمثلة التاريخية الأبرز لعظمة الإنسان.
ديناميكية الثقافة
من الواضح أن تلك الحقيقة تمثل مصدراً للفخر وحافزاً لكل أولئك المناضلين في سبيل حرية وتقدم الشعوب الإفريقية، إلا أنه يجب ألا نغفل حقيقة أنه لا توجد ثقافة مثالية، كاملة متكاملة. فالثقافة، كما التاريخ، هي بالضرورة ظاهرة تتوسع وتتطور باستمرار، والأهم هو الأخذ بعين الاعتبار أن السمة الأساسية للثقافة هي ارتباطها الوثيق، المشروط والمتبادل، بواقع بيئتها الاقتصادي والاجتماعي وبمستوى قوى الانتاج ونمط الانتاج الذي بنته تلك القوى.
إن الثقافة كثمرة للتاريخ تعكس دائماً واقع المجتمع المادي والروحي، واقع الإنسان-الفرد والإنسان-الكائن الاجتماعي بمواجهة الصراعات التي تفرضها الطبيعة وأساسيات الحياة. وعليه، فإن أية ثقافة تحوي عناصر أساسية وأخرى ثانوية، أوجه قوة وأوجه ضعف، فضائل ونقائص، جوانب إيجابية وأخرى سلبية، كما تحوي عوامل للتقدم وأخرى للجمود أو للتراجع. ويتبع ذلك أيضاً أن الثقافة – باعتبارها من إبداعات المجتمع وتخليق يصوغه لما ينتج عن الضوابط والموازين لحل الصراعات التي تسم كل حقبة من تاريخه – هي واقع اجتماعي مستقل عن رغبات الإنسان أو لون بشرته أو شكل عينيه.
وبتحليل معمق للواقع الثقافي تزول الفرضيات القائلة بإمكان وجود ثقافة قارّية أو عرقية، فالثقافة – كما التاريخ – تتطور بشكل متفاوت على مستوى القارة أو مستوى العرق بل وحتى على مستوى المجتمع الواحد. فإحداثيات الثقافة، وكأي ظاهرة متواصلة التطور، تختلف في الزمان والمكان، سواء كانت تلك الإحداثيات مادية (ملموسة) أو إنسانية (بيولوجية واجتماعية). إن إدراك حقيقة وجود سمات مشتركة وخاصة في ثقافات الشعوب الإفريقية، بمعزل عن لون البشرة، لا يعني بالضرورة وجود ثقافة واحدة فقط في القارة، فكما أن هناك تشكيلات متعددة في إفريقيا من الزاوية الاقتصادية والسياسية، فهناك أيضاً ثقافات إفريقية متعددة.
مما لا شك فيه أن الاستخفاف بالقيم الثقافية لشعوب إفريقيا انطلاقاً من مشاعر عنصرية وبغرض تأبيد الاستغلال الأجنبي قد ألحق ضرراً كبيراً بإفريقيا، إلا أن الحاجة الحيوية للتقدم تجعل الممارسات التالية ضارةً بنفس القدر: التمجيد الأعمى، التمجيد الممنهج للقيم الثقافية دون إدانة أوجه الخلل، القبول الأعمى بقيم الثقافة دون الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يكون أو يحتمل أن يكون سلبياً أو رجعياً أو متردياً، الخلط بين ما هو انعكاس لهدف ما ولواقع تاريخي مادي مع ما هو ابتداع روحي أو ناتج عن طبيعة خاصة، الربط السخيف بين الإبداعات الفنية والسمات العنصرية المفترضة (سواء كان الربط صحيحاً أو غير صحيح)، وأخيراً التقييم النقدي اللاعلمي للظاهرة الثقافية.
إن المهم هنا هو ألا نضيع الوقت في جدالات لا طائل منها حول خصوصية القيم الثقافية الإفريقية من عدمها، بل أن ننظر إلى تلك القيم على أنها مكسب حققه جزء من البشر ليضاف إلى الإرث الإنساني الكبير، مكسب تحقق في فترات مختلفة من التطور. إنه لمن المهم الشروع في التحليل النقدي للثقافات الإفريقية في ضوء حركة التحرر ومتطلبات التقدم، أي في ضوء المرحلة الجديدة من تاريخ إفريقيا. إننا قد نكون مدركين لقيمة تلك الثقافات في إطار الحضارة العالمية، لكن من المهم مقارنتها ببقية الثقافات، ليس من أجل تحديد تفوقها أو دونيتها، بل لتحديد ما أسهمت به الثقافة الإفريقية وما الذي يجب أن تسهم به وما الاسهامات التي تستطيع أو يتوجب قبولها، وذلك كله في الإطار العام للنضال والتقدم.
ويتوجب على حركة التحرر كما أسلفنا أن تؤسس عملها على معرفة عميقة بثقافة الشعب، وأن تكون قادرة على تقييم عناصرها تقييماً صحيحاً، وكذلك تقييم المستويات الثقافية المختلفة التي وصلتها كل فئة اجتماعية. ويتوجب عليها أيضاً أن تمتلك القدرة، في الإطار الشامل لقيم الشعب الثقافية، على تمييز الأساسي من الثانوي والإيجابي من السلبي والتقدمي من الرجعي ونقاط القوة من نقاط الضعف. إن تلك ضرورة تفرضها متطلبات النضال كي يمكن تأسيس العمل على الأساسي دون نسيان الثانوي، وكي يدفع النضال بتطوير العناصر الإيجابية والتقدمية، ويكافح – برفق لكن بصرامة – العناصر السلبية والرجعية، فيخلص بالنهاية إلى الاستخدام الفعال لكل عناصر القوة ويتخلص من عناصر الضعف أو يحولها إلى عناصر قوة.
الثقافة القومية كشرط لتطور النضال
كلما زاد وعي الفرد بأن الهدف الرئيس لحركة التحرر يتعدى إحراز الاستقلال السياسي ليرتقي إلى مستوى التحرر الكامل لقوى الإنتاج وبناء التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للشعب، كلما زادت الحاجة إلى الشروع بعملية تحليل انتقائي لقيم الثقافة في إطار النضال. فالقيم الثقافية السلبية غالباً ما تعيق تطور النضال وتحقيق التقدم. والحاجة لهذا التحليل تصبح أكثر إلحاحاً عندما تجد حركة التحرر نفسها إزاء مواجهة العنف الاستعماري بحاجة لتعبئة الناس وتنظيمهم بقيادة منظمة سياسية منضبطة وقوية بغرض اللجوء إلى العنف التحرري: أي الكفاح المسلح من أجل التحرر القومي.
من هذا المنظور تصبح حركة التحرر مطالبة بأن تتخطى التحليل المذكور أعلاه لتتوصل – خطوةً خطوة لكن بثبات – إلى تحقيق تلاقٍ بين المستويات الثقافية لمختلف الفئات الاجتماعية الجاهزة للنضال، وذلك مع تطور عملها السياسي. كما يتوجب على حركة التحرر أن تكون قادرة على تحويل تلك المستويات المختلفة إلى القوة الثقافية القومية التي تشكل قاعدة تطوير الكفاح المسلح وأحد شروطه. إنه من الضروري أن نلاحظ أن تحليل الواقع الثقافي يعطينا مؤشراً على مكامن القوة والضعف في الشعب تجاه متطلبات النضال، ما يعد مكسباً قيّماً فيما يخص الاستراتيجية والتكتيكات الواجب اتباعها على المستويين السياسي والعسكري. إلا أن تعقيدات القضايا الثقافية لا تأخذ مداها الأقصى إلا في ظل النضال وقضيته وبالاستناد على قاعدة مُرْضية من الوحدة السياسية والمعنوية، وهذا يتطلب عادةً تعديلات متلاحقة للاستراتيجية والتكتيكات لتتكيف مع الحقائق التي لا يظهرها سوى النضال. إن تجارب النضال تظهر لنا مدى سخف وطوباوية تلك المحاولات الساعية إلى تطبيق برامج وحلول صاغتها ووضعتها شعوب أخرى خلال مسيرة نضالها التحرري لتجيب على القضايا التي واجهتها أو تواجها، دون أخذ الحقائق المحلية بعين الاعتبار (وبالأخص الواقع الثقافي).
ويمكن القول بأنه عند بدء الكفاح وأياً كان مستوى الإعداد فإن قيادة حركة التحرر وعموم المناضلين والشعب لا يكون لديهم إدراك واضح لثقل تأثير القيم الثقافية على تطور الكفاح، فلا يدركون ما الامكانات التي تخلقها ولا الحدود التي تفرضها ولا كم وكيف تعتبر الثقافة منبعاً لا ينضب للشجاعة والامداد المادي والمعنوي ومنبعاً للطاقات الروحية والجسدية، مما يؤهل الناس لقبول التضحيات بل ويؤهلهم لاجتراح "المعجزات". لكن في ذات الوقت، وفي بعض النواحي، فإنهم لا يدركون أنها مصدر للعقبات والصعاب وللتصورات الخاطئة عن الواقع، ومصدر للانحرافات في تأدية الواجبات والحد من فعالية ووتيرة النضال إزاء متطلبات الحرب السياسية والتقنية والعلمية.
الكفاح المسلح: أداة للوحدة والتقدم الثقافي
إن الكفاح المسلح للتحرير والذي انطلق كرد على عدوان المعتدي الاستعماري هو وسيلة مؤلمة لكنها فعالة لتطوير المستوى الثقافي للشريحة القيادية في حركة التحرر ولسائر الفئات الاجتماعية المشاركة في الكفاح.
فقادة حركة التحرر الآتون من "البرجوازية الصغيرة" (مثقفون وموظفون) أو من خلفيات عمالية من البلدات (عمال وسائقون، العمال المأجورون عموماً) والمضطرون للعيش يوماً بعد يوم مع مختلف شرائح الفلاحين وبين جموع أهالي الريف يصبحون أكثر معرفة بالناس. فيكتشفون – وهم في المنبع – غنى القيم الثقافية (الفلسفية والسياسية والفنية والاجتماعية والأخلاقية)، ويكتسبون وعياً أوضح بالحقائق الاقتصادية للبلاد وبالصعاب والمآسي والتطلعات التي يحملها عموم الناس. كما يدركون – ببعض الاندهاش – غنى الروح والقدرة على المحاججة والتعبير الواضح عن الأفكار وسهولة فهم وتمثل المفاهيم عند الأهالي الذين كانوا حتى الأمس القريب منسيين إن لم يكونوا محتَقَرين وينظر إليهم كغير كفوئين من قبل المستعمر، بل ومن قبل بعض أبناء البلد. وهكذا يثري القادة ثقافتهم، إنهم يصقلون فكرهم ويحررون أنفسهم من العقد ويقوون قدرتهم على خدمة الحركة التي تخدم بدورها الناس.
وفي الجهة الأخرى، جمهور العمال والفلاحين – وبالأخص الفلاحين – الأميون في عمومهم، والذين لم يغادروا حدود القرية أو المقاطعة، وبسبب مخالطتهم الفئات الاجتماعية الأخرى، يبدؤون بالتخلص من العقد التي تقيد علاقاتهم بالجماعات العرقية والاجتماعية الأخرى. إنهم يعون وضعهم كعنصر حاسم في الكفاح، ويكسرون قيود عالم القرية ليندمجوا بالبلاد وبالعالم ويكتسبون معرفة جديدة لا متناهية تفيدهم في نشاطاتهم الحالية والمستقبلية في إطار الكفاح، ويقوون وعيهم السياسي بتشربهم مبادئ الثورة القومية والاجتماعية التي طرحها النضال. وهكذا يصبحون أكثر قدرة على لعب الدور الحاسم باعتبارهم القوة الرئيسية في حركة التحرير.
كما نعلم فإن كفاح التحرير المسلح يتطلب تعبئة وتنظيم غالبية وازنة من السكان، كما يتطلب الوحدة السياسية والمعنوية لمختلف الفئات الاجتماعية، وكذلك الاستخدام الكفؤ للأسلحة الحديثة وأدوات الحرب الأخرى، والتخلص التدريجي من بقايا العقلية العشائرية ورفض القواعد والمحرمات الاجتماعية والدينية التي تقف بالضد من تقدم النضال (كحكم كبار السن gerontocracy والمحسوبيات والتحقير الاجتماعي للمرأة والطقوس والممارسات التي لا تتفق والطبيعة القومية والعقلانية للنضال… إلخ). إن النضال يحدث تغييرات عميقة أخرى في حياة الأهالي. ولذلك فإن كفاح التحرير المسلح يفترض زحفاً حقيقياً وإجبارياً في طريق التقدم الثقافي.
وإلى تلك السمات المتأصلة في كفاح التحرير المسلح يتوجب علينا أن نضيف التالي: الممارسة الديمقراطية، النقد والنقد الذاتي، المسؤولية المتزايدة على الأهالي في إدارة شؤون حياتهم، تعليم مبادئ القراءة والكتابة، بناء المدارس والمراكز الصحية، تدريب الكوادر الآتين من خلفيات فلاحية وعمالية، وغيرها من الإنجازات. وهكذا نرى أن كفاح التحرير المسلح ليس فقط ثمرة للثقافة وإنما عامل من عواملها أيضاً. إن هذا بلا أدنى شك تعويض رئيسي للشعب عن مجهوداته وتضحياته التي قدمها ثمناً للحرب. ومن هذا المنظور يتعين على حركة التحرير أن تحدد بوضوح أهداف المقاومة الثقافية كجزء حاسم لا يتجزأ من النضال.أهداف المقاومة الثقافية
مما تقدم يمكن استنتاج أنه وفي إطار السعي لإحراز الاستقلال القومي ومن منظور تحقيق تقدم الشعب الاقتصادي والاجتماعي فإن تلك الأهداف وفي الحد الأدنى يجب أن تكون:
تطوير ثقافة شعبية وتطوير القيم الثقافية الإيجابية المحلية
تطوير ثقافة قومية بالاستناد على التاريخ وعلى انتصارات النضال نفسه
الارتقاء المستمر بوعي الشعب (بجميع فئاته الاجتماعية) السياسي والأخلاقي وبالوطنية وروح التضحية والتفاني لقضية الاستقلال والعدالة والتقدم
تطوير الثقافة العلمية الفنية والتكنولوجية المتوافقة مع متطلبات التقدم
تطوير ثقافة عالمية بالاعتماد على الاستيعاب النقدي لمكتسبات البشرية في مجالات الفن والعلوم والأدب… إلخ وذلك بهدف الاندماج في العالم المعاصر وفي آفاق ارتقائه
النهوض المتواصل والمعمم لمشاعر الإنسانية والتضامن والاحترام والإخلاص الصادق للإنسان
إن تحقيق تلك الأهداف لهو أمر ممكن في الحقيقة، ذلك أن كفاح التحرير المسلح وبالنظر للظروف الخاصة التي تحياها الشعوب الإفريقية بمواجهة التحدي الامبريالي هو عملٌ يجعل التاريخ يؤتي ثماره، إنه أسمى تعبير عن ثقافتنا وعن إفريقيتنا. ويتوجب ترجمة ذلك في لحظة الانتصار إلى قفزة كبرى للأمام في ثقافة أولئك الذين يقومون بتحرير أنفسهم.
وما لم يحدث ذلك فإن كل المجهودات والتضحيات التي قُدمت في مسيرة النضال تكون قد ذهبت سدى، هذا سيعني أن النضال فشل في تحقيق أهدافه وأن الشعب قد خسر فرصة للتقدم في إطار التاريخ.
إننا عندما نحيي ذكرى الدكتور إدواردو موندلين في هذه المراسم فإننا نعبر عن إجلالنا لرجل السياسة وللمناضل من أجل الحرية، لكن بالأخص لرجل الثقافة. وتلك لم تكن ثقافة تم اكتسابها من التجارب الشخصية ومن مدرجات الجامعة فقط، بل تم اكتسابها بصورة أساسية من بين جموع الشعب وفي إطار نضال هذا الشعب للتحرر.
يمكننا القول أن إدواردو موندلين قد تم اغتياله بوحشية لأنه كان قادراً على معرفة ثقافة شعبه وتطلعاتهم الأكثر عمقاً بالرغم من كل المحاولات والإغراءات لغربنة شخصيته كإفريقي وكموزمبيقي. لقد قضى كمقاتل لأنه صاغ ثقافة جديدة في النضال. إنه من إنه من السهل جداً أن نتهم الاستعماريين البرتغاليين وحلفائهم من عملاء الامبريالية بالجريمة الفظيعة التي اقترفت ضد شخص إدواردو موندلين وضد شعب موزمبيق وضد إفريقيا، فقد كانوا هم من اغتاله بتلك الطريقة الجبانة. إلا أنه من الواجب على كل رجال الثقافة والمناضلين من أجل الحرية وكل الأرواح التواقة للسلام والتقدم وعلى كل أعداء الاستعمار والعنصرية التحلي بالشجاعة في تحمل جزء من المسؤولية التي تفرضها تلك الوفاة الأليمة. فلو كان الاستعماريون البرتغاليون وعملاء الامبريالية قادرين على قتل أمثال الدكتور إدواردو موندلين والإفلات من العقاب فذلك لأن شيئاً عفناً يواصل تعفنه في قلب البشرية: إنه الهيمنة الامبريالية، لأن أصحاب الضمائر والمدافعين عن ثقافة الشعوب لم ينجزوا واجبهم على هذا الكوكب.
وبرأينا فإن هذا يدلل على حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الجمهور المتواجد في هذا المحفل الثقافي إزاء حركة تحرير الشعوب المقهورة.
أميلكار كابرال
(*) النص هو محاضرة ألقاها كابرال في جامعة سيراكيوز بنيويورك (برنامج الدراسات الشرق إفريقية) بتاريخ 20 شباط / فبراير 1970 في ذكرى إدواردو موندلين. وقد ترجم النص محمد الحسن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أميلكار كابرال Amílcar Lopes da Costa Cabral (أيلول / سبتمبر 1924 – 20 كانون الثاني / يناير 1973). يقول حلمي شعراوي المفكر والمناضل العربي من مصر، أن كابرال هو "الزعيم المؤسس لحركة تحرير غينيا بيساو والرأس الأخضر بقيادة حزبه الشجاع الحزب الأفريقى لاستقلال غينيا والرأس الأخضر / PAIGC ، وأقول الشجاع تحديدا لأنه الحزب الذى أعلن بقيادة كابرال الاستقلال من جانب واحد ضد البرتغاليين وسلطة حلف شكال الأطلسي / ناتو التى ساندتهم طويلا وبقوة في استمرار احتلالهم المتخلف في المستعمرات البرتغالية، وكان ذلك في 20 كانون الثاني / يناير عام 1973. وحين كان "كابرال" في طريقه للأراضى المحررة ليعلن الاستقلال من هناك ، وإذ بالإستعماريين والخونة معهم يحرمونه من القيام بذلك بشخصه، فيجرى اغتياله على حدود بلاده في 20 يناير 1973، لكن الحدث يظل يهدد البرتغال وحلف شمال الأطلسي حتى يسقط الطاغية سالازار في ربيع 1975 ، ويعلن استقلال غينيا والرأس الأخضر في يوليو من نفس العام ، ويدفن كابرال في غينيا بيساو منقولا من كوناكرى".