فشل “الناتو العربي” أم خرافات عرب “الناتو”؟

فشل “الناتو العربي” أم خرافات عرب “الناتو”؟

فلسطين المحتلة : تحالف «حماس» – «الشعبية» يتصدّر “المحلّيات” وتدخّل “إسرائيلي” لترجيح كفّة «فتح»
غسان أبو ستة شاهداً على المذبحة التي يرتكبها “الجيش الإسرائيلي” في قطاع غزة
غزة تُشْهِرُ سيف القدس : “الجحيم الصاروخي” ينتظر “إسرائيل”

يستعيد الإعلام السعودي نوستالجيا “الحل العسكري” ضد إيران، كلما حَدَمَ الفاعلون الأوراسيون الكبار بيادق الشطرنج وقدحوا نيرانها ما بين سواحل اليمن وعمان وفي شبه الجزيرة العربية صعوداً إلى الهضبة الإيرانية. أحدث تعبير عن هذه النوستالجيا “الإستراتيجية”، يمكن أن يكون قد ورد في صحيفة “الشرق الأوسط”، في مقال لكاتب يدعى إميل أمين. كان “يعلق” على إعلان طهران عن نجاح عملية إطلاق القمر الصناعي العسكري “نور1″، على متن الصاروخ “قاصد”.

لا مراء في أن الإعلام منصة الدول والكتَّاب أقلامها، لكي تعبر عن التأييد أو التهديد، بتمرير الرسائل للحلفاء والخصوم. لكن هذا المقال، وما يصدر في الإعلام السعودي مثله، تحديداً، هو أكثر من تهديد. هو رسالة نارية تختزل جوهر مشروع “الناتو العربي”. رسالة جامحة عن طموح بعض الأوساط الحاكمة في المملكة العربية السعودية إلى تأسيس منظومة الأمن الإقليمي من دون إيران،  باستعمال وصفة حربية … بائسة. 

حسب هذه الوصفة، فإن الرئيس الأميركي دونالد “ترامب قد لا يكون في حاجة إلى حرب شاملة ضد التهور الإستراتيجي الإيراني، بل عملية نوعية بحرية، تُذكر بآخر عملية في الحرب العراقية ـ الإيرانية المعروفة بـ Operation Praying Mantis / “عملية فرس النبي”. وكلنا نعلم أن ذلك الاعتداء الأميركي على السفن الإيرانية الذي وقع في 18 نيسان/ أبريل 1988، قد صنف في تاريخ البحرية العسكرية للولايات المتحدة، كـ”واحدة من خمسة عمليات حربية رئيسية نفذتها قواتها بعد الحرب العالمية الثانية”.

ليست “النوستالجيا” الإستراتجية التي “تتخيّل” نهاية أحد المكونات الطبيعية في الإقليم، بسيف “الصداقة السعودية ـ الأميركية”، من اختراع إميل أمين، بقدر ما هي مشروع “الناتو العربي” بذاته. فالمقال، ومثله مئات التصريحات والمقالات والدراسات السعودية، باتت تشبه محاولة تأليف كتاب في قضايا السلم والحرب، يلخص هذه “النوستالجيا” ويبسطها، وربما يوزع تحت عنوان : “دليل الرجل العادي إلى العقيدة الأمنية ـ العسكرية لحلف الناتو العربي”.  

حينما كان في منصب رئيس “وكالة الاستخبارات الدفاعية” الأميركية، في حزيران/ يونيو 2015، حثّ الجنرال مايك فلين السلطات التشريعية الأميركية، على إنشاء ودعم إطار هيكلي عربي شبيه بحلف “الناتو” لمواجهة إيران. وهناك محللون يرون بأن “لوبي” السعودية في واشنطن، كان يساند اقتراح فلين بتأسيس “الناتو العربي”، لأن المملكة باعتبارها من “الخصوم الرئيسيين لإيران” في الإقليم، تعمل على “توجيه أجندة أميركية مناهضة لإيران”. مع العلم بأن “إسرائيل” هي “القوة الرئيسية في ـ ما يسمى ـ الشرق الأوسط المسؤولة” عن توجيه تلك “الأجندة”.

ولكن قبل  فلين الذي طرد من منصبه بسبب كراهيته للإسلام وللمسلمين، كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قد اقترح على قمة حلف شمال الأطلسي في ويلز عام 2014، دعم مشروع إنشاء حلف عسكري من الدول العربية “السنية”، ليكوِّن تحدّياً حقيقياً لطموح إيران، ويوجّه ضد حلفائها في سوريا ولبنان واليمن والعراق وفي فلسطين أيضاً. وقد تم، بالفعل، إنشاء هذا الحلف، الذي سمي بـ”التحالف الأميركي ـ الدولي في سوريا والعراق”.

ويتبين من خطة تقسيم الجمهورية العربية السورية، التي عرضتها مؤسسة راند في عام 2015، أن المقصود بالدول العربية “السنية”، كما قال أوباما، هم عرب “الناتو”، وتحديداً السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، التي أوكل لها مهمة “احتضان العرب السنة في سوريا”. بالإضافة إلى قطر، المغرب، تونس. وقد وفرت هذه الدول، مع تركيا، غطاءً وسنداً عربياً ـ إسلامياً لخطة تقسيم سوريا، التي جهدت إدارة أوباما لتنفيذها مع تلك الدول، لكنها تقهقرت وخابت.

فقد وقعت إدارة أوباما في 14 تموز / يوليو 2014، على الإتفاق النووي مع إيران. وفيه اعتراف بشرعية القوة النووية الإيرانية، رغم أن بنوده تبقي طهران خارج عتبة “النادي النووي” الدولي. لكن الإتفاق، رغم شدة السخط السعودي على إدارة أوباما، أوضح، للمرة المليون وأكثر، أن مكانة دول عرب “الناتو” في بناء ميزان القوى الإقليمي، ضد إيران أو سوريا أو غيرهما، هي مكانة صفرية. كما أن تغير قيمة هذه المكانة، تقررها الولايات المتحدة بحسب مصالحها “الشرق أوسطية”، وأبرزها “إسرائيل”.

لقد منحت إدارة أوباما دول عرب “الناتو” أدواراً معينة بأحجام محددة، خصوصاً في سياق الأقلمة العسكرية “الشرق أوسطية”. وهذا ما يفسر دور هذه الدول، وكذلك تركيا، في حروب التوحش الرأسمالي / الإمبريالي ـ الصهيوني على سوريا وليبيا واليمن والعراق وعلى فلسطين. وهذه المنحة الأميركية تجددت مع مجيء دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، حيث “كان الإعلام الغربي هو المبادر الحقيقي إلى تعميم تسمية “الناتو العربي”، بدلاً من تسمية “الحلف العربي السني” الذي صاغه أوباما.

دعم الرئيس ترامب في خطابه أمام قمة الرياض عام 2017، تأسيس “الناتو العربي” وأمده بزخم جديد. إذ دعا في تلك القمة إلى “بناء شراكة أمنية” ضد “حكومة إيران التي تقوم بتمويل وتسليح وتدريب الإرهابيين والميليشيات المتطرفة التي تنشر الدمار والفوضى في المنطقة. إنها حكومة تتعهد بتدمير إسرائيل والموت لأمريكا”. وأضاف ترامب : “يجب على جميع الدول أن تعمل معاً لعزل إيران”

وبعد عام أعلنت “الإدارة الترامبية” عزمها على إنشاء نسخة عربية من “حلف الناتو” الأورو ـ اميركي، أطلقت عليه مؤقتًا اسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي / MESA“. وتمت دعوة دول عرب “الناتو” لمناقشة مشروع “التحالف” مع ترامب، في سياق التوتر التصاعدي، في حينه، بين طهران وواشنطن.

ووفق إعلان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، فإن أهم توجهات “التحالف” المقترح، كان إقامة درع من أنظمة الدفاع الجوي تحمي دول “التحالف” من الصواريخ الباليستية الإيرانية، ما يُفقد قدرات إيران الصاروخية فعاليتها الاستراتيجية إلى درجة كبيرة، ويشدد الحصار الإقتصادي عليها. كما أكد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج العربي، تيم لاندركينغ، أن الهدف من مشروع “التحالف” هو “التصدي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط”.

تمت صياغة محتوى خطاب ترامب بشأن حلف “الناتو العربي” بالتنسيق مع السعودية واستجابة لمطالبها. لأنه قبل ثلاثة أيام من ذاك الخطاب أمام قمة الرياض، وجدنا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يدعو إلى : “تكثيف الجهود، لبناء مؤسسة أمنية في المنطقة، تستطيع أن تتصدّى لأي تحدّيات قد تظهر”. لم يجاهر الجبير بهوية عدو الحلف العتيد، لكن ترامب كشفها في خطابه، كما رأينا، وحدد هدف “الناتو العربي” ومهمته بالإعداد للحرب الحاسمة ضد إيران.

لا تلحظ “النوستالجيا” الإستراتيجية السعودية أن مشروع حلف “الناتو العربي” قد تداعى. لا ترى أنه في مخاض ولادته، نزلت بـ”الناتو العربي” ثلاث ضربات استراتيجية حاسمة :

الأولى، جاءت من مصر التي أعلن عن “انسحابها” من المشروع، يوم 11 نيسان/ أبريل 2019، “فيما يمثل ضربة لمساعي إدارة الرئيس دونالد ترامب لاحتواء نفوذ إيران”.

الثانية، انطلقت من اليمن. حيث شنت قوات الحكومة اليمنية حملة جوية بالطائرات الحربية المسيرة، على منشآت شركة آرامكو في عمق الأراضي السعودية في بقيق وخريص، يوم 14 أيلول/سبتمبر 2019. ما أوقع باقتصاد المملكة ومصالحها أضراراً مادية واستراتيجية هائلة.

الثالثة، دفعتها رياح المناورات البحرية الكبرى بين إيران وروسيا والصين التي نظمت في شمال المحيط الهندي، ابتداء من يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019. بغية “ترسيخ الأمن وأركانه في المنطقة” حسبما أعلنت القوات البحرية الإيرانية.

لكن ظهور مقال إميل أمين في “الشرق الأوسط”، الآن، بعد كل هذه الضربات، التي تبرهن عن ولادة منظومة أو منظومات الأقلمة العسكرية المضادة للمشروع الأميركي المسمى “الناتو العربي”، ليعني أن مرضى “النوستالجيا” الإستراتيجية في المملكة العربية السعودية، لا زالوا أسرى الحنين إلى أيام “التاريخ القديم” التي شهدت Operation Praying Mantis / “عملية فرس النبي” وغيرها من الحروب والمعارك العدوانية الأميركية.

يعيش هؤلاء المرضى وكل عرب “الناتو” أمثالهم، خارج حركة “التاريخ الجديد”. ولذلك، أوحوا إلى كاتبهم وإعلامهم بالترويج لهذه الوصفة الهزلية والخرافية : “الحل العسكري” مع إيران. لا نعلم إذا كانت الضربة الرابعة التي سددتها إيران والفاعلون الأوراسيون الكبار، يوم أمس، لاستراتيجية العقوبات والحصار الأميركية، عبر المحيطين الهندي والأطلسي، ستشفي هؤلاء المرضى من دائهم المزمن. فحركة الناقلات الإيرانية نحو شواطئ الجمهورية البوليفارية الفنزويلية ربما تكون دواء ناجعاً لهم؟.
ربما؟.

هيئة تحرير موقع الحقول
‏الإثنين‏، 03‏ شوال‏، 1441 الموافق ‏25‏ أيار‏، 2020

Please follow and like us: