البناء
مصرف لبنان ووزير الاقتصاد أمام امتحان جدوى منصّة التسعير ومراقبة أسعار السلع
عودة قطع الطرق على إيقاع كلام السفيرة الأميركيّة عن تحفظات على الحكومة
وزير الداخليّة يكشف عن جهاز خارجيّ يشجّع على الفوضى وتسلّل مسلّحي إدلب
الخطة الموعودة منذ شهرين بتسعير الدولار عبر منصة يشرف عليها مصرف لبنان أبصرت النور أمس، ومعها أعلن وزير الاقتصاد اكتمال ترتيبات تمويل استيراد مئتي سلعة استهلاكية أغلبها مواد غذائية، وفق سعر الـ 3200 ليرة للدولار. بالتوازي مع فرض رقابة على تسعير السلع المستوردة بالدولار المدعوم، ورقابة مشددة على الالتزام بالتسعير، وسيكون كلام حاكم مصرف لبنان ووزير الاقتصاد عن تحوّل نوعيّ في سوق الصرف وفي أسعار السلع الاستهلاكيّة على المحك من يوم الاثنين المقبل، بعدما بلغت الأزمة حداً أدى إلى إقفال المحال التجارية والاستهلاكيات أبوابها، بداعي عدم القدرة على التسعير مع تخطّي الدولار عتبة الـ 7000 ليرة، في السوق السوداء.
هذا التطور في أسعار سوق الصرف بدا مرتبطاً بالمناخات السياسية الهادفة لزيادة الضغوط على الحكومة بعدما كشف المسؤولون الأميركيون الأهداف الحقيقية للضغوط والعقوبات، وربطوها بقبول لبنان خط ترسيم للحدود البحرية يحظى برضا كيان الاحتلال، فجاء كلام صندوق النقد الدولي التشاؤمي جزءاً من حملة التيئيس التي يراد من خلالها تقديم الوجبة المسمومة للترسيم كخيار وحيد للخروج من الأزمة، وكان لافتاً كلام السفيرة الأميركية عن تحفظات على الحكومة، وقابلها تشجيع لمن وصفتهم بالثوار، الذين خرجوا مجدداً لقطع طريق الجنوب خصوصاً، لترجمة رسالة السفيرة الموجهة لجمهور المقاومة، بأن خيارهم الداعم للمقاومة سيكلفهم في ظروف عيشهم المزيد من المتاعب.
الوضع المفتوح على الفوضى بات برنامجاً واضحاً، في ظل المواقف الأميركية المعلنة، والتي ترجمها التزام القيادات المحسوبة على الأميركيين بقرار مقاطعة الحوار في بعبدا، لإبقاء الفرص مفتوحة أمام خيار الفوضى، وقد كشف وزير الداخلية محمد فهمي ما يؤكد ما سبق وتم كشفه عن تقارير فرنسيّة، حول وجود جهاز خارجيّ يموّل ويدير شبكات للتخريب الأمني، ومنها قطع الطرق. وقد كان الفرنسيون أول من حذر من وجود مخطط تركي لتحويل شمال لبنان إلى منطقة نزوح مبرمج لمسلحي إدلب، وهو ما أعاد الحديث عنه وزير الداخلية من دون توجيه الاتهام للأتراك.
مصادر متابعة قالت إن الشهرين المقبلين سيحفلان بالضغوط والتصعيد، لكن على حافة الهاوية، مستبعدة مخاطر بلوغ طريق اللاعودة، سواء في قفزات جنونية لسعر الصرف أو في انتشار الفوضى وتحولها إلى مخاطر أمنية حقيقية، أو في جدية ما يُحكى عن مخاطر اندلاع حرب في المنطقة. وقالت المصادر إن شهر أيلول سيكون هو الشهر الحاسم في رسم وجهة التطورات، نحو الانفجار أو الانفراج، ولذلك يجري أخذ الأمور نحو خيارات تتيح التصعيد نحو الانفجار لكنها تبقي الباب مفتوحاً لتراجع التصعيد نحو الانفراج. ودعت المصادر إلى المسارعة نحو ترتيبات تشكل شبكة أمان بوجه المخاطر، تتمثل بفتح السوق الاستهلاكية بين لبنان وسورية من جهة، وإخراج المشتقات النفطية من فاتورة الدولار عبر الصيغة التي اقترحها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، من جهة موازية، وقالت إن هذين الإجراءين يمنحان الحكومة والشعب قدرة الصمود بحماية سعر معقول لليرة في سوق الصرف بعد تخفيف ضغط فاتورة المشتقات النفطية عن الطلب على الدولار، وبأسعار مقبولة للسلع الاستهلاكية بعد الانفتاح على السوق السورية، وبهذين الإجراءين يمكن وفقاً للمصادر الرهان على الإجراءات الأمنية المطلوبة لمنع الفوضى أن تلقى نتائجها.
وبعد تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، دخلت السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا مجدداً على خط الأزمة في لبنان عبر سلسلة تصاريح استفزازية مهدّدة لبنان بتدخل سافر بالشؤون اللبنانية. ما دفع بمراقبين لوصف تلك التصاريح بإعلان الحرب على لبنان وتحريض على الفتنة الأهلية، مشيرة الى أن “اللبنانيين لا يعانون من سياسة واشنطن بل من عقود من الفساد”، وقالت إن “واشنطن من أكبر الداعمين للبنان بـ750 مليون دولار”. وأشارت شيا في حديثٍ لـ”الحدث” إلى أن واشنطن لديها قلق بالغ من حزب الله في لبنان والذي نصنّفه إرهابياً، وأضافت: “حزب الله بنى دولة داخل الدولة استنزفت لبنان”، ورأت أن “دويلة حزب الله كلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات”. ولفتت إلى أن “مليارات الدولارات ذهبت لدويلة حزب الله بدلاً من الخزينة الحكومية”.
وشددت شيا على أن “قانون “قيصر” ليس موجهاً للبنانيين والاقتصاد اللبناني ولا يستهدف إلا نظام الأسد وداعميه”. ووجهت رسالة الى الحكومة بقولها «إن مطالب اللبنانيين محقة وعلى الحكومة الالتزام بمطالب 17 تشرين».
وعلى وقع الحرب الأميركية الدبلوماسية والسياسية والمالية والاقتصادية على لبنان، شهد الشارع مجدداً تحركات احتجاجية في عدد من المناطق رفضاً لغلاء الأسعار وارتفاع سعر الصرف وتردي الأوضاع الاجتماعية، إلا أن مصادر سياسية وأمنية تربط بين التصعيد الأميركي ضد لبنان وبين التحريك المتعمد في الشارع لاستخدامه لتحقيق أهداف سياسية. ولفتت المصادر لـ»البناء» الى أن «الأحداث المتتالية منذ 17 تشرين الماضي حتى اليوم تثبت التدخل الأميركي الفاضح في الشؤون اللبنانية إن عبر افتعال أزمات مالية بوقف وصول الدولار الى لبنان والضغط على الدولة اللبنانية وتهديد بعض القيادات والأحزاب والشخصيات السياسية أو بالتدخل لحماية موظفين مثل حاكم مصرف لبنان ومنع إقالته وإن بتحريك مجموعات تابعة لها لقطع الطرقات والتعدي على المواطنين والقوى الأمنية وعلى الممتلكات العامة والخاصة». مضيفة أن «الهدف هو دفع لبنان الى مزيد من التدهور الاقتصادي والانزلاق نحو الفوضى الاجتماعية والفتنة لكي يفقد لبنان نقاط قوته وقدرته على المواجهة، وبالتالي دفعه للتنازل في الملفات السيادية لا سيما الحدود البحرية النفطية، وموضوع صفقة القرن، وهذا ما أشار اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس الأول».
وكان عدد من الأشخاص قطعوا أوتوستراد الجية في الاتجاهين، ما تسبب بزحمة سير خانقة، وحصلت مواجهات مع الجيش الذي حاول فتح الطريق تكراراً الى أن تمكّن الجيش عصر أمس من فتحها. ورأى مراقبون بقطع طريق الجية – برجا رسالة سياسية لحزب الله بأن طريق بيروت – الجنوب ليست آمنة ويمكن قطعها في أي وقت، كما تهدف الى استدراج الحزب الى الشارع لفتح الطريق بالقوة وبالتالي الدخول في توترات أمنية ستنعكس على بقية المناطق. وتخوّفت مصادر أمنية من مخطط لفتنة وإراقة دماء وخلق مناخ من الفوضى لاستثماره سياسياً.
كما دخل عدد من المحتجين بالقوة الى مبنى وزارة الشؤون الاجتماعيّة في بدارو، وتوجهوا الى مكتب الوزير رمزي مشرفية الذي لم يكن موجوداً في الوزارة، وطالبوا بمقابلته للاستماع الى مطالبهم، معتبرين “ان الوزارة مقر عام وهي مباحة للجميع، وأنها الوزارة الأهم في هذا الوضع المعيشي السيئ، والوزير لا يقوم بواجباته تجاه المواطنين”.
ولاقى قطع الطرقات سخطاً واسعاً لدى المواطنين ولدى قيادة حركة أمل وحزب الله بحسب معلومات “البناء”، حيث أجرت القيادتان سلسلة اتصالات مع قادة الأجهزة الأمنية لفتح الطرق والإفراج عن آلاف المواطنين الذين علقوا بزحمة السير على الطريق لساعات. وتساءل وزير الصناعة عماد حب الله “هل تسكير طريق صيدا – بيروت يحلّ المشكلة؟ هل اللبنانيّات واللبنانيّون المقيمون جنوبًا ويعملون في بيروت مسؤولون عن الحالة؟”. وأكّد في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّ “التسكير لن يساعد في إيجاد حل، بل بالعكس يؤزّم الوضع أكثر”، مركّزًا على أنّ “الأفضل أن توجّهوا غضبكم ضدّ الّذين سبّبوا الوضع في منظومة الفساد. لا تكونوا مسؤولين عن عذاب الناس”.
ولفتت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ”البناء” الى أن “قطع الطرقات أمام المواطنين لا يعبر عن أسلوب التظاهر المشروع والحضاري ولا يخدم المطالب المشروعة، بل يحرمون اللبنانيين من حق التنقل، ما يؤشر الى أن هؤلاء يأتمرون من جهات خارجية تحركهم وفق أهدافها السياسية”، محذّرة من مخطط للفتنة داعية الأجهزة الأمنية للتحرك فوراً لفتح الطرقات وحماية المواطنين حتى لا يضطر كل مواطن لحماية نفسه”.
واعترض متظاهرون طريق الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري أمام مصرف لبنان في الحمرا. وقد دار حوار بين الحريري والمتظاهرين قبل أن يطلبوا منه المغادرة، مطلقين هتافات مناهضة للرئيس سعد الحريري قائلين “سعد سعد سعد ما تحلم فيها بعد”.
الى ذلك عاد الحديث مجدداً عن احتمال تعديل حكومي يُعيد الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة في إطار تسوية سياسية جديدة، وسط رهانات على حرب إسرائيلية عسكرية على حزب الله في الصيف الحالي لتعديل موازين القوى وفرض التسوية الجديدة بالقوة العسكرية وسط التداول بأسماء جديدة لرئاسة الحكومة كنائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري بعدما طرح اسم سفير لبنان في الأمم المتحدة نواف سلام الأسبوع الماضي. فيما يعول مروّجو هذا الخيار على الكلام الأميركي العالي النبرة ضد لبنان والحكومة. إلا أن أوساطاً سياسية أشارت لـ”البناء” الى أن “الحديث عن استقالة الحكومة غير صحيح وغير وارد في هذه الظروف الراهنة، حيث يقف البلد على شفير الانهيار، كما أن الحكومة ورئيسها ليسا في وارد الاستقالة ولن يتخلوا عن واجبهم الوطني في مواجهة التحديات بل مستمرون بواجباتهم على كافة الصعد لا سيما معالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية مع حسم في ضبط الأمن وإصدار توجيهات حاسمة لقادة الأجهزة الأمنية للتصدي لأي محاولة لإشعال فتن انطلاقاً من بيان الحوار الوطني في بعبدا الذي شكل مظلة وطنية سياسية للحكومة والمسؤولين للقيام بواجباتهم لحماية الوطن”، إلا أن مصادر وزارية تتحدث عن تململ في صفوف بعض الوزراء لجهة البطء في اتخاذ القرارات والتعامل مع الأزمات ومطالب المواطنين بسبب الخلاف بين بعض الوزراء واعتبارات سياسية ومصالح مالية واقتصادية.
وكانت لافتة تغريدة الوزير حب الله التي توجه فيها الى رئيس الحكومة حسان دياب، بالقول: “دولة الرئيس، أرجوك سمّي الأمور بأسمائها وبالأخص من يعرقلون عملنا الحكومي، مُدّعين الحفاظ على البلد، ويختلقون الحجج والبراهين، ويصوّرون الحلول والأرقام، وهم يودون الانقضاض على مقدرات لبنان ويرهنونه للخارج، ويطيرونك انت والحكومة عبر ضرب سعر الليرة، وتأجيج وجع الناس اللي ما بقى فيها”. أضاف: “إننا مسؤولون! وعلينا واجبات تجاه الناس. ونحن منهم ومعهم… سنلاقي المواطنات والمواطنين في قهرهم، وسنجترح الحلول. ولن تكفي بلسمة الجراح التي هي جراحنا… وان لم نستطع فعلينا …”.
وفي موازاة تصريح السفيرة الأميركية في لبنان، برز كلام لمديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، يتلاقى مع المواقف والضغوط الأميركية على لبنان، بقولها “إنه لا يوجد سبب حتى الآن لتوقع حدوث انفراجة للأزمة الاقتصادية في لبنان”. ما فسرته مصادر على أنه تنصل من قبل صندوق النقد من مساعدته للبنان وتماهٍ في الضغط على لبنان، ما يهدد فشل المفاوضات مع الحكومة ويطيح بأموال الصندوق وسيدر معاً. وذكرت المصادر في هذا الاطار بكلام رئيس الحكومة بأن «علينا الاعتماد على أنفسنا».
وعلمت «البناء» أن الحكومة تبذل جهوداً دؤوباً لمعالجة أزمة الدولار، لأن الحكومة تدرك بأن سلاح الدولار سيكون أداة المؤامرة الخارجية الداخلية لإسقاط الحكومة وإسقاط البلد، وتتحدث مصادر عن سيناريو شبيه بـ 17 تشرين الماضي، عبر استخدام الدولار لإشعال الشارع وإسقاط الحكومة لتعميم الفوضى وإدخال لبنان بمزيد من الاستنزاف».
وفي هذا الإطار تواصل الحكومة الضغط على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لدفعه لمعالجة الأزمة كما سبق وأكد رئيس الحكومة بأن سلامة هو المسؤول عن أزمة الدولار وتثبيت سعر الصرف.
ورأس الرئيس حسان دياب في السرايا الحكومية عصر امس، اجتماعاً مالياً حضره ووزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه وسلامة والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وأكد سلامة بعد الاجتماع أن «المصرف أطلق المنصة الإلكترونية التي ستنظم التداول بين الصيارفة على أسعار العملة، وينضم إليها كل الصيارفة المرخصين». وأشار إلى أنه «خلال أول جلسة اليوم، حصل تداول بين بيع وشراء بأكثر من 8 ملايين دولار، بسعر صرف بين 3850 و3900 ليرة»، موضحاً أن «هذه المنصة ستتفعل أكثر، وستكون المرجعية الأساسية للسوق المتعلقة بتبادل الأوراق النقدية، بين العملات الأجنبية بالأخص الدولار، والليرة». وفي ما يتعلق بالسوق السوداء شدّد، على أن «البنك المركزي اللبناني، كما أي بنك مركزي في العالم، لا إمكانية لديه لمقاربة هذه السوق، التي تأخذ دعاية أكثر مما تستأهل، لأن الحركة فيه ضئيلة وغير منظمة».
من جهته، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه، «أننا بصدد تحضير خطة وسيبدأ تنفيذها الأسبوع المقبل، حتى نقلل على المواطن أثر زيادة سعر الصرف، وذلك عبر توسيع لائحة المواد الأساسية الغذائية وغيرها التي ندعمها»، وقال: «سنأخذ فوق الـ 200 سلعة وسندعمها بالسعر نفسه أي 3200 ليرة». أما المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، فأشار إلى أننا «أنشأنا غرفة عمليات لتلقي الشكاوى حول السوق السوداء للدولار وتم توقيف أكثر من 150 صرافاً شرعياً وغير شرعي حتى الآن». وكشف اللواء ابراهيم أننا «سنضع آلية بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد لنتأكد ان المواد المدعومة توزّع ولا تُخزن لأن المطلوب أن يستفيد المواطن من السلة المدعومة من وزارة الاقتصاد وحاكمية مصرف لبنان وعملنا مراقبة هذا الموضوع».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
الدولار يخنق البلد.. ونقص الغذاء يهدّد بالعصيان المدني!
وزيران يلوِّحان بالاستقالة.. ورئيسة الصندوق: لا تقدّم بالمفاوضات مع لبنان
… وفي اليوم التالي لنداء لقاء بعبدا، بدا الوضع قاتماً، على وقع تصريحات أميركية، على لسان السفيرة التي تطمح إلى دور أكبر من أدوار سابقيها، عن الاعراب عن قلق بلادها، التي تدعم لبنان بـ735 مليون دولار، من ان دولة حزب الله (والمصنف ارهابياً بتعبير السفيرة) كلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات، التي ذهبت لدويلة حزب الله، بدل الخزينة الحكومية، الأمر الذي لفت مراقبون إلى أنه جاء في مجرى الاشتباك الدائر، قبل قانون قيصر وخلال تطبيقه، وربما بعد ذلك، مما ينعكس انهيارات مالية متلاحقة، وتوترات، يحذر خبراء من ان تحتدم، فتشتعل، فتؤدي إلى انهيارات أمنية واجتماعية، تأخذ ابعاداً مختلفة، في مسار تصاعدي، يحركه معيشياً هستيريا ارتفاع الدولار (7،300 ليرة بعد ظهر امس)، بصرف النظر عن اللعب بالوقت الضائع، تارة بغرف عمليات، وتارة أخرى بمنصات الكترونية، في مصرف لبنان أو السراي الحكومي.
وبقدر ما كان سعر صرف الليرة، بمعزل عن حجم العمليات في السوق السوداء، إذ لا دولارات للمواطن التي تلح عليه الحاجة للتعامل بالدولار، على مستوى مائة دولار أو أقل يسابق النجوم ارتفاعاً (بين 7500 و8000 ليرة لبنانية) كانت الحركة الاحتجاجية تتسع لتشمل أقضية الجنوب، وبلداته الكبرى، واقضية جبل لبنان والطرق الدولية، التي تربط المحافظات بالعاصمة، امتداداً إلى نقاط التحرّك التقليدي في بيروت، وطرابلس وصيدا وغيرها، مع دخول الحراكيين إلى عدد من الوزارات كالشؤون الاجتماعية والاقتصاد، اعتراضاً على تخليها عن دورها في لجم الأسعار ومواجهة الاحتكار.. ونقص المواد الغذائية وإغلاق محلات وملاحم، مما يُهدّد المواطن بتوفير السلع اليومية الغذائية والخدماتية، كالمازوت والبنزين والكهرباء.. مما يُهدّد بالعصيان المدني..
ومن موقعين مختلفين، لوح كل من وزير الداخلية محمّد فهمي بالاستقالة إذا مورست ضغوطات عليه، في ما خصّ تعيين قائد للشرطة القضائية، وكذلك وزير الصناعة عماد حب الله، إذا وجد ان عمل الحكومة يراوح، وهو سيقول ما يجب ان يقول لتصحيح المسار، ولو اضطره الأمر في النهاية إلى الاستقالة.
المنصة الاكترونية
وبالتزامن مع انطلاق العمل بالمنصة الالكترونية لعمليات الصرافة امس للتداول في العملات بين الدولار الاميركي والليرة اللبنانية لدى الصرافين عبر التطبيق الالكتروني المسمى «Sayrafa». وكان تداول الاسعار اليوم بحدود 3850 – 3900 ليرة للدولار الواحد. وقد تأمنت السيولة على هذه الاسعار وجرت العمليات على أساسها، على ان يبقى سعر الصرف الرسمي في المصارف على 1515 ليرة لبنانية مقابل الدولار. امّا الاسعار، التي يتم تداولها عبر الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بما يُسمى السوق السوداء، فلا علاقة لمصرف لبنان بها ولا مسؤولية عليه. وبكل الاحوال فإن حجم المبالغ المتداولة عبرها ضئيل.
وكشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة انه خلال أول جلسة أمس للمنصة الالكترونية جرى التداول ببيع وشراء بـ8 ملايين دولار.. مؤكداً انه سيتم تفعيل المنصة أكثر، وستكون المرجعية الأساسية في السوق المتعلق بتبادل العمليات الأجنبية ويمكن للمصارف الانضمام إلى المنصة وسعر الصرف لديهم يبقى 1515.
إجراءات بحماية أمنية
وعلى هذا الصعيد، كشف اللواء إبراهيم بعد اجتماع السراي عن توقيف أكثر من 150 صرّافآً شرعياً وغير شرعي، وأن دوراً للأمن العام سيكون في ما خص السلة الغذائية.. وسيكون هناك دوريات لحماية المستهلك، للتأكد من ان السوبر ماركات تتقيد بالأسعار.. كاشفاً انه سيتم وضع آلية مع وزارة الاقتصاد للتأكد من ان المحال لا تخزن المواد التي تتشكل منها السلة الغذائية، التي أعلن عنها وزير الاقتصاد، وعددها 200 سلعة بسعر 300 ليرة لبنانية.
وفي أوّل موقف من نوعه، لا يوحي بإمكانية التجاوب مع طلبات لبنان، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أمس أنها ليست لديها أي سبب حتى الآن لتوقع تحقيق تقدم في المفاوضات مع لبنان الرامية إلى المساعدة في حل أزمة البلاد الاقتصادية.
وقالت جورجيفا خلال مناسبة نظمتها رويترز عبر «الإنترنت» إن مسؤولي صندوق النقد الدولي ما زالوا يعملون مع لبنان، لكن لم يتضح ما إذا كان من الممكن أن تتوحد قيادات البلاد والأطراف الفاعلة والمجتمع حول الإصلاحات الضرورية لتحقيق استقرار اقتصادها والعودة إلى مسار النمو.
وانحسرت الآمال في اتفاق للتعافي السريع مع صندوق النقد بسبب خلاف بين الحكومة والمصرف المركزي بشأن حجم الخسائر في النظام المصرفي. وفي الوقت نفسه، لا تزال المخاوف قائمة بشأن التزام حكومة رئيس الوزراء حسان دياب بتنفيذ الإصلاحات.
وقالت جورجيفا: «جوهر القضية هو ما إذا كان من الممكن أن تكون هناك وحدة للهدف في البلاد يمكن بالتالي أن تدفع للأمام صوب تطبيق مجموعة من الإصلاحات الشديدة الصعوبة لكنها ضرورية…كل ما يمكنني قوله هو أننا نضع أنسب الأشخاص لدينا للعمل مع لبنان، لكننا حتى الآن لسنا لدينا أي سبب للقول إن هناك تقدم».
وقالت جورجيفا الوضع في لبنان «يفطر قلبي» لأن البلد له ثقافة قوية في ريادة الأعمال، ويستقبل لاجئين من فلسطين وسوريا مساعدة منه في تخفيف أزمة إنسانية كبيرة.
من ناحية أخرى، قالت جورجيفا إن الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن فيروس كورونا قد تكون في نهاية المطاف اختبارا لموارد الصندوق البالغة تريليون دولار «لكننا لم نصل بعد لتلك النقطة».
وأضافت أنه من الواضح الآن أن التعافي من توقف أنشطة الأعمال والسفر عالميا يجب أن يبدأ في غياب تحقيق تقدم طبي ورغم الوجود الواسع الانتشار للفيروس عالميا. وقالت إن الدول الأعضاء بصندوق النقد الدولي مستعدة لتقديم المزيد من الدعم للصندوق إذا اقتضت الحاجة.
توقع صندوق النقد الدولي ركودا اقتصاديا عالميا أكثر عمقا مما كان متوقعا في السابق، إذ يتواصل توقف أنشطة الأعمال والقيود على السفر وإجراءات التباعد الاجتماعي في أغلب الدول. وصار يتوقع انكماشا نسبته 4.9 بالمئة للناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام وإجمالي فاقد في الإنتاج بقيمة 12 تريليون دولار حتى نهاية 2021.
وقال جورجيفا: «ما زال متاحا لدينا نحو ثلاثة أرباع طاقة الإقراض…لن أتجاهل أننا ربما نكون في وضع تتعرض فيه موارد صندوق النقد الدولي للاختبار، لكننا لم نصل بعد لتلك النقطة».
وفي هذا السياق، اشارت مصادر لجنة تقصي الحقائق النيابة الانتهاء من اعداد التقرير الذي كونته بخصوص توحيد الارقام وتقريب الرؤى والمقاربات في خطة الإنقاذ الحكومية بعد سلسلة الاجتماعات التي عقدتها مع الفريق الحكومي ومصرف لبنان وجمعية المصارف اليوم السبت أو مطلع الاسبوع المقبل على ابعد تقدير على ان يتولى رئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان تسليمه الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري يوم الأربعاء المقبل.
ووصفت المصادر التقرير بالمتكامل ويشتمل على كل العناصر الاساسية التي تحصن الخطة وتمكن الفريق اللبناني من استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي بموقف موحد ومتماسك الى حد ما خلافا لجلسات التفاوض السابقة معربة عن املها بأن يؤدي ذلك في النهاية الى تسريع المفاوضات والوصول الى اتفاق نهائي في وقت قريب ولكنها استدركت وقالت: الا ان التوصل الى اتفاق نهائي وناجز يتطلب أيضا التزاما مضمونا من الحكومة بتنفيذ سلسلة من الاصلاحات البنيوية في هيكلية الادارات والمؤسسات الحكومية وهذا لم يحصل بعد.
وكشف المصدر المذكور انه خلال جلسات التفاوض التي جرت بين الجانب اللبناني بكل مكوناته مع الصندوق بقيت الشروط الاساسية التي يطالب الصندوق بالحصول على أجوبة قاطعة بشانها ليضمنها تقريره النهائي ليبني على الشيء مقتضاه وهي،خطة اصلاح الكهرباء بالكامل باعتبارها تستنزف الخزينة بما يقارب خمسة مليارات دولار سنويا ،التهرب الجمركي والواردات المهدورة في مرفأ بيروت وغيره وتقارب الملياري دولار سنويا والتهريب عبر المعابر غير الشرعية الحدودية ويقدر بمليارات الدولارات والهدر غير المبرر في اسلاك الوظائف العامة وكيفية وقفه .
من جهة اخرى كشفت مصادر الوفد المفاوض مع الصندوق أن المستشار الاقتصادي الرئاسي شربل قرداحي مستاء من حملة الانتقادات التي تعرض لها في الاجتماعات مع لجنة تقصي الحقائق النيابية جراء تشبثه ببعض الطروحات التي تضمنتها خطة الإنقاذ، وأبلغ زملاءه المستشارين بالفريق الحكومي نيته بالاستقالة من منصبه الاستشاري ورغبته بالتفرغ لوظيفته الاساسية باحدى شركتي الاتصالات.
وكانت الليرة اللبنانية هوت إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار أمس في السوق الموازية حيث فقدت حاليا نحو 80 بالمئة من قيمتها منذ تشرين الأول، فيما قال مستورد للأغذية إن انهيار العملة يؤثر سلبا على الواردات.
وأزمة العملة جزء من انهيار اقتصادي أوسع نطاقا يشكل أكبر تهديد لاستقرار لبنان المعتمد على الواردات.
وقال هاني بحصلي رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية والمشروبات إن مستوردي الأغذية أشاروا إلى سعر عند 7500 ليرة لشراء الدولار امس. وأشار متعامل ثان في السوق إلى أسعار صرف بين 7300 و7600.
يأتي ذلك مقارنة مع أسعار عند 3850-3900 لدى الصرافين المرخصين وسعر الربط الرسمي للعملة عند 1507.5 والذي ما زال البنك المركزي يطبقه على واردات القمح والأدوية والوقود.
وقال البنك المركزي إنه يجري تدبير سيولة عند أسعار صرف بين 3850 و3900 في بيان أعلن فيه أمس عن تفعيل منصة تداول إلكترونية جديدة لدى الصرافين المرخصين. وقال إن الكميات في السوق السوداء ضئيلة.
لكن بحصلي قال إن مستوردي المواد الغذائية تمكنوا فحسب من تدبير 20 بالمئة من احتياجاتهم من النقد الأجنبي من الصرافين المرخصين في الأسبوعين الماضيين، مما تركهم يعتمدون على السوق الموازية لتدبير الباقي.
وقال: «واردات الأغذية تتقلص. لا يمكن أن تستمر على هذا النحو. إذا لم ستطع العثور على الدولارات للاستيراد، لا يوجد أي ضمان بأنك لو شحنت شيئا ستستطيع الحصول على الأموال له».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
شيا تطلق صافرة إسقاط الحكومة!
واشنطن لفرنسا: «لا نفط ولا أموال بوجود حزب الله في الحكومة» | لبنان رهينة أميركا
فوق الواقع الأمني المتأجّج يوم أمس، اختارت السفيرة الأميركية دوروثي شيا، أن ترفع منسوب المواجهة بوجه حزب الله واللبنانيين معه، والدفع نحو إسقاط حكومة الرئيس حسّان دياب، عبر مطالبتها بحكومة «اختصاصيين». شيا، التي كرّرت ما قاله رئيسها مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر قبل أيام، حمّلت مسؤولية الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية لحزب الله، متهمةً إياه بأخذ المليارات لـ«دويلته» في تلفيق لا يعدو كونه بروباغندا تحريضية ضد المقاومة. وهدّدت شيا حلفاء حزب الله بالعقوبات، وانتقدت حكومة الرئيس حسان دياب معتبرةً أن حزب الله يسيطر عليها، مع محاولات القول إن قانون قيصر لن يصيب اللبنانيين، بل من يدعم سوريا حصراً.
وتأتي دعوة شيا للضغط على دياب وحكومته، إيذاناً ببدء المرحلة الثانية من إسقاط السلطة، وإدخال البلاد في فوضى إضافية، مع فشل أخذ الحكومة نحو خيارات مواجهة مع حزب الله مقابل وعود بالانفراجات أو آمال بدعم أميركي وخصوصاً أن اللهجة الأميركية تغيّرت تجاه الحكومة، مع شعور الأميركيين بأن أطرافاً داخلها ومن داعميهم، بدأوا يأخذون خيار التعاون مع الصين بشكل جدي، في مقابل فقدان الثقة بأيّ دور أميركي مساعد.
واشنطن لفرنسا: «لا نفط ولا أموال بوجود حزب الله في الحكومة» | لبنان رهينة أميركا
تتهم واشنطن الحكومة اللبنانية بأنها رهينة حزب الله، بينما تتخذ هي من الاقتصاد اللبناني رهينة لإجبار الدولة والمجتمع على دفع فدية مقدارها الانقلاب على المقاومة. وآخر فصولها الضغط على باريس وصدّ اندفاعتها لمساعدة لبنان وتهديد استثماراتها حول العالم، وفرض معادلة «لا نفط ولا أموال طالما حزب الله في الحكومة» (تقرير ميسم رزق).
لا تريد واشنطن للبنان أن تقوم له قائمة، ما دامَ حزب الله فيه. خلاصةٌ لم تعُد سرّاً، بعدما تكفّل المسؤولون الأميركيون الواحد تلوَ الآخر، بإشهار الشروط المطلوب من الدولة اللبنانية أن تلبيها، مُقابِل وعد بانتشال البلاد من الانهيار. الوجهة التي عبّر عنها هؤلاء، وضع أسسها وزير الخارجية مايك بومبيو يوم 22 آذار 2019، يوم هدّد اللبنانيين وطالبهم بمواجهة حزب الله، كشرط من شروط «المضي قدماً كشعب أبيّ». هذه الوجهة ازدادت وضوحاً بعد تأليف حكومة الرئيس دياب. ففي اليوم التالي لصدور مراسيم التأليف، بشّر بومبيو اللبنانيين بـ«أزمة مالية رهيبة»، رابطاً مساعدات بلاده «باستعداد الحكومة اللبنانية لاتخاذ إجراءات لا تجعلها رهينة لحزب الله»… وتحتَ العنوان ذاته، تحدّث مساعده ديفيد شينكر عبر موقع «الهديل» منذ أيام، قبل أن يُجدّد بومبيو تهديداته بأن المُساعدات التي يُريدها لبنان، ثمنها الانقلاب على حزب الله.
يحارُ الأميركيون من أينَ يضغطون في هذا الاتجاه. ظهر ضغطهم في الميدان من خلال دفع بعض المجموعات لإثارة موضوع نزع سلاح المقاومة وتطبيق القرار 1559، قبلَ تدشين قانون «قيصر» الذي سرَى مفعوله منتصف الشهر الجاري، ويَفرض عقوبات على كل مَن يقيم علاقات تجارية أو يدعم الدولة السورية، وسطَ تخبّط رسمي لبناني في التعامُل معه. في الوقت عينه، تقف واشنطن في وجه أيّ مبادرة لبنانية في اتجاه الشرق، وتُجنّد كل ماكيناتها السياسية والإعلامية والمدنية عبرَ موقِف موحّد ينتقِص من أهمية هذا الخيار لمقاومة نتائج الأزمة المالية – الاقتصادية. ولا يقِف الأميركيون عند حدّ في ابتزازهم وتهديداتهم للبنانيين والعرب الممنوعين بطبيعة الحال من مدّ اليد للبنان. ثاني الخطوط التي تعمَل عليها الإدارة الأميركية هو الأوروبيون، وتحديداً فرنسا. معروف عن الأخيرة، ومنذ اشتداد الأزمة، رغبتها في عدم انهيار لبنان، انطلاقاً من اعتبارات خاصة بها في منطقة الشرق الأوسط. وهذه الرغبة هي التي دفعَت بالأميركيين إلى التدخّل لكبح جماح باريس.
بحسب ما علمت «الأخبار» فإن مسؤولين أميركيين، على مستوى عالٍ في الإدارة، بدأوا نقاشات مع الفرنسيين بهدف صدّ اندفاعتهم. وتحدّث الأميركيون بكلام مباشر وصريح، مُلخّصين موقفهم من لبنان بالقول بأن «لا استخراج للنفط في لبنان ولا مساعدة من صندوق النقد الدولي في عهد الرئيس ميشال عون أو وجود حزب الله في الحكومة». على أن أكثر ما استوقف الفرنسيين هو تدخل الأميركيين في تفاصيل عملية التنقيب عن الغاز في البحر. شركة «توتال» الفرنسية تُشارك في عملية التنقيب عن الغاز في البحر اللبناني، إلى جانب شركتيْ «إيني» الإيطالية و«نوفاتيك» الروسية. وهي الشركة التي لا تزال الدولة الفرنسية تملك حصة (صغيرة) فيها، ويتم التعامل معها بوصفها «الشركة الوطنية الفرنسية» للنفط وإحدى ركائز السياسة الخارجية الفرنسية. من هذه «اليد» تمسِك واشنطن بفرنسا التي تدخّلت لدى الأميركيين والسعوديين لمساعدة لبنان وجرى تجاهلها (راجع «الأخبار» – الجمعة 26 حزيران 2020). ووصل الأمر بالجانب الأميركي إلى حدّ الطلب بأن «تكتفي توتال بالتنقيب داخل البلوك رقم 4، بحجة أن فيه كميات تجارية تُغني عن التنقيب في بلوكات أخرى»، وهو ما تبلّغته مراجع سياسية عليا في بيروت. لعل أخطر ما يمكن استخلاصه من هذا الطلب، منع لبنان من التنقيب في البلوكات الجنوبية القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة، بذريعة منع أي توتر مع إسرائيل. وهدّد الجانب الأميركي فرنسا بأن «عدم الامتثال لهذا الأمر سيكلفها خسارات في أماكن أخرى في العالم لها وللشركة»!
هذا الجو يتأكّد يوماً بعدَ يوم من خلال تصريحات المسؤولين الأميركيين وآخرهم السفيرة الأميركية في بيروت دوروتي شيا التي قالت أمس إن «حزب الله سيطر على الحكومة الحالية» برئاسة حسّان دياب، منتقدة الحكومة لكونها لم تقم حتى الآن بالإصلاحات الموعودة. وأكدت دعم بلادها لأي «حكومة مستقلة بدون سيطرة»، مشدّدة على وجوب أن تتألف من اختصاصيين. هذا التصريح سبقته محاولات فرنسية لتمرير المطالب الأميركية في بيروت، بذريعة «البحث عن مخارِج للالتفاف على الضغط الأميركي». يُحاول الفرنسيون عدم إغضاب أميركا حفاظاً على استثماراتهم، ويسعون إلى «مخارج» يُمكنها المواءمة بينَ ما تريده واشنطن وما يُمكن أن يقبل به الحزب من وجهة نظر باريس. الأخيرة تجسّ النبض لجهة إمكان الذهاب إلى حكومة جديدة، يرأسها على الأرجح الرئيس سعد الحريري، لكن بوزراء غير حزبيين، على أن يتعهّد رئيس الحكومة (الحريري أو غيره) بعدم إشراك أسماء وزارية مستفزّة لحزب الله، إضافة إلى تأمين حاجات سياسية إلى الحزب. وللمفارقة، فإن هذا الطرح سبقَ وأن تمسّك به الحريري نفسه، إبان المفاوضات معه لتأليف حكومة جديدة بعدما استقال بضغط سعودي – أميركي بحجة الاستماع لمطالب الشارع بعد 17 تشرين. وتقول مصادر معنية إن اصرار الحريري كان نابعاً من علمه بأن «أي حكومة يرأسها ويشارك فيها الحزب لن تحصل على أي مساعدة، وكان مصيرها ليكون كمصير حكومة دياب التي تتخبّط داخل دائرة مقفلة في بحثها عن توافق مع صندوق النقد الدولي، أو التوصل إلى خطة إنقاذية لمنع التدهور الحاصل، ناهيك بالضغط الخارجي الذي تواجهه».
هذه الفكرة المحفوفة بعلامات استفهام كثيرة حول تداعياتها المحتملة على الساحة اللبنانية، حتى الآن ليسَ من الواضح بأن طريقها ستكون مُعبّدة. فثمة من سيعتبرها تنازلاً في إطار المعادلة التي وضعها الأميركيون «إما الجوع والانهيار، وإما التنازل عن سلاح حزب الله، إلى جانب عدد من المطالب، أبرزها ترسيم الحدود مع فلسطين وفق القواعد الأميركية»، وهي المعادلة التي لن تقبَل المقاومة بها وقد استبقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بقوله: «من يرِد أن يجوّعنا… سنقتله».