اللواء
ماكرون «اللبناني»: تأنيب السلطة ومؤتمر للإعمار مع حكومة جديدة
تحقيقات في باريس وقبرص.. وتجميد حسابات وتوقيفات.. وجرحى باحتجاجات ليلاً
عود على بدء في 1 أيلول، ذكرى مرور قرن كامل على ولادة لبنان الكبير: سيكون الرئيس ايمانويل ماكرون في بيروت، للاحتفال بالحدث التاريخي الكبير مع اللبنانيين.
هذا الالتزام اعلنه ماكرون بعد ساعات ثماني أمضاها في بيروت المنكوبة، وفي قصر الصنوبر، مقر السفارة الفرنسية، حيث كشف الرئيس الفرنسي عن حرص قوي تجاه البلد، مجدداً الالتزام الفرنسي والأوروبي، للبنان كوطن قابل للحياة، وعلى سياسييه، الذين التقى رؤساء كتلهم البرلمانية، ولكن ليس على قاعدة شك على بياض، على خلفية ما قاله الرئيس الفرنسي من ربط المساعدات وتنظيم مؤتمر دولي لاعادة اعمار لبنان وعاصمته ومرفأه، بولادة عقد سياسي جديد، قوامه الشفافية والاصلاحات. وقال الضيف الكبير، كنت صريحاً مع كل القيادات، وأنتظر إجابات واضحة حول الاصلاحات، ومواضيع أخرى، وسأعود في الاول من ايلول ليس فقط من اجل لبنان الكبير، ولكن من اجل تقييم ما حصل في المساعدات.
وصل الرئيس الفرنسي على خلفية «بحبك يا لبنان» ليمضي وقتاً ثميناً بين اجتماعات رسمية، وتفقد مكان الانفجار، فضلاً عن لقاء الأهالي في الجميزة، والأحياء المتضررة، والتقى الرئيس ميشال عون الذي استقبله في مطار رفيق الحريري الدولي. وعقب اللقاء قال ماكرون: «اذا لم تنفذ اصلاحات فسيظل لبنان يعاني». مضيفاً: «المطلوب هنا ايضاً هو تغيير سياسي، ينبغي ان يكون هذا الانفجار بداية لعهد جديد».
وجاب ماكرون موقع الانفجار وهو يرتدي ربطة عنق سوداء تعبيراً عن الحداد، وزار كذلك عدداً من شوارع بيروت المتضررة حيث طالبته حشود غاضبة بوضع نهاية «لنظام» الساسة اللبنانيين الذين يلقون عليهم باللوم في الفساد وجر البلاد الى كارثة، وقال «انا هنا لأقترح عليهم ميثاقاً سياسياً جديداً».
وقال الرئيس الفرنسي لمجموعة من الناس «أرى ما تشعرون به على وجوهكم، الحزن والالم، لهذا أنا هنا». وقال له رجل في الشارع «نأمل ان تذهب هذه المساعدات الى الشعب اللبناني وليس الى الزعماء الفاسدين». وقال اخر انه «بينما خصص الرئيس الفرنسي وقتاً لزيارتهم فان رئيس لبنان لم يفعل». وسط تزايد الغضب الشعبي، تجاه السلطات التي سمحت بتخزين كمية هائلة من مواد شديدة الانفجار لسنوات ف أوضاع غير آمنة في مخزن بالمرفأ.
واستقبل ماكرون بهتافات «الشعب يريد إسقاط النظام» وساعدو هاتفا «ثورة ثورة..| ورد على الهتافات: ان مضطر للجلوس معهم، سأقول لهم الحقيقة وسأسلهم عمّا فعلوه، وتابع: «اتفهم غضبكم، لسنا هنا للتغطية على النظام، يا لفضيحتكم». وكشف ماكرون ان بلاده ستتعاون مع البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لمساعدة لبنان، مضيفا ان فرنسا ستعمل على تنظيم مؤتمر لمساعدة لبنان في الأيام المقبلة. وطالب الرئيس الفرنسي في ختام زيارته إلى بيروت بإجراء «تحقيق دولي» حول انفجار مرفأ بيروت.
وقال ماكرون في مؤتمر صحافي «يجب إجراء تحقيق دولي مفتوح وشفاف للحيلولة دون إخفاء الامور أولاً ولمنع التشكيك». وردا على سؤال لصحافي فرنسي حول فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين الذين يعرقلون الإصلاحات، قال «لا أستبعد شيئا»، مضيفا «في بعض الظروف، العقوبات ليست الأكثر نجاعة، اعتقد أن الحل الأنجع هو إعادة إدخال الجميع في آلية»حل الأزمة».
وقالت مصادر مطلعة لبنانية لـ «اللواء» ان الرئيس الفرنسي أكّد ضرورة قيام اتفاق بين اللبنانيين مشددا على «الوحدة» وأن كانت هناك ملحظات في الماضي في الإمكان تجاوزها وقيام نوع من عقد توافقي على الأسس الجديدة.
ولفتت إلى ان الرئيس ماكرون أكّد ان مؤتمر سيدر قائم وينتظر الإصلاح مشيرة إلى ان الجانب اللبناني لم يذكر انه لا يريد الإصلاحات. ونفت المصادر نفسها ان يكون ماكرون تناول أي حيث عن تغيير النظام أي ما يعرف بالـ «Regieme» وكشفت ان الرئيس الفرنسي عرض للكثير من الأفكار وأن رئيس مجلس النواب نبيه برّي أوضح ان ماكرون كان صريحا جدا.
وأفادت ان الرئيس اللبناني والفرنسي سيتواصلان دائما لمتابعة ما دار من حديث بينهما. وكان حديث كذلك عن انكاس الطائفية على النظام. وأكّد ماكرون على أهمية الدولة المدنية. ولفتت إلى ان ماكرون أبدى استعداده لتقديم المساعدات وقال ان هناك وفدا فرنسيا متخصصا بعليات الانقاذ كما ان هناك أدوية ومستشفيات.
وأبلغ المجتمعين ان بلاده ستشارك في تقديم اقتراحات بعد رفع الأنقاض في مرفأ بيروت علما ان قسم المرفأ الذي هُدم هو القديم في حين ان الحاويات تسير في المرفأ الجديد. ونفت المصادر ان يكون ماكرون تحدث عن لجنة تحقيق دولية في نكبة بيروت. ومن المرتقب ان يزور الرئيس الفرنسي لبنان في أيلول المقبل لمناسبة إعلان دولة لبنان الكبير، وهو الذي عبّر عن سروره للقاء رئيس الجمهورية ومحبته لرؤية لبنان الفاعل والقادر.
وردا على سؤال لــ «اللواء» أكّد وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبة ان الأولوية اليوم هي إيجاد علاج للمواطن اللبناني في الشارع. والتقى ماكرون بعد جولة له فور وصوله في محيط مرفأ بيروت، رئيس الجمهورية ميشال عون في حضور رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة حسان دياب، وطلب من ماكرون توفير صور جوية عبر الاقمار الصناعية عن انفجار بيروت، فوعد الرئيس الفرنسي بتأمينها في اقرب وقت ممكن.
واعلن ماكرون من قصر بعبدا أن «لبنان يعاني أزمة اقتصادية ومالية منذ أعوام، ويتطلب حلها مبادرات سياسية قوية، وآمل ان تحصل التحقيقات بطريقة شفافة وتفسّر اسباب هذا الانفجار». وأوضح ماكرون أنه «تكلم بصراحة وشفافية مع الرؤساء الثلاثة بضرورة مكافحة الفساد وتنفيذ الإصلاحات وضرورة إجراء تحقيق شفاف في ما يحصل بالنظام المصرفي وضرورة استمرار الحوار مع صندوق النقد الدولي.
وقبيل توجهه في الجولة التفقدية قال ماكرون: اضافة الى الانفجار الذي حصل، فإننا نعرف ان هناك ازمة كبيرة تقتضي مسؤولية تاريخية من قبل المسؤولين اللبنانيين، وهي ازمة سياسية واقتصادية ومعنوية ومالية ضحيتها الاولى الشعب اللبناني، تفرض ايجاد حلول على وجه السرعة.
ورداً على سؤال أوضح ان الأولوية الآن تكمن في دعم الشعب اللبناني من دون أي شرط. وهذا هو أساس الالتزام الذي تأخذه فرنسا على عاتقها منذ اشهر، لا بل منذ سنوات لاسيما لجهة دعم الإصلاحات في عدد من القطاعات ومنها الطاقة والأسواق المالية ومكافحة الفساد… اذا لم تحصل هذه الإجراءات سيواصل لبنان انحداره. هذا حوار آخر يجب ان يحصل، وأتمنى ان اقوم به اليوم أيضا».
وعلى الأرض في الجميزة التقى ماكرون المواطنين المتضررين واستمع إلى مطالب الناس، وأهمها: «لا تعطوا المساعدات إلى حكامنا الفاسدين»، وتوجهت شابة الى الرئيس الفرنسي وهي تبكي قائلة: «نحن نتكل عليكم ضعوهم في السجون»، على ما ظهر في الفيديوهات المتناقلة عبر منصات التواصل الاجتماعي. وردّ ماكرون على مطالبة المواطنين بدعمهم ضد الطبقة السياسية بالقول: المساعدات الفرنسية غير مشروطة وسوف ننظم المساعدة الدولية كي تصل مباشرة الى الشعب اللبناني، وسوف اطلق مبادرة سياسية جديدة».
لقاء قصر الصنوبر
لكن يبدو ان اللقاء المهم الذي اجراه ماكرون كان في قصرالصنوبر مع رؤساء الاحزاب والكتل النيابية الكبرى في البرلمان وهم من ممثلي الطوائف الكبرى في البلد، سعدالحريري ووليد جنبلاط وتيمور جنبلاط ومحمد رعد وجبران باسيل وسليمان فرنجية وطوني فرنجية عن كتلة اللقاء الوطني، وسمير عازار عن كتلة التنمية والتحرير، وسميرجعجع.
ورأت مصادر سياسية متابعة للزيارة انها مؤشر على فك الحصار الدولي على لبنان، وانها ما كانت لتحصل لولا وجود موافقة ورضى اميركيين عليها وعلى مضمونها، بينما اذا لم تحصل هذه الموافقة فيكون هناك افتراق سياسي حول لبنان بين باريس وواشنطن، لا سيما ان ماكرون التقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، فيما واشنطن تمارس ضغوطها على لبنان عبر العقوبات السياسية والاقتصادية على حزب الله.
وبعد انتهاء اللقاء، أكد جنبلاط أن «كلام ماكرون واضح اذا لم تساعدوا انفسكم لن نساعدكم».وأنه بدأ بالامور البسيطة التي قالها وزير خارجيته، اي حلّوا قصة الكهرباء والمياه والامور الحياتية اهم من مناقشة السياسات الدولية والاقليمية، وكان واضحا ان لا ثقة للشعب بالطبقة السياسية».
جعجع رأى أنه «مجرد ان رئيس فرنسا ترك كل مشاكل بلاده ليأتي الى لبنان بهذا الظرف، هي خطوة كبيرة وقد قدموا مساعدات ويريدون تقديم سواها». وردا على سؤال بشأن طرح تغيير النظام، قال جعجع: أن «المطلوب تغيير الممارسة قبل كل شيء». من جهته، أوضح فرنجية أن «ماكرون تحدث عن تغيير في الأسلوب وبيّن انه صديق حقيقي للبنان».
وعلمت «اللواء» ان الرئيس ماكرون خاطب القيادات السياسية والنيابية بوصفه صديقا للبنان، جاء ليقدم النصائح لمن التقاهم، داعيا لتوسيع التمثيل داخل حكومة جديدة، بحيث تضم فعاليات وتمثيلاً أوسع.. وقال: لا يمكن الاستمرار بالنهج نفسه، ولا بدّ من الاستماع إلى أصوات الشعب ومطالبه.
وفيما التزم النائب محمّد رعد الصمت، ولم يشأ الكلام، لكن النائب جبران باسيل طالب الرئيس الفرنسي بتوفير حماية دولية للبنان المستقر والمزدهر تبعا لعملية تهدئة إقليمية. وقال للرئيس الفرنسي بدأنا بعملية الإصلاح، فرد ماكرون ان الإصلاح يكون هيكلياً، بدءا من إصلاح الكهرباء والمؤسسات الأخرى، وليس اصلاحا ما حصل من تعيينات. ومجمل الأوضاع يتطرق إليها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في اطلالته عند الخامسة والنصف من بعد ظهر اليوم.
وسلّم سامي الجميل رئيس الكتائب الرئيس ماكرون رسالة ارتكز مضمونها على نقاط ثلاث:
1- تحقيق تقوم به جهات أجنبيّة أو دوليّة.
2- منصّة دوليّة لتنظيم الإغاثة وتقديم الدعم للسكان وإعادة الإعمار بالاعتماد على المنظّمات المحليّة غير الحكوميّة وليس على المؤسّسات العامّة.
3- دعم مطالب اللبنانيّين من أجل:
أ. تشكيل حكومة جديدة مستقلّة بكل ما للكلمة من معنى.
ب. تنظيم انتخابات مبكرة تسمح للبنانيّين بممارسة حقّهم بالتغيير بطريقة سلميّة.
ت. إثارة قضيّة الأسلحة غير الشرعية من على منابر أعلى المرجعيات الدوليّة وصولاً الى ادانة كل من يستمر في اضفاء صفة الشرعية على هذه الأسلحة دون اي تحفظ.
والتقى ماكرون ايضا ممثلين عن بعض مجموعات المجتمع المدني واستمع منهم الى وجهة نظرهم من مختلف التطورات والاجراءات المطلوبة.
فرنسا تتوسع في التحقيق
وبالتوازي مع زيارة ماكرون، أعلنت النيابة العامة في فرنسا لوكالة «فرانس برس» أنها أضافت إلى التحقيق الذي فتحته بعد الانفجارين الذين هزّا العاصمة اللبنانية، جريمة القتل غير العمد بعد وفاة أحد مواطنيها. وأعلنت وزيرة الثقافة الفرنسيّة روزلين باشلو، أنّ المهندس جان مارك بونفيس الذي عاش في لبنان حيث شارك خصوصاً في مشاريع ترميم مبان دمّرتها الحرب، هو بين الضحايا الفرنسيّين الذين لاقوا حتفهم في الانفجار الدموي الثلاثاء في بيروت.
وبعد تأكيد وفاة بونفيس، فتحت دائرة الحوادث الجماعية في نيابة باريس تحقيقا الاربعاء بشأن التسبب في «جروح غير متعمدة»، لكنه امتد الى «القتل غير المتعمد». وتمكنت الدائرة انطلاقا من اختصاصها الذي يشمل وقائع حصلت في الخارج، من تحديد هويات مواطنين فرنسيين أصيبوا في الانفجار. كما أفاد التقرير الجديد للنيابة العامة بإصابة 40 فرنسيا على الأقل في هذا الحادث.
وفي نيقوسيا، أعلنت الشرطة القبرصية استجوابها روسياً أفادت معلومات أنه مرتبط بالسفينة التي أقلت شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وكانت خلف الانفجار الكبير الذي هز المدينة الثلاثاء. وأكد متحدث باسم الشرطة القبرصية «طلبت منا السلطات اللبنانية تحديد مكان هذا الشخص وطرح الأسئلة عليه، وهذا ما قمنا به». وأضاف أن «تلك الأجوبة أرسلت إلى لبنان»، مشيراً إلى أنه لم يتم توقيف الرجل الذي يدعى إيغور غريتشوشكين بل خضع فقط للاستجواب بشأن حمولة السفينة بطلب من مكتب الشرطة الدولية (الانتربول) في لبنان.
وحضّ صندوق النقد الدولي في بيان له امس لبنان على تخطي العقبات في النقاش حول إصلاحات أساسية. وشدّد الصندوق على أنّه «من الضروري تخطي العقبات في المحادثات حول إصلاحات أساسية ووضع برنامج جدي لإنعاش الاقتصاد».
المساعدات
على صعيد المساعدات الطبية والعينية، وصلت ليل أمس الطائرة الآتية من دولة الإمارات. وبتوجيهات من خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وانطلاقاً من حرصه على الوقوف إلى جانب الأشقاء في لبنان، أعلنت الخارجية عن تقديم مساعدات إنسانية عاجلة عبر مركز الملك سلمان للاغاثة والأعمال الإنسانية. وكشف ماكرون ان حاملة طائرات هليكوبتر ستغادر فرنسا الأسبوع المقبل محملة بأدوية للبنان.
وأظهرت وثيقة صادرة عن مصرف لبنان المركزي وموقعة من الحاكم رياض سلام أنه قرر تجميد حسابات رئيس ميناء بيروت ورئيس إدارة الجمارك اللبنانية وخمسة آخرين بعد انفجار الميناء.
وذكرت الوثيقة، الصادرة بتاريخ أمس 6 آب عن هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أن القرار سيُرسل إلى كل البنوك والمؤسسات المالية في لبنان والنائب العام لدى محكمة التمييز ورئيس الهيئة المصرفية العليا. وأوضحت الوثيقة أن تجميد الحسابات ورفع السرية المصرفية عنها سينفذ على الحسابات المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بالمدير العام لمرفأ بيروت حسن قريطم والمدير العام لإدارة الجمارك بدري ضاهر وخمسة آخرين منهم مسؤولون حاليون وسابقون في الميناء والجمارك.
وقال قريطم وبدري لمحطات لبنانية أمس الاول إن عددا من الخطابات أرسلت على مدار سنوات لجهات قضائية تطلب التخلص من المواد شديدة الانفجار المخزنة بالميناء والتي انفجرت الثلاثاء المقبل. وبناء على ذلك، قرّر المدعي العام التمييزي القاضي غسّان عويدات، وبناء على قرار هيئة التحقيق الخاصة منع سفر هؤلاء.
وكشف مفوض الحكومة بالانابة القاضي فادي عقيقي، ان «الموقوفين حاليا على ذمة التحقيق بلغ عددهم 16 شخصا، بينهم قريطم، فضلا عن آخرين متروكين رهن التحقيق»، مشيرا إلى ان «التحقيقات مستمرة لتشمل كل المشتبه بهم الآخرين، توصلا لجلاء كل الحقائق المتعلقة بهذه الكارثة، وستتابع من قبل النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسّان عويدات بناء للطلب، استكمالا للاجراءات المتخذة من قبله».
البحث عن المفقودين
على الأرض، وداخل مرفأ بيروت حيث وقع الانفجار استمرت عمليات البحث عن المفقودين على وقع إضاءة من مصابيح وادوات للإنارة للبحث ليلاً. وكان مصدر أمني أعلن أمس ان عدد القتلى ارتفع إلى 145 شهيداً، وعدد الجرحى تجاوز الـ5 آلاف.
5672
صحياً، اعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 255 إصابة كورونا جديدة رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 5672، كما سجلت حالتا وفاة كل ذلك مع استنفار المستشفيات قدراتها القصوى لرعاية ضحايا انفجار المرفأ.
عودة التحركات
على صعيد التحركات، احتشد عدد من الثوار أمام مجلس النواب احتجاجاً على الأوضاع التي وصلت إليها البلاد والإهمال الذي أدى إلى الانفجار الكبير في المرفأ. وقام عناصر من مكافحة الشغب بإطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. تمكن عدد من المحتجين من خرق جدار مجلس النواب، مساء امس.
الى ذلك، جالت مواكب سيارة في شوارع بيروت وسط الزمامير والهتافات تضامناً مع العاصمة وأهاليها الذين عانوا ولا يزالوا من الانفجار الكبير الذي هزّ في المرفأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
النيابة العامة تمنع السفر والهيئة المصرفيّة تجمّد أموال مديري الجمارك والمرفأ… وآخرين
دعوات التحقيق الدوليّ وزيارة ماكرون يرفعان أسهم فرضيّة العدوان “الإسرائيليّ”
زيارة التلميحات تطلب المرفأ والحدود… وتعرض التمويل وتعديل الصيغة الطائفيّة
بالرغم من تصدُّر زيارة الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون واجهة الأحداث، فقد جاء الإعلان المسائي عن قرار النيابة العامة بمنع السفر عن مدير الجمارك بدري ضاهر ومدير المرفأ حسن قريطم، ومعهما عدد من الموظفين والمستفيدين المعنيين بملف تخزين المواد الخطرة في العنبر 12 من مرفأ بيروت، وبعده إعلان الهيئة المصرفيّة العليا عن تجميد حساباتهم، إشارة أولى لنيات تبشر بالجدية في التحقيق، خصوصاً أن ضاهر محسوب كمقرّب من العهد وقريطم محسوب كمقرّب من تيار المستقبل، وهما في مواقع إدارية عليا كانت تتمتع بحماية سياسية تمنع محاسبتها في الماضي، بانتظار أن يحمل كل يوم من الأيام الأربعة المقبلة مؤشرات ترفع منسوب الثقة بجدية التحقيق، وكشف المزيد من المسؤوليات وتقديم أصحابها مهما بلغت رتبهم ومواقعهم للمساءلة.
بالتوازي كان الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الذي زار بيروت يبدو مرتاحاً لوجود دعم دولي لمهمته بما يمكنه من التحدث بثقة عن حشد الإمكانات لمساعدة لبنان، متحدثاً بتلميحات غير واضحة يفترض أن يتم توضيحها في لقاءات لاحقة يجريها السفير الفرنسي مع الأطراف المعنية، سواء لترجمة مقاصد رئيسه بأنه لا شيكات على بياض لسلطة متهمة بالفساد، أو مضمون النظام الجديد الذي بشّر به، ومعنى رفع الحظر عن حزب الله وفتح الباب لعودة الاعتراف به شريكاً لا غنى عن وجوده في صياغة أي معادلة جديدة، وماذا يعني المرفأ والحدود كأولويات، ولماذا تجاهل ملف النازحين من أي مساعدة دولية؟
مصادر متابعة قرأت بين سطور كلمات ماكرون، وجود عرض موجّه نحو حزب الله لتأمين التهدئة على الحدود الجنوبية، بالامتناع عن الرد على العملية التي أدت إلى استشهاد أحد كوادره في سورية، أو للرد على ما قد يظهر من قرائن وأدلة على تورّط «إسرائيلي» في تفجير المرفأ، بعدما سحبت وزارة الدفاع الأميركية كلام الرئيس دونالد ترامب عن هجوم مدبّر من التداول، رغم ربطه لكلماته بما قاله له كبار الضباط، وبالتوازي المطلوب حضور دولي في المرفأ وعلى الحدود مع سورية، بتدويل أو نصف تدويل، تحت شعار ضبط التهريب وطمأنة المجتمع الدولي، وبالمقابل يعرض الأميركي ترسيماً مقبولاً من لبنان للحدود البحرية والبرية يمكن أن تنتهي بانسحاب «إسرائيلي» لصالح قوات دولية، تستكمل مهمة التدويل، والعرض هو أن يسهل حزب الله كل ذلك مقابل تأمين تمويل كافٍ للإعمار ولإخراج لبنان من أزمته، ورفع العقوبات، وفك الحظر الدولي والعربي عن الحزب، وتقديم عرض سياسي لصيغة جديدة للنظام يُعاد النظر فيها بالتوازنات الطائفية بما يمنح حزب الله وما يمثل طائفياً مكانة أعلى في النظام الجديد.
ماكرون عائد في أول أيلول للاحتفال بذكرى إعلان لبنان الكبير، وبين الزيارتين يترك الأمر لتفاعلات عروضه التي يحملها سفيره، وتهديدات حلفائه وحلفاء واشنطن والخليج في الداخل المطالبة بإسقاط الحكومة والعهد، وانتخابات مبكرة والداعية لتحقيق دولي في التفجير، بصورة تستعيد تجربة العام 2005، وهذه الدعوات مع عروض ماكرون أعادت بنظر مصادر متابعة طرح فرضية العدوان الإسرائيلي كمسبّب لتفجير مرفأ بيروت، حيث مهمة المساعدة الدولية أو التحقيق الدولي طمس أي أدلة تظهر التورط «الإسرائيلي»، وتهدف هذه السرعة في الحركة إلى تطويق أي فرصة لاكتشاف هذا التورط وتدفيع «إسرائيل» ثمن فعلتها، بنقل النقاش إلى مكان آخر.
الكلمة الفصل للكلام الذي سيقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد ظهر اليوم، وهو ما ينتظره «الإسرائيليون» على «إجر ونص»، بعدما عادوا للاستنفار مجدداً على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة.
وفيما واصل لبنان لليوم الثاني على التوالي رفع الآثار التدميرية للكارثة الوطنية في مرفأ بيروت وانتشال جثث الضحايا والجرحى من بين الركام، خطفت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان الأضواء، وشكلت المواقف التي أطلقها والزيارات واللقاءات التي أجراها الحدث الأبرز وحملت رسائل سياسية هامة لا سيما جمع رؤساء الكتل النيابية في قصر الصنوبر ووضع خريطة طريق وخطوات متتالية للخروج من الأزمة اللبنانية ومهلة زمنية لتطبيقه تنتهي في أيلول المقبل، مبشراً بتغيير النظام الحالي ووضع ميثاق وعقد اجتماعي جديد. فيما يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عصر اليوم حول التطورات الداخلية وتفجير مرفأ لبنان.
ووصفت مصادر متابعة مواقف ماكرون بالوصاية الجديدة التي تحاول فرنسا فرضها على لبنان مواكبة للحصار والضغوط الأميركيّة المستمرة على لبنان وفي إطار فرض مشروع تدويل سياسي واقتصادي ومالي وعسكري على لبنان كالسيطرة على الحدود والمعابر والمرافق الحيوية كالمرفأ والمطار. مشيرة لـ»البناء» الى أن «هذا المشروع ليس جديداً بل لطالما كان حاضراً في قلب الحروب والمشاريع الأميركية الإسرائيلية الغربية للسيطرة على المنطقة من خلال تدويل أي قضية او ملف او ازمة كقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدوان تموز 2006 الذي انتهى بالقرار 1701»، وذكرت المصادر بالدعوات الاميركية الاوروبية المتتالية بتعديل القرار 1701 وتوسيع صلاحية اليونيفيل في الجنوب وشمولها الحدود الجغرافية اللبنانية مع سورية.
وقد توسعت جبهة الدعوة الداخلية لتدويل انفجار مرفأ بيروت وبعد الرئيس سعد الحريري وكتلة المستقبل النيابية انضمّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ودعا في سلسلة مواقف تصعيديّة في مؤتمر صحافي عقده في كلمنصو الى تحقيق دولي بانفجار المرفأ وقال: «لا نؤمن لا من قريب ولا بعيد بلجنة تحقيق محليّة ولا ثقة أصلاً بالحكومة ونطالب بلجنة تحقيق دوليّة»، مضيفاً «باقون في المجلس ونطالب بانتخابات مبكرة خاصة أن استقالتنا ستفتح مجالاً لمحور التيار الوطني الحر – حزب الله للسيطرة على كل مجلس النواب». وتابع «هناك تقصير فادح من القضاء والأجهزة الأمنية والرسائل والرسائل المضادة اليوم تذكّرني بحادثة جريمة اغتيال رفيق الحريري عندما حاولوا في اللحظات الأولى طمس معالم الجريمة». ورداً على سؤال قال: «عندما تتحد القوى المسيحيّة وأولها البطريرك للمطالبة باستقالة الرئيس عون نلحق بهم، سيما بعد تجربة العام 2005 التي علّمتنا ان هذا الموقع مقدّس.. ودياب ديب كاسر و»لا شيء».
الى ذلك، أكد الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي في ختام زيارته الى لبنان، أن «فرنسا لن تترك يوماً لبنان واللبنانيين وعلاقتنا مرتبطة بالزمن والثقافة، وكما قلب لبنان قد ضرب في التفجير فقلب فرنسا أيضاً». وأعلن أنه «خلال ساعات ستصل طائرة فرنسية إلى بيروت على متنها فريق من المسعفين وفريق آخر للتحقيق بالتفجير»، وقال: «سنكون إلى جانب الجرحى وكل من فقد منزله وسنعمل على إرسال مواد لإعادة البناء كما مساعدات غذائية وطبية»، ورأى أن «ما قبل 4 آب لن يكون كما بعده فما حصل هو أشبه بالصاعقة لقيامة لبنان أقوى مما كان».
وفي موقف مشكك بالطبقة السياسية في لبنان، أوضح ماكرون أن «المساعدات التي ستقدمها فرنسا كما الاتحاد الأوروبي ستكون موجهة حصراً إلى الشعب اللبناني والمنظمات غير الحكومية والفرق التي تعمل على الأرض»، وأشار إلى أن «لبنان سينهض من جديد والغضب الذي رأيته لدى الشباب في الشارع اليوم يدلّ على أمل كبير».
وكشف ماكرون أنه «أبلغ الرئيسين ميشال عون ونبيه بري أنه من المهم إعادة بناء الثقة والامل. وهو أمر لن يحصل بين يوم وآخر. ومن المهم تغيير النظام في لبنان»، وقال: «أموال «سيدر» موجودة وهي بانتظار الإصلاحات في الكهرباء والمياه وكل المؤسسات ومكافحة الفساد».
ورأى أنه «لا بدّ من إعادة بناء نظام سياسي جديد والتغيير الجذري مطلوب»، وتابع: «كنت صريحاً مع القادة اللبنانيين وأنتظر منهم أجوبة شفافة على أسئلتي التي تناولت ميادين عدة. وسأعود إلى لبنان في الأول من أيلول وأنا على علم أنّه بالإمكان القيام بهذه القفزة الكبيرة». وأكد أنه «لن يُمنح لبنان شيكاً على بياض». واعتبر ماكرون أنه «إن لم تتحقق الإصلاحات المطلوبة ولم يقم المسؤولون بالعمل المطلوب ففي الأشهر المقبلة قد لا يتمكن لبنان من استيراد المواد الغذائية ولن يتوفر الفيول».
وكان الرئيس الفرنسي قد وصل الى مطار بيروت يرافقه وزير الخارجية جان ايف لودريان، المبعوث الفرنسي بيار دوكان والسفير الفرنسي برونو فوشيه، وكان في استقباله رئيس الجمهورية، ثم توجه ماكرون والوفد المرافق الى مكان الانفجار في مرفأ بيروت واستمع إلى شرح مفصل لما حصل من محافظ بيروت القاضي مروان عبود. وأمضى ماكرون نحن عشرين دقيقة في الموقع. وخلال معاينته الأضرار، قال ضابط من فريق الإنقاذ الفرنسي لماكرون: لا يزال هناك أمل بالعثور على ناجين». كما زار ماكرون الجميزة ومار مخايل لتفقد الأضرار والتقى عدداً من المواطنين الذين انقسموا بين تأييد الزيارة وإطلاق دعوات لفرنسا لانتداب لبنان مجدداً وبين معترضين على الزيارة. وقال ماكرون: «سأقترح عقداً سياسياً جديداً وسأعود في الأول من أيلول لمتابعته، وإن لم يستمع لي المسؤولون ستكون هناك مسؤولية أخرى من قبلي تجاه الشعب».
وزار الرئيس الفرنسي بعبدا حيث عقد خلوة مع الرئيس عون قبل أن يجتمع الى الأخير ورئيسي مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وحسان دياب. واختتم ماكرون زيارته بيروت بلقاء ضم رؤساء الكتل النيابية في قصر الصنوبر حضره رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وممثل عن كتلة التنمية والتحرير النائب إبراهيم عازار، ورئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري، ورئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل ورئيس كتلة القوات سمير جعجع، ورئيس كتلة الكتائب سامي الجميّل، ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس كتلة اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط، والنائب السابق سليمان فرنجية والنائب طوني فرنجية.
وبعد انتهاء اللقاء، أكد جنبلاط أن «كلام ماكرون واضح اذا لم تساعدوا انفسكم فلن نساعدكم». وأعلن «أنه بدأ بالأمور البسيطة التي قالها وزير خارجيته أي حلوا قصة الكهرباء والمياه والامور الحياتية اهم من مناقشة السياسات الدولية والإقليمية وكان واضحاً ان لا ثقة للشعب بالطبقة السياسية». أما جعجع فرأى أنه «مجرد ان رئيس فرنسا ترك كل مشاكل بلاده ليأتي الى لبنان بهذا الظرف هو خطوة كبيرة وقدموا مساعدات ويريدون تقديم سواها». ورداً على سؤال بشأن طرح تغيير النظام، شدد على أن «المطلوب تغيير الممارسة قبل كل شيء».
من جهته، أوضح فرنجية أن «ماكرون تحدث عن تغيير في الأسلوب وبيّن أنه صديق حقيقي للبنان». وبرزت مواقف النائب باسيل حيث طالب الرئيس الفرنسي بـ «توفير حماية دولية للبنان المستقر والمزدهر تبعاً لعملية تهدئة إقليمية، مع أملنا في أن تتحول تلك العملية سلاماً مستداماً». وطلب «المساعدة في إقناع القوى الإقليمية والدولية، بعدم جعل لبنان ورقة مساومة، أو مجرّد ضرر جانبي، أو حتى أرض صراع، وبردع إسرائيل عن الاعتداء علينا يومياً».
وأشار باسيل إلى أن «إعادة بناء المرفأ وتطويره نموذج لمشاريع تعاون أخرى في قطاعات النقل والطاقة ومعالجة النفايات تماماً على صورة مشروع استخراج الغاز بقيادة توتال، حيث نريد تدخلكم في الوقت المناسب، لمواصلة أعمال الاستكشاف، ومن ثم الإنتاج». وشدد باسيل، على «ضرورة إقرار إصلاحات سياسية دستورية، في سياق توافق وطني شامل، لجعل لبنان دولة علمانية حديثة في إطار لامركزيّ يحترم تعدديتنا».
وذكر باسيل ماكرون بـ»أننا لا نغفل واقع وجود مليوني لاجئ ونازح على أرضنا نتيجة للحروب غير العادلة. هؤلاء الذين نرحّب بهم بسخاء، قد يسلكون طريق الهروب نحوكم في حال تفتت لبنان».
في غضون ذلك واصلت الأجهزة الأمنية تحقيقاتها في انفجار المرفأ، حيث تسلم الجيش إجراء التحقيقات والقضاء العسكري بمساندة من خبراء فرنسيين وأشارت المعلومات عن وجود مباشرة 7 خبراء متفجرات من الجنسية الفرنسية سبق لهم أن حققوا في تفجير نيترات الامونيوم بالكشف على تفجير بيروت وذلك بناء على طلب القاضي غسان عويدات.
وترأس الرئيس حسان دياب اجتماعاً لخلية الأزمة، حضره نائب رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر وعدد من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية ومدير عام الجمارك بدري ضاهر، وجرى البحث في تسريع عمليات الإنقاذ ومسح الأضرار وإيواء العائلات التي دمّرت منازلها.
ولفتت معلومات رسمية لـ»البناء» إلى أن الاجهزة الامنية باتت تملك رؤية امنية وتفاصيل دقيقة حول تفجير مرفأ بيروت، مشيرة الى أن نتائج التحقيقات ستظهر خلال ثلاثة ايام وستكشف ملابسات القضية وستُجرى محاكمات لكل المتورطين». ولفتت المصادر الى «أن المحكمة العسكرية تسلمت ملف التحقيقات لتسريع التحقيقات والمحاكمات، لأن هذه الكارثة لا تحتمل التأخير في كشف الحقيقة».
وأشار مرجع أمني رسمي معني لـ»البناء» الى أن «التحقيق في ملف الانفجار في المرفأ سيصل الى خواتيمه في وقت قريب وخلال أيام وسيتم تحديد كل المسؤولين عن الملف»، واستبعد المرجع أن يكون التفجير عملاً مدبراً وقال: «99 في المئة ليس مدبراً ويجري التحقيق في كل الفرضيات».
في المقابل أشارت مصادر مطلعة على الشأن العسكري لـ»البناء» إلى أن لـ»إسرائيل الباع الطويل في تنفيذ عمليات أمنية من دون أي أثر يدل عليها ولديها مصلحة بضرب الاستقرار الداخلي»، مشيرة الى أن «لا مصلحة لحزب الله بوضع مستوعبات أسلحة في مرفأ بيروت».
وأكدت المعلومات الرسمية أن جهاز أمن الدولة رفع تقارير عدة للحكومات المتعاقبة والمسؤولة في الدولة منذ سنوات حذر فيها من خطر وجود المخزن الذي يحتوي على نيترات الامونيوم، الا أن أياً من الحكومات لم تحرك ساكناً، الا أن الملاحظ هو تمادي قوى 14 آذار وكعادتهم في استغلال الانفجار لأهداف سياسية وتماهياً مع المشاريع الدولية لتدويل لبنان. وتساءلت مصادر متابعة لماذا يصوّب بعض السياسيين على حكومة الرئيس حسان دياب وتحميلها مسؤولية الاهمال في معالجة محتويات العنبر رقم 12 ويتناسون تقصير رؤساء حكومات سابقين كالرئيسين تمام سلام وسعد الحريري؟ علماً أن شحنة نيترات الأمونيوم صودرت ابان حكومة سلام!
وطلب مصرف لبنان بتجميد الحسابات العائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ورفع السرية المصرفة لكل من مدير مرفأ بيروت حسن قريطم مدير عام الجمارك الحالي بدري ضاهر والسابق شفيق مرعي، نايلا الحاج، ميشال نحول، جورج ضاهر ونعمة البراكس.
الى ذلك أعلنت الهيئة العليا للإغاثة الطلب من المتضررين من انفجار مرفأ بيروت الى تقديم طلبات الى الهيئة لإجراء عمليات مسح وإحصاء الخسائر للتعويض عليهم. واشارت مصادر رسمية لـ»البناء» الى أن «مرفأ طرابلس فتح أبوابه لاستقبال الشاحنات التجارية من الخارج وتفريغها للتعويض عن مرفأ بيروت المتوقف عن العمل، لافتة الى أن مرفأ طرابلس يستوعب 75 في المئة من طاقة مرفأ بيروت على أن يتولى مرفأ صيدا النسبة المتبقية».
وأشارت المصادر الى أن «الهيئة العليا للاغاثة ستبدأ بإحصاء الأضرار للبدء بالتعويض على المتضررين رغم الصعوبة في التعويض عن كل المتضررين نظراً لفداحة الأضرار في مختلف المناطق المحاذية للتفجير ورغم الأوضاع الصعبة التي يعاني منها لبنان جاءت كارثة التفجير في المرفأ لتزيد الاوضاع صعوبة»، وقدرت المصادر الخسائر بـ» 50 مليار دولار».
وعلى ضفة أخرى، تجمع محتجون أمام مجلس النواب في وسط بيروت، ووقعت صدامات بينهم وبين مكافحة الشغب مساء أمس على خلفية محاولتهم تحطيم البوابة الحديدة والعبور باتجاه البرلمان. وأطلقت مكافحة الشغب قنابل مسيلة للدموع على المحتجين. كذلك، حصلت اشتباكات وعمليات كرّ وفرّ بين القوى الأمنية والمحتجين في محيط المجلس واستخدمت القوى الأمنية قنابل الغاز المسيلة للدموع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
خلوة بين الرئيس الفرنسي ورعد المعاقَب أميركياً
ماكرون: الحل بحكومة وحدة وطـنية!
«الانقلاب» الذي كانت تسعى إليه بعض قوى ١٤ آذار بعد صدور حكم المحكمة الدولية في ٧ آب، بدأت تنفيذه في ٦ آب، سعياً للاستفادة من هول المأساة التي نتجت عن تفجير مرفأ بيروت. يوم واحد تُرك للملمة جراح ما بعد الانفجار الكارثي، قبل أن تنطلق القافلة. وليد جنبلاط أعلن إشارة الانطلاق، مكرراً مشهد العام 2005. وكانت تلك القوى تمنّي النفس بأن يتولى ايمانويل ماكرون المهمة الخارجية، أسوة بما فعله سلفه جاك شيراك عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
الفارق أن حدود التوغل الخارجي في الأزمة الداخلية لم تتضح معالمه بعد، فيما بدت الجبهة الداخلية مستجدية لكفيل خارجي، حتى ولو من خلال تحميل مسؤولية الانفجار لحزب الله، كما فعل جنبلاط، الذي سبق أن اتهم إيران والحزب بــ«انقلاب» 17 تشرين، على ما أسماه حينها. أما ماكرون فعاش في لبنان ساعات كان يحلم بها في فرنسا.
الاستقبال الشعبي الذي لقيه في الجميزة، لا يجده في فرنسا، لأنه على ما يصفه فرنسيون كثر، كاذب. فتح له لبنان ذراعيه ليكثر من الكلام في حفلة علاقات عامة تعوّضه بعضاً من خسائره في بلاده. عاملته قلة، امام الكاميرات، معاملة الفاتحين المنقذين من الجحيم. وهو أكثر من التعامل مع نفسه بوصفه وصياً على اللبنانيين، أو قائداً للجيوش الفرنسية الزاحفة نحو السواحل اللبنانية لإنقاذهم. ركزّ في كل خطاباته على التوجه لهم، موحياً أن السلطة التي التقى بأقطابها كافة، إن كانوا في الحكم أو في المعارضة، هي سلطة مؤقتة. وقد طالبها، في ختام زيارته إلى بيروت، بإحداث «تغيير عميق» في أدائها لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي والانقسامات السياسية. وقال، في المؤتمر الصحافي الذي عقده قبيل مغادرته بيروت، «يجب إعادة بناء الثقة والأمل، وهذا لا يُستعاد بين ليلة وضحاها، إنما تفترض إعادة بناء نظام سياسي جديد». وأضاف: «طلبت من كل المسؤولين السياسيين تحمّل مسؤولياتهم». كما دعا لإجراء «تحقيق دولي مفتوح وشفاف للحيلولة دون إخفاء الامور أولاً ولمنع التشكيك ثانياً». وردا على سؤال لصحافي فرنسي حول فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين الذين يعرقلون الإصلاحات، قال «لا أستبعد شيئا»، مضيفا: «في بعض الظروف، العقوبات ليست الأكثر نجاعة، اعتقد أن الحل الأنجع هو إعادة إدخال الجميع في آلية» حل الأزمة.
لكن ما قاله ماكرون في الخارج لم يترجمه في لقائه مع مندوبي القوى السياسية الثماني التي دعتها السفارة الفرنسية للقاء معه في قصر الصنوبر: سعد الحريري ومحمد رعد وجبران باسيل وسامي الجميل وابراهيم عازار (ممثلاً الرئيس نبيه بري) وليد جنبلاط وسليمان فرنجية وسمير جعجع.
مصادر المجتمعين قالت لـ«الأخبار» إن الرئيس الفرنسي حمل أربع رسائل أساسية للشخصيات التي التقاها:
– وجوب تنظيم حوار داخلي،
– بدء تنفيذ الإصلاحات قبل مطلع أيلول المقبل، «وإلا سيكون لنا موقف آخر»،
– تأليف حكومة وحدة وطنية. «وفي حال توصلتم إلى تفاهم على حكومة للوحدة الوطنية، فأنا أضمن لكم تأييداً اميركياً واوروبياً وسعودياً وإيرانياً.
– عدم إضاعة الوقت بالخلافات الكبرى، والتركيز على مسألة الانهيار الاقتصادي والإصلاحات.
مصادر شاركت في الاجتماع قالت لـ «الأخبار» إن الرئيس الفرنسي كان «قاسياً»، مؤكداً لهم أن ما لمسه هو غياب ثقة اللبنانيين بـ«كل الطبقة السياسية. لا ثقة بكم كلكم، وانتم لا تثقون بعضكم بالبعض الآخر»، وأكد أن أحداً ليس مستعداً لمساعدة لبنان مادياً لغياب هذه الثقة. وعندما حاول جعجع والجميل الاشارة الى أن هناك أناساً خارج الحكومة وآخرين داخلها، نصح بـ«عدم تقاذف كرة المسؤوليات. الجميع مسؤول». وقال: «أفهم أن هناك مشاكل كبرى في لبنان وفي المنطقة، ولكن هناك أموراً حياتية يجب أن تهتموا بها سريعاً بعيداً من أي شيء آخر. اهتموا بالشأن الحياتي والاقتصادي، وإلا فإنه بعد أشهر لن يكون لديكم غذاء أو دواء». ولفت الى ما سمّاه «التدخل التركي في الشمال»، مذكراً بـ«عواقب» مثل هذه التدخلات في «أماكن أخرى» (في إشارة إلى ليبيا، التي تشهد صراعاً فرنسياً تركياً محتدماً).
وظهر بوضوح أن الرئيس الفرنسي لم يكن على موجة واحدة مع فريق 14 آذار الذي طالب بحكومة حيادية وانتخابات مبكرة وبتحقيق دولي في تفجير المرفأ. ففي ما يخص النقطة الأخيرة، تجاهل التعليق على مطلب التحقيق، وحتى عندما قال جعجع إن التحقيق يمكن أن يكون فرنسياً لم يعلّق ماكرون على الأمر. أما في ما يتعلق بتشكيل «حكومة حيادية» فأشار الى ان الحكومة الحالية يمكنها القيام بالاصلاحات المطلوبة، وإذا ما أخفقت فيمكن تشكيل حكومة «وحدة وطنية»، مكرراً الحديث عن حكومة «الوحدة الوطنية» أكثر من مرة، ومشيراً الى أنها ينبغي أن «لا تستثني أحداً». وعن مطلب الانتخابات المبكرة، ردّ بأن الوقت لا يسمح لمثل هذه الأفكار، «هذه أمور لا توصل الى أي مكان. إجراء الانتخابات تضييع للوقت وليس لديكم مثل هذا الوقت. وضعكم بات دقيقاً وبامكان الحكومة الحالية والمجلس النيابي الحالي القيام بالمطلوب». وبحسب المصادر فإن تعليق ماكرون على هذه المطالب الثلاثة أثار انزعاج فريق 14 آذار، خصوصاً جنبلاط وجعجع.
ماكرون ركّز أيضاً، أكثر من مرة، على غياب الشفافية في مصرف لبنان وفي القطاع المصرفي وعلى ضرورة إخضاع عمل المصرف المركزي للتدقيق، «وهذا أمر بديهي»، وكذلك على ضرورة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاحه.
أما من جهة الضيوف اللبنانيين، فيمكن تلخيص أبرز ما ورد في مداخلاتهم بالآتي:
الحريري شدد على ضرورة معالجة الانهيار الاقتصادي، قبل ان يغمز من قناة حزب الله بقوله: كيف يمكن للدول أن تساعدنا فيما بعض اللبنانيين لا يكفّون عن مهاجمتها. وبعد انتهائه من مداخلته، عاد وطلب الكلام ليطالب بانتخابات نيابية مبكرة.
رعد تحدّث عن ضرورة تحصين الوضع في لبنان، والحفاظ على نقاط القوة فيه، وخاصة «قوة المقاومة التي سدّت عجز الدولة عن التحرير، تماماً كما فعل المواطنون الفرنسيون إبان الاحتلال النازي».
جبران باسيل قدّم مطالعة تفصيلية عن الوضع اللبناني، وضرورة حماية لبنان من خلال الإصلاح ووقف التدخلات الخارجية فيه. وشدد على وجوب حل النزاعات في المنطقة، بما ينعكس إيجاباً على أحوال لبنان.
سامي الجميل كرر مواقفه التي يقولها دائماً عن سقوط السلطة وضرورة التغيير والإصلاح، مطالباً بتحقيق دولي في انفجار المرفأ.
عازار كرر مواقف الرئيس بري عن الوحدة والحوار والإنقاذ.
جنبلاط قال «لقد خسرنا معركتنا. حاولنا ترسيم حدود مزارع شبعا، وفشلنا. واليوم، نحن نخسر المعركة مجدداً».
فرنجية دعا إلى الحوار، وقال: «إذا أردنا حكومة وحدة وطنية، فيجب أن تكون برئاسة سعد الحريري».
جعجع تحدّث عن «صراع ايديولوجي في لبنان، بين إيديولاجيا الدولة وإيديولوجيا اللادولة. والمشكلة ليست في فساد الدولة، بل في إيديولوجيا اللادولة»، مطالباً بتحقيق دولي في انفجار المرفأ، قبل ان يتراجع خطوة إلى الوراء مطالباً بتحقيق فرنسي.
وبرز لافتاً في لقاء ماكرون مع ممثلي القوى الثمانية، انه اختلى – حصرا – في نهاية اللقاء بممثل حزب الله النائب رعد، وطال الحديث بينهما. ورفضت مصادر الحزب الإفصاح عما دار في هذه الخلوة التي دامت لدقائق وقوفاً. وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء هو الاول بين الرئيس الفرنسي وشخصية من الحزب مُدرجة على لوائح العقوبات الأميركية.
وقبل اللقاء، كان ماكرون قد اعلن عن تنظيم مؤتمر دولي لدعم لبنان، خلال الأيام المقبلة، «بهدف الحصول على تمويل دولي» من «الأوروبيين والأميركيين وكل دول المنطقة وخارجها من أجل توفير الأدوية والرعاية والطعام ومستلزمات البناء». كما أكد أن أموال سيدر موجودة، لكن لن تدفع إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد. ومسألة تغيير النظام رددها في أكثر من مناسبة. وهو أعلن، أثناء تفقّده شارع الجميزة سيراً على الاقدام، وقبيل لقائه المسؤولين اللبنانيين، أنه سيقترح عليهم «ميثاقاً سياسياً جديداً» لـ«تغيير النظام»، قائلا: «أنا هنا لإطلاق مبادرة سياسية جديدة، هذا ما سأعبّر عنه بعد الظهر للمسؤولين والقوى السياسية اللبنانية»، مشيراً إلى ضرورة بدء «الإصلاحات وتغيير النظام ووقف الانقسام ومحاربة الفساد». ورداً على طلب بعض المتجمعين بعدم تسليم المساعدات الى الحكومة، قال ماكرون «أؤكد لكم أن هذه المساعدة ستكون شفافة، وستذهب الى الأرض، وسنضمن ألا تذهب الى أيادي الفساد». وأضاف أنه يتمنى إجراء «حوار صادق» مع المسؤولين اللبنانيين، «لأنه بعيداً عن الانفجار، نعلم أن الأزمة خطيرة وتنطوي على مسؤولية تاريخية للمسؤولين»، متابعاً «في حال لم تنفذ الإصلاحات، سيواصل لبنان الغرق وهذا حوار آخر سنقوم به».
وكان ماكرون قال في مطار بيروت إن «الأولوية اليوم لمساعدة ودعم الشعب من دون شروط. لكن هناك مطلب ترفعه فرنسا منذ أشهر وسنوات حول إصلاحات ضرورية في قطاعات عدة»، مشيراً بشكل خاص إلى قطاع الكهرباء.
وعبّر لدى خروجه من قصر بعبدا عن أمله في «أن تجرى التحقيقات في أسرع وقت في إطار مستقل تماماً وشفاف ليكون في الإمكان معرفة ما حصل وأسباب الانفجار». وقال إنه أحسّ «بوجود غضب في الشارع»، مشيراً إلى أنه تحدّث مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب بموضوع «الأزمة السياسية والأخلاقية والاقتصادية والمالية المتواصلة منذ سنوات بكثير من الصراحة». أما عون، فوصف زيارة الرئيس الفرنسي بأنها «ناجحة ومفيدة»، مؤكدا أن «فرنسا ستساعد لبنان». وأشاد بـ«جهود ماكرون الشخصية لدعم لبنان في مواجهة الأزمات العديدة التي يواجهها، على المستوين الثنائي والدولي». وكان ماكرون تفقّد موقع الانفجار حيث قال له ضابط من فريق الإنقاذ الفرنسي الذي يساعد الفرق اللبنانية في عمليات البحث إنه لا يزال هناك أمل بالعثور على ناجين.