خاص ـ الحقول / تضاعفت مساحة “مزارع المخدرات” في افغانستان بعد سيطرة الإحتلال الأميركي وإقامة حكومة قرضاي، وارتفع إنتاجها من الأفيون والحشيشة والهيرويين(1) ما بين عامي 2005 ـ 2006، بنسبة 70 في المئة بالمقارنة مع ما كان عليه عام 2000، وبنسبة 52 في المئة عن معدل إنتاج عقد التسعينيات من القرن الماضي.
اتخذت أفغانستان موقعا شبه احتكاري للإنتاج العالمي من المخدرات، وارتفعت مساهمتها إلى 92 في المئة من الحجم الإجمالي لأسواق المخدرات الدولية منذ عام 2005(2). ثم تعززت هذه “المساهمة” بانتقال مختبرات تصنيع المخدرات من باكستان إلى أفغانستان نفسها(3).
ووفقا للإحصاءات الدولية فقد أنتجت المختبرات الأفغانية أكثر من 7 آلاف طن من الأفيون في عام 2009، وهو ما يساوي 90 في المئة من الإنتاج العالمي. بالإضافة إلى إنتاج 3,5 ألف طن من مخدر الحشيشة في عام 2010، علما بأن مخزون الحشيشة الأفغاني يصل إلى 15 ألف طن(4).
أما الهيرويين المستخلص في هذه المختبرات من خام الأفيون، فإنه جعل أفغانستان المحتلة أكبر مصْدَر للهيروين في العالم. وتفيد معطيات مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، إن قيمة “صادرات” أفغانستان من هذا المخدر القاتل بلغت 2.8 مليار دولار في عام 2009(5).
واعتمادا على تقارير الأمم المتحدة فإن الأفيون بات ركيزة “اقتصاد المخدرات” الأفغاني (6). وتؤكد هذه التقارير إن حجم إنتاج خام الأفيون كان حوالي 4 آلاف طن في عام 1999(7). وبالمقارنة مع المستويات القياسية التي حققها عام 2009، فقد انخفض إنتاجه إلى النصف في عام 2010، بسبب آفة مجهولة ضربت محاصيل الخشخاش(8)، وهي مصدر الأفيون الخام.
لكن هذا الإنخفاض لم يضعف الموقع شبه الإحتكاري الذي يتمتع به تجار ومهربو الأفيون الأفغان في سوق المخدرات الدولية غير الشرعية. فقد “طار” سعر الكلغ الواحد من الافيون الجاف من 64 دولارا عام 2009، الى 169 دولارا في عام 2010(9).
إن تمركز مزارع الأفيون في ما تسميه قوات الإحتلال الأطلسي “مناطق سيطرة” حركة طالبان، وجباية هذه “الحركة” 10 في المئة من عائد زراعة المخدرات، لا يرفع المسؤولية السياسية والقانونية التي تترتب على سلطة الإحتلال.
وبموجب القوانين الدولية لا مناص من اعتبار القوات الأميركية ـ الأطلسية الجهة المسؤولة عن اضطرار الأفغان للتكسب من “اقتصاد المخدرات”، وعن تفشي “الأفينة” Opiumisation في بلادهم. فمساحة مزارع الأفيون لم تكن تتعدى 80 ألف هكتار، وقت “الفتح” الأميركي لهذه الدولة المسلمة عام 2001. لكنها، مذاك، تتوسع وتتضاعف على مرأى من قيادة الإحتلال، حتى وصلت إلى 123 ألف هكتار عام 2009 (10).
وقد صرح غير ضابط أميركي في قيادة قوات الإحتلال، أن الأميركيين يرفضون تطبيق قواعد المكافحة التقليدية لزراعة المخدرات واستخدام أدواتها في أفغانستان، أسوة بما يجري في بعض دول آسيا وأميركا اللاتينية. ثم تكرر هذا الموقف في واشنطن بلسان مسؤول أميركي رفيع المستوى هو دافيد جونسون(11).
استثناء أفغانستان من القواعد الدولية لمكافحة المخدرات، يبرز واحدا من خطوط الاستراتيجية الأميركية الحاضنة لـ”الأفينة”، كوسيلة تبعث القوة في مفاصل الإقتصاد السياسي للإحتلال الأميركي ـ الأطلسي.
وقد يكون من دلائل “نجاح” هذه الإستراتيجية ـ التي يتواطأ على تنفيذ قادة الإحتلال ورجال حكومة قرضاي الفاسدة، ناهيك عن موظفي الأمم المتحدة في كابول(12) ـ أن تصير زراعة المخدرات مصدر 38 بالمئة من مجمل الدخل القومي الأفغاني، وفق إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة(13)، وأن تنمو حصة انتاج الأفيون من إجمالي الناتج المحلي لأفغانستان، من 4 في المئة عام 2009 إلى 5 في المئة عام 2010(14).
وتسحق نتائج “الأفينة”، باعتبارها تحولا سوسيو ـ إقتصاديا خطيرا، المجتمع الأفغاني أولا. فقد سقط نحو مليون أفغاني ضحية الإدمان على المخدرات. وهذا الرقم الذي تذكره مصادر الأمم المتحدة، يساوي نسبة 8 في المئة من إجمالي عدد السكان في أفغانستان، وهو ضعف المعدل العالمي للإدمان(15). ولكن من يأبه؟.
إن ازدهار “اقتصاد المخدرات” الأفغاني تحت رعاية الإحتلال الأميركي، يعيدنا إلى سياسة المكيالين التي تتبعها الولايات المتحدة. فالأميركيون الذين أقاموا قواعد عسكرية في كولومبيا، بدعوى مكافحة زراعة وتهريب المخدرات، يعملون على “استثمار” المخدرات الأفغانية كوسيلة لخلق الإضطراب وتهديد الأمن الإجتماعي لدول الأقاليم المجاورة لأفغانستان، وهي دول غنية بالنفط والغاز والموقع الإستراتيجي، مثل أوزبكستان، طاجيكستان، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وصولا إلى قيرغيزيا وتركيا، وإلى دول كبرى مثل روسيا وأوروبا(16).
إن شبكات تهريب المخدرات الأفغانية مندغمة في مافيا دولية وإقليمية للنقل والترويج في الأسواق العالمية غير الشرعية(17). وتسمح البنية “العولمية” لهذه الأسواق، بنشر تهديد “الأفينة” ومخاطرها انطلاقا من أفغانستان صوب دول المشرق العربي أيضا(18)، خصوصا مصر ولبنان. ففي هاتين الدولتين، كشف التقارير الرسمية أن سن بدء تعاطي المخدرات انخفضت إلى 11 سنة في مصر ، كما أنها انخفضت من 20 إلى 18 سنة في لبنان(19).
وليس من قبيل المصادفة أن تتراجع المناعة ضد تعاطي المخدرات في المجتمعين المصري واللبناني، في أعقاب المستويات القياسية التي بلغها محصول المخدرات الأفغاني في عام 2009. ومن المرجح استمرار هذا التدهور الإجتماعي، خصوصا في مصر التي تصنف بأنها الدولة الإفريقية الثانية في تجارة وتعاطي المخدرات(20).
إن التصدي لتهديد “الأفينة”، ومنع أميركا من استغلالها لتحقيق مصالح جيواستراتيجية، يتطلب توحد الجهود العربية للتنسيق مع الدول المتضررة منها مثل إيران وتركيا وروسيا والإتحاد الأوروبي.
وتعتبر روسيا الدولة الأكثر حاجة وقدرة على المشاركة في تعاون عربي وإسلامي لردع أخطار “الأفينة”. وذلك نتيجة معاناة المجتمع الروسي من مخاطر انتشار المخدرات، حيث يقدر عدد ضحايا الإدمان بحوالي 5 ملايين مواطن، يموت منهم نحو 40 ألفا سنويا(21).
تطلب مبادرة روسيا لمكافحة المخدرات الأفغانية، قيام قوات الإحتلال الأطلسي في أفغانستان، التي صارت تسمى قواتا دولية/ “إيساف”، بتدمير “مزراع المخدرات”، وتطوير الإقتصاد الأفغاني، وتوقيع عقوبات في مجلس الأمن الدولي بحق الأشخاص والشركات والجهات المتورطة في جرائم زراعة وتصنيع وتجارة وتهريب المخدرات الأفغانية.
ولذلك، فالتعاون العربي ـ الروسي من أجل وقف سياسة المكيالين الأميركية في ملف المخدرات الأفغانية، والذي يمكن أن يضم الدولتين المسلمتين : إيران وتركيا، يستدعي جهدا ديبلوماسيا وإعلاميا عربيا، وإسلاميا. ويمكن للبنان، وهو ضحية انتشار المخدرات، ومتهم في الوقت نفسه بإنتاجها، أن يلعب دورا متميزا في تنسيق وإطلاق الجهد العربي ضد “الأفينة”، مستفيدا من إشغاله المقعد غير الدائم للمجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي.
ويتعاظم الأمل في نجاح الضغوط على الأميركيين لتفكيك حضانة “اقتصاد المخدرات” الأفغاني، مع تهيؤ إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما لمراجعة استراتيجية الحرب في افغانستان في شهر كانون الاول/ ديسمبر المقبل، حينما تبدأ السنة الأخيرة من عقد “الإحتلال الأطلسي” لهذا البلد المسلم (2001 ـ 2011) (22).
علي نصار
25 تشرين الأول 2010
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ http://www.aleqt.com/2010/09/21/article_445071.html
2 ـ http://www.aleqt.com/2010/09/21/article_445071.html
3 ـ18 أيلول/سبتمبر 2009،
http://akhbar.alaan.tv/ar/videos/video-reports-ar/ama-14.html
4 ـ 30 أيلول/سبتمبر 2010
http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARACAE68T10220100930
وكذلك نقلا مدير الهيئة الفدرالية الروسية للرقابة على تداول المخدرات فيكتور إيفانوف، خلال اجتماع في مدينة أستراخان الروسية لمواجهة التداول غير الشرعي للمخدرات
12/10/2010
http://www.syria-news.com/newstoprint.php?sy_seq=122974
5 ـ الاحد 28 شباط/فبراير 2010
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2010/02/28/95742.html
6 ـ 18 أيلول/سبتمبر 2009
http://akhbar.alaan.tv/ar/videos/video-reports-ar/ama-14.html
7 ـ 20/10/2002
http://www.aljazeera.net/News/archive/archive?ArchiveId=41293
8 ـ http://www.aleqt.com/2010/09/21/article_445071.html
وكذلك
12/10/2010
http://www.syria-news.com/newstoprint.php?sy_seq=122974
9 ـ 12/10/2010
http://www.syria-news.com/newstoprint.php?sy_seq=122974
10 ـ 30 أيلول/سبتمبر 2010
http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARACAE68T10220100930
11 ـ Briefing on Release of the 2010 International Narcotics Control Strategy Report (INCSR)
David T. Johnson
Assistant Secretary, Bureau of International Narcotics and Law Enforcement Affairs
Washington, DC
March 1, 2010
http://www.state.gov/p/inl/rls/rm/137531.htm
12 ـ 18 أيلول/سبتمبر 2009
http://akhbar.alaan.tv/ar/videos/video-reports-ar/ama-14.html
13 ـ هناك أوامر بعدم التعرض لحقول المخدرات،
http://www.marayapress.net/index.php?act=press&id=1558
السبت 27 آذار/مارس 2010
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2010/03/27/97173.html
14 ـ الاحد 21 آذار/مارس 2010
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2010/03/21/96875.html
15 ـ 30 أيلول/سبتمبر 2010
http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARACAE68T10220100930
16 ـ 20/10/2002
http://www.aljazeera.net/News/archive/archive?ArchiveId=41293
17 ـ 18 أيلول/سبتمبر 2009
http://akhbar.alaan.tv/ar/videos/video-reports-ar/ama-14.html
18 ـ http://www.alwatan.sy/dindex.php?idn=88498
19 ـ جريدة الأخبار اللبنانية 1 كانون الثاني، 2010
20 ـ نقلا جريدة الأهالي المصرية 22 أيار 2010
21 ـ 14 أيار/مايو 2010
http://www.aawsat.com/details.asp?section=45&article=569426&issueno=11490
22 ـ 30 أيلول/سبتمبر 2010
http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARACAE68T10220100930
COMMENTS