“التدليس الديموقراطي” على المواطن العربي : نموذج هيثم مناع ومحطات تلفزيونية …

جرائم ارتكبتها القوات البريطانية في أفغانستان وتزيف الأدلة!
جمعيات “الروتاري” والتجسس : كيف تجند وكالة الإستخبارات المركزية طلّابا لبنانييّن في جامـعات أميركا؟
“مقاومو” 14 آذار في غزة، وهنية حمل زهرة تحيات “حماس” إلى جعجع!

أصدرت بعض الفضائيات الغربية ولاسيما فضائية «بي بي سي» العربية حكمها وقرارها بأن كل ما تنشره وسائل الإعلام السورية الخاصة والرسمية هو كذب بكذب، وقالت القناة في تقرير خاص بثته أمس إن ما ننشره هو «تسويق» لموقف النظام وتشويه صورة الاحتجاجات، الأمر الذي أدى حسب القناة إلى مناشدة أهالي درعا «للقنوات الشريفة مثل بي بي سي» لتغطي بمهنيتها العالية ومصداقيتها التي لا يمكن لعاقل أن يشكك فيها تفاصيل وحقيقة ما يجري في درعا.

لن نخوض في تفاصيل هذا التقرير والتقارير المماثلة والاتهامات التي سوقتها أيضاً بعض الفضائيات الأخرى المعروفة «بمصداقيتها ومهنيتها العالية جداً»، لكن كم كنا نتمنى على هذه القنوات لو توخت الدقة في بث الأكاذيب، ولا نقول حقيقة ما يجري.

فليل أول من أمس بدأت بعض الفضائيات ببث خبر عاجل أن الجيش السوري يقتحم جامع العمري.. تغير بعد قليل وأصبح «الجيش السوري يهاجم المعتصمين في جامع العمري واستشهاد 5 وإصابة عدد كبير من الجرحى».. «العربية» تمكنت من الاتصال بـ«ناشط حقوقي» الذي أكد بصوته أن الجيش السوري قطع الكهرباء والاتصالات عن المدينة، لكن على ما يبدو -حسب هذا الناشط- هناك ضابط لديه على ما يبدو «ريموت كونترول» يشغل من خلالها الكهرباء لثوان «لتعقب المعتصمين» ويعيد إطفاء الكهرباء سريعاً!

وعلى حين كان كل السوريين يحاولون الاتصال بمن يعرفونهم في درعا للوقوف على حقيقة ما يجري وكنا نحن أيضاً بدورنا نحاول الاتصال بمراسلنا، إلا أن السيد هيثم مناع الموجود في باريس والذي أقلقه الخبر تمكن من هناك -حسب ما قاله لقناة «بي بي سي» بالاتصال بعدد- والرجاء تأكيد كلمة «عدد» من الجرحى -وتأكيد كلمة جرحى- الذين سقطوا بالقرب من جامع العمري، وأكد الجرحى الذين كانوا على ما يبدو قادرين على استخدام هواتفهم النقالة والرد على اتصالات السيد المناع حصراً دون سواه، أكدوا له أن الأوضاع صعبة للغاية وأنهم عزل ويتعرضون لهجوم من القوات الخاصة الذين يطلقون الرصاص على النساء والأطفال ويمنعون سيارات الإسعاف من الوصول إلى محيط الجامع بهدف «قتل أكبر عدد ممكن من المعتصمين» وطالب «الجرحى» المناع بالتحرك فوراً لإنقاذ سكان درعا وقرر الناشط الإنساني أن ما يحصل هو «جريمة ضد الإنسانية»!! ونحمد اللـه أن السيد المناع لم يتمكن من الاتصال بالقتلى وسؤالهم عن أسباب استشهادهم!!

وبعد ساعات بثت مواقع الانترنت التي تم تأسيسها بأموال -أجزم أنها ليست أموال شباب درعا- مقاطع فيديو قيل إنها من قلب الحدث وخلال هجوم الجيش على المعتصمين، وظهر بشكل واضح في هذه المقاطع إنارة الشوارع التي قيل إنها في درعا وسمع أصوات لعيارات نارية وكان مضمون أحد هذه المقاطع عبارة عن شاب يجول في الشارع يصرخ «يا خونة» ويظهر أمامه عدد من الشباب من غير الواضح ما الذي يفعلونه، لكن المهم أن نصدق أنهم كانوا في قلب الحدث وفي «ميدان المعركة» لكن وللمصادفة كان لديهم كهرباء، وفي أحد المقاطع الذي «أنتج» بسرعة دون معالجته، نسمع صوتاً من شاب يقول لمن يصور: هل صورت هذه؟ فيجيب: لا هذه لا يجب تصويرها.. أي إن الشباب لديهم معلومات واضحة وصارمة عما يجب تصويره أم لا.. وهذه المقاطع أعيد بثها على بعض القنوات الفضائية -وبمهنيتها العالية- كانت الفضائيات تبث المقاطع وتعيد رواية قطع الكهرباء والاتصالات على حين كنا نشاهد الكهرباء على الشاشة ونستمع إلى شهادات من «نشطاء» جميعهم على ما يبدو مثل السيد المناع كانوا على اتصال مباشر مع «الأحرار» في محيط الجامع وكانوا يسمعون «وابلاً من الرصاص ينهمر عليهم»!!

وخلال هذه الأثناء كانت مواقع انترنت وصفحات الفيسبوك تحرض السوريين للنزول إلى الشارع و«مناصرة» إخوانهم في درعا، وبعد قليل ظهرت مذيعة الـ«بي بي سي» لتسأل السيد المناع إن كان لديه أي معلومات حول تحركات ما في حلب، فأجابها في الرابعة فجراً بتوقيت دمشق (الثالثة بتوقيت باريس): تلقيت منذ قليل عدة اتصالات من أصدقاء في حلب تحدثوا من خلال هواتفهم «التركية» وأكدوا لي أنهم يستعدون للنزول إلى الشارع ومناصرة إخوانهم في درعا ووقف «المجزرة». ونترك للقراء أن يحاولوا وهم في حلب الاتصال من خلال الشبكة التركية (رومينغ – تجوال) أو أن يحاول من لديه شريحة تركية أن يشغلها ويؤكد لنا صحة معلومات المناع، لأننا نحن «الكذابون» وللأمانة صدقونا ولو لمرة: لم نتمكن من تشغيلها، ونستغرب كيف تمكن أصدقاء المناع من الاتصال به من حلب بشريحة تركية!.

قناة «العربية» الصادقة جداً ولاسيما في الشأن السعودي، كانت أيضاً على اتصال مع «النشطاء» في محيط جامع العمري، وأكد أحدهم بالصوت أن المعتصمين عددهم عشرون وهم داخل المسجد، فسألته المذيعة بمهنية «أن تعرف أكثر»: هل لديك معلومات عن مصير المعتصمين؟ فأجاب وهو في محيط المسجد وعلى اطلاع مباشر عما يجري في داخله: أصبحوا جثثاً وجرحى ولن يخرج أي منهم حياً..

وبعد دقائق بثت مواقع «الثورة» الافتراضية خبر تمكن المعتصمين في جامع العمري من إغلاق باب الجامع ومنع الجيش من دخوله وعددهم ما بين 250 و300 معتصم داخل المسجد!! خبر سارعت قناة الـ«بي بي سي» إلى بثه قبل أن تتصل بمراسلها في دمشق الزميل عساف عبود «الكذاب بكل تأكيد حسب تصنيف الإعلام والإعلاميين السوريين» الذي أكد لها أنه لا يوجد أي معلومات متوافرة وأن الاتصالات مقطوعة ويجب انتظار الرواية الرسمية لنعرف حقيقة ما جرى»..

لكن الحقيقة عزيزي عساف كانت معروفة منذ الواحدة فجراً، فما يحصل هو هجوم للجيش على معتصمين عزل!! وما يحصل مجزرة!! وكيف لم تتمكن من الاتصال بأحد في درعا على حين تمكن المناع من الاتصال والتحدث مع عدد من الجرحى المصابين وهم لا يزالون في محيط المسجد!! أنت كاذب بكل تأكيد، مع اعتذارنا لاستخدام هذه الكلمة لكنك في النهاية إعلامي سوري وبالتالي أنت كاذب بلا نقاش.. لأن مصداقية المناع لا يمكن التشكيك فيها، فالرجل يحلف بسلمية ما يحصل في درعا، وقرار «شباب الثورة» عدم استخدام حتى الحجارة في احتجاجاتهم لأنهم ينبذون العنف!! وعلى ما يبدو لم يسمع السيد المناع كلام مشايخ ووجهاء درعا الذين أكدوا قبل ساعات من شهادة المناع وجود عناصر أقدمت على التخريب ورجم قوات الأمن بالحجارة، ولا حتى تقارير وكالات الأنباء التي يتبناها حين يشاء عن حرقهم لمقرات مدنية وخاصة والدمار الذي ألحقوه بالمدينة. فالوجهاء مثلنا «كذابون» ومتواطئون مع النظام.. والتقارير التي لا تصب مع توجهه «الإنساني» تتجه تلقائياً لسلة القمامة!

وبما أنه لا يوجد حملة منظمة على سورية، وأن كل ما ندعيه ونكتبه وننشره كذب بكذب، نرجو من هذه القنوات أن تفسر لنا كيف يمكن لـ«شبكة الأخبار» على فيسبوك أقامها أشخاص من تنظيم أصولي متطرف مقيم في السويد، (وقصة هؤلاء تأتي لاحقاً) كيف يمكن لها بث أخبار عاجلة أن السيد المناع سيظهر بعد نصف ساعة على قناة فرنسا 24، ولقاء آخر مع ناشط جديد على قناة صفا الإسلامية، وثالث على قناة بردى للمعارض النظيف اليد عبد الحليم خدام، فإما أن مدير هذه الشبكة منجم، وإما أنه ينسق مع المناع وباقي النشطاء مباشرة، وهذا بالطبع لا يعني أن ما يجري منظم، لأنه حتى لو كان فمن سيصدق كذاباً مثلنا. واللافت أكثر فيما تبثه القنوات الفضائية هو شهادات النشطاء، فتخيل أن هناك ناشطاً مقيماً في شيكاغو (شمال الولايات المتحدة الأميركية لمن لا يعرفها) يملك على ما يبدو قمراً صناعياً خاصاً أو أجهزة اتصال خارقة، فالرجل قادر من شيكاغو على الحصول على كل أخبار درعا من محيط جامع العمري وصولاً إلى أبعد قرية في المحافظة، وطبعاً لا يمكن أن نشكك في معلوماته فهو ناشط حقوقي مقيم في شيكاغو، فهل يمكن تكذيبه وتصديق ما ينشره الإعلام السوري، عيب.. وأيضاً حول ما ينشر من أخبار، بثت بعض الفضائيات أخباراً عاجلة بأن الأمن يمنع تشييع شهداء أمس ويحتفظ بالجثث، لكن بعد قليل تبث الفضائيات ذاتها خبر مقتل شخصين خلال تشييع أحد الشهداء، وبعد التدقيق يتبين أن خبر مقتل شخصين مصدره وكالة الأنباء الفرنسية التي تتراجع بعد قليل وتؤكد إصابة شخصين خلال العزاء وليس التشييع وأنهما لم يقتلا، لكن طبعاً هذا خبر لا يخدم سياسة المحطات، لذلك لا داعي للتصحيح أو النشر!! أما خبر منع التشييع والتحفظ على الجثث فلا يزال في الشريط الإخباري.. طبعاً الحديث هنا عن فضائيات ذات مصداقية عالية!!

لن نطيل أكثر من ذلك في الحديث عن فضائح الفضائيات في تغطيتها لما يحصل في درعا، لكن هناك نقاط ربما يجب أن نذكر بها لكل من يتحدث عن هجوم أو اقتحام «للجيش على المعتصمين العزل»:

– أولاً: عشرون معتصماً أو مئة أو أكثر، وخاصة إذا كانوا عزلاً ومسالمين، كما يؤكد كل النشطاء، لا يحتاجون إلى الجيش للهجوم عليهم وإخراجهم من المسجد وإنهاء اعتصامهم، يكفي عشرون شاباً من الوحدات الخاصة السورية، ولن يستغرق الوقت أكثر من نصف ساعة لإنهاء الاعتصام وإخراج كل من في الداخل، ونقصد طبعاً عشرين شاباً بلا سلاح، وجميعنا يعرف من هم الوحدات الخاصة وما تدريباتهم.

– ثانياً: إذا كان الجيش فعلاً دخل بهدف قتل كل المعتصمين كما قال المناع وغيرهم فلماذا سقط فقط خمسة قتلى وعدد من الجرحى؟ فهل هناك قوة ثالثة واجهت الجيش وأرغمته على توقيف مجزرته والانسحاب من محيط المسجد؟

– ثالثاً: يجب على السيد المناع التأكد من أن الجيش السوري ليس جيش هواة، ولن يسمح للجرحى باستخدام هواتفهم الجوالة ليتحدثوا معه وهو في باريس كما لن يسمحوا لأحد ببث صور على الانترنت الذي عادة ما تقطعه الجيوش قبل اقتحامها أي مدينة أو محيط مسجد.

– رابعاً: إذا صدقنا أن الجيش قرر الهجوم وارتكاب مجزرة في ساعات الفجر الأولى، وصدقنا أيضاً شهادات زملاء المناع بأن وابلاً من الرصاص والقنابل ليس فقط المسيلة للدموع بل السامة أيضاً لكنا استفقنا في الأمس لنرى وسط المدينة مدمراً والجثث في كل مكان «مسممة أو مقتولة» لأن الغازات السامة لا تقتل أشخاصاً محددين بل كل من هو موجود في المحيط!!

– خامساً: نرجو من وكالات الأنباء عدم استخدام كلمة «اشتباك» لأنها تؤكد بذلك أن المتظاهرين والمعتصمين المسالمين ليسوا عزلاً، فكلمة اشتباكات تعني أن الطرفين مسلحان وهذا يخالف روايات الفضائيات والمناع.

– سادساً: ربما لن يفيد، لكن سنذكر وليكذبونا أن أياً من عناصر وأفراد الجيش العربي السوري شارك في الاشتباكات مع المسلحين، عفواً المعتصمين العزل، وأن قوات الحرس الجمهوري لم تتوجه إلى درعا، أما 3000 عنصر من حزب اللـه فلا يزالون في جنوب لبنان على استعداد لمواجهة إسرائيل ولم نشاهد أياً منهم في سورية.

ونترك الرد على المناع وغيره من النشطاء للخبراء العسكريين الذين يعرفون معنى اقتحام المدن من قبل الجيوش لأن كل ما نكتبه نحن لا يفيد، لأنه «كذب» كما حكمت علينا

الفضائيات المهنية والموضوعية، ونكتفي بتعليق قاله أحد التجار أمس في حديثه لـ«الوطن»: الشعب السوري شعب مسيس وبإمكانه ببساطة كشف حقيقة ما يحصل في درعا وكشف كذب وتضليل بعض الفضائيات التي باتت أهدافها معروفة..

رامي منصور، صحفي عربي من سوريا

‏السبت‏، 26‏ آذار‏، 2011

المصدر :

http://www.alwatan.sy/dindex.php?idn=98305

Please follow and like us:

COMMENTS