خاص ـ تحرير الحقول / مرة، سئل عالم الاجتماع ستيفن كوهين عن التزام اليهود الأميركيين بإسرائيل، فأجاب: «تخيّلوا أن اليهود يعيشون في روما حوالي العام 135 ميلادي وعلموا بأن شمعون باركوخبا(1) يستعدّ للتمرد على الرومان في يهودا. ولأنهم يسكنون في الأمبراطورية الرومانية، فإن هؤلاء اليهود بالتأكيد فهموا أن التمرد سينتهي بالدموع. ألم يكن عليهم استغلال هذا الفهم، النابع من منطلق رؤيتهم الخاصة، لمساعدة أخوتهم في تجنب كارثة؟».
وهذه ليست مقارنة كاملة، لكن كوهين يلقي الضوء على نقطة هامة. لن يكون لليهود الأميركيين الفهم الداخلي الذي لدى الإسرائيليين حول ثقافتهم السياسية. فما لدينا هو فهم داخلي للثقافة السياسية للقوة الأعظم التي تستند إليها إسرائيل. والثقافة السياسية الأميركية تنتقد بشكل متزايد إسرائيل. في الشهور الأخيرة طرأ عليها تغيير ظاهر.
ولفهم سبب ذلك ينبغي معرفة أن الأميركيين أحسوا براحة أكبر وهم يدافعون عن إسرائيل كديموقراطية. في صراعه ضد «نزع شرعية» إسرائيل، يشدد نتنياهو أحياناً على العلاقة التوراتية للشعب اليهودي بأرض إسرائيل. وأقوال كهذه تنال آذاناً صاغية لدى المسيحيين المحافظين، لكنها في نظر أغلبية الأميركيين دينية جداً. بالمقابل فإن تأكيد الطابع الديموقراطي لإسرائيل ومبادئها السياسية التي تتشارك فيها مع أميركا يخاطب الأميركيين من كل الاتجاهات.
لذلك يزعم أنصار إسرائيل في أميركا أن حكومة إسرائيل توافق على إقامة دولة فلسطينية، رغم أن قادة إسرائيليين يقولون بخطأ هذا الزعم. ولكن إذا لم ترد إسرائيل قيام دولة فلسطينية، وإذا كان قادتها يشعرون بالر احة لسيطرتهم بشكل دائم على ملايين الناس الذين لا يستطيعون التصويت على الحكومة التي تحكمهم، فإن المبرر للدعم الأميركي على مر السنين يتبدّد.
هذا بدأ يحدث. قبل سنوات قليلة فقط شعر خبراء بالقلق جراء ازدهار المستوطنات، التي تقتل حل الدولتين(2). حالياً هذا الموقف غدا كليشيه. فشل مساعي جون كيري للسلام والحرب على غزة يدفع الإعلام الأميركي للشروع بالتطلع إلى ما بعد حل الدولتين. وكلما بحث الصحافيون بفرص سيطرة إسرائيل إلى ما لا نهاية على ملايين الفلسطينيين تزداد الشكوك نحو الصهيونية نفسها.
قبل 11 عاماً أيّد طوني جادث الدولة ثنائية القومية في ملحق كتب «نيويورك تايمز» فأثار ضجة. حالياً تنشر الصحف حججاً كهذه بكثرة. قبل شهر نشرت الصحيفة نفسها مقالة أنتوني لرمان «نهاية الصهيونية الليبرالية»، جاء فيها أن «الصهيونية الوحيدة التي لها أهمية حالياً تكره الغرباء وتستبعدهم». «واشنطن بوست» نشرت مقالاً لباتريشا ماركس غرينفيلد، «إسرائيل مساوية للجميع، لليهود وغيرهم»، زعمت أن إسرائيل «ملزمة بأن تغدو علمانية تماماً».
وهذا وضع ينبغي أن يقلق زعماء إسرائيل، لأنه لحظة يغدو الطابع اليهودي لإسرائيل موضوعاً للجدل، ويكفّ عن كونه واقعاً لا جدال فيه، سيتعذّر على ليبراليين أميركيين كثر الدفاع عنه. وليس لأنهم لا ساميين، ما عدا اليمين المسيحي، يفترض الأميركيون بشكل حدسي أنه محظور أن يكون للحكومات طابع ديني أو عرقي. لذلك فاليهود الأميركيون جمهور متنوع وتظهر الاستطلاعات أنهم يريدون الفصل في إسرائيل بين الدين والدولة. وهم لا يفهمون أن قولهم هذا تحدٍّ للصهيونية السياسية نفسها.
ولا زلت أؤمن أن الجواب الأفضل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو دولة يهودية ديموقراطية إلى جانب دولة فلسطينية ديموقراطية. وأنا أؤمن بذلك لأن عالم ما بعد المحرقة يتطلب دولة واحدة مهمتها حماية أرواح اليهود. أؤمن بذلك لأن القومية لا تزال تلعب دوراً هائلاً بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين. وفرضية أن كل جماعة يمكنها إخضاع قوميتها المتجذرة لدولة علمانية تبدو لي طوباوية. دولة علمانية ثنائية القومية يمكنها البقاء بصعوبة في بلجيكا. دولة كهذه بين البحر والنهر وصفة لحرب أهلية.
لكن لوجود دولتين ينبغي الزعم بأن إسرائيل وفلسطين تختلفان جذرياً عن أميركا. تجب حماية الصهيونية كتجربة مختلفة تماماً عن التجربة الأميركية، لأن القومية المدنية في إسرائيل وفلسطين التي نعززها ليست ممكنة ولا مرغوبة. وهذا التبرير يختلف تماماً عن الزعم بأن على أميركا تأييد إسرائيل، لأنها توأم أميركا في الشرق الأوسط.
رغم كل إشاراته، فإن نتنياهو لا يفهم الأميركيين. صحيح أن أقلية من البيض ستواصل دعم إسرائيل بلا تحفظ. لكن الشباب الأميركي أقل بياضاً وأقل تديناً وأقل قومية وعنصرية. وكلما تعذر عليهم رؤية إسرائيل كديموقراطية، سيتعذر أكثر عليهم تأييد وجودها كدولة يهودية. ينبغي للإسرائيليين أن يفهموا أن نتنياهو بتقويضه حل الدولتين يثير في أميركا جدالاً حول الصهيونية نفسها، وهذا جدال قد نخسر فيه، نحن الصهاينة.
COMMENTS