كتبت هيئة التحرير / الحقول ـ الوطن العربي : أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأجواء الإقليمية عندما اعلن “خطة ترحيل الفلسطينيين” من قطاع غزة. فقد استعمل صيغة وجوب الإمتثال في مخاطبة حكومتي مصر والأردن، إذ قال “إنهما ستستقبلان سكان غزة”، لأننا “فعلنا الكثير من أجلهما وسيفعلون ما طلبناه”، مزدرياً القوانين الدولية وكرامة العرب والمسلمين.
يحمل الرئيس ترامب صفة تمثيلية قوية. فالإدارة الأميركية وحكومة العدو “الإسرائيلي” شريكتان في شن حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. كما أن ترامب يتقدم الكتل الأوليغارشية الرأسمالية في الولايات المتحدة وفي الغرب التي تشارك في هذه الحرب، بإمداد “إسرائيل” بأسباب وجودها.
إن “خطة الترحيل” هي جزء من أدوات وأهداف حرب الإبادة. مثلها مثل الأسلحة الأميركية التي أعطيت إلى الجيش “الإسرائيلي” لتمكينه من تدمير قطاع غزة. وكذلك في منع إعادة إعمار قطاع غزة ومحاصرة الفلسطينيين بين ركام الحرب وبين نيران الحرب.
كانت الخطة المصرية بشأن قطاع غزة التي قدمت إلى القمة العربية الطارئة (القاهرة، 5 آذار/مارس 2025)، محاولة لتبريد تلك الأجواء ووقف الحرب. وبالفعل، نالت تأييد القمة وأصبحت “خطة عربية شاملة”، لديها “هدفين : الأول، هو تعزيز الموقف العربي الموحد الرافض لخطة ترامب، والثاني، هو تقديم بديل عملي لإعادة إعمار قطاع غزة”.
الآن، بعد انقضاء الشهر الأول على القمة، تنتشر تقارير ديبلوماسية مسربة عن تعثر تلك “الخطة”، بسبب ما تقول أنه تخلٍ إماراتي عنها وفتور سعودي حيالها. مع أن بنودها تستبعد “حكم حماس”، وتستبدله بلجنة تكنوقراط لإدارة القطاع، وتوحد سلطة غزة والضفة الغربية.
ربما يكون هذا “التعثر العربي” حافزاً لعقد القمة الثلاثية المصرية ـ الأردنية ـ الفرنسية، في القاهرة، اليوم، الإثنين. التي تقول التقارير الأخبارية إن هدفها تنفيذ “الخطة العربية الشاملة” التي وقعها القادة العرب في القاهرة، منذ شهر، لمواجهة خطة ترامب في غزة.
ولكن أي عربي وأي مسلم يصدق أقوال القادة الأوروبيين.
من يصدق أن باريس، برلين وروما وكل “بيروقراطية بروكسل” ليست ركناً متيناً في المشروع “الشرق أوسطي الأميركي ـ الإسرائيلي”. وأن “الإتحاد الأوروبي” سيوقف حرب الإبادة الجماعية التي تقودها واشنطن وتل ابيب ضد الشعب الفلسطيني من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.
طبعاً، يجب أن نترك هامشاً للديبلوماسية العربية، لا سيما الديبلوماسية المصرية. مع علمنا، بداهة، بأن العمل الديبلوماسي ليس “مصنع ميزان القوى”. فالتجربة العربية، بكل ما فيها، برهنت، دائماً، بأن ردع أميركا و”إسرائيل” عن العدوان لا يأتي إلا من سبيل المقاومة.
وقد يفيد العمل الديبلوماسي العربي أن يطالب الولايات المتحدة و”الإتحاد الأوروبي” وبريطانيا وكندا وأستراليا بالتعويض على الشعب الفلسطيني. أجل، تعويضه عما نزل بأبنائه وبناته وعمرانه من إبادة جماعية وتخريب حضري في قطاع غزة، بالأيدي اليهودية الصهيونية وبالأسلحة والتكنولوجيا والأموال الغربية.
إن الإنفاق على عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة يجب أن يكون بإشراف الأمم المتحدة والدول العربية. ولا بد أن يمول من موازنات الدول الغربية التي ترعى العدوان “الإسرائيلي” في فلسطين والوطن العربي من زهاء ثمانين عاماً.
مثل هذه المطالب يجب أن تكون تعبيراً عن الإرادة السياسية العربية الموحدة، بشأن عدالة القضية الفلسطينية. يمكن أن تقرر دول الخليج العربي المساهمة بأموالها في إعمار غزة، كواجب قومي. ولكن الأميركيين والغربيين يجب أن يدفعوا ديات جرائم القتل التي ارتكبوها مع “إسرائيل” في قطاع غزة.
إن “الخطة المصرية” التي تبنتها “القمة العربية الطارئة”، تضع سقفاً للعمل السياسي العربي في المسألة الفلسطينية، مرتبط بقرارات الأمم المتحدة. وهذا ليس جديداً. إذ يمكن للديبلوماسية العربية أن تحشد قواها بالتحالف مع “دول بريكس” و”منظمة شنغهاي” ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي لتوطيد ركائز إنصاف الفلسطينيين في النظام الدولي الإنتقالي.
من المستبعد أن تأتي القمة الثلاثية اليوم، في القاهرة، بتغيير في الإتجاه الرئيسي الحالي في فلسطين المحتلة، الذي تتحكم به “إسرائيل” والولايات المتحدة والقوى الغربية المساندة لـ “حرب الإبادة الإسرائيلية” في غزة. لكن تغيير هذا الإتجاه ممكن بحشد طاقات العرب والدول الإسلامية والقوى الأوراسية الصاعدة في النظام الدولي الإنتقالي.
يمكن بهذا الحشد العربي ـ الإسلامي ـ الأوراسي بناء “مصنع ميزان القوى”، الذي يلزم “الخطة المصرية” أو “الخطة العربية”، لكي تحبط خطة ترامب وتستطيع إنصاف الفلسطينيين من عدوهم. ما يستوجب الإنفتاح الإستراتيجي الواضح على دول “الجنوب العالمي الكبير” التي ترفض نظام الهيمنة الأميركي الغربي.
هذا الحشد يعني أن تصبح عملية إعادة إعمار غزة، دفعاً في ديناميك النظام الدولي الإنتقالي، بكل ما فيه فرص واحتمالات كبرى بنشوء نظام بديل متعدد الأقطاب. كما يعني اقتناع العرب بأن “الغرب آفل” وكذلك، “إسرائيل”. وأنهم لن يفرّطوا بالمقاومة.
هيئة تحرير موقع الحقول
الإثنين، 09 شوال، 1446 الموافق 07 نيسان، 2025
COMMENTS