تكمل بوسطة «مواطنون ومواطنات في دولة»، التي «يقودها» الوزير السابق شربل نحاس، جولتها على المحافظات اللبنانية المعنية بالانتخابات البلدية. هذا الأحد سيكون دور محافظة الجنوب، حيث ترشح اللائحة في صيدا وصور وبنت جبيل وميس الجبل والنبطية. مضايقات كثيرة حاولت التشويش على مسير القافلة… من دون جدوى.
ربما كان العنوان الأبرز لجولة الوزير السابق شربل نحاس أول من أمس مع بوسطة “مواطنون ومواطنات في دولة” جنوباً، هو المواجهة. ومع أن القصد من رفع نحاس لشعار “الى المواجهة” كان رمزياً، إلا أن تحرشات بعض المنزعجين من الحملة وبوسطتها، خاصة في صور وميس الجبل، أعطى ذلك الشعار كل معناه ومصداقيته.
هكذا، رافقت مضايقات “زلم الحركة”، على استحياء بداية نظراً إلى هيبة الرجل، ثم بوقاحة في ميس الجبل، تنقلات الوزير ومرشحيه، إلا أن ما تداوله البعض عن رشق البوسطة بالبيض في البلدة الاخيرة لم يكن صحيحاً، ولو أن محاولات للاشتباك حصلت ولكن جرى تفشيلها.
هكذا، بدت حركة أمل، عبر تصرفات مناصريها الذين لم يخفوا هويتهم الحزبية، لا بل حاولوا إشهارها كرسالة، في آن واحد الى شربل وأهل البلد حيث يترشح معارضون لها، أكثر المنزعجين من جولة المواطن شربل نحاس وبوسطة مواطنيته.
وكان نحاس ومرشحوه قد حددوا للجولة الجنوبية محطات مختارة بعناية، مثل الردمية في صيدا التي تحولت بسحر الفساد من أربعين الف متر مربع الى ٧٤٠ الف متر مربع، بالتحايل على القوانين، لا بل بمخالفتها وتزوير بعضها وسرقة المال العام.
لا يحب شربل العموميات. يأخذ كل محطة ولقاء على محمل الجد. لا يمل من التفصيل. يشرح بصبر الاستاذ، وبإخلاص المواطن، يكرر ويعيد ويفصل ويجيب، ويكظم نرفزته أحياناً.
“وليد العاصي؟ والله للحقيقة هيدا آدمي… يعني معروف بصيدا”. يجيبني بائع الحبوب في السوق حين سألته عن رأيه بمرشح “مواطنون ومواطنات في دولة” هنا. يوافقه جيرانه. يقف وليد العاصي الى جانب شربل أمام القلعة. يقدم نفسه الى الكاميرات. يتعثر قليلاً. يرى شربل أنه لم يقدم نفسه بشكل جيد، فيطلب منه أن يعيد. فيكرر الرجل المحاولة. هذه المرة “زبطت”.
في صور، ارتفع منسوب الانزعاج الحركي من بوسطة شربل. هكذا، رافقت جولتنا في سوق المدينة مكبرات صوت سيارة انتخابية كانت تبثّ بأعلى الصوت الاناشيد الانتخابية الحماسية التي تمجّد رئيس مجلس النواب نبيه بري بكلام يحاول حشد “قداسة” ما حول اسم الاخير، بذكر دم الشهداء حيناً، وحيناً آخر… دم الإمام الحسين بدون أي تردد!
لم تغب السيارات الجوالة ذات المكبرات التي تصرخ باسم بري طوال الجولة، إلا حين نزل الجمع الى مشروع حديقة الامام الصدر الذي بدأ منذ سنتين هنا ولم ينته بعد، قاضياً على حركة السوق حسب بعض مرشحي لائحة شربل.
“عم يقولوا إنو الانتخابات البلدية معركة إنمائية مش سياسية، نحنا عم نقول لا. المعركة سياسية، خصوصاً لما تستخدم الانتخابات البلدية للتغطية على الفساد السياسي”. في المكان الذي توقفت فيه البوسطة، والمحاذي لبعض المواقع الأثرية أو ما تبقى منها، يحتج الحارس الذي فوجئ بكاميرات التلفزيونات تنصب على الرصيف المشرف على الآثار، بأنه يجب على شربل الحصول على إذن من أجل التصوير هناك مع مرشحيه الستة في صور. يتفاوض معه منظّمو الحملة، ويبدو أن اتصاله بالمسؤول لم يفوّضه أن يعمل “مشكل” فينسحب. ننتقل الى المرفأ. يقف المرشحون مع شربل فوق مركب راسٍ هناك.
العدسات تصور والمرشحون يقدمون أنفسهم. “تفوح” رائحة المجارير بشكل لا يطاق. تهمس الفتاة لزميلتها “الحمدلله ما بتطلع الريحة بالصور”. يسمعها رجل مهلهل الهيئة كان يقف بجانبها، فإذا به يولول ويأخذ بالصراخ “مش عاجبتك ريحتنا؟ عم تقولي إنو ريحتنا وسخة، وليه نحنا دم الشهدا من عنا. هيدي المدينة طول عمرها لأهلها… وليه شو جايين تعملوا عنا”. تفاجأ السيدة بكلام الرجل ويبدأ البعض “بترويقه”. تهمس لزميلها شو هيدا مجنون؟ فيهمس لها: مش مجنون ولا نتفة. مبعوت يعمل مشكل.
تبين بعد قليل أن الرجل على حق. فسيارات المواكبة التي رافقت الوفد والمرشحين لم تستطع الدخول الى هنا حيث المكان محجوز للمشاة. إلا ان البديل لم يتأخر: بضعة موتسيكلات ألصقت صوراً لنبيه بري على المقود وصلت وصفّت أمام المركب على بعد بضعة أمتار. رغم كل شيء هناك هيبة ما عند الناس، حتى عند هؤلاء، لمن يقول الحق عالياً وبتحدّ.
“من اللحظة التي ترشحنا فيها، انتصرنا” يقول عامر حلاوي، أحد المرشحين وهو يقف على متن “أمير البحار”، في حين كان مالك “أمير البحار” شخصياً يمازحنا: “هلق إذا أعطيت كل واحد منكن ألفين ألفين ع الماشي… بتعملوا المؤتمر محل تاني؟”. نسأله ضاحكين هل يخاف الى هذا الحد؟ فيقول “إيه شو لكن. بلكي عملوا للمركب شي. شوفي هادا… كان عندو كشك هون وصاروا يكبوا الزبالة حدنا. قام جاب “أل بي سي” يصوروا، سكرولو الكشك!”.
الموتسيكلات الثلاثة لا تزال متوقفة والمرشحون الستة محمد سريس، عامر ودينا حلاوي، لارا قاسم، حيدر وحسين فارس يدلون بتصريحات. يقول هذا الاخير إن تهديداً وصله بحرق محله للثياب لكنه لن يهتم. أقترب من أحد الدراجين. أسأله “لمن ستصوّت”؟ فيجيبني “لمعبودي، للمعلم الكبير (مشيراً الى صورة بري الملصقة على دراجته) هيدا المعلم الكبير… تكبير!”. أسأله ماذا يعمل؟ فيقول إنه بحري. وهل يكفي البحر لإشباعك وعائلتك؟ يمسه السؤال في مقتل، فيعود متكلماً كأي مواطن “إي؟ لا، لا بيكفي ولا شي؟”، حسناً، وماذا يفعل ليشبع أولاده؟ يجيب وهو يغمز ممسّداً كرشه الصغير “أشغال تانية ستنا”. يعني؟ “أشغال تانية (يغمز مرة تانية) ما فينا نقول أكتر”. من كلمة الى كلمة يجمعنا حديث الهموم في بلدنا لينتهي الكلام بدعوة الشاب الطيب المفتول العضل الى بيته، موصياً “إنت اسألي عن “الوِرِش” (لقبه ويعني المشاغب) والكل بيدلك”.
على طريق بنت جبيل التي قصدناها للقاء المرشحة فادية بزي، تتكرر صور المتاجرة بدماء الشهداء انتخابياً والاعلانات التخويفية للمعارضين. “من عبستك يخافون”، يقول الملصق الذي يصوّر رئيس مجلس النواب عابساً! مضحكة سذاجة تلك الاعلانات لو لم تكن تعبّر عن شيء خطر. تذكر هذه الحملة التخويفية للمعارضين والمستقلين بشيء بدائي، بغريزة الدفاع عن النفس في… الغاب. بتكشير الأنياب لتخويف المهاجم. مضحك ومحزن هذا الشيء.
“المقاومة هدفها كسر الشعور بالهزيمة”، هذا ما تفعله المقاومة و”هذا ما نفعله نحن. لأن المقاومة العسكرية مع كل إنجازاتها العظيمة، إذا لم تترجم بدولة فلا تكون قد أتمّت عملها. نحن أيضاً مقاومة لا نريد الاستسلام للشعور باليأس من التأثير ومن التغيير”.
أمام بركة بنت جبيل أعلنت الزميلة فادية بزي ترشحها، بعدها انصرفت البوسطة الى ميس الجبل لتقديم المرشحين زينب خنافر وعلي نصرالله. ميس الجبل بلدة الشيخ عبد الأمير قبلان، ورئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان. هنا تصاعد الانزعاج من جولة شربل. يدخل الوزير الى مقهى ما، يتحدث الى الناس. يأخذون معه سيلفي، يعبّرون عن شوقهم لرجل مثله في الدولة. يشدون على يده. شاب في الخارج يقف صائحاً “مين إنت حتى تجي ع ميس الجبل وتوزع اوراق؟ ليش امتى جيت على ميس؟ وين كنتو لما كانت المقاومة والشهدا…”! يحاول بعض مناصري التحرك أن يتفاهموا مع “المبعوث”، كما وصفه أحدهم، إلا أنه بدا واضحاً أن قراراً بالاستفراد في هذه القرية البعيدة اتخذه أحدهم. يغضب أحد المناصرين ويريد الاشتباك مع المتحرش، إلا أن شربل يمنعه و”يروّق الشباب”، معطياً توجيهاته بعدم الرد “بيطفي لحالو”.
يصل الخبر الى بيروت “صحيح إنو ضربوا بيض على بوسطة شربل نحاس بميس الجبل؟” يسألني الزميل. لا ليس صحيحاً. لم ينجح المنزعجون في فش خلقهم! أكملت قافلة “مواطنون ومواطنات في دولة” طريقها الى النبطية حيث كان ينتظرها مرشحها علي التقش. يراهن شربل وحواريه على مراكمة الوعي عبر جولاتهم، لا يعتقدون أنهم سينجحون من الجولة الاولى. هم ليسوا سذجاً وإن كانوا حالمين.
أما الآن؟ فإلى الشمال در.
ضحى شمس، كاتبة ومناضلة عربية من لبنان
الأخبار، السبت ٢١ أيار ٢٠١٦
ملاحظة المحرر :
ـ بوسطة باللهجة اللبنانية تعني حافلة نقل كبيرة، سيارة كبيرة، باص نقل.
ـ العنوان الأصلي للمقال :
بوسطة شربل نحاس تستفز جنوباً وتكمل جولتها