تصريحٌ "مقصود" ذلك الذي خرج به عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ومسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد، حينما اتهم وفد حركة الجهاد الإسلامي، إلى حوار القاهرة الأخير، بمحاولة تخريب المصالحة الفلسطينية. وبلا شك فإن لهذا "الاتهام المقصود" أبعادًا وخلفيات ودوافع يعيها قليلون، وتخفى على الكثيرين، لكننا سنحاول في هذه السطور، إضاءتها بصورةٍ جلية للجميع.
نعود هنا لحوارات القاهرة الأخيرة – التي استمرت ليومين – وتمخض عنها بيانٌ ختامي، تضمن الحديث عن إقامة دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. هنا تُسجل جميع الوفود الفصائلية الحاضرة، أن وفد حركة الجهاد الإسلامي برئاسة نائب الأمين العام زياد النخالة، سجّل اعتراضه على هذه "الجزئية"، ومن ثمّ أصدرت الحركة بيانًا منفصلًا عبرت فيه عن موقفها المبدئي مما جاء في البيان الختامي بالقاهرة، حول القبول بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران.
وفي هذا الإطار، قال لي عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وعضو وفد الجبهة لحوارات القاهرة، طلال أبو ظريفة : "من حق كل فصيل أن يُعبر عن رأيه بصراحة وبوضوح، وبالمحصلة النهائية فإن البيان الختامي في القاهرة، هو حصيلة تقاطعات الفصائل مع بعضها البعض، وبالتالي لماذا يُبنى على جملة أو كلمة من هنا أو هناك؟! .. هذا لا يُطور العلاقات الداخلية، ويضر بالمصالحة الوطنية الفلسطينية".
ونوه أبو ظريفة إلى أن "من يُعطل المصالحة هو من يخرج بتصريحات تتناقض مع ما جرى الاتفاق عليه، ويضع العصا في دواليب تقدم المصالحة"، مشيرًا إلى أن "كل القوى السياسية، وفي مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي، كانت حريصة على المصالحة انطلاقًا من المصلحة الوطنية، باعتبارها خيارًا استراتيجيًا، وكلها طالبت بضرورة رفع الإجراءات العقابية ضد غزة، والتمسك بخيارنا وبحق شعبنا في المقاومة، وبأن سلاح المقاومة خطٌ أحمر، ولا يجوز لأي طرف التلويح أو المساس به".
وبحسب القيادي في الجبهة الديمقراطية فإن تصريحات الأحمد تهدف لـ"خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية، ومحاولة التهرب من استحقاقات المصالحة الوطنية، تحت عنوان أن هناك أطرافًا تحاول تخريب المصالحة أو تضع عراقيل أمامها".
ووفقًا لمسؤول منظمة "الصاعقة" في قطاع غزة، وعضو وفدها لحوارات القاهرة، محيي الدين أبو دقة، فإن "وفد حركة الجهاد الإسلامي، كان محركًا دافعًا وبقوة باتجاه تنفيذ المصالحة الوطنية"، موضحًا أن "النخالة طالب وفد حركة "فتح" برئاسة الأحمد بإنهاء الإجراءات العقابية ضد غزة فورًا، وعدم التلكؤ في إنهاء معاناة الناس بالقطاع المحاصر".
وأضاف "كان للأخ النخالة مواقف مشهودة منها معارضته تضمين البيان الختامي للحوارات بالقبول بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 على اعتبار أن حركة الجهاد الإسلامي، ومعها عدد من القوى منها نحن في منظمة "الصاعقة"، لنا موقف آخر من هذه المسألة، فضلًا عن الموقف الذي أبداه وفد "الجهاد الإسلامي" من تصريحات قيادات في السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، فيما يتعلق بسلاح المقاومة".
وبيّن أبو دقة أن "هذه المواقف أزعجت الأحمد خلال الحوارات في القاهرة، لكن في المقابل يُحسب لـ "الجهاد" أنه لم يكن متصلبًا إزاء مواقفه وآرائه التي طرحها بكل وضوح، وفي النهاية جاء على نفسه ومرر الأمور حتى لا تتعثر المصالحة الوطنية، وهذا ما نشهد به".
بدوره، صنّف عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعضو وفد الجبهة لحوارات القاهرة الدكتور رباح مهنا، تصريحات الأحمد، بأنها توتيرية تضر بالمصلحة الوطنية، وبالمصالحة المتعثرة.
وإذا ما عدنا للوراء قليلًا – بعد استعراضنا لمواقف الفصائل والقوى مما جرى في القاهرة – وتحديدًا إلى حادثة استهداف نفق المقاومة، وارتقاء كوكبة من قادة ومجاهدي سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والتي سبقت موعد تسليم المعابر في غزة، للسلطة الفلسطينية بيوم واحد، سنلاحظ كيف أن "الجهاد الإسلامي" كظم غيظه، وعض على جراحه، وأرجأ رده على دماء أبنائه، كي لا يجري تصوير هذا الرد (إن تم) بأنه عطّل أمور المصالحة، وأدخل قطاع غزة في دوامة المواجهة، وشن الاحتلال لعدوان جديد.
ثم إن "الجهاد" لا ناقة له ولا جمل من استمرار حالة الانقسام الفلسطيني، بل على العكس تمامًا، فإنه يعتبر تجاوز هذه الحقبة السوداوية، أمرًا يعزز قوته ومناعته كمشروع مقاوم، ولعل في تصريحات القيادي بالحركة أحمد المدلل – الذي أعقب إعلان حركتي "فتح" و"حماس" التوصل لاتفاق بينهما في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي – ما يوضح ذلك بشكل جلي، حينما قال بأن "المصالحة على قاعدة الثوابت الوطنية رافعةٌ للمشروع التحرري".
وختامًا، إنني أقرأ في تصريحات الأحمد أنها مدفوعة من أطراف إقليمية تريد الزج بالساحة الفلسطينية في أتون لعبة المحاور والاصطفاف الدائر بالمنطقة، وهي بكل تأكيد تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي. خاصة أن تصريحات الأحمد جاءت متزامنة مع التهديد والعدوان على حركة الجهاد وقيادتها.
يحسب للحركة أنها لم تنزلق للمربع الذي يعشعش فيه عزام الأحمد ويتخذه بيئة لثقافة ونهج تسلل عبره لموقع المسؤولية في حركة كان لها تاريخ واسم وعنوان.
عوض أبو دقة، كاتب ومناضل عربي من فلسطين المحتلة
هذا المقال منشور على صفحة هيثم أبو الغزلان في فايسبوك يوم الجمعة، أول كانون الأول/ ديسمبر، 2017