كشفت محاكمة الضابط الأميركي دينيس باكيت أنه كان قائد قاعدة سيدي أحمد الجوية في تونس. وحوكم المقدم باكيت في شهر آب / أغسطس الماضي، بتهمة بارتكاب سلوك شائن. ونقلت صحيفة "الصباح" التونسية[1]، حينها، الخبر عن موقع "تاسك إند بيربوز" المتخصص[2]. وأفاد أن باكيت كان يقود قاعدة الإستطلاع الجوي رقم 722، وهي تضم طائرات بدون طيار، في سيدي أحمد بمدينة بنزرت.
حاولت الجهات المعنية التستر على وجود القاعدة العسكرية الأميركية في تونس. لا سيما بعد عودة الحديث عنها، خلال زيارة القائد الأعلى للقوات الاميركية في إفريقيا/أفريكوم، الجنرال كارتر هام إلى تونس وليبيا والجزائر، في آذار/ مارس 2013. وقد نفى المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية، آنذاك، العميد مختار بن نصر، وجود أي علاقة بين الزيارة ومشاريع إقامة القاعدة الأميركية، قائلاً : إن "هذه الأخبار هي من قبيل الشائعات، والمسألة ليست مطروحة بالمرة"[3].
في تلك الأثناء، "شعرت الإدارة الأميركية، بضرورة مساعدة الحكومة التونسية في تهدئة الشارع حيال هذا الموضوع. فتولى السفير الأميركي لدى تونس، جاكوب والس، بنفسه، نفي الأنباء عن سعي أميركي إلى نقل قيادة أفريكوم من القاعدة الأميركية في مدينة شتوتغارت/ألمانيا الى تونس. وذلك في مناسبتين. في شهر آب/ أغسطس 2012، ثم في نيسان/ أبريل 2013"[4].
ويعيد تقرير Héni Nsaibia / هاني نسيبيه الذي نشره منذ أيام، في موقع "ذا ناشيونال أنترست"، تقديم معلومات جديدة عن القاعدة العسكرية الأميركية في تونس، والمهام التي ينفذها الجنود، ونوعية المعدات الحربية المستخدمة. ما يحرك أستار التخفي المُسدلة على حروب الكولونيالية الجديدة التي تشن على معظم دول الوطن العربي. وقد عكس تقرير نسيبيه هذه الديناميكية العدوانية، لـ"استراتيجية الإحتلال المتدرج" الأميركية[5]، بعنوان معبر، قائلاً : "رويداً رويداً، أميركا توسع حربها في تونس"[6].
كانت المتحدثة باسم قيادة القوات الأميركية في أفريقيا/ أفريكوم، سامنتا Reho/ ريهو قد صرحت لأحد محرري موقع "تاسك إند بيربوز"[7]، يوم 18 آب/أغسطس الماضي، أن مشاة البحرية الأميركية/"مارينز"، خاضوا معركة شرسة في بلد شمال إفريقي، لم يكشف عن اسمه، في عام 2017. وقد حاربوا بجانب قوات شريكة، مقاتلي "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
واعترفت المتحدثة بأنه تم التنويه ببسالة اثنين من عناصر "مارينز" في تلك المعركة، ولكن حجبت المعلومات عن الموقع الذي حدثت فيه المعركة. بسبب ما سمي "اعتبارات التصنيف وحماية القوة والحساسيات الدبلوماسية". كما شاركت وحدة العمليات الخاصة في بحرية الجيش الأميركي، بعمليات تدريب ومشورة ومساعدة لمدة ثلاثة أيام.
ويضيف نسيبيه أن الأبحاث التي أجريت لتحليل تصريح المتحدثة ريهو، استنتجت أن تونس هي مسرح تلك المعركة، وأن دور العسكريين الأميركيين فيها، كان أشد عمقاً. واتضح أنه في هذه المعركة التي حدثت في جبل سمامة، بمحافظة القصرين الجبلية، قرب الحدود مع الجزائر، خسرت الولايات المتحدة أول قتيل لها في تونس، منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945).
جرت المعركة، التي أكدتها "أفريكوم"، في 28 شباط/فبراير 2017. حينما اشتبكت القوات الأميركية [والتونسية] مع مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كتيبة العقبة بن نافع (KUBN)، ما أسفر عن مقتل أحدهم. كما استلزم الإشتباك طلبًا للدعم الجوي لتحديد مكان المسلحين. إذ حاول هؤلاء خلال الإشتباك، تطويق القوة الأميركية ـ التونسية المشتركة من الخلف.
كانت القوات الأمريكية مشاركة في القتال على الأرض، وجزءًا من الدعم الجوي. حتى أنه عندما أصيب جندي تونسي في طائرة هليكوبتر بنيران المسلحين، حينما كان يرمي من مدفع رشاش من طراز "أم 60" M60 منصوب عليها، تولى الرماية بدلاً عنه جندي أميركي أبقى النيران ضد المسلحين، كما عالج الجندي التونسي الجريح في نفس الوقت.
انتهى الاشتباك بسيطرة القوات التونسية على موقع المعركة، واستولت على بندقية "شتاير" النمساوية وذخيرة وإمدادات أخرى. كما قتل مسلحان "قاعديان" : تونسي وجزائري. وهذا الأخير كان أصيب قبل نحو عشر سنوات بقصف جوي أميركي، أثناء قتاله في صفوف تنظيم "القاعدة" في العراق. حسبما جاء في نبذة عنه نشرتها "القاعدة". من دون تذكر أي إشارة إلى دور الأميركيين في مقتله.
ويقول نسيبيه إن وحدة "مارين رايدر" والقوة الشريكة التونسية تكبدت ضحية واحدة في المعركة، وتعافى الجرحى من القوتين. وقد غطّت وسائل الإعلام التونسية أنباء معركة جبل سمامة، من دون أن تشير، يومئذ، إلى أي دور أميركي فيها. لكن احتفاظ الولايات المتحدة بوجود عسكري في تونس طيلة أربع سنوات ونصف تقريباً، يعني أن تلك المعركة ليست حادثة منعزلة، اقتصر دور الأميركيين فيها على مجرد عمل استشاري، كما زعمت المتحدثة باسم "أفريكوم". لأنه سبق وقوعها بأحد عشر يوماً، معركة أخرى دارت في موقع قريب في جبل سمامة، وأدت لقتل مسلحين اثنين. ومن غير المعلوم حالياً، ما إذا كانت القوات الأميركية قد شاركت في تلك العملية.
ويسال نسيبيه : هل كنا سنعلم بأمر المشاركة الأميركية في المواجهات في جبال القصرين، لولا أن نشر موقع "تاسك إند بيربوز"[8] تصريح ريهو، التي ادلت به بناء على طلب مقدم بموجب قانون حرية المعلومات. ويؤكد نسيبيه إن السؤال يظل قائماً. لأن هذا الطلب هو ما دفع بـ"أفريكوم" إلى الكشف جزئياً، عن المشاركة في القتال في جبل سمامة، بإشارة ريهو إلى التنويه الذي ناله اثنان من جنود "مارينز" لأعمالهما هناك.
يعود انتشار الجيش الأميركي في الأراضي التونسية إلى شباط/فبراير 2014. فقد بعثت وزارة الدفاع الأميركية فريقاً عسكرياً، ضم العشرات من أفراد قوات العمليات الخاصة، انتشر في قاعدة نائية في غرب تونس. وفي الوقت الراهن تحصل تونس على مساعدات عسكرية أكثر من أي دولة أخرى في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، بعد مصر.
في إحدى الدوريات اكتشف جنود تونسيون يرافقهم مستشارون عسكريون أميركيون، معسكراً مسلحاً في جبال القصرين وقاموا بمراقبته. في السنوات التالية، قامت القوة الجوية في "أفريكوم" بتنظيم مجموعات استخبارية للمراقبة والإستطلاع، في جميع أنحاء تونس، وذلك انطلاقاً من قواعد أطلسية تأوي قوات أميركية في مدينتي Sigonella/ سيغونيلا[9] وبانتيليريا في إيطاليا.
ويؤكد نسيبيه في تقريره أن السياسة الخارجية الأميركية لا تحظى بالتأييد في تونس، كما أن المواقف غير المؤيدة (المعادية) للولايات المتحدة واسعة الانتشار في المجتمع التونسي. في عام 2012، قام محتجون غاضبون على فيلم قصير معادٍ للإسلام بنهب السفارة الأميركية وأضرموا النار في مدرسة أميركية قريبة في العاصمة تونس.
إن الكشف عن الاشتباك في القصرين، يبين تورطاً أميركياً ميدانياً أعمق، مما تريد "أفريكوم" الاعتراف به. ويساهم نشر تفاصيل معركة عام 2017 في جبل سمامة، في تفهم الجمهور [الأميركي] المتزايد لتوسيع العمل العسكري السري والصريح في القارة الأفريقية، حيث تخوض الولايات المتحدة الحرب في الخفاء. يختم نسيبيه.
نفهم من هذا الإستنتاج أن الحكومة الأميركية تحت إدارتي الرئيس باراك أوباما، قد سعت لكسب "تفهم" الناخبين المحليين، للإحتلال النيوكولونيالي الأميركي في تونس. كما أنها عملت على إعماء الناخبين التونسيين، بـ"إخفاء" وجود هذا الإحتلال، بحسب نسيبيه، على أرض وطنهم و/ أو تبريره بمكافحة الإرهاب. في الواقع يدمر الجيش الأميركي حقوق السيادة للشعب التونسي وشروط الإستقلال للدولة التونسية.
مركز الحقول للدراسات والنشر
20 أيلول / سبتمبر، 2018
[1] محاكمة عسكرية تكشف عن وجود قاعدة أميركية في تونس.
الصباح التونسية، يوم الخميس 31 آب/ أوت، 2017
[2] https://taskandpurpose.com/
[3] تونس تنفي وجود قاعدة أميركية والإعلام يؤكّد. تقرير وليد التليلي من تونس.
"العربي الجديد" البريطانية، 28 شباط / فبراير 2014.
[4] المصدر السابق.
[5] للإطلاع على هذا المفهوم ودلالاته، راجع التقرير :
من يسائل واشنطن : إبادة المدنيين في استراتيجية “الإحتلال المتدرج” الأمريكية. نشره مركز الحقول للدراسات والنشر. أعد التقرير "شبكة حماية ضحايا الحرب". 27 آذار، 2017 : آخر تحديث 20:18. // 24 نيسان، 2017 : آخر تحديث 23:30.
[6] Héni Nsaibia, America Is Quietly Expanding Its War in Tunisia.
The National Interest, September 18, 2018.
[7] https://taskandpurpose.com/marine-raiders-firefight-north-africa/
[8] https://taskandpurpose.com/marine-raiders-firefight-north-africa/
[9] تقع القاعدة الأميركية في سيغونيللا على ميناء خليج أوغستا في شرق جزيرة صقلية الإيطالية، أكبر جزر البحر المتوسط (10 آلاف كلم2). تتمثل المهمة الأساسية لهذه القاعدة، في توفير الدعم العملاني والقيادة والسيطرة والدعم الإداري واللوجستي للقوات الأميركية والأطلسية. وتدعم القاعدة تناوبًا بين مختلف الأسراب والطائرات العابرة المتعددة الجنسيات. تؤمن مرافق الميناء الوقود والإمدادات إلى سفن الدعم القتالية وسفن الإمداد، ومنشآت الاتصالات السلكية واللاسلكية. كما تأوي قوة دعم للأسطول. وتؤلف هذه القاعة محطة توجيه نقل العسكريين وحركة الشحن عبر أوروبا صوب أفريقيا وجنوب غرب آسيا. يمكن العودة إلى صفحة القاعدة على إنترنت. (محرر موقع الحقول)