الأخبار
الحريري يريد مصير ترامب لباسيل!
تعديل مرسوم الترسيم البحري: هل ينفجر اللغم داخلياً؟
مهما تعددت اللقاءات، فإن مصيرها لن يكون سوى الفشل. لا حكومة في الأشهر المقبلة، والأزمة تخطت مسألة الخلاف على الوزراء والحقائب. الصراع السياسي كبير. الرئيس المكلف يريد إقصاء جبران باسيل عن أي دور مستقبلي، ورئيس الجمهورية يريد إفشال هذه المحاولة. في ظل هذا الصراع، يسير الانهيار الاقتصادي الكلي بخطى متسارعة
غاب رئيس الجمهورية عن قداس الميلاد، فقرر التعويض بزيارة إلى بكركي لمعايدة البطريرك بشارة الراعي. زيارة المعايدة صارت حدثاً، في ظل غياب أي تحرك أو حدث سياسي. هذه الخطوة، ربطاً بالمسعى الذي أقحم الراعي نفسه به لتقريب وجهات النظر بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، أخذت التحليلات لتصبّ في خانة الأمل بتحرّك ملف تشكيل الحكومة. لكن في ظل انشداد العين اللبنانية باتجاه واشنطن منذ ما قبل دخول انصار دونالد ترامب إلى مبنى الكابيتول، وعلى الأرجح حتى خروجه من البيت الأبيض، فإن أحداً لا يتعامل مع أي مسعى يتعلق بتشكيل الحكومة بالجدية المطلوبة. لا أحد يضع في حسبانه ازدياد المخاطر المرتبطة بالوضع الاقتصادي، والتي يمكن أن تصل إلى انهيار وشيك، إذا لم تُشكّل الحكومة وتبدأ عملية إنقاذ ما أمكن.
في هذا الوقت، يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء اليوم، مخصصاً كلمته للحديث عن الملفات الداخلية. وهو كان قد أشار في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى أنه سيتناول ملف تشكيل الحكومة وملف كورونا والترسيم البحري والوضع الاقتصادي والنقدي… ويأمل كثر أن تساهم إطلالة نصرالله في تحريك المياه الحكومية الراكدة. لكن ثمة من يشكك في قدرة الحزب على كسر التباعد القائم بين عون والحريري، خصوصاً أن الحزب سبق أن قام بمحاولة لرأب الصدع بين الطرفين اصطدمت بعقبتين: تمسّك كل منهما بوجهة نظره، وامتلاك المحاولة نفسها عناصر فشلها داخلها، لكونها لم تتضمن أي اقتراحات عملية لحل الخلافات القائمة، إنما ركّزت على الحث على بذل مجهود لإنجاز التشكيلة والتحذير من خطورة البقاء من دون حكومة تعالج الأزمات المتلاحقة. وهو ما كررته كتلة الوفاء للمقاومة في اجتماعها أمس، فحثّت الرئيس المكلف «على إعادة تحريك عجلة التأليف للحكومة ومواصلة التشاور للتوصل إلى الصيغة التي يمكن أن تعزّز الاستقرار والثقة بحسن إدارة شؤون ومصالح البلاد والقدرة على النهوض بالأعباء المترتبة على ذلك».
وسبق لنصر الله أن أشار إلى أن العقد داخلية بخلاف ما يروج عن ارتباطها بالانتخابات الأميركية، وهذا أمر يؤكده معظم الأطراف. بشكل تفصيلي أكثر، أبدى مصدر متابع ثقته بأن العقد المتراكمة والصراع السياسي الواضح بين عون والحريري يمكن اختصارها بالعقدة الأساس: الدور المستقبلي لجبران باسيل. «المستقبل» يعتبر أن الأخير انتهى بالسياسة بغض النظر عن حجمه النيابي أو حجم حزبه. وأصحاب هذا الرأي صاروا يستشهدون بدونالد ترامب، الذي انتهى سياسياً رغم تأييده من قبل ٧٥ مليون أميركي. وفي مقابل الموقف المستقبلي، موقف آخر يعتبر أن رئيس الجمهورية يسعى إلى تثبيت باسيل في المعادلة المقبلة، وهو لا يملك من الأدوات سوى كتلة وزارية وازنة تدعم الكتلة النيابية، وتعيده إلى سكة السباق إلى رئاسة الجمهورية.
أمس أطلع عون الراعي على نتائج اللقاءين اللذين جمعاه مع الحريري، مشيراً إلى أن الخلاف لا يزال مرتبطاً بغياب المعايير الموحدة، عدم توزيع الحقائب بشكل عادل على الطوائف، وإصرار الحريري على الحصول على وزارتي العدل والداخلية معاً.
بعد ذلك، وتأكيداً على ما سبق أن قاله في عظته من وجوب أن يلتقي الطرفان لحل الخلافات الحكومية، اقترح الراعي على عون أن يجتمع مع الحريري في بكركي. وبحسب المعلومات، فإن عون لم يعط الموافقة ولم يرفض، بل اكتفى بالإشارة إلى أنه سيدرس الأمر. بالنسبة لمصادر مطلعة، فإن اللقاء ليس هو المشكلة بالنسبة لعون، فقد سبق أن التقى الرئيس المكلف على مدى جلسات عديدة لم يتم التوصل فيها إلى نتيجة، وبالتالي، فإن الرئاسة تعتبر أن مضمون الاجتماع أهم من الاجتماع نفسه.
لكن كان لافتاً أن رئاسة الجمهورية أصدرت بياناً أوضحت فيه أن لا صحة للمعلومات التي نشرت عن اجتماع كان سيعقد صباح اليوم (أمس) في بكركي بين عون والحريري برعاية من الراعي. وأشارت إلى أن الصحيح أن مثل هذا العرض عرضه الراعي على رئيس الجمهورية خلال اجتماعهما ولم يكن الرئيس عون على علم مسبق به.
وبحسب المعلومات، فإن التوضيح الرئاسي نائج عن إشاعة أجواء مفادها أن هدف زيارة عون إلى بكركي كان اللقاء بالحريري، إلا أن الأخير لم يحضر. لكن بعيداً عما رافق الزيارة، فقد تمنى عون أن تكون قد أدت إلى توضيح الأمور «بعد كل الشائعات التي تطلق يومياً».
ومقابل سعي الراعي إلى جمع عون والحريري، قلل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط من جدوى هكذا لقاء. وكرر عبر برنامج «صار الوقت» على «أم تي في» نصيحته بترك قوى الأكثرية النيابية تحكم بنفسها، قائلاً: «في الواجهة التيار الوطني الحر ومن خلفه حزب الله».
في المقابل، لا تزال مصادر الحريري الذي عاد إلى بيروت، من دون أن يسجل قيامه بأي نشاط علني، على الموقف نفسه: الرئيس المكلّف قام بما يتوجب عليه دستورياً، وأودع رئاسة الجمهورية تشكيلة حكومية مكتملة، إلا أن رئاسة الجمهورية لم تعط، حتى اليوم، موقفاً بشأن هذه التشكيلة لا قبولاً ولا رفضاً. وتشير المصادر إلى أنه إذا وجد رئيس الجمهورية أن التشكيلة تضر بمصلحة لبنان، فعليه أن يعلن رفضها ويبلغ الرئيس المكلف والشعب اللبناني بموقفه منها، لا الدخول في بازار الأسماء والمقاعد والتفاوض باسم هذا الطرف أو ذاك.
باختصار، كل شيء يشير إلى أن الأزمة السياسية مرشّحة للاستمرار أسابيع وأشهرا. لكن هل يحتمل الوضع في البلد مزيداً من التأخير؟ تؤكد مصادر اقتصادية مطّلعة أن الدعم بعد ترشيده، يفترض أن يكفي لأشهر عدة، وبالتالي لا مشكلة في هذا الجانب، لكن المشكلة الفعلية تتمثل بأمرين: عدم القدرة على وقف انهيار سعر صرف الليرة والزيادة المستمرة في أعداد العاطلين عن العمل. ولذلك، يؤكد المصدر أن على الحكومة أن تتولى مسؤولياتها وتعمد إلى صرف القرض الذي وافق عليه البنك الدولي لصالح برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً، مشيراً إلى أن توزيع المبلغ الذي يفوق ٢٥٠ مليون دولار على الأسر المشمولة بالبرنامج، يمكن أن يساهم في لجم الارتفاع المستمر في سعر الدولار.
تعديل مرسوم الترسيم البحري: هل ينفجر اللغم داخلياً؟
خرجت، من مكتب قائد الجيش، فكرة إعداد مرسوم جمهوري (قبل ان يتبناها قصر بعبدا) يُحدّد مساحة المنطقة البحرية الخالصة للبنان، والتي يزعم العدو الإسرائيلي ملكيته لها، بـ 2290 كيلومتراً مربعاً، وحطّت عند القوى السياسية. بوادر الانقسام حول أصل المرسوم ومن سيوقّعه تلوح في الأفق، فيما تتربّص الظروف الخارجية بمسار المفاوضات (مقال ميسم رزق).
تجتمِع تطورّات داخلية مع تطوّرات خارجية بشأن مُستقبَل ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وتخلُص إلى أن عاصفة جديدة تستعّد رياحها للهبوب. أشهر قليلة على بدء المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ الإسرائيلي، بوساطة أميركية ورعاية أممية، لم تُنبِئ ظروف انطلاقتها بأن يكون «أجلُها» قريباً. كانَت هناك توقّعات بطول مسارها. قبلَ أسابيع، ظهرَت طلائِع انتهاء هذا الملف، أو تجميده حتى موعد غير محدّد. حينَذاك، عدّل لبنان، بشكل غير رسمي، اتفاق الإطار الذي أُنجِز على أساس مساحة الـ 860 كيلومتراً «المتنازع عليها» في البحر. واعتمد خرائط جديدة طالبَ فيها بزيادة 1430 كيلومتراً مربعاً، ما يعني أن يكون نصف حقل «كاريش» (يقع في المساحة البحرية المحتلة التابعة لفلسطين) ملكاً للبنان.
فُتِح بازار الخطوط. وبعدما كان النقاش محصوراً بمساحة الـ 860 كيلومتراً مربعاً، وصل الخط اللبناني الجديد للحدود إلى ما بعد حيفا جنوباً، في مقابل خط إسرائيلي جديد يصل إلى ما بعد صيدا شمالاً. منذُ ذلِك الحين، عُلّقت المفاوضات (آخر جلسة عُقِدت في الناقورة كانت بتاريخ 11 تشرين الثاني الماضي). بعدها، بدأ التهديد الإسرائيلي بالانسحاب من العملية برمّتها، وبدأ معه الضغط الأميركي على لبنان بضرورة العودة الى الخطوط الأساسية، وإلا «فلا مفاوضات». وفجأة، خفَت الحديث عن الملف برمّته، ولم يخرق المشهد سوى تصريح سريع لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في كانون الأول الماضي أعلن فيه «استعداد بلاده لاستكمال الوساطة».
هذا الفتور دفَع، إلى جانِب عامِل آخر، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى البحث عن وسيلة لإعادة تحريك الملف. ولأجل ذلِك، انعقدَ لقاء بينه وبين الوفد اللبناني المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين في بعبدا، قبل أيام من رأس السنة. لا يُريد عون خاتمة غير سعيدة للملف، لكنّ الطروحات التي جرى تداولها في الاجتماع قد لا تخدم الأهداف المطلوبة. فخلال النقاش بينه وبين الوفد، حُكي عن الضغط الأميركي والتجاهل الإسرائيلي و«الخطوات التي سيتخذها لبنان تحضيراً لاستئناف المفاوضات في المواعيد المقبلة»، حسبما قال البيان الرسمي للرئاسة. واقِع الأمر، أن عون والوفد كانا يبحثان عن فكرة لاستفزاز العدو وإجبارِه على العودة إلى الطاولة، فجرى إحياء طرح «إعداد مرسوم جمهوري يحدّد مساحة المنطقة البحرية الخالصة للبنان التي يزعم العدو ملكيته لها بمساحة 2290 كيلومتراً مربعاً، على أن يُرسَل المرسوم إلى الأمم المتحدة لتثبيته». (راجِع «الأخبار» ــــ الاثنين 4 كانون الثاني 2020). ومنذُ تسريب الخبر، انتقل النقاش من فكرة إعداد المرسوم إلى سؤال «من سيوقّع المرسوم؟» علماً بأن هذا النقاش فتَح الباب من جديد لانقسام وطني دشّنته مجموعة وقائِع.
التراجع عن الـ 2290 كيلومتراً مربعاً لاحقاً سيضع الدولة اللبنانية في دائرة الاتهام بـ«التنازل عن حقوق لبنان»
فإلى جانب الموقفين الإسرائيلي والأميركي، تقول المعلومات إن استعجال الرئيس عون لاستئناف جلسات التفاوض يعود إلى رسالة تلقاها لبنان من شركة «توتال» الفرنسية تفيد بأنها لن تبدأ بالحفر عام 2021 في البلوك الرقم 9 جنوباً، حتى ولو كان موقِع الحفر بعيداً حوالى 25 كيلومتراً عن الخط الحدودي، وهي مسافة مقبولة أمنياً. ومردّ هذا القرار لدى الشركة الفرنسية، هو الجوّ المتوتر في المنطقة إن كان في السياسة أو الأمن أو في ما يتعلّق بالنفط والغاز، وبالتالي لا تجد مصلحة في تعريض مصالحها للخطر. حتّى إن مصادر مطّلعة رجّحت أن يكون وراء هذا القرار ضغط أميركي ــــ إسرائيلي، من ضمن إطار تطويق الموقف اللبناني، وهو أمر «غير مستبعد»، بحسب المصادر، في وقت تُمارس فيه «إسرائيل» الضغط على شركات التأمين والطيران الدولية لتوقيف خدماتها بشكل فوري في مطار بيروت، بحجة أن حزب الله «يستخدمه لارتكاب جرائم حرب». وتجدر الإشارة إلى أن وزير الطاقة ريمون غجر أعلن «استمرار الشركات في البحث عن النفط وأن ائتلاف الشركات المكوّن من توتال وإيني ونوفاتك، يواصل نشاطه البترولي في لبنان تحت قيادة المشغل شركة توتال، ولا سيما أنه بفعل تطبيق القانون 160/2020 المعدل (تعليق المهل)، مدّدت مدة الاستكشاف الأولى في كل من الرقعتين 4 و9 في المياه البحرية اللبنانية إلى 13 آب 2022).
أما على الصعيد الداخلي، فيبدو أن معركة جديدة ستبدأ لاحقاً، وقد تؤثّر على مسار المفاوضات، تتعلّق بالخلاف على أصل المرسوم، ومن ثمّ من سيوقّعه. أول من أمس، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه برّي وزيرة الدفاع زينة عكر، يرافقها وزير الخارجية شربل وهبة ورئيس الوفد المُفاوض. في الكلام العلني قيل إن اللقاء أكد «اتفاق الإطار المُعلن سابقاً ومبدأ ترسيم الحدود حفاظاً على الحقوق اللبنانية». أما في خلفية اللقاء، فتقول مصادر «الأخبار» إن الهدف كان «مشاورة الرئيس برّي في موضوع المرسوم، ومن هي الجهة التي يجب أن توقّعه». ثمة رأيان، أحدهما يعود لرئيس الجمهورية الذي يرى أن «على وزيرَي الدفاع والخارجية أن يوقّعا المرسوم، بالإضافة الى توقيعه هو، أي عون»، وآخر يُصرّ على أن «يوقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الأشغال». دستورياً، يدخل هذا الأمر من ضمن صلاحيات وزير الأشغال لا وزيرَي الدفاع والخارجية، وهو مطلب رئيس الحكومة حسان دياب، إضافة إلى أن عكر ووهبة لا يؤيدان فكرة أن يوقّعا على المرسوم على اعتبار ان المرسوم السابق وقعه وزير الاشغال. أما في ما يتعلق بأصل المرسوم، فقد أكد برّي «اتفاق الإطار»، وهو لا يزال عندّ رأيه بأنه «أنجز الاتفاق ومبدأ التفاوض والملف الآن في عهدة رئيس الجمهورية»، مع العلم بأن رئيس المجلس غير موافق على طرح مرسوم الـ 2290 كيلومتراً مربعاً. وبينما وافق دياب عليه، أبلغ المعنيين أنه «لن يوقّعه إلا بعد الاستحصال على موافقة ومباركة معظم القوى السياسية المعنية، ولذا بدأ البحث من عين التنية».
مصادر سياسية رفيعة المستوى أكدت لـ«الأخبار» أن «المرسوم مغامرة غير محسوبة النتائج»، لأسباب عديدة:
أولاً، أن اتفاق الإطار أُنجز وفق قاعدة التفاوض على مساحة الـ 860 كيلومتراً مربعاً في البحر. وقياساً على الثمن الذي سيجنيه العدو الإسرائيلي، ألا وهو إنهاء الملف مع لبنان، وضمان عمل الشركات في المياه اللبنانية والفلسطينية المحتلة، كان ذلك سيدفعه الى القبول بالمطلب اللبناني.
ثانياً، حين يطالب لبنان بمساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية عن الـ 860 كيلومتراً، كان يعلم بأنه غير قادر على تحصيل هذا السقف. وبالتالي، فإن التراجع عنه لاحقاً سيضع الدولة اللبنانية في دائرة الاتهام بـ«التنازل عن حقوق لبنان في البحر».
ثالثاً، إصدار مرسوم جديد يعدّل المرسوم 6433 لناحية حدود المنطقة البحرية، وتضمينه 1430 كيلومتراً إضافياً جنوبي النقطة 23 وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك عملاً بالمادة 74 من قانون البحار، سيؤدي الى تمسّك «إسرائيل» بخط الـ 310 الذي يقضُم مساحات أكثر في المياه الاقتصادية للبنان تصِل الى البلوك 5، بالإضافة إلى البلوكات 8 و9 و10، أي زيادة مساحة المنطقة المتنازع عليها. وبالتالي سيدفع هذا الأمر بتحالف الشركات المنقّبة الى تجميد عملها في المياه اللبنانية بما ينسحب سلباً على مسار التنقيب والاستفادة من الثروة النفطية والغازية في حال وجودها.
بالإضافة إلى ما تقدّم، تتناول المصادر التطورات الخارجية، ولا سيما في الولايات المتحدة الأميركية. ففيما كان الرهان على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأن تعيد تحريك الملف، عبّرت المصادر عن مخاوفها من أن يؤدي انشغال الإدارة الجديدة بالداخل الأميركي والملفات الأكثر أهمية في منطقة الشرق الأوسط الى إهمال ملف الترسيم، فضلاً عن وجود تقدير بأن الإدارة الجديدة ستدفع لبنان أكثر نحو التأزم الاقتصادي في إطار الضغط على إيران، وبالتالي يكون لبنان قد «خسر فرصة جدية لإنجاز هذا الملف».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
عون في بكركي «للتبريد».. ومقايضات الحكومة تتجاوز التأليف
جنبلاط يدعو الحريري للإعتذار.. وهستيريا عدّاد كورونا تنسف الإقفال
انشغل اللبنانيون، في مستهل الأسبوع الثاني من كانون الثاني، المسكون بإقفال، يدور جدل واسع حوله، بأمرين. الأول: ماذا بعد الاقفال، وفي خضمه، مع ارتفاع هستيري، في أوّل يوم اقفال، بلغ 4774 إصابة وسقوط 16 شخصاً بالوفاة من جرائه، مما ينسف إجراءات الاقفال من أساسها.
والثاني ماذا بعد فشل «الحركةالانقلابية» التي شكلت صدمة «للغرب الديمقراطي» الليبرالي الرأسمالي الحر، التي حاولها مناصرو الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، ومضي «الكابتول» (مجلس الشيوخ) بإقرار انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، مع السيطرة بالكامل على الكونغرس بمجلسيه (النيابي والشيوخ).. والانصراف إلى اتخاذ إجراءات عزل ترامب، على الرغم من بقاء أيام قليلة، حتى يجري تنصيب الرئيس المنتخب في 20 ك2 الجاري..
عون في بكركي لقاء مع الحريري؟
سياسياً، في الواجهة، برز إلى العلن، مشروع لقاء في بعبدا بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، برعاية بكركي، للاتفاق على «حكومة من دون محاصصة»، على ان تسوده مصارحة..
فلم يخفِ الرئيس عون، بعد زيارته عند التاسعة من صباح أمس إلى الصرح البطريركي، حيث عقد اجتماعاً، سبقته معايدة تلقاها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، «هذا الاحتمال» كاشفاً «أننا تكلمنا في الأوضاع العامة التي لا تزال مكتومة، لأن كل ما يحصل معنا لا يُحكى في الإعلام.. وان شاء الله يكون هذا اللقاء مثمراً في هذا الموضوع».
وجاء اللقاء، في إشارة إلى تحريك الراعي مساعيه بعد عودة الرئيس الحريري من اجازته الخاصة.
ولاحقاً، اوضح بيان للمكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية، ان «لا صحة للمعلومات التي نشرت عن ان اجتماعاً كان سيعقد صباح اليوم (امس) في بكركي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف برعاية من البطريرك الراعي، والصحيح ان مثل هذا الطرح عرضه البطريرك الراعي على رئيس الجمهورية خلال اجتماعهما اليوم (امس) ولم يكن الرئيس عون على علم مسبق به».
وذكرت مصادر المعلومات، ان الراعي اقترح على عون جمعه مع الحريري في بكركي، لكن الرئيس عون لم يُعطِ جواباً واضحاً محدداً، لأنه وحسب المصادر المطلعة «المهم ماذا سيجري في اللقاء وهل يصل الى النتائج المتوخاة». ولذلك لم يحصل اتفاق على موعد اللقاء. ولكن الراعي سيتابع الموضوع مع عون والحريري لترتيب اللقاء بمكانه وزمانه في الايام المقبلة.
وكشفت مصادر قريبة من بكركي أن لقاء الرئيس عون مع البطريرك بشارة الراعي تناول بشكل رئيسي موضوع تشكيل الحكومة الجديدة انطلاقا من إصرار البطريرك على ضرورة الاسراع بتجاوز أزمة التشكيل التي استغرقت طويلا وتفاديا لتداعياتها الخطيرة على كل المستويات .واشارت الى ان النقاش تناول بالتفاصيل اسباب تعثر اللقاء الأخير بين الرئيس عون والرئيس المكلف سعدالحريري بعد المساعي والجهود الحثيثة التي قام بها البطريرك لانجاحه، وما حكي عن خلفيات تدخل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل للانقلاب على نتائج ماكان يتم التفاهم عليه بين الرئيسين ،ولفتت المصادر الى ان البطريرك دعا رئيس الجمهورية للتفاهم مع الرئيس المكلف لاسيما بخصوص حقيبتي العدلية والداخلية المختلف عليهما وضرورة ايجاد صيغة ترضي الطرفين معا،ان كان من خلال إسناد حقيبة لكل منهما او اختيار وزير مشترك بينهما لإنهاء الأزمة الحاصلة. واضافت المصادر ان رئيس الجمهورية أوضح للبطريرك أن مايحكى في وسائل الإعلام اوما يردده بعض السياسيين حول عملية تشكيل الحكومة ليس صحيحا.فما حصل بعد اللقاء الأخير ان الجانب الاخر هو الذي تولى توجيه الانتقادات والحملات علينا ولسنا من بدأ القيام بذلك. فالخلاف الحاصل يتجاوز حقيبتي الداخلية والعدلية. الرئيس المكلف يقول ان الجانب الفرنسي يوصي بشخصيات من الاختصاصيين من قبله لتولي حقائب الطاقة والاتصالات والنقل، وعلينا مناقشة هذه الأمور بالتفصيل،لأننا نقترح بالمقابل ان يتولى اختصاصيون من قبلنا بعض هذه الحقائب.فالتحجج بالمبادرة الفرنسية لا يسهل الامور لانها في بعض جوانبها لاتتانسب مع الواقع اللبناني ولا بد من أخذ هذا الامر بعين الاعتبار. وهنا تدخل البطريرك وقال ولكن هذا لايمنع ان تلتقيا مجددا للتوصل الى تفاهم مشترك لتشكيل حكومة اختصاصيين التي ينتظرها اللبنانيون، والمجتمع الدولي ألذي يرغب بمساعدتنا واذا اقتضى الامر ان نسعى لذلك، فنحن حاضرون حتى ولو اقتضى ان يكون اللقاء في بكركي. وهنا رد عون فليكن في بعبدا وأنا بانتظار الرئيس الحريري هناك.
وأفادت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن اللقاء بين رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني الذي عقد أمس تقرر منذ يومين ومعروف أن تطور وباء كورونا حال دون انعقاد لقائهما في الميلاد مشيرة إلى أن اتصالا تم بينهما اول من أمس وتقرر اللقاء.
وأشارت المصادر إلى أن الجلسة بينهما كانت مفيدة وتناولت المواضيع التي تشهدها الساحة المحلية في البلاد من تطور وباء كورونا والوضع الأقتصادي والمالي والحكومة لافتة إلى أن الاجتماع جاء استكمالا للقاء الأخير بينهما في قصر بعبدا.
وأوضحت أنه بالنسبة إلى الملف الحكومي فقد عرض الرئيس عون الصعوبات التي تعترض تأليف الحكومة وموقفه حيال بعض الطروحات التي قدمها الحريري والتي لا تراعي المعايير الواحدة وينعدم فيها التوازن في التركيبة الحكومية قياسا لتوزيع الطوائف على المقاعد الوزارية.
وأفادت أن البطريرك الراعي طرح على رئيس الجمهورية فكرة جمعه مع الرئيس الحريري في بكركي من أجل المصارحة ويأتي هذا الطرح مكملا لما توقف إليه البطريرك الراعي في عظته في عيد الغطاس. وعلم أن الرئيس عون أستمع منه إلى هذه الفكرة لكنه لم يحدد موقفه من اقتراح بكركي للمزيد من التقييم والدراسة ونفت ما ذكر عن أن اللقاء بين عون والحريري كان مرجحا أمس وإن الرئيس المكلف تغيب مكررة القول أن البطريرك اقترح اللقاء في خلال اجتماعه مع رئيس الجمهورية صباح أمس.
ولم يُحسم شيء بعد في موضوع تشكيل الحكومة وبخاصة حول التمثيل الدرزي في الحكومة، برغم تحرك ومواقف رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان، وزيارته الاخيرة للرئيس نبيه بري، وإعلانه ضرورة تمثيل الطائفة بوزيرين برفع عدد وزراء الحكومة الى عشرين، وقالت مصادر متابعة للحراك الحكومي ان الامور على حالها ويبدو ان التشكيل ما زال بعيداً.
وكشف قيادي في 8 آذار ان مسعى البطريرك الراعي يجري بالتنسيق مع الثنائي الشيعي(امل- حزب الله) لحل الأزمة الحكومية، مضيفا: ان زيارة عون الى بكركي تأتي في إطار «التبرير والاعتذار» بعد افشاله مبادرة بكركي بالتضامن والتكافل مع الحريري» وفقاً لهذا القيادي.
وأشار إلى عقدتي الداخلية والعدل مجرد واجهة لعقد اكبر بكثير، فالرئيس عون يحاول بطريقة غير مباشرة المساومة مع الفرنسيين وقوى داخلية على تسهيل امر الحكومة مقابل ضمان امتيازات سياسية في الحكومة العتيدة وادارات الدولة لرئيس التيار الحر جبران باسيل، في موازاة ترتيب مسألة القانون الانتخابي لتامين اكثرية نيابية كفيلة بانتخابه رئيسا للجمهورية خلفا له.
وفي معلومات تكشف لاول مرة، اكد القيادي ان هناك مفاوضات عربية مع الجهات الفرنسية لاعادة وزارة الطاقة الى الحريري مقابل تسهيل تشكيل الحكومة، وتتضمن المفاوضات التفاهم مسبقا معهم حول كافة المناقصات المتعلقة باستخراج النفط والغاز.
واضاف القيادي، ان مسألة توسيع التشكيلة الحكومية من ١٨ الى ٢٠ وزيرا او اكثر مطروحة جديا، مما قد يطيح بأي تقدم احرز سابقا على صعيد توزيع الحصص الوزارية، وبالتالي فاننا اليوم امام احتمالات متعددة ولا يوجد سيناريو محدد للخروج من الازمة وعلينا فقط الانتظار، وعلى حد تعبيره الحرفي «ما بحلا الا الوقت».
جنبلاط لعدم المشاركة
وقال النائب السابق وليد جنبلاط ان لا جدوى من هذا اللقاء، داعياً الشيخ سعد الحريري لتركهم يحكمون.. ولم يبق شيء.. داعيا اياه إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة والذهاب إلى المعارضة، لكنه استدرك: مش وارد 14 آذار جديدة.
اضاف: أصبحنا منصة صواريخ.. وانتهىالقرار المحلي.. وقال: السؤال هل تعترف إيران بالجمهورية اللبنانية؟ وحافظ الأسد، الذي قال: شعب واحد في دولتين، لكنه كان يحترم دولة لبنان.. واكد: نحن لسنا ساحة حرب.
وأضاف مخاطباً الحريري: أريحلك.. يشكلوا هم الحكومة..
وأشار إلى ان النائب جبران باسيل يريد الثلث المعطّل، إذا صار شيء (لا سمح الله)، وإذا أراد ان يحكم.. بثلث معطّل..
واعلن: ما عندي مانع ان يأخذ الحصة الدرزية الأمير طلال أرسلان.
وقال: لست مقتنعاً بالكانتون الدرزي، أو أي كانتون، وقصة الفيدرالية التي انطرحت في الماضي، تحت شعار مختلف، وجرتنا إلى حروب، وكانت خسارة على الجميع، وجمال هذا البلد في التنوع والتخالط..
وفي الإطار السياسي، دعت كتلة الوفاء للمقاومة الرئيس المكلف إلى إعادة تحريك عجلة التأليف الحكومية للوصول الى صيغة يمكن ان تُعزّز الاستقرار والثقة، للنهوض بالاعباء المترتبة.
واليوم، يُحدّد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله موقف حزب الله من الوضع المحلي، وعقبات تأليف الحكومة، وما أثير حول قضية الوضعين الإقليمي والدولي.
الاقفال
على صعيد الإلتزام، باجراءات كورونا، اختلف الالتزام بإجراءات الاقفال بين منطقة وأخرى، في اليوم الأوّل للبدء بالاقفال، سواء في العاصمة، وسائر المحافظات.
وفي النبطية، أعلن رئيس مجلس إدارة ومدير عام مستشفى نبيه برّي الجامعي في النبطية، الدكتور حسن وزنة ان «قسم الكورونا في المستشفى يشهد ضغطاً كثيفاً للحالات المصابة بفايروس كورونا، ويتم التعامل مع هذه الحالات بشكل طبيعي، وحسب الإجراءات المتبعة.
وعادت محاضر الضبط إلى الواجهة، إذ سجلت 869 محضراً في اليوم الأوّل، بحق المخالفين.
صحياً، سجلت وزارة الصحة 4774 إصابة جديدة، و16 حالة وفاة، ليتعدى العدد إلى 204699 حالة مثبتة مخبرياً، منذ 21 شباط 2019.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
واشنطن تحسم رئاسة بايدن بتوافق جمهوري ديمقراطي على إنهاء ظاهرة ترامب
عون والحريري وبكركي لتحريك مسعى الحلحلة… وجنبلاط للاعتذار
إشكالات الإقفال تتفوّق على عائداته… و«الصحة» تركز على الجهوزيّة
حبست الأنفاس وتسمّرت العيون ليل أول أمس، عند المشهد الأميركي مع اقتحام مناصري الرئيس دونالد ترامب مقر الكونغرس، بناء على دعوته بالتظاهر لمنع تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات، وانتهت الجولة بهزيمة حلّت بترامب بتوافق جمهوري ديمقراطي كرّس فوز الرئيس المنتخب جو بايدن وأجبر ترامب على الاعتراف بالهزيمة واٌقرار بتسليم الرئاسة في 20 الشهر الحالي، وقد لمع اسم نائب الرئيس مايك بنس الذي كان شخصاً في الظل طوال مدة ولاية ترامب، ليظهر خلال يوم الكونغرس كبطل منقذ للديمقراطية الأميركية من السقوط بقيادته التصويت لصالح حسم رئاسة بايدن داخل الكونغرس، وتحوله الى مصدر تهديد لترامب بالعزل إذا غامر باستخدام صلاحيته في المدة الباقية من ولايته بما يعرّض رئاسة بايدن للاهتزاز، بحيث بدا ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي قد أنجزا تفاهماً على إنهاء ترامب سياسياً لصالح بنس، وفتح طريق التعاون بين الحزبين خلال ولاية بايدن رغم سيطرة الديمقراطيين على أغلبية مجلس الشيوخ بالفوز بمقعدي جورجيا في المجلس بالتزامن مع حسم رئاسة بايدن ووجود أغلبية ديمقراطية تسيطر على قرارات مجلس النواب.
مع تراجع مخاطر أحداث أمنية أو عسكرية تهدّد الاستقرار في العالم، خصوصاً في المنطقة بهدف قلب ترامب للطاولة بوجه بادين، كما يقول الخبراء في ضوء ما جرى أمس، يبقى الانتظار لبدء بايدن ولايته ورؤية طبيعة التصرف تجاه التفاهم النووي مع إيران، التي تمضي في رفع تخصيب اليورانيوم ومناوراتها العسكرية، واحتجاز الناقلة الكورية الجنوبية، على قاعدة معادلة أن لا تفاوض بل عودة للتفاهم النووي مقابل تراجع إيران عن خطوات التصعيد والعودة للالتزامات، وإلا فليأخذ التفاوض بالاعتبار معادلات جديدة تحكم الواقع الراهن تختلف عن تلك التي حكمت التفاهم قبل خمس سنوات، والمعادلات الجديدة كلها نووياً واستراتيجياً لصالح إيران.
لبنانياً، تنشط بكركي على خط تحريك مساعي الحلحلة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي زار بكركي معايداً، والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري الذي يتوقع أن يزورها، ومسعى بكركي يقوم على ترتيب لقاء مصالحة ومصارحة مفتوح بين الرئيسين لفتح الطريق لتذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة، وهو ما تراه مصادر متابعة للملف الحكومي أمراً يتجاوز بأسبابه المحلية الأبعاد التي تربطه بالأسباب الخارجية، لكن هذه الأسباب الداخلية يصعب حلها بمجرد مساعي علاقات عامة، فهي تحتاج طرفاً قادراً على ممارسة الضغوط لتنازلات متبادلة لا تبدو ناضجة بعد.
في مواجهة كورونا الأرقام المخيفة تتقدّم، مع ارتفاع نسبة الحالات المصابة من عدد الفحوص الى 15%، وارتفاع نسبة الوفيات بكل مليون نسمة الى 232 شخصاً، والمعدلان جديدان وخطران في حالة لبنان، ويضعانه بين الدول التي تسير نحو فقدان السيطرة، لذلك قالت مصادر صحية إن وزارة الصحة التي تتابع نتائج الإقفال، تضع ثقلها في رفع نسبة الجهوزية الصحية في المستشفيات الحكومية والخاصة وتسعى لضمان تجهيز 300 سرير إضافي للمصابين بينها 100 سرير عناية فائقة خلال فترة الإقفال.
نسبة الالتزام جيّدة مع خروقات
وبقي الملف الصحي في واجهة الاهتمام الرسمي وسط ترقب لنتائج اليوم الأول من إقفال البلاد وردود الفعل عليه وتداعياته على الوضع الاجتماعي.
فقد شهدت مختلف المناطق اللبنانية نسبة التزام عالية مع بعض الخروقات لا سيما في طرابلس التي شهدت تظاهرة شعبية رفضاً للقرار.
وأوضح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي أنه «لا توجد لدي إحصاءات دقيقة بموضوع الالتزام لكن النسبة كما أفادتني بها الأجهزة الأمنية جيدة جداً». وطلب فهمي من «المحافظين والقائمقامين والبلدات كما كنا نطلب في السابق وكانوا أساساً بالتنفيذ والمساعدة بتطبيق التعليمات، أن يستمروا كما كانوا يعملون في السابق لمصلحة الوطن والمواطن». كما طالب المواطنين بأن «يكون لديهم قناعة. هذا وباء تفشى في كل العالم، والدول المتقدمة لم تستطع إيقاف هذا الوباء، كيف الحال في لبنان ونحن وضعنا معروف. لذلك أطلب من المواطن أن يساعد نفسه ويساعد بلده». كما شدّد فهمي على أنه «بالنسبة للمواطن المخالف، يمكننا ان نستخدم نموذج الرقم 401 المعتمد لدى قوى الأمن الداخلي وهو محضر عادي يحال حتماً عند قاضي المنفرد الجزائي والعقوبة فيه تمتد من الإقفال إلى الحبس 3 أشهر للمواطن، كذلك المادة 604 والتي يمكن ان تساهم بتفشي الوباء، يمكن ان نطبق عليه هذه المادة».
إلا أن مصادر لجنة الصحة النيابية أشارت لـ»البناء» إلى أن «قرار الإقفال تشوبه ثغرات عدة لا سيما سلة الاستثناءات التي تضمنها والتي ستفقد القرار أهدافه الأساسية بالحد من التنقل والولوج الى الطرقات والاختلاط الاجتماعي وبالتالي خفض عدد الإصابات وإراحة القطاع الطبي». ودعت المصادر اللجنة الوزارية الى اعادة النظر ببعض الاستثناءات ورفع درجة حالة التعبئة العامة لكي نستفيد من قرار الإقفال بخفض عدد الحالات». وأوضحت بأن نتائج الإقفال على صعيد تراجع نسبة الاصابات لن تظهر في القريب العاجل، فالأعداد الكبيرة التي تظهر بشكل يومي هي أولى نتائج التفلّت الاجتماعي في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة».
هل دخل لبنان النموذج الإيطالي؟
وفي غضون ذلك برزت مؤشرات دخول لبنان في النموذج الايطالي لجهة إقفال المستشفيات أبوابها أمام مرضىى الكورونا. فقد انتشر فيديو مخيف وصادم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من امام طوارئ كورونا في مستشفى نبيه بري الجامعي الحكومي في النبطية، حيث انتظرت سيارات الإسعاف أمام الطوارئ لتعذر حصول مرضى كورونا على سرير. لكن مدير عام المستشفى الدكتور حسن وزني أوضح أن «الفيديوات المتداولة للزحمة أمام القسم المخصص لمرضى كورونا ليست اليوم، ولكن المستشفى يشهد هذا الضغط في أوقات الذروة خلال النهار ونتعامل معه بشكل طبيعي والامور تحت السيطرة». لكن مصادر صحية رسمية أوضحت لـ»البناء» أن لبنان لا يزال بعيداً عن النموذج الايطالي لاسباب عدة ابرزها أهمها أن الدول امتلكت قدرة على احتواء المرض بعد سنة من ظهور الوباء بعكس ما حصل في ايطاليا في بداية تفشي الفيروس. مطمئنة الى أن التعاون بين الدولة ووزارة الصحة وقطاع الاستشفاء والمواطنين والقوى الامنية سنتمكن من احتواء مرحلة التفشي الاخيرة».
ولفت وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن إلى أن «الوضع الصحي خطير، والعمل الذي تقوم به الوزارة هو رفع جهوزية المستشفيات الحكومية، لكن حتى الآن لا جهوزية لوجستية ونحاول إيجاد حل بين المستشفيات الخاصة والحكومية». وقال في تصريح إن «الهدف الأساسي إرجاء الموجة على الأقلّ لأسبوعين وزيادة عدد الأسرّة في العناية الفائقة»، مضيفاً «بالنسبة إلى الإجراءات قرار الإقفال يكون بسبب الارتفاع الهائل بعدد الاصابات، وفي دول أخرى الإقفال أسهل من لبنان بسبب توفّر الموارد». وتابع «علينا أن نتحمّل هذه المرحلة الخطيرة وتخطّيها لحين وصول اللقاح، وإذا أردنا حلّا فليقدّم الجميع حلولاً من جانبهم من دون تضخيم المشكل، ورغم النقص في الكوادر الطبية إلا أن الطاقم الطبيّ يقوم بعمل أكثر من جيّد، ولدينا الآلاف من الممرضين ذوي الخبرة والمؤهلين للقيام بالواجب».
وأعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 4774 إصابة جديدة بكورونا في لبنان، رفعت العدد الاجمالي للحالات المثبتة إلى 204699.
كذلك، سُجلت 16 حالة وفاة جديدة، رفعت الاجمالي إلى 1553.
تداعيات اجتماعية وأمنية
إلا أن نتائج القرار على الصعيد الاجتماعي أتت سلبية لجهة رفض العمال المياومين قرار الإقفال لكونه سيوقف مصالحهم وأعمالهم وبالتالي عدم استطاعتهم تأمين قوت يومهم في ظل عجز الدولة عن تأمين البدائل المالية للتعويض عن خسائرهم. ورفض محتجّون في طرابلس قرار منع التجوّل، ونظموا مسيرة من ساحة النور باتجاه شوارع المدينة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية وإقامة حواجز لقوى الامن لتسطير محاضر ضبط بحق مخالفي قرار التعبئة.
وحذرت مصادر أمنية من انعكاس حالة التردي الاجتماعي وتفشي الفقر والجوع على الوضع الامني، ولفت ارتفاع نسبة الجريمة وعمليات السلب والقتل بغاية السرقة في مناطق لبنانية عدة. وأفيد عن وفاة السوري م.ع.ح (38 عاما) بعدما اقدم على إحراق نفسه في تعلبايا، بسبب تردي الوضع الاقتصادي وضيق سبل العيش. كما تعرّض المواطن (أ. أ. مواليد عام 1962، لبناني) لعملية سرقة وسلب واعتداء بالضرب المبرح أمام منزله الكائن في محلة ضهر الليسينة – عكار من قبل أربعة أشخاص مجهولين، ونقل على أثرها إلى المستشفى ثم ما لبث أن فارق الحياة متأثّراً بجراحه.
على صعيد تأليف الحكومة تنتظر الأوساط السياسية ما سيحمله رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد عودته الى بيروت عائداً من جولته الخليجية، وسط ترقب لحراك جديد سيطلقه الحريري، لكن لم تُعرف طبيعته ووجهته.
خلوة عون – الراعي
وقبيل استئناف الرئيس المكلف نشاطه السياسي، يبذل البطريرك الماروني مار بشارة الراعي المساعي لترطيب الأجواء بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري تمهيداً لعقد لقاء مصالحة بينهما يعبد الطريق امام عودة الاتصالات والمشاورات الحكومية.
وبرزت زيارة الرئيس عون الى بكركي حيث التقى البطريرك الراعي في مناسبة الاعياد واستمرت الخلوة بينهما 45 دقيقة، تحدّث بعدها عون الى الصحافيين فقال: «جئنا اليوم نعايد غبطته، لأن الظروف منعتنا من ان نكون هنا يوم عيد الميلاد. وتكلمنا في الأوضاع العامة التي لا تزال مكتومة، لأن كل الذي يحصل معنا لا يحكى في الاعلام، بسبب ان كل واحد يكتب في الاعلام مع الأسف على هواه. وان شاء الله يكون هذا اللقاء مثمراً في هذا الموضوع». سئل انه حكي ان هذا اللقاء كان يمكن ان يجمعكم فيه البطريرك مع الرئيس الحريري، على ان يكون لقاء مصارحة واتفاق على حكومة من دون محاصصة، فأجاب: «هذا احتمال».
ولاحقاً أوضح مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان، ان «لا صحة للمعلومات التي نشرت عن ان اجتماعاً كان سيعقد صباح اليوم في بكركي، بين الرئيس عون والرئيس سعد الحريري، برعاية من البطريرك الماروني. والصحيح أن مثل هذا الطرح عرضه البطريرك الراعي على رئيس الجمهورية خلال اجتماعهما اليوم، ولم يكن الرئيس عون على علم مسبق به. فاقتضى التوضيح».
الحريري ينتظر بايدن
ولفتت أوساط سياسية متابعة للشأن الحكومي، لـ»البناء» إلى أنّ «الحريري ينتظر تسلم بايدن مقاليد السلطة أملاً بتغيير في السياسة الأميركية تجاه المنطقة وبالتالي تجاه لبنان. ولذلك يتريث في إعلان الحكومة تخوّفاً من فرض العقوبات إذا سار بحكومة لا تتواءم والشروط الأميركية لجهة مشاركة فعالة لحزب الله وحلفائه في التيار الوطني الحر وغيره. وبالتالي لن تنال الحكومة رضى الأميركيين ولا رضى المجتمع الدولي ما يعدّه الحريري قفزة في المجهول. إذ لن تجرؤ أي دولة أو صندوق مالي دولي على مساعدة لبنان بلا الإذن الأميركي. كما أن الحريري بحسب الأوساط، لا يريد حكومة تخلق مشاكل وعداوة مع الرئيس عون وحزب الله لأنها ستكون محكومة بالفشل، والتجارب السابقة أثبتت بأن أي حكومة لن تقلّع بلا تغطية من حزب الله. ولهذه الأسباب، لا يريد الحريري تأليف حكومة الآن، فيعمل على تمرير الوقت بحجج وطروحات يعرف مسبقاً أنها لن تنال موافقة عون، رهاناً على نضوج الظروف الإقليمية والدولية لتصبح مهيأة لتسوية في لبنان. وبهذه الحالة يكون الحريري أنقذ نفسه من العقوبات الأميركية ولم يعتذر عن التكليف ولم يدخل بمواجهة مع عون وحزب الله».
وفسّرت المصادر نفسها تصلّب الحريري بضغوط واشنطن والخليج اللذين يريدان حكومة شبيهة بمجلس إدارة شركة. وكشفت معلومات لـ»البناء» أنّ «الحريري قصد الإمارات طلباً لوساطتها مع المملكة العربية السعودية محاولاً خطب ودها أكثر من مرة لكنه أخفق». كما كشفت «أن شخصيتين من أركان تيار المستقبل اتصلا بالحريري خلال مكوثه في الإمارات سائلين عن نتيجة الاتصالات التي أجراها، فردّ بأن لا جديد ولينتظروا طويلاً».
ولفتت الأوساط إلى أن «الحريري لم يعد يعتمد في الملف الحكومي على الفرنسيين الذين لن يستطيعوا تغطيته في أي خطوة يُقدم عليها في الملف الحكومي. لذلك يعوّل على إشارة أميركية تنقلها إليه السعودية، لكن الأخيرة لم تُغيّر موقفها حتى الساعة من الحريري، الذي حاول ثلاث مرات الحصول على موعدٍ من الأمير محمد بن سلمان أو من ينوب عنه في الديوان الملكي، لكن لم يحصل على ما يبتغيه. ويتردد في الأروقة الضيقة بأن “المملكة” فقدت الأمل من “ولدها سعد».
وكشف مصدر وثيق الصلة بالأميركيين لـ»البناء» أن لا حكومة في المدى المنظور. فالأميركيون منهمكون بأحوالهم وأهوالهم الخطيرة على كافة الصعد الاقتصادية والصحية والأمنية والسياسية والدستورية. فضلاً عن أن واشنطن لن تفاوض طهران ودمشق حالياً بل ستنتظر نتائج الانتخابات الإيرانية والسورية في حزيران المقبل لتبني على الشيء مقتضاه. لذلك لبنان سيبقى في دوامة الانتظار طويلاً.
في المقابل أشار نائب رئيس تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش لـ»البناء» إلى أن «الرئيس الحريري لا ينتظر أي تغييرات في الوضع الاقليمي أو الدولي، بل ينتظر رد رئيس الجمهورية على الاقتراح الأخير الذي قدمه الرئيس المكلّف لتقليص مساحة الاختلاف والتوصل إلى حلٍ وسطي. وبالتالي الجواب عن مصير الحكومة عند رئيس الجمهورية».
وأوضح علوش تفاصيل اقتراح الحريري بأنه يتضمن حكومة من 18 وزيراً ولا يكون لأي طرف السيطرة على قرارها أو إمكانية تعطيل قراراتها، لا سيما على الوزارات الأمنية الدفاع والداخلية والعدل. والأمر الثالث عدم امتلاك أي طرف الثلث المعطّل والبند الأخير أن يكون الوزراء مستقلين». ولفت إلى ضرورة حصول اتفاق على توزيع عادل للحقائب الأمنية والقضائية. فإذا نال رئيس الجمهورية الدفاع، فيجب أن تؤول العدل إلى رئيس الحكومة فيما تُسند الداخلية إلى وزير مستقل يسميه الحريري بالتفاهم مع عون». أما إذا ما بقي عون على موقفه وتمسكه بوزارات يعتبرها من حصته وحقه قال علوش: «عليه أن ينتظر طويلاً».
إلا أن عضو تكتل لبنان القوي النائب الدكتور ماريو عون رد على كلام علوش بالقول: «إذن الحريري سيبقى مكلفاً لوقت طويل وحتى إشعار آخر».
ولفت عون في حديث لـ»البناء» إلى أن «سلوك الحريري يُظهر أنه لا يريد الحل ويعمل مع حلفائه في حزبي القوات والاشتراكي على أخذ البلد إلى المجهول تلبية للإملاءات والضغوط الخارجية». ولفت إلى «أننا لسنا نعاجاً لكي نسكت على الظلم الذي نتعرّض له، بل سنرد على أي تعدٍ وتهجم يطالنا». وشدّد على أننا «أول من نادى بتأليف حكومة اختصاصيين بأسرع وقت ممكن لكن دعونا إلى تطبيق المعايير الموحدة للحكومة ولن نقبل بمنطق «إبن الست» و»إبن الجارية».
أما حزب الله بحسب ما أوضحت مصادره لـ»البناء» فإنه لن يسير بحكومة تفرض على اللبنانيين وتلغي الأكثرية النيابية وتمس بالتوازنات والمعادلة الداخلية. لذلك يدعو الحزب الرئيس المكلّف إلى البحث جدياً مع رئيس الجمهورية لإنتاج حكومة توافقية لا تغيّر الثوابت السابقة وتحترم المواقع والصلاحيات ولا تسلّم البلد لقوى خارجية. وأكدت بأن الحزب لن يسلم أسماء وزرائه قبل إنجاز الخلطة الحكومية كاملة مع الأطراف الأخرى.
ويتطرق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته مساء اليوم الى الملفات الداخلية لا سيما الحكومة وملف كورونا على أن يرد على الحملة الإعلامية والسياسية على الحزب لجهة تشييد تمثال للشهيد اللواء قاسم سليماني.
جنبلاط دعا الحريري للاعتذار
وبرزت سلسلة مواقف أطلقها رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، ودعا الحريري للاعتذار عن تشكيل هذه الحكومة، ونصح الحريري مرة جديدة «شو بدك بكلّ هالشغلة» وليأتوا بمن يشاؤون رئيساً للحكومة حسان دياب أو فيصل كرامي أو غيرهما كان «أريحلو وأريحلنا». ورأى جنبلاط في حديثٍ للـ»ام تي في» أن «رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يريد الثلث المعطّل في أي حكومة ليتمكنوا من الحكم من خلاله إذا ما حصل أيّ عارض للرئيس عون و»الأعمار بيد الله».
وقال: «فليقم الحريري باختيار الاسم الذي يريده عنّي لكنه لا يطلب مني الاقتناع بأنه قادر على فعل أي شيء وأقول هذا من أجله». وأضاف: «فليأخذ المير طلال الحصة الدرزية فلا مانع لديّ وهل يريدون إلغاءنا؟ فلنرَ ان كانوا يستطيعون ذلك».