حجب تشكيل حكومة نجيب ميقاتي الثالثة كل النقاش العلمي والسياسي حول فشل “النموذج اللبناني” وسقوطه الفعلي. ويعتبر ألبر داغر، آبرز الباحثين المعاصرين الذين درسوا أسباب هذا الفشل وتابعوا هذا السقوط، خصوصاً في هذه الدراسة التي نشرها في شهر نيسان / أبريل الماضي. تتميز أبحاث داغر بالضوابط النظرية والمعطيات التطبيقية، التي تدل على التزام الباحث بتطوير “نموذج لبناني” جديد، يقوم على منظور وطني ـ قومي، ويكون بديلاً “للنموذج” الهالك. ونعيد نشر هذه الدراسة العلمية للتأكيد على أن برنامج الحكومة الميقاتية الجديدة الذي لخصه بشعار “معاً للإنقاذ”، إنما هو برنامج لـ”إحياء رميم النموذج اللبناني الفاشل والساقط”.
هنا نص الدراسة :
يستند عرض الوقائع التالي إلى استقصاءات أجراها صحافيون داخل الإدارة العامة اللبنانية على مدى 12 عاماً. وهو أتاح تعريف الدولة اللبنانية بوصفها دولة زبائنية سياسية باتت خلال العقود الأخيرة «ميدان ممارسات يجرّمها القانون». وتُظهر الوقائع على وجه التحديد كيف اكتسبت الزبائنية السياسية قوتها من المحاصصة الطائفية، وكيف استشرى «استخدام الموارد العامة للمنفعة الخاصة»، وكيف استخدم السياسيون الإدارة العامة كأداة طيّعة، وكيف انهارت مقدرة الدولة الإدارية والتنموية
I. الزبائنية السياسية تستمدّ قوتها من المحاصصة
حين يكون دأب النخبة السياسية «تجيير الموارد العامة لتوزيع منافع خاصة»، تكون الدولة نيو-باتريمونيالية الطابع، أي يتعاطى السياسيون معها وكأنها إرث لهم. وقد استخدمنا تعبير دولة الزبائنية السياسية محل التعبير الأول اختصاراً (داغر، 18/1/2019). وحاول باحثون أن يعطوا شرعية للزبائنية السياسية باعتبار أنها تؤدي إلى إفادة المستزلَمين من مصادر الثروة والدخل التي يوزعها الأقطاب. لكنّ الأدبيات النظرية أكدت العلاقة القائمة على عدم تكافؤ شديد بين «رئيس شبكة المحاسيب» وبين المستفيدين من أعطياته. وأظهرت أن تقاسم المغانم والمكاسب على أساس إثني أو طائفي بين أطراف النخبة هو ما يُعطي نظام الزبائنية السياسية قوّته (فان دو وال، 2001: 115-129).
وفي قراءته المسهبة لعلاقة الدولة مع الإثنيات في دول أفريقيا جنوب الصحراء على مدى عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، أظهر الباحث روتشيلد ترسّخ الممارسة القائمة على احتساب الحصص النسبية لهذه الإثنيات في المجموع (proportionality) لتحديد حصصها في السلطة السياسية وفي الإدارة العامة (روتشيلد، 1985: 79). وما ميّزها عن التوافقية كما شرحها ليبهارت، هو أنها لم تكن تحتاج حتى نهاية الحرب الباردة على الأقل إلى أنظمة تقوم على التعددية الحزبية والانتخابات. وهي كانت تتم استناداً إلى توافقات غير رسمية وغير مكتوبة وتجري غالباً في الظل. وهي كانت وصفة ناجحة لجهة تأمين الاستقرار السياسي طالما بقيت الدولة قادرة على حفظ حصص ممثلي الإثنيات في المناصب السياسية وفي المناصب الإدارية وفي الموارد العامة واحترام خصوصيات هذه الإثنيات. لكنّ الوجه الآخر للصورة تمثّل بالتردي الهائل لفعّالية الدولة التنموية، باعتبار أن توزيع المواقع والموارد والتنفيعات كان يجري لمصلحة المحاسيب، وأن التمثيل في الإدارة العامة كان يتم على حساب الاستحقاق والإنتاجية (روتشيلد: 92).
هذا ما يُسمى في لبنان «المحاصصة». وتُظهر الباحثة ماري جويل زهار أن ما ورد أعلاه، أي الأخذ بالنسبية لتحديد حصص الطوائف في البرلمان وفي الإدارة ينطبق على حالة لبنان منذ تعديل قانون المتصرفية عام 1864(زهار، 2005: 223). وقد تم الأخذ بالمقاربة ذاتها في دستور 1926 وفي «ميثاق 1943» وفي دستور «الطائف» عام 1990 بعد تعديل النسب. وبالنسبة إلى الباحثة فإن هذا النظام أمّن فترات طويلة من الاستقرار السياسي كان من شروطها وجود طرف خارجي يشرف على نظام المحاصصة. وصنّف الباحثان باسل صلوخ، ورنكو فرهيج، نظام التقاسم في لبنان (power sharing) بوصفه نظاماً «توافقياً بين كيانات قائمة على أساس الهوية» (corporate consociation) (صلوخ وفرهيج، 2017). وهو يقوم على كوتا متفق عليها مسبقاً لكل طرف في التوافق (predetermined quota). والالتزام بهذه الحصص هو في صلب النظام. ويرى صلوخ أن تقاسم السلطة وتوزيع المنافع على أقطاب الحكم أصبحا أكثر عدلاً بعد الطائف. كذلك، يُظهر رالف كرو، على سبيل المثال، أن الموارنة والسنّة كانوا يستحوذون عام 1955 على 12 موقعاً من أصل 17 هي مواقع المدراء العامين، و34 من أصل 47 هي مواقع رؤساء المصالح في الإدارة العامة اللبنانية (كرو، 1963: 510). وعام 2017 توزّع المدراء العامون البالغ عددهم 157 بحيث كان عدد المسيحيين بينهم 72 منهم 43 موارنة، وعدد المسلمين 81 منهم 34 سنّة و 33 شيعة (صلوخ، 2019: 45). وهذه المحاصصة ترادفت مع استشراء الممارسات القائمة على تجيير الموارد العامة للمنفعة الخاصة وانهيار الفعّالية التنموية للدولة.
II. الموارد العامة للمنفعة الخاصة
هل تنفيع المحاسيب أو محاباة الأقارب أو غير ذلك من الاعتبارات المشابهة هو ما يملي السطو على الأموال العامة؟ تُظهر الدراسات أن الهدف أولاً وأخيراً لدى السياسيين هو مراكمة الثروات، وأن ما يميّز تعاطيهم مع الشأن العام هو الرغبة بتكوين ثروة (فان دو وال، 2001: 124). يمكن فهم ذلك حين نجد أن سياسياً دخل للتوّ إلى حلبة العمل السياسي والشأن العام يمكن أن يستفيد بصفقة واحدة بمبلغ يوازي 100 مليون دولار. وهو مبلغ يقتضي أجيالاً من العمل الاستثماري المنتج للحصول عليه.
وبحسب الباحثة بياتريس هيبو، حين تستشري ممارسات نهب الموارد العامة سواء جاءت من السياسيين أو من الإداريين نكون أمام «اقتصاد قائم على النهب» (économie de pillage) (هيبو، 1997: 117). ويؤدي عدم التعرّض للمحاسبة (impunité) في هذه الحالات إلى استشراء الممارسات الاقتصادية التي يطاولها القانون (criminalté économique) وإلى حالة يشتغل فيها الاقتصاد في جزء مهمّ منه خارج القانون. ووضع الباحثون بايار وألّيس وهيبو هذه الممارسات تحت عنوان «تحوّل الدولة إلى ميدان للممارسات الإجرامية» (criminalisation de l’Etat). واعتبروا أن ما يحدّد كون هذه الممارسات إجرامية هو تصنيفها من طرف القضاء باعتبارها تستوجب الملاحقة، ولو لم تصدر أحكام بشأنها (بايار، إليس،هيبو، 1997: 35).
كما ركّز الباحثون على الطابع الهجين (hybrid) للدولة النيو-باتريمونيالية أو دولة الزبائنية السياسية، أي على وجود منطقين يتصارعان داخلها. الأول يمثله عمل السياسيين على تجيير الموارد العامة للمنفعة الخاصة، والثاني تمثله الإدارة القانونية والعقلانية التي تلتزم بالقوانين الوضعية غير الشخصية في توزيع الموارد (فان دو وال: 127-129). وأظهروا أن ما يميّز بين دولة وأخرى من هذه الدول لجهة النجاح التنموي هو ميزان القوى بين هذين الطرفين (ميدار، 2000: 854؛ داغر، 8/9/2020).
وتكون هناك زبائنية سياسية «منظّمة» (regulated) حين تترك النخبة السياسية دوراً للإدارة العامة. وهو ما أظهرته تجارب كينيا وساحل العاج وتجارب أخرى عكست نجاحاً تنموياً نسبياً كما في أندونيسيا أيام سوهارتو (باش، 2011: 284). والقاسم المشترك بين هذه التجارب هو وجود رؤساء جمهورية قادرين على حماية أجهزة اتخاذ القرار الاقتصادي التي تمّ تنسيب أفرادها على قاعدة الاستحقاق ومنع السياسيين من التدخّل في عملها. وتكون هناك زبائنية سياسية «نهّابة» (predatory) حين يطغى نهب الموارد على مسلكية السياسيين بدءاً من رأس الهرم وتذهب النخبة إلى خصخصة الدولة بالكامل ويختفي الحيّز العام. وقد مثّلت تجربة موبوتو في الكونغو نموذجها الأكثر وضوحاً.
نعرض عيّنة من ممارسات الزبائنية السياسية «النهّابة» داخل الإدارة العامة اللبنانية خلال العقود الماضية.
أ. الخصخصة وسيلة للإثراء
يعوّل السياسيون على موقعهم لتحويل الخصخصة وسيلة للإثراء. وهناك قطاعات تمّت خصخصتها باكراً، وأخرى كان هناك إصرار على خصخصتها، وثالثة تستمر خصخصتها تدريجياً. نكتفي بثمانية أمثلة؛
بدا مشروع «سوليدير» كأول مشروع كبير لإفادة النخبة السياسية من الأملاك العامة ومن إعادة الإعمار المحقّقة. وانتقلت المساحات التي استحوذت عليها الشركة في قلب العاصمة من 1.1 مليون م2 عام 1994 إلى 1.9 مليون م2 عام 2007. وأمكن ذلك بضم مرفأين للدولة إلى أملاكها وبردم البحر. واقتضى ذلك إصدار 9 مراسيم وقرارات من قبل الحكومات المتلاحقة. فتمّ تخمين المتر المربع من الأرض المصادرة من أصحاب الحقوق بـ 1533 دولاراً عام 1994. وأصبح السعر عام 2009 يساوي 20 ألف دولار. أي تضاعف 13 مرّة (وهبه، 14 و 15 و 16 و19/5/2009).
في عام 2011 نشرت وزارة الأشغال العامة تقريراً يُظهر أن التعديات على الأملاك العامة البحرية في مختلف نواحي الشاطئ تشمل 1141 تعدياً ونحو 5 ملايين م2. وكانت نية واضعي التقرير تشريع هذه التعديات من خلال إصدار قانون مشابه لقانون «تسوية مخالفات البناء». واقترح نائبان بأن يصار إلى«تمليك المحتلين العقارات التي احتلوها» (زبيب، 5 و 6 و 7/ 12/ 2012).
في مطلع حقبة ما بعد الحرب انسحبت الدولة من تكرير النفط الخام رغم وجود مصفاتين لم يُصر إلى تأهيلهما. ثم انسحبت من استيراد المشتقات النفطية. وسمحت بأن يتكوّن كارتل يتحكّم بالاستيراد والتوزيع (أبو مصلح، 12/ 4/ 2010). ويملك الكارتل المؤلّف من 12 شركة 55% من محطات الوقود و68% من صهاريج النقل. ولأن الدولة لا تستورد مباشرة الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان فهناك شركة واحدة كانت تستورد الكميات التي تحتاج إليها هذه الأخيرة (وهبه، 9/ 12/ 2019). وكانت تحقّق ربحاً فائضاً يساوي 500 مليون دولار سنوياً يتم تقاسمه مع بعض السياسيين (تقرير، 28/ 10/ 2019). وتبيّن في ما بعد أن الفيول المستورد منذ عام 2005 غير صالح للاستخدام ويتسبّب بأعطال متكرّرة في التجهيزات.
لأن النية كانت على الدوام خصخصة مؤسسة كهرباء لبنان، بقي عجز الإنتاج يساوي 32% من الطلب (زبيب، 24 و25/ 6/ 2009). ولم يُصر إلى إنشاء معامل جديدة أو توسعة القائمة بحيث صار لا بديل من الاتكال على المولّدات الخاصة. وهي تنتج أكثر من 35% من الطاقة المستهلكة. ولقد تعاقدت مؤسسة كهرباء لبنان مع متعهدين «غبّ الطلب» لتشغيل مياومين يحلّون محل موظفي الملاك، ولزّمت الصيانة إلى شركات أجنبية (أبو مصلح، 12/ 4/ 2010). وطرحت وزارة الطاقة عام 2019 مشروعاً للسير قدماً في خصخصة إدارة المؤسسة. وهو يتناول خصخصة التوزيع، أي أن تتولى شركات خاصة الفوترة ومنع التعديات والتبليغ عن الأعطال وإدارة اشتراكات الإدارة العامة (الفرزلي، 20/ 9/ 2019).
تمّ عام 1993 إيكال رفع النفايات من بيروت ولاحقاً من جبل لبنان إلى ثلاث شركات أهمها سوكلين. وهي التي تربط مؤسّسها علاقة شراكة مع أحد الأقطاب. وكانت كلفة الطن الواحد 120 دولاراً، أي أعلى بنسبة 100% من الكلفة الحقيقية وفقاً لدراسة وزارة البيئة. وهي من الأعلى عالمياً حيث الكلفة تُراوح بين 16 و78 دولاراً في إيطاليا و31 دولاراً في إيرلندا، بشهادة خبراء البنك الدولي. ولم يتجاوز تدوير النفايات نسبة 10% منها في حين يذهب 40% منها إلى المكبّات ويصار إلى طمر النصف المتبقّي (زبيب، 12/ 5/ 2010). وقد استُخدمت أموال الصندوق البلدي المستقل لدفع الكلفة على حساب كل بلديات لبنان.
تمت خصخصة خدمات البريد باكراً بعد الحرب. واشترى سياسيون حصّة الشركة الكندية وتمكنوا من الحصول على حصرية أو احتكار خدمات البريد لكل الإدارات والمؤسسات العامة. وأصبح إلزامياً على المؤسسات الحكومية الكبرى أن تستخدم خدماتها، كمثل وزارة المال في ما يخص التصاريح الضريبية أو الجامعة اللبنانية في ما يخص تسديد اشتراكات الطلاب في الضمان. وأصبحت كلفة نقل البريد العادي توازي كلفة البريد السريع (وهبه، 24/ 4/ 2014).
جرت خصخصة خدمتَي تفريغ البضائع ونقلها إلى خارج مرفأ بيروت في عام 2005. وكان المستفيد كونسورتيوم من ثلاث شركات لإدارة الحاويات بلغت حصتها 40% من إيرادات المرفأ السنوية. ولم تحوّل إدارة المرفأ إلى الخزينة عام 2011 سوى 32 مليون دولار من الإيرادات السنوية البالغة 160 مليون دولار. وشهد المرفأ ازدحاماً للشاحنات كان القصد منه ترتيب أكلاف إضافية على تخزين البضائع. وتبيّن أن الكونسورتيوم يستفيد من انخفاض كلفة التخزين لتدفيع أصحاب المستوعبات 3 دولارات عن كل مستوعب خارج الكلفة المصرّح عنها. ويلتقي المستفيدون في باريس كل عام لاقتسام ملايين الدولارات (شقراني، 3/ 4/ 2012).
كان ثمة إصرار خلال السنوات الأخيرة على خصخصة قطاع الاتصالات. وحاول وزير سابق نقل كل ما تملكه أوجيرو من معدات وتجهيزات إلى شركة خاصة أُنشئت للتوّ (رزق، 29/ 11/ 2017). ولم يمر الموضوع لأن قرار خصخصة قطاع يوفر نحو 1.5 مليار دولار كإيرادات سنوية للدولة يتطلّب قراراً من مجلس الوزراء وقانوناً من مجلس النواب (رزق، 5/ 12/ 2017). وكان هدف وزير آخر الذهاب بمسألة خصخصة الاتصالات إلى الآخر (وهبه، 3/ 1/ 2019). وعام 2018 استحوذت النفقات الاستثمارية والتشغيلية على 661 مليون دولار توازي 41.5% من مداخيل الوزارة (الفرزلي، 17/ 5/ 2019). وذلك لأن القانون لا يلزمها بتحويل هذه المداخيل إلى الخزينة بل يعطيها الحق بالتصرّف بها قبل تحويلها (القزي، 7/ 8/ 2019). وعام 2019 كانت إيرادات شركتَي الخلوي من كل مشترك تُراوح بين 24 و32 دولاراً شهرياً في حين أنها لا تتجاوز 6.5 دولارات في الأردن. وفي دراسة جمعية حماية المستهلك أن أسعار خدمات الخلوي كانت عام 2014 أعلى بـ 3 مرات مما كانت عليه في فرنسا (عقيقي، 23/ 9/ 2019). وقد أدى اقتراح وزير الاتصالات بوضع تعرفة على خدمة الواتساب الذي وافق عليه مجلس الوزراء إلى انفجار 17 تشرين الأول 2019 واستقالة الحكومة.
ب. الفساد الإداري وسيلة للإثراء
لا يمكن الحديث عن فساد إداري بمعنى الرشوة واستغلال المنصب للإثراء غير المشروع من دون وجود غطاء سياسي للمرتشين. ونعرض 10 أمثلة؛ تفوّقت 3 إدارات هي: وزارة المال، مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الاتصالات، لجهة بلوغ الممارسات الخارجة على القانون فيها مستويات غير مسبوقة.
كان الأهم في تجربة وزارة المال بعد عام 1993 اعتماد نظام معلوماتي خارج كل المعايير المحاسبية. فقد كان يتيح للعاملين في الوزارة إدخال قيود وشطب قيود في أي وقت، بما يسمح بدفع قيمة حوالات وتسديد مستحقات وتوفير قروض لغير مستحقين مع إخفاء كل ذلك (وهبه، 11/ 10/ 2010). وانتظر الناس حتى عام 2012 ليتم إلغاء هذا النظام أيام الوزير الصفدي (الصفدي، 1/ 9/ 2012). وذلك بعد صدور تقارير عن المؤسسات الدولية وحصول مساءلات من قبل اللجنة النيابية للمال والموازنة. وبلغت سلفات الخزينة بين عامَي 1997 و2010 الموفّرة لإدارات ومؤسسات كـ«مؤسسة كهرباء لبنان» و«مجلس الإنماء والإعمار» و«الهيئة العليا للإغاثة» 8 آلاف مليار ليرة. وهي لم تُدرج في قوانين الموازنة، أي مثّلت إنفاقاً من خارج الموازنة. ولم يسترد سوى 13% منها (زبيب، 15/ 10/ 2012). وحصل لبنان على نحو 3 مليارات دولار كهبات (المحاسبة، 25/ 2/ 2019). وبيّنت الاستقصاءات، أن الدولة قبلت بين عامَي 1997 و2010، نحو 293 هبة نقدية لم يدخل منها إلى حساب الخزينة لدى مصرف لبنان سوى 23 هبة (زبيب، 20/ 6/ 2012). وبقي الأشخاص والجهات الذين استفادوا من الهبات التي لم تسجّل في حساب الخزينة مجهولي الهوية. وتم بعد عام 2005 إنشاء دائرة في الوزارة لاسترداد المبالغ التي سدّدتها الشركات المستوردة كضريبة على القيمة المضافة. وتبيّن أن هناك شركات بأسماء وعناوين وهمية تكوّنت لاسترداد هذه الضرائب الوهمية. وكان يصار إلى تسديد ما تطلبه بمليارات الليرات من دون التدقيق في ما تدّعيه. وبلغت القيمة الإجمالية للمبالغ المدفوعة 250 مليون دولار عام 2011 (سعود، 18/ 4/ 2011). كما تبيّن أنه كان يصار إلى دفع قيمة شيكات محوّلة من وزارة المال إلى مصرف لبنان بلغ عددها 2810 شيكات من دون أن تكون لها قيود في الوزارة ومن دون معرفة هوية المستفيدين منها (عليق، 9/ 9/ 2011). وقد دفعت الفضائح المرافقة لعمل هذه الإدارة إلى تشكيل الحكومة فريق عمل لإعادة تكوين الحسابات المالية للوزارة خصوصاً حساب المهمة الذي يتيح قطع حسابات السنة المالية. وأعلن المدير العام للمالية، ألان بيفاني، استكمال تكوين هذه الحسابات في آذار 2019 (بيفاني، 6/ 3/ 2019). وقد وضع الملف في عهدة المؤسسات الرقابية للتدقيق في عمل الوزارة على مدى حقبة ما بعد الحرب.
في عام 1977 ألغيت وزارة التخطيط أو التصميم العام واختصر التخطيط على مجرد جهاز تنفيذي هو «مجلس الإنماء والإعمار» يتولى تحقيق الاستثمارات ضمن إطار إعادة الإعمار. وصدر عام 1993 القانون 246 الذي أجاز عقد صفقات المشاريع قبل رصد الاعتمادات في الموازنة العامة. وأتاح للمجلس التصرّف بمساهمات من موازنة رئاسة مجلس الوزراء، على أن يصار لاحقاً إلى إدراج هذه المبالغ في الموازنات السنوية. وعلى مدى السنوات اللاحقة كان المجلس قادراً على التصرف بمئات ملايين الدولارات كل عام بهذه الطريقة (وهبه، 17/ 9/ 2012). وخلال العقد الأخير كان إنفاق الدولة على البنى التحتية منوطاً بمجلس إدارة مكوّن من بضعة أشخاص تربط كل واحد منهم قرابة أو علاقة سياسية بأحد الأقطاب الكبار (ابراهيم، سعود، 13/ 7/ 2015). وكان يقرّ في كل جلسة شهرية 20 إلى 30 ملفاً بعشرات أو مئات ملايين الدولارات بمعدل 5 دقائق لكل ملف. ويتوزّع المستفيدون من التلزيمات على عشر شركات تربط أصحاب كل منها علاقة مع هؤلاء الأقطاب. وتقوم هذه الشركات بدورها في إعادة تلزيم المشاريع لشركات أصغر بنصف المبلغ. والنتيجة هي أن المشاريع المنفّذة تكون دون المواصفات (رزق، 16/ 1/ 2019). وقدّم الإعلامي سالم زهران إخباراً حول مليار و 200 مليون دولار أُنفقت على الصرف الصحي. وتحوّلت التجهيزات إلى خردة وأصبحت المياه المبتذلة تصبّ في البحر. وقد أحيل 8 مهندسين من «مجلس الإنماء والإعمار» أمام محكمة التمييز (ليبانون ديبايت، 27/ 11/ 2019). وكانت السنوات الأخيرة شاهداً على قصور الدولة الفادح في ميدان البنى التحتية. علماً بأن حصة الإنفاق الاستثماري في الموازنة لم تتجاوز 8% من إنفاق الموازنة على مدى أعوام 1992-2010 (فضل الله، 3/ 10/ 2011). وعلى مدى ربع قرن بين عامَي 1992 و2017، لم تمثّل سوى 6.8% من مجموع الإنفاق العام. وكان مجموعها 14.8 مليار دولار ثلثها بتمويل خارجي (زبيب، 24/ 12/ 2018).
كان ثمة جهاز أنشأته السلطة الانتدابية عام 1922 تحت اسم «راديو أوريان» يتولى الاتصالات اللاسلكية. وأصبح جزءاً من وزارة الهاتف والبريد والبرق عام 1972. ووفّرت له الحكومة، تنفيذ عقد مكننة الوزارة لتبرير الاستمرار بدفع رواتب الموظفين. وتحوّل بعد عام 1994 إلى هيئة «أوجيرو» التي أوكلت إليها الدولة مهمات الصيانة في الوزارة. لاحقاً وُضعت كل إمكانات الوزارة وممتلكاتها تحت إشراف هذه الهيئة (زبيب، 28/ 5/ 2011). وعُيّن موظف جمع مهمات مدير الاستثمار في الوزارة، ورئيس هيئة «أوجيرو» ومدير الاستثمار فيها. أي كان في الوقت عينه الجهة التنفيذية في الوزارة والجهة المكلّفة إجراء الرقابة على التنفيذ. وأصبحت «أوجيرو» ربّ العمل الثاني لمعظم موظفي الوزارة. كما أصبح القطاع، فعلياً، خارج سلطة الوزير الدستورية. وانتُدب الموظف نفسه لتمثيل الدولة أمام الهيئة التحكيمية في جنيف في مفاوضات إنهاء النزاع مع شركتَي «سيليس» و«ليبانسل» اللتين تولّتا إدارة الهاتف الخلوي حتى تاريخ استرداده من قبل الدولة في عام 2001. وقبلت الدولة أن تدفع للشركتين تعويضات فسخ العقدين بقيمة 300 مليون دولار. لكن الموظف المذكور عاد باتفاق مع بند إضافي، وهو أن تسدّد الدولة عنهما الضرائب والرسوم المتوجبة عليهما وهي تساوي 73 مليار ليرة (عودة، 21/ 10/ 2011). ورفض مدير عام آخر في استجواب له أمام لجنة المال والموازنة تقديم معلومات عن رواتب المدراء في الوزارة وعددهم 16 (الفرزلي، 4/ 4/ 2019). واستحوذت رعاية الوزارة لنشاطات النوادي عام 2018 على 620 مليون ليرة. وهي شاركت في معرض للاتصالات في برشلونة بكلفة بلغت 620 مليون ليرة. وقد سبقت الإشارة إلى أن النفقات التشغيلية للوزارة استنفدت عام 2018 نحو 42.5% من الإيرادات المحصّلة (الفرزلي، 17/ 5/ 2019).
بيّنا أعلاه الفساد المرافق لخصخصة تفريغ البضائع في مرفأ بيروت. وهناك الفساد الذي يمارسه الموظفون أنفسهم. ويتلخّص بتخلّي مخلّصي المعاملات عن الكشف على محتويات الحاويات مقابل رشى يتقاضونها من المستوردين الذين يسعون للتهرّب من الضريبة. ويترتب على ذلك خسائر فادحة للدولة كرسوم جمركية. بل يتفق الموظفون مع مستوردين لخلق شركات وهمية مع أوراق ثبوتية مزوّرة ورقم مالي وهمي. وهي تسجّل في أمانة السجل التجاري على أنها تستورد لإعادة التصدير. ثم تطالب الدولة باستعادة الضريبة على القيمة المضافة التي تدّعي أنها سدّدتها على السلع المستوردة (عليق، 9/ 1/ 2012). وقد قدّر رئيس اللجنة النيابية للإدارة والعدل حجم التهرّب الجمركي بـ 700 مليون دولار سنوياً (صلوخ، حزيران 2019).
أظهرت الصحافة دفع مئات ملايين الليرات كل عام لشراء المحروقات لآليات قوى الأمن الداخلي في وزارة الداخلية من دون أن يكون هناك تسليم للكميات (عليق، 15/ 12/ 2014). وأظهرت ضلوع ضباط مع رتباء أُحيل 47 منهم على القضاء، في ترتيب مدفوعات هائلة على الوزارة تحت عنوان «مساعدات مرضيّة». وهي تعتمد على قوائم مستفيدين وهمية وعلى تقاسم المبالغ مع المستفيدين منها (مرتضى، 14/ 10/ 2016). وأُقيل المسؤول الرئيسي في هذا الملف من منصبه وحُكم بالسجن خمس سنوات وصودرت ممتلكاته (مرتضى، 13/ 3/ 2021). وصدرت أحكام مشابهة على ضابطين غيره وعدة رتباء (مرتضى، 4/ 12/ 2020).
أدى انخفاض الرواتب في وزارة العدلية قبل عام 2017 وانعدام الرقابة إلى حالة بات عدد من الموظفين فيها يحجزون المعاملات ويفرضون «تسعيرة» لإنجازها (مرتضى، 20/ 9/ 2011).
وتبيّن أن مؤسّسة كهرباء لبنان كانت تستخدم فيولاً مستورداً غير صالح للاستعمال. وخلال صيف 2019 كانت الشحنة المسلّمة مكوّنة من نفايات نفطية (مرتضى، 29/ 4/ 2019). وهذا ما كان يتسبّب بالأعطال المتكررة في تجهيزات المؤسّسة. كان ذلك يحصل بالاتفاق بين مدير شركة «سوناطراك» التي وقّعت اتفاق توريد الفويل عام 2005 ومدير الشركة الخاصة المستوردة. وكان مخلّص معاملات الاستيراد يتولى رشوة العاملين في وزارة الطاقة وخصوصاً مسؤولي المختبرات التي تتولى الكشف على النوعية. وادّعى القضاء على 30 شخصاً بينهم مديرو الوزارة ومسؤولو المختبرات والعاملون الذين كانوا يحصلون على رشوة (مرتضى، 11/ 7/ 2019).
تبيّن أن هيئة إدارة السير أو «النافعة» كانت ميدان ممارسات فاسدة تغطيها إدارتها وأطرافها موظفون وسماسرة من خارج هذه الإدارة. وهي تشمل التلاعب بالرسوم المتوجّبة على السيارات وقبض رشاوى لتوفير دفاتر قيادة ورخص سير وفرض «تسعيرة» لكل معاملة ينجزها موظف. وهي تحرم الدولة من مليارات الليرات (مرتضى، 18/ 2/ 2020).
تبيّن أن هناك جامعات خاصة تبيع شهادات مزوّرة يستخدمها موظفون مدنيون وعسكريون للترقّي الوظيفي (الحاج، 13/ 3/ 2019). وتم توقيف المدير العام للتعليم العالي في وزارة التربية وطرده.
أُوقف مدير الجامعة الأكثر ضلوعاً في هذا الملف مع مساعديه (رمضان، 15/ 3/ 2019).
جرى الكشف عن شبكة كانت تقبض رشاوى هائلة من أولياء طلاب متقدّمين إلى مباريات المدرسة الحربية في الجيش اللبناني لضمان نجاحهم (مرتضى، 3/ 12/ 2020).
تُظهر الحالات الموصوفة أعلاه أن الخصخصة لم تكن فقط توسّل السياسة لنهب أموال عامة وحالات احتكار ورداءة للخدمة الموفّرة وبكلفة عالية، وفقاً للتوصيف الذي قدّمه هيدمان للتجربة العربية (هيدمان، 2004). وهي مع حالات الفساد الإداري المشار إليها عكست تحوّل الدولة إلى ميدان ممارسات يجرّمها القانون.
III. السياسيون يستخدمون الإدارة العامة كأداة طيّعة
يمكن وضع حقبة ما بعد الحرب بكاملها تحت عنوان تحوّل ميزان القوى إلى مصلحة السياسيين ضد الإدارة العامة القانونية. ويسمح بذلك الطابع الهجين (hybrid) للدولة كما سبقت الإشارة. وقد أصبحت إرادة الأقطاب السياسيين أقوى من القانون وتشكّلت شبكات رجال أعمال مرتبطة بهم وطغت التعيينات الحزبية وأصاب الانحطاط القضاء كما الرقابة الإدارية.
أ – النخبة «فوق القانون»
فضّل الباحثون أساموغلو وفردييه وروبنسون، إعطاء تعريف للدولة المتخلّفة، مختلفٍ عن الذي يربط تخلّفها بكونها دولة زبائنية سياسية. ورأوا أن ما يميّز الأنظمة السياسية لهذه الدول هو أنها ذات مؤسسات ضعيفة (weakly-institutionalized polities). المقصود هنا عجز المؤسسات التشريعية والقضائية والإدارية وتلك التي تمثّل التجمعات المهنية، عن أن تشكّل كابحاً للسلطة الإجرائية (أساموغلو وفردييه وروبنسون، 2004: 166؛ داغر، 21/ 9/ 2016). وربطوا بين هذه الخاصيّة وبين ديمومة هذه الأنظمة ولو أنها مكوّنة من لصوص (kleptocratic politics). وقد دمّرت المجتمعات التي هيمنت عليها. وكانت قادرة أن تمارس سياسة «فرّق تسد» بمعنى القدرة على رشوة الموالين ومعاقبة المعترضين. وخلقت على مستوى المجتمع حالة من عدم القدرة على الفعل الجماعي (collective action problem). وفي حالتَي الكونغو والدومينيكان اللتين عرضهما هؤلاء الباحثون كمثال، كان الرئيس «فوق القانون» وكانت إرادته هي القانون النافذ في كل أمر، بمعزل عن النصوص الوضعية. وهو استغل وقوفه «فوق القانون» للتحكّم بالتعيينات الإدارية من مستوى مجلس الوزراء حتى آخر موقع في الإدارة العامة.
ووضع أودونيل هذه الأنظمة تحت عنوان «الديمقراطيات بالإنابة» (delegative or illiberal democracy) حيث لا المحاسبة العمودية (vertical) الممثّلة بالانتخابات ولا المحاسبة الأفقية (horizontal) التي تقوم بها المؤسّسات الرقابية على عمل السلطة الإجرائية تؤدّيان دورهما. كما أن لا فعالية للمحاسبة المجتمعية (societal) التي يمكن أن يمارسها الجمهور من خلال توقيع العرائض أو الاعتراض في الشارع (داغر، 2017).
ب – رجال الأعمال
ارتبطت بالأقطاب السياسيين شبكات من رجال الأعمال بعلاقات منفعة. وهم لم يكونوا يظهرون في الصورة ولا يعرفهم الجمهور. ويمثلون فئة المستفيدين من القرارات الحكومية. وكانت الصفقات تجري في الخفاء (informalité) وتستفيد منها شبكاتهم (réseaux). وكانت أي مبادرة من مبادراتهم تقوم على توسّل السياسة لتحصيل ريوع (rent seeking) (هيدمان، 2004). ونقع عليهم في ميادين مختلفة من مثل توفير المحروقات وخدمات الإنترنت وغير ذلك. وليس الوزراء كتجسيد للسلطة التنفيذية هم من يتخذون القرار. بل هم ينفّذون مشيئة الأقطاب السياسيين. وتُظهر الاستقصاءات أن لرجال الأعمال هؤلاء دوراً مباشراً في اختيار الوزراء الذين يعوّل عليهم للسير بخصخصة المؤسسات الحكومية.
ج – «التعيينات الخاصة»
يرى البعض أن الخصخصة لم تكن بالضرورة خيار جميع السياسيين. بل إن الإبقاء على الإدارات والمؤسسات العامة لتوزيع المنافع بدا للبعض خياراً أفضل. وهو ما سماه كريستوفر كلافام «الدولنة لمصلحة المحاسيب» (crony statism) (كلافام، 1996: 167).
وخلال عهدَي الرئيسين شهاب وحلو، كانت الإدارة الحكومية مستقلّة بالفعل لأن التشريعات الشهابية انتزعت من الوزير أي حقّ بتنسيب العاملين في وزارته وأوكلت ذلك إلى «مجلس الخدمة المدنية». وذلك من خلال العمل بنظام المباريات الوطنية (داغر، 23/ 7/ 2020). وكان النموذج في ذلك دولاً كفرنسا وإنكلترا اقتضى منها قرناً كاملاً لانتزاع الإدارة العامة من نفوذ السياسيين (درايفوس، 2000؛ داغر، 18/ 9/ 2020). أما بعد الحرب، فقد تم إلغاء شرط عدم الانتماء الحزبي للموظف الحكومي (إنغلز، 1999: 193). وعملت القوى السياسية على زرع محازبيها في كل مؤسّسة أو إدارة. وبات المرور بـ«مجلس الخدمة المدنية» يحصل فقط للتعمية. أي أصبحت الإدارة العامة بعد الحرب نقيض إدارة شهاب. وقد خرجت عملية التنسيب إلى القطاع العام عن كل القواعد الملزمة في تكوين الإدارة الحديثة. وتم استبدال المباريات الوطنية التي تلبي شرط الاستحقاق بـ«التعيينات الخاصة» (special nominations) أي الحزبية.
وأُسقط موظفون من خارج الملاك على وزارة المالية عام 2004، أصبحوا هم أصحاب القرار فيها. وجرى تنسيب موظفين ينتمون إلى فريق بعينه نجحوا من دون غيرهم في امتحانات الدخول. واستُحدثت مناصب جديدة وأُجريت تشكيلات أتاحت لهذا الفريق التحكّم بمفاصل الوزارة. وصدر قانون خاص بموظفي المركز الآلي أتاح دفع أجور للمتعاقدين بالفاتورة يتجاوز معظمها ضعفي أجور الموظفين المثبّتين (سعود، 23/ 5/ 2010). وفي استجواب لجنة الموازنة والمال عام 2019 لرئيس أوجيرو أقرَّ مراراً بأن التوظيف في الوزارة كان في معظمه سياسياً (الفرزلي، 4/ 4/ 2019). وفي بلدية بيروت تولى «مجلس الخدمة المدنية» إجراء مباراة أتت النتيجة فيها لمصلحة «منطقة واحدة وطائفة واحدة ولون سياسي واحد». وأصبح كل رؤساء الدوائر من لون سياسي واحد. وعُيّن رئيس دائرة الخزينة رئيساً لمصلحة المالية بحيث يصرف ويراقب نفسه بنفسه. وجرى الأمر ذاته في مصلحة الهندسة (سعود، 7/ 10/ 2011).
وفي وزارة العدلية برزت أزمة المساعدين القضائيين على مدى حقبة ما بعد 1990. وبلغ الشغور 1200 موظف من أصل مجموع هو 1855، يتوزّعون كرؤساء أقلام وكتبة ومباشرين. وأصبح المباشرون الذين يتولون التبليغات يُكلّفون بمهمات كاتب، والكتبة يُكلفون بمهمات رؤساء أقلام. وأصبحت المحسوبية هي المعيار (مرتضى، 20/ 9/ 2011).
لعل أهم مظهر لقوّة الأقطاب بعد الحرب كأناس فوق القانون، هو تعطيل أيّ ملاحقات قضائية يمكن أن تطاول أزلامهم أو المنتفعين منهم
ويعطي النظام الداخلي لمجلس النواب رئيسه صلاحية تنسيب الموظفين بمن فيهم المديرون العامون الذين هم موظفو فئة أولى كما وتعديل الملاكات من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء أو أي سلطة رقابية. أي يُعيّن الموظفون بقرار منه من دون المرور بأية مباراة. ويعطي القانون «هيئة مكتب المجلس» صلاحية وضع موازنة المجلس وإنفاقها. وهناك وفق دراسة لرئيس سابق للمجلس الدستوري أكثر من 400 موظف مع غياب الاختصاصيين. فأجر المستشار القانوني كان مليون ليرة، الأمر الذي كان يجبر اللجان النيابية على الاستعانة بخبراء من القطاع الخاص (سعود، 19/ 2/ 2010).
وقد تسلّطت المكاتب التربوية الحزبية على الجامعة اللبنانية وأصبحت الطرف الذي يعود إليه إجراء التعيينات داخلها. وانضمّت هذه المؤسّسة إلى غيرها من المؤسسات التي يُعاقب فيها من يعملون (الحاج، 28/ 2/ 2020).
وبدا في هذا الإطار تصحيح الخلل طائفياً في تنسيب الموظفين مورداً استثمره بعض السياسيين إلى أقصى حد. وذلك لاستخدامه في تكوين شبكات محاسيب. ودخول هؤلاء على خط تصحيح الخلل الطائفي لم يستثن مؤسسة أو إدارة حكومية. وأصبحت كل إدارة ميدان تناتش للمواقع. وهو ما أدخل هذه الأخيرة في محنة. وكان النزاع يتخذ أحياناً شكل إقصاء من قبل فريق سياسي لموظفي الفريق الآخر من المراكز العليا في وزارة من الوزارات. ويرد المُقصَون بالطريقة ذاتها في الوزارات التي يتحكّمون بالتعيينات فيها (وهبه، 30/ 1/ 2019).
وكان الأمر مجزياً أكثر للقوى السياسية حين كان طرفان طائفيان يتواطآن لاحتكار التعيينات واقتسامها. وكان القاسم المشترك في هذه التعيينات إعطاء الأفضلية للفاشلين. ويصعد هؤلاء في السلّم الاجتماعي ويصبحون هم النخبة بمقدار ما يتم تغييب معايير الاستحقاق والكفاءة لمصلحة اكتساب الولاءات بالتنفيعات. وليس لدى الفاشلين غير العنف الذي يمارسونه ضدّ كل الذين ينظرون إليهم كما هم. وغالباً ما تكون لهؤلاء مشكلة مع تأهيلهم المهني. ويتحوّل الغبن المتراكم لديهم إلى رغبة بإلحاق الأذى بالآخرين. وتصبح البلاد جحيماً حين يصبح المحيط الاجتماعي لكل مواطن مليئاً بهم.
وبات شائعاً، بل وشأناً عادياً، أن يحصل المرتكبون على ترقية بدلاً من العقاب. أي يكفي أن تكون هناك شوائب في السجل الوظيفي لأحدهم لكي يصبح مؤهلاً أكثر من غيره للترقّي الوظيفي.
وتُظهر جلسات مختلف الحكومات ومنها حكومة الرئيس دياب، أن الملف الذي كانت له الأولوية على الدوام هو ملف التعيينات. وهو كان يختصر جدول أعمال أغلب الجلسات.
د – القضاء
نصّ «اتفاق الطائف» على إنشاء «المجلس الدستوري» و«المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء» و«المجلس الأعلى للقضاء». وتم باكراً اختصار دور «المجلس الدستوري» بحذف عبارة «تفسير الدستور» الواردة في «وثيقة الطائف» من صلاحياته. وحُصر دوره بمراقبة دستورية القوانين (صاغيه، 2008: 7). وحصر البرلمان عام 2005 صلاحية ملاحقة الوزراء بمجلس النواب كمرجع للاتهام. وانتهى بالتالي دور «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء» الذي لم يلتئم مرة واحدة منذ إنشائه عام 1990. وكانت محكمة الجنايات قد أصدرت عام 2002 قراراً بعدم صلاحية القضاء العادي للنظر في ملاحقة الرؤساء والوزراء (ناصيف، 11/ و 16/ 3/ 2019). أما «مجلس القضاء الأعلى» فيُعيّن أعضاؤه من قبل مجلس الوزراء.
وشهدت السنوات الأولى بعد 1990 استقالات كثيرة في صفوف القضاة بسبب انهيار مداخيلهم الموروث من فترة الانهيار النقدي في الثمانينيات. وجرى تنسيب أعداد من القضاة الذين لم يتخرّجوا من معهد الدروس القضائية. وكان ينبغي انتظار عام 1998 لكي تعيد سلسلة الرتب والرواتب الجديدة للجسم القضائي معاشات لائقة (صاغيه: 11).
واتخذ بعض السياسيين النافذين خلال السنوات الأخيرة من التدخل في القضاء والضغط عليه لمصلحة المحاسيب وسيلة رئيسية لاكتساب الولاءات. وخضع القضاء لضغط غير مسبوق لإصدار أحكام متحيّزة. وبات الناس يتوجّسون من القضاة الذين يصدرون أحكاماً جائرة بحقهم بضغط من السياسيين. وبات موضع تندّر قول قضاة لصحافيين ملاحقين بأنه يكفي التواصل مع الوزير فلان لتتوقّف الملاحقات.
ولعل أهم مظهر لقوّة الأقطاب بعد الحرب كأناس فوق القانون، هو تعطيل أي ملاحقات قضائية يمكن أن تطاول أزلامهم أو المنتفعين منهم. بل لم يكن ممكناً ملاحقة موظفين مرتشين كلما اعترض على ذلك «الزعماء». وقد تم إيقاف ملاحقات قضائية لهذا السبب بالذات.
وبرزت فئة من القضاة المدعومين سياسياً الذين يُكافأون بأفضل المراكز ولا يقومون بمهماتهم. وهم لا يداومون كما يجب ويتولى المساعدون القضائيون إنجاز الملفات عنهم (مرتضى، 22/ 6/ 2019). وأظهرت لائحة أعدّتها «لجنة الرقابة على المصارف» استفادة عدد من القضاة بشكل مخالف للقانون من قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان مخصّصة لتملّك المسكن الأول (عقيقي، 24/ 10/ 2019).
وفي عام 2019 تم الاشتباه في قضاة ومحامين وضباط ومساعدين قضائيين وأطباء في قضايا إخفاء أحكام قضائية للحؤول دون توقيف متورّطين وتوسّط لإخلاء سبيل موقوفين وإبراز تقارير طبية مزوّرة (ملف، 7/ 3/ 2019). وتبيّن أن هناك شبكة من السماسرة ودافعي الرشى ومتلقّيها في العدلية. وتم توقيف 50 شخصاً (مرتضى، 18/ 3/ 2019). وأوردت إفادات السماسرة القضائيين أسماء 16 قاضياً. وتسبّب مضمون تسجيلات بين قضاة وموقوفين بإيقاف خمسة قضاة عن العمل (مرتضى، 22/ 6/ 2019). وقدم هؤلاء استقالاتهم أو تم فصلهم من القضاء بعد إحالتهم من قبل هيئة التفتيش القضائي على المجلس التأديبي (مرتضى، 13/ 3/ 2021). وبحسب الوزير السابق وئام وهّاب، فإن هناك 173 ملفاً لقضاة مرتشين من أصل 530 قاضياً، أو ثلث الجسم القضائي في حوزة وزير الداخلية (مداخلة، 20/ 12 / 2020).
هـ – الرقابة الإدارية
شكّلت إعادة تكوين حسابات الدولة المالية ووضعها في يد القضاء في عام 2019 تصدياً للتسيّب الحاصل على مدى عقود وانتصاراً للإدارة القانونية ضد السياسيين و«كارهي الدولة».
وعلى مدى حقبة ما بعد الحرب كانت الاستعانة بـ«مجلس الخدمة المدنية» تحصل لإجراء مباريات محصورة، أي داخل الإدارات والمؤسسات المعنية لإعطاء شرعية للتعيينات الحزبية وتبرير تثبيت المعنيّين. وقد غاب التقرير السنوي الذي كان يصدره هذا المجلس بعد 2013 (الحاج، 1/ 5/ 2020). ويعاني التفتيش المركزي من شغور حادّ فيه. وأجريت عام 2017 مباراة مفتشين تربويين لم يعيّن مجلس الوزراء الناجحين فيها (الحاج، 1/ 5/ 2020).
ويتولى «ديوان المحاسبة» الرقابة المسبقة والرقابة المؤخّرة على الموازنة الحكومية. وقد استثنيت إدارات ومؤسّسات مثل مجالس الإنماء والإعمار والجنوب والمهجرين وكهرباء لبنان والضمان والليطاني ومصالح المياه من رقابته المسبقة. كما استثنيت من الرقابة اتفاقيات القروض الخارجية والهبات. وكان له دور رئيسي بعد 2005 في إظهار الخلل في عمل وزارة المال. وأشار رئيسه عام 2010 إلى أن الديوان لم يتسلّم منذ 1993 أي حساب مهمة صحيحاً من الوزارة. وأصدر حتى 2012 نحو 14 قراراً قضائياً بهذا الشأن. ولم تستجب الوزارة إلى مراسلاته بشأن حسابات المهمة غير المكتملة المرسلة إليه. الأمر الذي عطّل عمله (وهبه،11/ 10/ 2010؛ جلسات، 3/ 11/ 2010؛ المؤتمر، 7/ 3/ 2012؛ وهبه، 28/ 6/ 2020). وقد دأب مجلس الوزراء على كسر القرارات التي يتخذها الديوان باعتماد موافقات استثنائية (ابراهيم، 4/ 11/ 2020). ويعاني هو الآخر من شغور كبير في المحاسبين الماليين يصل إلى 50% من الكادر المطلوب (الحاج، 1/ 5/ 2020).
وتم إفراغ «إدارة المناقصات» من الكادر التقني لدراسة المناقصات الحكومية (وهبه، 12/ 2/ 2014). وهناك 93% من الصفقات العمومية لا تخضع لأي رقابة. وكانت لجنة الإدارة والعدل النيابية قد درست تعديل مرسوم إنشاء التفتيش المركزي لجعل «إدارة المناقصات» مستقلّة عنه وتفعيلها. لكنّ الحكومة استردت المشروع عام 2018. ثم قدّم وزير المال مشروعاً ينتزع من «إدارة المناقصات» حقها في الرقابة على المناقصات حتى تلك التي كانت تحت إشرافها. وانتزع منها حقها في إعداد دفاتر شروط المناقصات وفي تكوين لجان التلزيم. وأصبح إجراء المناقصات من صلاحية الوزراء ومجلس الوزراء. وبقي لهذه الإدارة في المشروع المقدّم أن تنشر الإعلانات وتحفظ السجلات وتجمع البيانات، وأن تقوم بتلزيم «اللوازم المكتبية والقرطاسية وخدمات التنظيف…» التي يكلفها بها مجلس الوزراء (الفرزلي، 17/ 10/ 2019).
IV. انهيار المقدرة الإدارية
اعتمد الباحث نيكولاس فان دو وال مفهوم الدولة النيو-باتريمونيالية لتفسير فشل بلدان أفريقيا في التنمية. واعتمد أعمال تيار المؤسساتية المقارنة لتوضيح الشروط التي ينبغي أن تتوفّر عليها الإدارة العامة لكي تتمكن من تحقيق التنمية (فان دو وال: 113-151). وهي استقلاليتها (autonomy) ومقدرتها الإدارية (capacity) وعلاقتها بالخارج (transnational linkages). وقد تسبّب انهيار المقدرة الإدارية في إفشال التنمية في هذه البلدان.
ورأى باحثون متخصّصون أن مساعدات المؤسّسات الدولية لبلدان أفريقيا على وجه الخصوص هي التي منعت تشكّل إدارة حكومية كفيّة في هذه البلدان (فان دو وال: 188-234). كان الموظفون الكبار يستقيلون من الإدارة العامة ويلتحقون ببرامج المؤسسات الدولية حيث يقبضون أضعاف رواتبهم السابقة. وقطع الشغور الحاصل الطريق على إمكان «التعلّم في ميدان صوغ السياسة العامة» (policy learning)، لأنه لم تعد هناك إدارة لكي تتعلّم (داغر، 4 و11/ 3/ 2019).
أ – دور البنك الدولي
تُظهر الوقائع أعلاه مسخرة «بناء القدرة» (capacity building) التي وعدت بها المؤسّسات الدولية لبنان كما غيره من البلدان النامية. وفي استعراض الباحثة الغزيري لتجربة البنك الدولي في ميدان الإصلاح الإداري أظهرت حقبتين، الأولى امتدت من تقرير براغ الشهير عام 1981 حول أفريقيا حتى عام 1997. وتولى البنك الدولي خلالها تنفيذ الشق المتعلّق بخفض عديد الإدارة العامة وخفض مداخيل العاملين فيها كجزء من برامج التصحيح الهيكلي التي أعدها صندوق النقد الدولي (الغزيري، 2006). واستند في ذلك إلى الأفكار التي بثّها تيار النفعيين الجدد ومدرسة «الاقتصاد السياسي الجديد» (NPE) اللذان عمدا إلى شيطنة الدولة وتسويغ انسحابها بالكامل من الاقتصاد. وأظهرت أن تقرير البنك الدولي لعام 1997 عكس التأثر بمدرسة «المؤسساتية الجديدة في الاقتصاد» (NIE) لجهة التركيز على دور المؤسّسات. ونتج من ذلك بلورة مفهوم الحوكمة (governance) وتركيز البنك الدولي على الشراكة (partnership) مع البلدان المعنية ببرامج الإصلاح وعلى تولي هذه البلدان بنفسها (ownership) تنفيذ هذه البرامج.
لكنّ شيئاً لم يتغيّر خلال المرحلتين لجهة تركيز البنك الدولي على خفض عديد الإدارة العامة من خلال الخصخصة وعلى ضبط كتلة الأجور وخفض تقديمات الدولة الاجتماعية كالمعاشات التقاعدية. وأظهرت الباحثة هيبو أن الشغل الشاغل للمؤسسات الدولية وأولها البنك الدولي منذ مطلع الثمانينيات، كان تحرير التجارة الخارجية لبلدان العالم الثالث وخفض دور الدولة فيها. واستخدم البنك الدولي لتبرير ذلك خطاباً انتقائياً تصرّف فيه بأفكار الباحثين بما يناسب هدفه (هيبو، 1998). لكن الهدف بقي هو نفسه، بصرف النظر عن كل الهراء التنظيري الذي رافق دوره، والذي تُرك للراغبين أن يتلهّوا به.
وقد أظهر الرئيس رفيق الحريري التزامه بعدم استعداء السياسيين في موضوع الإدارة العامة، بالامتناع عن ما من شأنه أن يحدّ من تدخلاتهم فيها. وعبّرت عن ذلك تسمية وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية. وقد تولّت هذه الوزارة التي تكونت من خبراء أجانب ومحليين ينتمون إلى «برنامج الأمم المتحدة للتنمية» والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، مهمتين هما مكننة الإدارة العامة وإعداد تصوّر لكيفية تطويرها. وعُهد بذلك إلى وحدتين في الوزارة حلّتا محل المديريات في الوزارات التقليدية. ورفضت الحكومات المتعاقبة إعطاء الوزارة ملاكاً إدارياً دائماً. وبالنسبة إلى الباحثة الغزيري فإن ما كان غائباً بعد الحرب هو تكوين تصوّر حكومي تُناقش على أساسه أطروحات الإصلاح المقدمة من المؤسسات الدولية. وقد طغت بدلاً من ذلك الرغبة لدى المسؤولين بإرضاء المانحين الدوليين للحصول على التمويل الذي رصدوه للإصلاح الإداري (الغزيري، 2007: 196).
لكنّ حقيقة الأمر هي أنه كانت هناك منفعة مشتركة لكلا الطرفين من العلاقة التي قامت. وهي عبّرت عن نفسها من خلال خلق «إدارة رديفة» مكوّنة من موظفين وخبراء تابعين لـ«برنامج الأمم المتحدة للتنمية» (UNDP) على وجه الخصوص كانوا حاضرين في الإدارات الأساسية على مدى 3 عقود. ويرى باحثون أن الوزراء كانوا يقايضون تسهيلاتهم للبرنامج باقتراح أسماء محاسيب يتم توظيفهم من خلال البرنامج برواتب عالية لا تشبه ما يحصل عليه الموظفون العاديون (عيراني، 31/ 3/ 2014).
وشرح تقرير صدر عن رئاسة مجلس الوزراء محتوى عقود البرنامج مع 7 إدارات ووزارات. وشكّل الموظفون التابعون للبرنامج عديد وزارة الدولة للتنمية الإدارية. وكانوا موجودين بقوّة في الإدارة الضريبية داخل وزارة المال. وتولوا ملف سياسة لبنان التجارية والعلاقة مع منظمة التجارة العالمية في وزارة الاقتصاد. وكانوا متواجدين في وزارات البيئة والطاقة والتربية. ولعبوا دوراً رئيسياً في بعض المراحل في رئاسة مجلس الوزراء. وأظهر التقرير أن رئاسة الحكومة كانت تعوّل على فريق البرنامج لإعداد الملفات التي ستُطرح على مجلس الوزراء ولتقديم تصوّرات بشأن مشاريع التنمية المقبلة ولإعداد تقارير تتناول علاقة لبنان مع الخارج ولتمثيل لبنان في مؤتمرات دولية (وهبه، 22/ 8/ 2017). أي أن هذه الإدارة الرديفة سمحت بتجاهل إدارة حكومية كان شغورها لا يفتأ يزداد يوماً بعد يوم.
وقد اشترى مكتب رئاسة الحكومة سنة بعد سنة عقوداً استشارية من البرنامج بملايين الدولارات تحت عنوان «تعزيز اتخاذ القرارات في مكتب رئيس الوزراء» (ابراهيم، 24/ 8/ 2020). وهي مبالغ مختلفة عن ما تخصصه الدولة كل عام لدفع رواتب موظفي البرنامج وتلحظها الاعتمادات المدرجة في الموازنة. وكانت هذه الاعتمادات تساوي 14.5 مليار ليرة أو نحو 10 ملايين دولار سنوياً، أي أن متوسط الأجر الشهري للموظف التابع للبرنامج كان يوازي 8000 دولار.
وبعد حصول الانهيار في سعر صرف الليرة رفضت وزارة المال الاستمرار بدفع رواتب هؤلاء بالدولار. وأعلنت حكومة الرئيس دياب إيقاف برنامج التعاون الحكومي مع الـUNDP. وكانت ثمة برامج تُنفّذ خلال السنوات الخمس الأخيرة بقيمة 60 مليون دولار سنوياً تدفع الدولة 9 ملايين دولار منها ويسدّد داعمون خارجيون الباقي. وهي تناولت عام 2019 أموراً من مثل دعم المجتمعات المضيفة، وبرنامج الطاقة المتجدّدة، وصناعة السلام في لبنان، والأمن والعدالة، والحوار اللبناني الفلسطيني، ومشروع المغترب اللبناني، وكبح التطرّف العنفي، وأموراً فذّة أخرى من هذا الطراز (ابراهيم، 24/ 8/ 2020).
لكنّ الاكتفاء بما ينفّذه «برنامج الأمم المتحدة للتنمية» كمشاريع لا يعطي صورة كافية عن دور المؤسسات الدولية وخصوصاً البنك الدولي. وقد أصدر «مكتب البنك الدولي» في لبنان عام 2013 بمناسبة التحركات للمطالبة بتصحيح الأجور تقريراً وقف فيه ضدّ تصحيح الأجور باعتبار أن رفع الأجور يرفع كلفة الإنتاج ويؤذي التنافسية ويزيد القدرة على الاستيراد. واقترح سيناريوات لتغطية كلفة الزيادة لو حصلت (البنك الدولي، 2013).
ولو أخذنا في الاعتبار وقوف البنك الدولي مع خصخصة الإدارة العامة ووقوفه ضد أي تصحيح للأجور فيها والدور الذي تلعبه «الإدارة الرديفة» لأصبحت صورة تدخّله أكثر اكتمالاً. ولا يمكن إغفال أن استشراء الفساد على نحو فظيع في الإدارة العامة خلال العقدين الأخيرين لا يمكن فصله عن تجميد رواتب الموظفين الحكوميين نحو 20 عاماً بين عامَي 1997 و 2017.
ب – الشغور والمياومون
ازداد الشغور في الإدارة العامة اللبنانية رغم ازدياد أعداد المنتسبين إلى القطاع العام. وأظهر تقرير وزير الدولة لشؤون الإصلاح الإداري في عام 2000، أن عشرة آلاف وظيفة كانت شاغرة من مجموع يساوي 22 ألف وظيفة. أي أن نسبة الشغور كانت 45%. وبلغ الشغور في وظائف الفئتين الثالثة والرابعة 86.5% في وزارة الصناعة و85% في وزارة البيئة و85% في وزارة الثقافة (داغر، 16/ 3/ 2003). وبحسب «المرصد اللبناني» كان عدد الوظائف في الملاك الإداري الدائم يساوي 25 ألف وظيفة عام 2013. ومع احتساب الدائمين والمتعاقدين والأجراء، يكون الشغور 9.4 آلاف وظيفة أو 38% من المجموع (المرصد، 2013: 27). لكنّ «الدولية للمعلومات» رأت أن الشغور الفعلي هو في الفئات من الثانية حتى الخامسة. وهو بالآلاف. وقد طاول عام 2017 نحو 17 ألف وظيفة من أصل مجموع يُقدر بـ 24 ألف وظيفة، أي 70% من المجموع (سمعان، 20/ 2/ 2017).
وقد باتت الإدارة العامة اللبنانية مع تزايد الشغور فيها مكوّنة بشكل متزايد من مياومين. وهي صيغة تفيد السياسيين وتنعكس تردياً في مستوى الخدمة العامة. وليس هناك إحصاء دقيق للمياومين، ولا توصيف لعقود عملهم. واعتمدت بعد الحرب صيغ جديدة لتنسيبهم هي عقود غبّ الطلب أو عمل بالفاتورة أو عقود صيانة وحراسة مع متعهدين من القطاع الخاص. وهم لا يُدرجون بشكل رسمي في جداول الإنفاق وليسوا مسجلين في الضمان. وهم محميون سياسياً ويحصلون على بدل مادي ضئيل وليس لديهم حافز لتأدية العمل الذي انتدبوا من أجله (المرصد: 64). وتتجاوز أعدادهم عدد موظفي الملاك في العديد من المصالح المستقلة كـ: مياه بيروت ومياه لبنان الجنوبي وكهرباء لبنان. وتبلغ أعدادهم عدّة مئات في الريجي ومستشفى بيروت الحكومي وأوجيرو والميدل إيست ومرفأ بيروت (المرصد: 46). وفي مختلف قطاعات التعليم يُسمى المياومون متعاقدين بالساعة وهم بالآلاف في التعليم المهني والتعليم الأساسي والثانوي. ويبلغ عدد المدرّبين في الجامعة اللبنانية ضعفي عدد موظفي الملاك (المرصد: 51).
ج. شغور الملاكات: المشكلة في التنمية
يوحي الاكتفاء بتسجيل مشكلة الشغور في الإدارة العامة بأنه يكفي تعبئة الملاكات لتحلّ المشكلة. لكنّ المشكلة الرئيسية هي في مكان آخر. يكتسب توفير صلاحيات تدخّلية في الاقتصاد للإدارة العامة اللبنانية أهمية أكبر بمراحل من مجرّد ملء الشواغر. أي لا يمكن للإدارة العامة اللبنانية أن تنسج على منوال إدارة ما قبل 1975. فهذه الأخيرة لم تكن تدخّلية في أي وقت منذ المتصرفية. وهي كانت تهتم «بالتأكد من الالتزام بالقانون» (regulatory) ولم تكن «تنموية» (developmental) بأي شكل من الأشكال. ولأن قطاعات الإنتاج الرئيسية لم تحظَ بأي تدخّل حكومي لمصلحتها، ترك أهلنا الريف كما لو كان أرضاً محروقة واختفوا في المهاجر (داغر، 5 و 6/ 9/ 2011). وليس في هذا مفخرة بل عكست التجربة قبل عام 1975 فشلاً ذريعاً في التنمية وفي البناء الوطني.
ألبر داغر، مفكر وأكاديمي عربي من لبنان
الجمعة، 24 أيلول/ سبتمبر 2021
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع العربية والأجنبية
Acemoglu D., Robinson J., Verdier T., « Kleptocracy and Divide and Rule: a Model of Personal Rule », in Journal of the European Economic Association, vol. 2, 2004, pp. 162-192.
Bach Daniel, “Patrimonialism and Neopatrimonialism: Comparative Trajectories and Readings”, in Commonwealth and Comparative Politics, July 2011.
Bayart J-F., S. Ellis, B. Hibou, “De l’Etat kleptocrate à l’Etat malfaiteur », in Bayart, Ellis, Hibou, La criminalisation de l’Etat en Afrique, Editions Complexes, 1997.
Clapham Christopher, “The International Politics of Economic Failure”, in Ch. Clapham, Africa and the International System: the Politics of State Survival, Cambridge University Press, 1996, pp. 163-186.
Crow Ralph, “Religious Sectarianism in the Lebanese Political System,” The journal of Politics 24, n. 3, 1963, pp. 489-520.
Dreyfus F., L’invention de la bureaucratie : Servir l’Etat en France, en Grande Bretagne et aux Etats Unis (18ème-20ème siècle), Paris: Editions-La Découverte, 2000, 290 pages.
El Ghaziri Nisrine, “The Politics of Public Management Reforms in Post-war Lebanon”, in Wil Hout, Richard Robinson (eds.), Governance and the Depoliticisation of Development, Routledge, 2007.
El Ghaziri Nisrine, ”The Missing Link in Development Cooperation Integrative Frameworks: Revelations from Lebanon’s Post-war Experience”, in Diane Stone and Christopher Wright (eds), The World Bank and Governance: A Decade of Reform and Reaction, Routledge, 2006, p. 230-234.
Heydemann Steven, “Introduction”, in Heydemann S., Networks of Privilege in the Middle East: Rethinking The Politics of Economic Reform, Palgrave Macmillan, 2004, pp. 1-34.
Hibou Béatrice, « Le « capital social » de l’Etat falsificateur ou les ruses de l’intelligence économique », in Bayart, Ellis, Hibou, La criminalisation de l’Etat en Afrique, Editions Complexes, 1997.
Hibou Béatrice, « Economie politique du discours de la Banque Mondiale en Afrique sub-saharienne : du cathéchisme économique au fait et (méfait) missionnaire », in Les Etudes du CERI, n. 39, 1998, 44 pages.
Ingels Christophe, L’Administration libanaise au sortir du conflit civil: permanence de l’enjeu politique partisan et impératifs fonctionnels de la reconstruction à portée nationale, Thèse, I.E.P. d’Aix-en-Provence, 1999.
Médard J-F, « L’Etat et le politique en Afrique », Revue Française de Science Politique, 50(4), 2000, pp. 849-854.
Rothchild Donald, “State Ethnic Relations in Middle Africa”, in G. Carter, P. O’Meara (eds.), African Independence: The First 25 Years, Bloomington: Indiana Univ. Press, 1985, pp. 71-96.
Salloukh Bassel F., Renko A. Verheij, “Transforming Power Sharing: From Corporate to Hybrid Consociation in Postwar Lebanon”, Middle East Law and Governance, 9, 2017, pp. 147-173.
Salloukh Bassel, “Taif and the Lebanese State: the Political Economy of a Very Sectarian Public Sector”, in Nationalism and Ethnic Politics, vol. 25, 1, 2019, pp. 43-60.
Van de Walle Nicolas, “Decision Making in Postcolonial Africa”, in ”, in N. Van de Walle, African economies and the politics of permanent crisis, 1979-1999 , Cambridge University Press, 2001 , pp. 113-151
Van de Walle Nicolas, “The Crisis and Foreign Aid”, in N. Van de Walle, African economies and the politics of permanent crisis, 1979-1999 , Cambridge University Press, 2001 . pp. 188-234
Van de Walle Nicolas, “The Exigencies of Neopatrimonialism”, in N. Van de Walle, African economies and the politics of permanent crisis, 1979-1999 , Cambridge University Press, 2001, pp. 115-129
World Bank, Republic Of Lebanon – Economic and Labor Force Impact of the Proposed Change in the Wage Structure of the Public Sector, June 2013.
Zahar Marie-Joelle, “Power Sharing in Lebanon: Foreign Protectors, Domestic Peace, and Democratic Failure,” in Donald Rothchild, Philip Roeder (eds.). Sustainable Peace : Power and Democracy after Civil Wars, Ithaca : Cornell University Press, 2005, pp. 219-240.
“الصفدي عن وزارة المال”، السفير، 1/ 9/ 2012.
“المحاسبة المالية … محاسبة أم تصحيح”، الأخبار، 25/ 2/ 2019.
“المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب كنعان..”، النهار، 7/ 3/ 2012.
“جلسات الإستماع إلى وزيرة المال”، الأخبار، 3/ 11/ 2010.
“رمضان نحو الإدعاء على مدير التعليم العالي”، الأخبار، 15/ 3/ 2019.
“عودة ملف “سيليس” و”ليبانسل””، الأخبار، 21/ 10/ 2011.
“ملف الفساد القضائي: الإدعاء على محامين”، الأخبار، 7/ 3/ 2019.
ألان بيفاني، “مؤتمر صحافي بعد إنجاز حساب المهمة”، بتاريخ 6/ 3/ 2019.
ألبر داغر، ” نخبة لبنان بعد الطائف واقتصاده”، الأخبار، 21/ 9/ 2016، أعيد نشرها في ألبر داغر، لبنان المعاصر: النخبة والخارج وفشل التنمية، (بيروت: المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق، 2017)، 223 صفحة، ص. 139–149.
ألبر داغر، “الإدارة العامة في لبنان قبل عام 1990″، الأخبار، 23 / 7 / 2020.
ألبر داغر، “الإدارة العامة والتنمية: مقابلة بين تجربتي لبنان وشمال شرق آسيا”، دراسة قدمت في مؤتمر “نموذج الدولة التنموية والتحديات امام لبنان”، المركز اللبناني للدراسات، 15 و16 شباط 2002، ونشرت في النهار، 16/ 3/ 2003.
ألبر داغر، “المقاربات النظرية لدور الإدارة العامة في التنمية”، ورقة أُعدّت لـ “الطاولة المستديرة” التي نظمتها “الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية”، القاهرة، 26 كانون الثاني/ يناير، 2019؛ أعيد نشرها في الأخبار – ملحق رأس المال، 4 و11/ 3/ 2019، وفي مجلة “شؤون اقتصادية عربية”، العدد 82، حزيران 2020، ص. 5 – 19.
ألبر داغر، “النخبة فوق القانون”، في ألبر داغر، لبنان المعاصر: النخبة والخارج وفشل التنمية، (بيروت: المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق، 2017)، 223 صفحة، ص. 149–159.
ألبر داغر، “النخبة في لبنان”، الاخبار، 18 كانون الأول 2019.
ألبر داغر، “هل قلت دولة الزبائنية السياسية؟”، الأخبار، 8/ 9/ 2020.
ألبر داغر، «كيف أُفرِغ ريف لبنان من أهله»، الأخبار، 5 و6 أيلول 2011. أُعيد نشرها في ألبر داغر، لبنان المعاصر: النخبة والخارج وفشل التنمية، (بيروت: المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق، 2017)، 223 صفحة، ص. 58–72.
ألبر داغر،”بيان من أجل برنامج اقتصادي بديل” الأخبار، 18 / 9 / 2020.
إيلي الفرزلي، “أوجيرو تضلّل لجنة المال”، الأخبار، 4/ 4/ 2019.
إيلي الفرزلي، “خصخصة مقنّعة لقطاع التوزيع في الكهرباء”، الأخبار، 20/ 9/ 2019.
إيلي الفرزلي، “قانون الشراء العام: حان وقت الإنتقام من إدارة المناقصات”، الأخبار، 17/ 10/ 2019.
إيلي الفرزلي، “كيف صرفت شركتا الخلوي 661 مليون دولار في 2018؟”، الأخبار، 17/ 5/ 2019.
باسل صلوخ، “الاقتصاد السياسي للفساد بعد الحرب”، المركز اللبناني للدراسات، حزيران 2019.
تقرير أرسل إلى “صندوق الشكاوى في مجلس الدول الراعية لمؤتمر سيدر”، 28/ 10/ 2019.
حسن شقراني، ” مرفأ بيروت: الخصخصة الفاسدة”، الأخبار، 3/ 4/ 2012.
حسن عليق، “شيكات مفقودة بين المالية ومصرف لبنان”، الأخبار، 9/ 9/ 2011.
حسن عليق، “فضيحة المازوت”، الأخبار، 15/ 12/ 2014.
حسن عليق، “مزرعة مرفأ بيروت”، الأخبار، 9/ 1/ 2012.
رضوان مرتضى: القضاء يعفو عن القضاة الفاسدين…”، الأخبار، 13/ 3/ 2021.
رضوان مرتضى، “الإدعاء على 47 في فضيحة “المساعدات المرضية”، الأخبار، 14/ 10/ 2016.
رضوان مرتضى، “العدلية بلا موظفين: شواغر الملاك”، الأخبار، 20/ 9/ 2011.
رضوان مرتضى، “الفيول المغشوش: موظفون يقرّون..”، الأخبار 29/ 4/ 2019.
رضوان مرتضى، “حكاية الفيول المغشوش في 114 صفحة”، الأخبار، 11/ 7/ 2019.
رضوان مرتضى، “فضيحة اختلاس المليارات من الأمن الداخلي”، الأخبار، 4/ 12/ 2020.
رضوان مرتضى، “فضيحة الفساد القضائي”، الأخبار، 18/ 3/ 2019.
رضوان مرتضى، “فضيحة الكلية الحربية”، الأخبار، 3/ 12/ 2020.
رضوان مرتضى، “محاضر التحقيق في ملف “النافعة”، الأخبار، 18/ 2/ 2020.
رضوان مرتضى، “هل تُستأنف “حملة مكافحة الفساد” في القضاء”، الأخبار، 22/ 6/ 2019.
رلى ابراهيم، “طرد دولة الـ UNDP من الدولة اللبنانية”، الأخبار، 24/ 8/ 2020.
رلى ابراهيم، “عقود الـUNDP: الحكومة تكسر قرار ديوان المحاسبة”، 4/ 11/ 2020
رلى إبراهيم، غسان سعود، “بارونات الإنماء والإعمار”، الأخبار، 13/ 7/ 2015.
سيمون سمعان، “الشغور في إدارات الدولة”، المسيرة، العدد 1598، 20/ 2/ 2017.
عبد الحليم فضل الله، “الدين العام في لبنان 1992-2010″، الأخبار، 3/ 10/ 2011.
غالب أبو مصلح، “الخصخصة في لبنان”، الأخبار، 12/ 4/ 2010.
غسان سعود، “سرقة 250 مليون دولار من وزارة المال”، الأخبار، 18/ 4/ 2011.
غسان سعود، “مجلس النواب: موظفون من أجل لا شيء”، الأخبار، 19/ 2/ 2010.
غسان سعود، “وزارة المال في قبضة المستقبل”، الأخبار، 23/ 5/ 2010.
غسان سعود، بلدية بيروت: صندوق لخدمات المستقبل”، الأخبار، 7/ 10/ 2011.
فاتن الحاج، “أجهزة الرقابة..”، الأخبار، 1/ 5/ 2020.
فاتن الحاج، “استباحة طب “اللبنانية”: رؤساء أقسام “بالباراشوت”، الأخبار، 28/ 2/ 2020.
فاتن الحاج، “تزوير الشهادات الجامعية”، الأخبار، 13/ 3/ 2019.
فيفيان عقيقي، “قطاع الخلوي: آلة الشفط الضخمة”، الأخبار، 23/ 9/ 2019.
فيفيان عقيقي، “لائحة أسماء لأصحاب القروض المخالفة لتعاميم سلامة”، الأخبار، 24/ 10/ 2019.
ليا القزي، “رقابة المال على “مبنى تاتش” لا قيمة لها”، الأخبار، 7/ 8/ 2019.
ليبانون ديبايت، “التحقيقات في “الفضيحة” التي كشفها زهران”، الوكالة الوطنية للإعلام، 27/ 11/ 2019.
مارسيل عيراني، “الدولة تموّل الـ UNDP”، النشرة، 31/ 3/ 2014.
محمد زبيب، “”الرأس المعطّل في مجلس الوزراء: الكهرباء مثالاً”، الأخبار، 24 و 25/ 6/ 2009.
محمد زبيب، “14.8 مليار دولار فقط للاستثمار العام في ربع قرن”، الأخبار – ملحق رأس المال – 24/ 12/ 2018.
محمد زبيب، “إقطاعية أوجيرو”، الأخبار، 28/ 5/ 2011.
محمد زبيب، “التدقيق بحسابات سلفات الخزينة”، الأخبار، 15/ 10/ 2012.
محمد زبيب، “المعتدون على البحر بالأسماء والتفاصيل”، الأخبار، 5 و 6 و 7/ 12/ 2012.
محمد زبيب، “جريمة أم خطأ في احتساب الهبات”، الأخبار، 20/ 6/ 2012.
محمد زبيب، “خصخصة في موازنة 2010: سوكلين وأصحابها”، الأخبار، 12/ 5/ 2010.
محمد وهبه، “احتكار الخدمة وقهر الموظفين: خصخصة ليبان بوست نموذجاً”، الأخبار، 24/ 4/ 2014.
محمد وهبه، “الـ UNDP في رئاسة مجلس الوزراء”، الأخبار، 22/ 8/ 2017.
محمد وهبه، “السنيورة يتهم ديوان المحاسبة”، الأخبار، 28/ 6/ 2020.
محمد وهبه، “الضمان بين فكي “التيار الحر” و”أمل”، الأخبار، 30/ 1/ 2019.
محمد وهبه، “تجار النفط: من أقوى كارتيلات لبنان”، الأخبار، 9/ 12/ 2019.
محمد وهبه، “دولة سوليدير القوية والقادرة”، الأخبار، 14 و 15 و 16 و19 / 5/ 2009.
محمد وهبه، “ديوان المحاسبة: ضبط التلاعب في وزارة المال بالجرم المشهود”، الأخبار، 11/ 10/ 2010.
محمد وهبه، “فنون الهدر العام”، الأخبار، 17/ 9/ 2012.
محمد وهبه، “محمد شقير من غرفة التجارة إلى وزارة الإتصالات”، الأخبار، 3/ 1/ 2019.
محمد وهبه، “تنظيف مقار حكومية..”، الأخبار، 12/ 2/ 2014.
مداخلة على قناة الجديد، 20/ 12 / 2020.
المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، “المياومون في الإدارات العامة والمصالح المستقلة والبلديات”، تحرير عبد الله رزق، أيلول 2013، 84 صفحة، ص 27.
ميسم رزق، “الإنماء والإعمار: إدارة غير شرعية لم تحقّق المعجزة”، الأخبار، 16/ 1/ 2019.
ميسم رزق، “الجراح وامتياز جي دي أس”، الأخبار، 5/ 12/ 2017.
ميسم رزق، “القضاء يفتح مغارة الإتصالات”، الأخبار، 29/ 11/ 2017.
نزار صاغية، “قراءة نقدية لخطاب الإصلاح القضائي في دولة ما بعد الطائف”، أوراق بحثية، المركز اللبناني للدراسات، 2008.
نقولا ناصيف، “مكافحة الفساد: انتظار “صدمة” لن تأتي أبداً”، الأخبار، 16/ 3/ 2019.
نقولا ناصيف، “مكافحة الفساد، لكل طائفة سنيورة تحميه”، الأخبار، 11/ 3/ 2019.