رفضت حكومة «ناريندا مودى» الوطنية التحيز لمعسكر فى الصراع الروسى الاوكرانى لتستخلص بذلك مكسبا كبيرا فى الحصول على البترول بسعر منخفض ولتحظى بثقل أكبر على المستوى الدولى، ويرى المراقبون انه بعد سنة من الهجوم الروسى على أوكرانيا استأنفت الهند لعبة «الأكروبات» للحفاظ على توازنها فهى تطبق بمهارة شديدة مبدأها الدبلوماسى الجديد الذى يطلق عليه «الانحياز المتعدد الأطراف» multialignement والذى يعود الفضل فى تطويره للدبلوماسى المخضرم وزير خارجية الهند «جايشنكار» والذى يعمل بجانب رئيس الوزراء «مودى» لصالح رؤية جديدة فى السياسة الخارجية تحكمها مصالحها القومية.
ولقد اعترف وزير خارجية الهند بأن الالتزامات العديدة لعملاق جنوب آسيا مع شركائه مرتبطة بالاستثمار فى الفرص التى تخلقها التناقضات العالمية، إنها إستراتيجية تخدم النزعة القومية الهندية التى يعززها رئيس وزراء الهند لتنجح الهند فى الحفاظ على علاقات طيبة مع كل من روسيا وأوكرانيا رغم الحرب بينهما، تاريخيا الهند قريبة من موسكو موردها الاساسى فيما يخص التجهيزات العسكرية، كما عمقت شراكتها فى السنوات الأخيرة مع الولايات المتحدة وأوروبا فى «هند الباسفيك» لمقاومة التأثير المتعاظم للصين ورغم الضغوط الغربية فإن نيودلهى امتنعت عن التصويت على قرارات تدين موسكو بالأمم المتحدة بفضل هذه الاستراتيجية الماهرة، وهذا لم يمنع «مودى» أن يقول للرئيس بوتين خلال قمة بأوزبكستان فى سبتمبر 2022 إن التوقيت ليس للحرب.
وبفضل هذه الاستراتيجية استطاعت نيودلهى سحب نفسها من التورط وانتفعت من حظر تداول السلع المفروضة على روسيا من قبل الامريكان والاوروبيين، حيث تؤكد مصادر «معهد الاقتصاد والتحليل المالى للطاقة» أن معامل التكرير الهندية تشترى بترولا خاما روسيا وتقوم بتحويله وبيعه بأوروبا وأمريكا، إن جميع الدول حتى إذا كانوا يقولون انهم يريدون أن يروا نهاية لهذه الحرب إلا انهم فى الواقع يحاولون الاستجابة لمتطلبات مواطنيهم.
لكن الجنوب الآسيوى لم يفلت من النتائج الاقتصادية للحرب وفقا للخبراء، لأن التضخم وصل إلى أعلى من 6% حيث ارتفعت اسعار الأغذية والمواد الاولية بطريقة جنونيه منذ بداية الصراع وإذا كان الموقف الحيادى للهند يبدو غير محتمل فى بداية الحرب، إلا أنها استطاعت أن تسلك طريقها جيوبوليتيكيا وأن تحتل مكانة فريدة فى النظام الدولى، وأن تثبت تكاملها الاستراتيجى واستقلاليتها وفقا لمراكز البحوث.
وليس غريبا أن يشيد الدبلوماسيون الاوروبيون اثناء اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين بنيودلهى فى مارس الماضى بجهود الهند فى تقريب وجهات النظر، فى حين هيمنت الحرب فى أوكرانيا على المناقشات، وعجز المؤتمر عن إصدار بيان مشترك الا أن الهند مرشحة اليوم للتحدث مع طرفى صراع الحرب الروسية الاوكرانية فهى تتمتع بمصداقية كبيرة تؤهلها لتلعب دورا أكبر على المسرح الدولى، وهذا ما لمسته فى زيارات متعددة للهند فى مؤتمرات دولية مهمة، وكان عمرو موسى سفيرا آنذاك لمصر فى الهند وأعطانى فرصة التعمق فى سياستها الخارجية وتطوراتها، وكان يحظى بقيادة فريق دبلوماسى رفيع المستوى ساعدنى فى اجراء حوار مع رئيس وزراء الهند الأسبق راجيف غاندى لأحصل على أول جائزة للحوار الصحفى من نقابة الصحفيين بترشيح من الأستاذ والصديق أحمد بهاء الدين رحمه الله.. ما أجمل ذكرياتى عن تعويذتى الهند!.
عائشة عبد الغفار، باحثة وصحفية عربية من مصر
منشور في الأهرام، يوم الجمعة 16 من رمضان 1444 هــ 7 أبريل/ نيسان 2023
COMMENTS