“القيادة المركزية الأميركية” تضاعف التحديات وتناقص الموارد؟

“القيادة المركزية الأميركية” تضاعف التحديات وتناقص الموارد؟

المغرب : الاحتجاجات في الحسيمة تستمر بزخم أكبر، وقمع دموي للمتضامنين في تطوان ومرتيل
منظمات أميركية "تصدِّر الديموقراطية" إلى الجزائر عبر سفيان جيلالي وأشباهه
مرصد الأزهر يحلل رمزية الأسماء التي يطلقها الكيان الصهيوني على عملياته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني

تنتشر القواعد الأميركية في سوريا، والأردن والعراق وفي فلسطين المحتلة وصولاً إلى لبنان، وهي جزء من البنية العسكرية ـ الحربية التي أقامتها الولايات المتحدة في هذه الدول. وإذا ما راجعنا الخريطة الجغرافية، سيظهر لنا أرخبيل القواعد العسكرية المتعددة الأحجام والمهام. وهذا الأرخبيل البنيوي الذي يمثل قلب منطقة القيادة المركزية الأميركية مترامي الأطراف، وهو كناية عن جزر برية أميركية مأهولة بالجنود المسلحين بأحدث أدوات الحرب، وهي تتمركز في الدول العربية في آسيا وفي إفريقيا أو تجاورها أو تطوقها. 

وفي سياق مناقشة مسائل الأمن القومي العربي والجوار الإقليمي، ينشر موقع الحقول عدداً من الأوراق والتقارير عن المهام الإستراتيجية التي تؤديها هذه الجزر. وبعد الورقة الأولى التي تركزت على دور القواعد الأميركية في سوريا، ننشر ورقة ثانية لـ”معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، أعدها Nathan P. Olsen / ناثان ب. أولسن، وهو عسكري محترف، وخبير في الشؤون التكنوحربية، تحت عنوان: “تقييم وضع “القيادة المركزية الأمريكية” في عام 2023″. حيث يقترح على قيادة الجيش الأميركي عدداً من الحلول التكنوعسكرية لمعالجة المشكلات الناشئة عن انصرافه لمواجهة الصين وروسيا وتقليص قواته في ما يسمى “الشرق الأوسط”. وفيما يأتي نص الورقة :

 

بعد قيام الولايات المتحدة بتحويل تركيزها نحو المنافسة بين القوى العظمى في السنوات القليلة الماضية، تم تعديل موقفها العسكري العالمي وفقاً لذلك. ففي منطقة المسؤولية الخاصة بـ”القيادة المركزية الأمريكية”، تضاءل عدد الجنود من حوالي 75000 في كانون الثاني/يناير 2020 إلى ما يقارب 40000 إلى 60000 جندي منتشرين على نحو ثماني عشرة قاعدة. وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض يُعزى بشكل أساسي إلى انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، إلا أنه يشمل أيضاً إعادة نشر مجموعات حاملات الطائرات الهجومية (التي كانت تُنشر بشكل روتيني في المنطقة)، وأصول الدفاع الصاروخي، والطائرات المقاتلة لتأدية مهام ذات أولوية أعلى في أجزاء أخرى من العالم.

وتبقى المهمة الأساسية لـ “القيادة المركزية الأمريكية” على حالها: توجيه العمليات والأنشطة العسكرية وتمكينها مع الشركاء بطريقة تزيد من الاستقرار الإقليمي. لكن في بيئة القوى العظمى حيث لا يُعتبَر الشرق الأوسط على رأس أولويات الولايات المتحدة، أصبحت موارد “القيادة المركزية الأمريكية” محدودة أكثر من السابق، وسيتعين على قادتها التكيف مع طريقة سعيهم لتحقيق أهدافهم الإقليمية. وبناءً على ذلك، يجب أن تُواصل القوات العسكرية الأمريكية التأقلم مع البيئة الاستراتيجية الجديدة في عام 2023، والتي تشمل زيادة التركيز على نشر الأنظمة غير المأهولة التي تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، واستخدام التوظيف القتالي السريع، وإنشاء بنية إقليمية متكاملة للدفاع الجوي.

الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي

طوّرت القوات العسكرية الأمريكية عدداً من الأساليب المبتكرة للمساعدة على إنجاز مهمتها، ويرجع ذلك جزئياً إلى تخفيض تواجدها العسكري في المنطقة. وفي عام 2023، ستستمر “القيادة المركزية الأمريكية” في تطوير اثنين من هذه الأساليب، هما الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال إطلاق بعض المبادرات مثل “قوة المهام 59”.

وأنشأت “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية” قوة المهام هذه في 9 أيلول/سبتمبر 2021، لدمج الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي مع العمليات البحرية. وتركزت جهود “قوة المهام 59” على اكتساب الوعي بالمجال البحري وزيادة الردع في منطقة عمليات “الأسطول الخامس”. وشدّت هذه القوة عزمها في عام 2022، حين قام “الأسطول الخامس” بتشغيل أنظمة غير مأهولة في المياه الإقليمية لأكثر من 25000 ساعة لرصد تهريب الأسلحة والعمليات البحرية الأخرى. وأد!ت هذه الزيادة الهائلة في عدد الساعات إلى تمكين “البحرية الأمريكية” من اختبار بعض الأنظمة على نطاق واسع، مثل “سيلدرون أكسبلورر” و”مارتاك ديفل راي تي 38“، وذلك على دورات امتدت من ستين إلى تسعين يوماً.

وبشكل خاص قامت “البحرية الأمريكية” باستضافة تمرين “الأفق الرقمي” في البحرين، مع سبعة عشر شريكاً من القطاع وخمسة عشر نوعاً مختلفاً من الأنظمة غير المأهولة في الفترة من 23 تشرين الثاني/نوفمبر حتى 15 كانون الأول/ديسمبر. وكانت بعض هذه الأنظمة عبارة عن مركبات طويلة التحمل مصممة لتأدية مهام المراقبة المستمرة، بينما كان البعض الآخر عبارة عن مركبات اعتراض عالية السرعة. وسلّط هذا الحدث الضوء على كيفية تَمَكُّن هذه الأنظمة من مساعدة “البحرية الأمريكية” على مراقبة العناصر التي تشكل موضع اهتمام فوق المياه وتحتها، بالإضافة إلى التمتع بقدرات أخرى.

توّج تمرين “الأفق الرقمي” عاماً بارزاً من التعاون في مجال الأنظمة البحرية غير المأهولة في المنطقة. وتعهّدت البحرين والكويت بشراء سفن بحرية غير مأهولة بحلول صيف 2023، بينما دخلت “البحرية الأمريكية” في شراكة مع إسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية من أجل إجراء تمارين تتضمن شبكة متداخلة – وهي مجموعة مترابطة من أجهزة الاستشعار التي تنقل البيانات في الوقت الفعلي، والتي يتم دمجها بعد ذلك معاً من خلال منصات تكامل البيانات والذكاء الاصطناعي، وذلك لتوفير صورة أوضح عن بيئة العمليات. وقد أثبتت هذه التمارين قدرة “البحرية الأمريكية” على إنشاء سلسلة متشابكة من الأجهزة اللاسلكية دون وجود محور مركزي، مما يوفر توجيه بيانات فعال يكون ضرورياً لمراقبة النشاط في المنطقة والحفاظ على عمليات الذكاء الاصطناعي. وتستثمر “البحرية الأمريكية” بشكل كبير في برنامج الطائرات البحرية بدون طيار، وتهدف إلى تشغيل أكثر من 100 نظام بحلول هذا الصيف.

كما أدى الوجود المتزايد لمثل هذه الأنظمة إلى حدوث احتكاك مع إيران. ففي أواخر آب/أغسطس، حاولت سفينة تابعة لقوات «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني الاستيلاء على أحد أجهزة الاستشعار الخاصة بـ”قوة المهام 59″، وتمكّنت البحرية الأمريكية من إحباط جهودها، التي وصفتها “القيادة المركزية الأمريكية” بأنها غير قانونية وغير مهنية. إلا أن هذه الحادثة عززت أهمية وجود مبادرة متعلقة بالوعي البحري تتألف من عدة طبقات وتفيض عن الحاجة في الشرق الأوسط.

التوظيف القتالي السريع

في عام 2020، أصدرت “القوات الجوية الأمريكية” تكليفاً بإجراء دراسة حول حصول تحوّل محتمل في تكتيكات الحرب الجوية رداً على ازدياد الطائرات بدون طيار وهجمات الاحتشاد، واستخدام القذائف الانسيابية والتسيارية، كما اتضح في العمليات الإيرانية السابقة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وأسفرت الدراسة عن إصدار مذكرة عقيدة “التوظيف القتالي السريع”، التي صدرت في آب/أغسطس 2022. وقد مكّنت هذه العقيدة “سلاح الجو الأمريكي” من العمل بفعالية أكبر مع تقليل التواجد، من خلال تنظيم المهام القتالية ضمن فِرَق صغيرة من الطائرات التي تنتقل بشكل متكرر من أجل منع الأعداء من استهداف هذه الأصول العالية القيمة بدقة.

وسيؤدي التنفيذ المتعمق لتكتيكات “التوظيف القتالي السريع” وتقنياته وإجراءاته في عام 2023 إلى مساعدة “القيادة المركزية الأمريكية” على تعظيم مواردها مع الاستمرار في ردع إيران. وفي العام الماضي، نفذ “سلاح الجو الأمريكي” عدة عمليات نشر في إطار “التوظيف القتالي السريع”، بما فيها التمرين الذي جرى في شباط/فبراير 2022 وقامت فيه وحدة مكلَّفة من “قاعدة الأمير سلطان الجوية” في المملكة العربية السعودية بالرد على هجوم تمت محاكاته، وذلك عبر إجلاء العناصر والمعدات والطائرات إلى دولة شريكة تقع ضمن منطقة مسؤولية “القيادة المركزية الأمريكية”. وأبرزَ هذا التمرين قدرة الوحدة على تشغيل طائرتها المخصصة للتزويد بالوقود “كيه سي – 135” في مكان بعيد وبموارد محدودة.

وفي أيلول/سبتمبر، نظّم “سلاح الجو الأمريكي” حدثاً رئيسياً شمل الطائرات المقاتلة وطائرات التزويد بالوقود والشحن والقاذفات، المتمركزة عادة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا والتي تعمل من “أجنحة الحملات الجوية” رقم 332 و378 و379 و386. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أُتيحت الفرصة لـ “سلاح الجو الأمريكي” لتنفيذ إجراءات “التوظيف القتالي السريع” في وضع حقيقي، عندما أشارت الاستخبارات السعودية إلى أن إيران كانت تستعد لشن هجوم وشيك على المملكة. وبعد ذلك، صرح وكيل وزارة الدفاع الأمريكية كولن كال: “نعتقد أن الجمع بين هذا التبادل الاستخباري السريع وإعادة تموضع [الأصول العسكرية] هو الذي أدى إلى تراجع الإيرانيين.”

ومنحت هذه الأحداث “سلاح الجو الأمريكي” فرصاً مهمة لإجراء تدريبات في مجال العمليات القتالية المنفَّذة على جبهات متعددة ومع مختلف هياكل الطائرات. وحيث يستمر مفهوم “التوظيف القتالي السريع” نضوجه في عام 2023، ستكتسب القوات العسكرية الأمريكية بلا شك قدرات وكفاءات إضافية، في ظل تعزيز العلاقات مع الشركاء وتقوية جهود الاستجابة السريعة.

الدفاع الجوي المتكامل

لم يسفر قيام طهران بنقل الطائرات بدون طيار إلى روسيا عن دعم حرب موسكو ضد أوكرانيا فحسب، بل من شأنه أيضاً أن يدعم القطاع الدفاعي في إيران ويحسّن قدراتها العسكرية. وتُمكّن عمليات النقل هذه طهران في الأساس من تقييم قدرات طائراتها المسيّرة ضمن بيئة متنازع عليها – وهي معلومات ستستخدمها لتحسين تصاميمها للنزاعات المستقبلية.

ولم يكن انتشار هذه القدرات مفاجئاً للجهات الفاعلة في الشرق الأوسط، التي تعرف عن كثب كيف استخدمت إيران الطائرات المسيرة لاختراق أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بهذه الجهات. وهذا جزء من السبب الذي جعل تكامل الدفاعات الجوية في المنطقة يمثل أولوية للولايات المتحدة وشركائها لسنوات.

وقد أنعشت “اتفاقيات إبراهيم” هذا الهدف القائم منذ زمن طويل. وتشمل الجهود الأخيرة مجموعات العمل المشتركة بين الولايات المتحدة ودول «مجلس التعاون الخليجي» التي اجتمعت في آذار/مارس 2022، مما يؤكد الإجماع على تعزيز مبادرات الدفاع المتكامل وترسيخ رؤية مشتركة لردع التهديدات الجوية والصاروخية والبحرية الأكثر إلحاحاً. وفي حزيران/يونيو، لمّح مسؤولون إسرائيليون إلى قيام تحالف على صعيد الدفاع الجوي الإقليمي مع البحرين ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتشمل المؤشرات الإضافية على التقدم المحتمل عمليات شراء دفاعية جوية وصاروخية جديدة تم إجراؤها العام الماضي من خلال برنامج “المبيعات العسكرية الخارجية” للولايات المتحدة، وعلى الأخص من قبل مصر والكويت والسعودية والإمارات. ولتعزيز هذه الجهود في عام 2023، أعطى “قانون تفويض الدفاع الوطني” تعليمات للبنتاغون بتقديم تقرير إلى الكونغرس الأمريكي حول الاستراتيجية الأمريكية لتنفيذ بنية دفاع جوي وصاروخي متكاملة مع الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط.

الخاتمة

كما ذُكر، طوّرت “القيادة المركزية الأمريكية” عدداً من الأساليب الإبداعية من أجل إنجاز المهمة الأساسية نفسها في الشرق الأوسط في سياق تخفيض مستويات القوة. وستحتاج إلى مواصلة الابتكار في عام 2023، باستخدام مواردها المحدودة لتطوير علاقات أقوى مع الشركاء الإقليميين، بينما تواجه انتشار النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.

 

اللفتنانت كولونيل ناثان أولسن (“سلاح الجو الأمريكي”) هو زميل عسكري في معهد واشنطن لعام 2022-2023. الآراء الواردة في هذا المقال تمثل وجهات النظر الشخصية للكاتب وليست بالضرورة آراء “وزارة الدفاع الأمريكية” أو “إدارة القوات الجوية” أو “الجامعة الجوية”.

مركز الحقول للدراسات والنشر
الأحد، 9 نيسان، 2023
الإثنين، 10 نيسان، 2023، آخر تحديث 1133

مصدر الورقة: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

Please follow and like us:

COMMENTS