تحدث فيودور لوكيانوف رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسى والمدير العلمى لمنتدى «فالداي» الدولى للحوار، عن معالم الحقبة الجديدة بعد العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا وكيف وضعت هذه الخطوة نهاية حقبة كاملة طوت من ضمنها صفحة التعاون مع الغرب، والتى سيظل تأثيرها محسوسا لسنوات قادمة بينما هيأت روسيا نفسها «لتصبح عاملا للتغيير الأساسى للعالم بأسره».
وأوضح لوكيانوف في مقال تحليلي بعنوان : «نهاية الحقبة» نشره موقع “روسيا اليوم”، أنه على المجتمع الروسى أن يعى أن الأمور لن تعود كما كانت من قبل، فالعملية العسكرية الروسية الجارية فى أوكرانيا تشطب حقبةً كاملةً، بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتى وكتلته الاشتراكية عام 1991 ، ثم مع إبدال النظام العالمى الثنائى القطب، الذى كان متوازنا، إلى حد ما، وأطلق عليه لاحقا اسم « النظام العالمى الليبرالي»، وهو ما مهد الطريق للولايات المتحدة وحلفائها للعب دور مهيمن فى السياسة الدولية.
وفى ظل العالم أحادى القطبية بذلت الدول ، التى لا تنتمى إلى الغرب ، وفى مقدمتها الصين وروسيا، جهودا لتلائم مواقعها مع التسلسل الهرمى العالمى وذلك لمدة طويلة نسبيا استمرت عقدا ونصف العقد على الأقل. وحاولت الصين تحقيق أقصى استفادة من الموقف لكسب موطئ قدم كلاعب مهيمن. بينما استغرقت موسكو وقتًا أطول للتكيف مع هذا النظام العالمى الجديد وترسيخ مكانة محترمة بين الدول.
أما فيما يتعلق بالعملية الروسية الجارية فى أوكرانيا، فيرى العالم السياسى الروسى أنها صورة طبق الأصل مما فعلته الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من مرة، على مدى العقود الماضية، فى أجزاء متعددة من العالم. وأكد لوكيانوف أن المشهد السياسى الحالى لا يعد معركة أيديولوجية على غرار الحرب الباردة فى النصف الثانى من القرن العشرين، إذ نلاحظ محاولة لتحدى الهيمنة على النظام العالمى لمصلحة إنشاء نموذج عالمى أكثر تنوعا، يعتمد على مناطق النفوذ. والآن، وبينما أصبح العالم أكثر شفافية وترابطا، فإن العزلة لم تعد ممكنة إلا بمقدار محدد فقط.
ورجح لوكيانوف أن سبب العمليات العسكرية الروسية المباشرة يتمثل فى السيطرة على منطقة ذات أهمية إستراتيجية، كما كان الحال فى كثير من الأحيان فى الماضي، لكنها اتخذت طابعا خاصا تحت عنوان «التاريخ يعيد نفسه «، الذى تردد فى وسائل الإعلام بكثافة، ويعكس الواقع بصورةٍ عامةٍ.
وتساءل المحلل الروسي قائلا:» الآن فى أوكرانيا ، يقف العالم كمشاهد أمام الاختبار الحاسم: أى نهج سيفوز؟» ،مشيرا إلى أنه بالطبع ستكون العواقب ضخمة . وقال إن القيادة الروسية، التى اتخذت قراراتٍ صارمة للغاية، ربما على درايةٍ بتلك العواقب، وربما تسعى نحو تلك العواقب بوعى وهى تطوى صفحة التعاون مع الغرب، لكن هذا لا يعنى أنها ستعتمد العزلة بدلا من ذاك التعاون، لكنها تشير إلى نهاية فصل تاريخى مهم فى العلاقات السياسية بينما لن تنتهى الحرب الباردة الجديدة بسرعة .فبعد فترة من الزمن، من المحتمل أن تبدأ الاضطرابات التى أحدثتها العملية العسكرية فى الانحسار، وسيستأنف بعض التفاعل مع الغرب.بينما
سيستغرق رفع العقوبات سنوات طويلة، حتى فى ظل أى سيناريو ملائم، وستُستعاد العلاقات ببطء وانتقائية.
أما فيما يتعلق بإعادة هيكلة الأولويات الاقتصاد ية ، فإنها ستتطلب خطة تنمية مغايرة، مع تحفيزات تطال عدة نواح منها.هذا بالاضافة إلى أنه يتعين أن يعيَ المجتمع الروسي، وخصوصا القطاعات الأكثر نشاطا فيه، أنَّ الأمور لن تعود كما كانت من قبل ويدرك أن طريقة الحياة السابقة لم تعد متاحة نظرا لأن روسيا قررت أن تختبر قوتها بإيثار، وأن تغدو، فى الوقت نفسه، عامل التغيير الأساسى فى العالم كله.
نهى محمد مجاهد، صحفية وكاتبة سياسية عربية من مصر
الأهرام، الجمعة 1 من شعبان 1443 هــ 4 مارس 2022 السنة 146 العدد 49396