شرخ في التحالف الغربى بسبب «تباين النهج» من حرب “الأطلسي” في أوكرانيا ؟

شرخ في التحالف الغربى بسبب «تباين النهج» من حرب “الأطلسي” في أوكرانيا ؟

صراعات الدم : عندما يستثمر “داعش” و”الاخوان” الصراعات الافريقية لنشر الارهاب ليبيا والسودان مثالا !
لماذا يقع “الداعشيون” و”الاخوان” في حب ..”إسرائيل”
الجيش الروسي استخدم “الدرع المعزز” في سوريا

أمضى القادة الغربيون الأسبوعين الأولين من الأزمة الروسية ـ الأوكرانية يهددون موسكو بفرض عقوبات، ويعدون كييف بتقديم مساعدات. فُرضت عقوبات مالية على الشركات والمصارف والأفراد الروس، لكن روسيا، التى خضعت لجولات مختلفة من العقوبات الدولية منذ عملياتها العسكرية فى جورجيا وشرق أوكرانيا 2008 و2014، أصبحت إلى حد ما مقاومة للعقوبات. فقد طورت طرقا لتجنب آثار التدابير العقابية مثل قطعها عن نظام «سويفت» المالى بتطوير نظام مدفوعات داخلى، وبالتالى كانت الكرة فى الملعب الغربى ليظهر أن التصريحات القوية حول وحدة الغرب وتصميمه على معاقبة روسيا ستتحول إلى أفعال. لكن النتيجة حتى الآن مخيبة للآمال.

أظهرت الوحدة الغربية بعض التصدعات والشروخ بعد ثلاثة أسابيع فقط من الحرب. فأولا: هناك قلق وتوتر فى العديد من العواصم الأوروبية، على رأسهما ألمانيا وفرنسا، بشأن السياسات الأمريكية التى تخشى باريس وبرلين أن تدفع أوروبا إلى حرب طويلة متعددة الأطراف مع تداعيات أمنية واقتصادية كارثية على أوروبا.

بدأ القلق عندما قال وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكين، إن واشنطن تجرى «مناقشات نشطة للغاية مع شركائنا الأوروبيين» حول حظر استيراد النفط والغاز الروسى. وبعد تصريحاته مباشرة، ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها خلال 14 عاما، فى حين ارتفعت أسعار الغاز فى أوروبا بنسبة 79٪.

الألم الذى يسببه ذلك الارتفاع الكبير فى الأسعار لن تشعر به أمريكا بنفس درجة حلفائها الأوروبيين. فأمريكا تستورد نحو 500 ألف برميل من الخام الروسى يوميا. ويمثل ذلك حوالى 8٪ فقط من إجمالى وارداتها النفطية، بينما يستورد الاتحاد الأوروبى حوالى ربع احتياجاته النفطية، وحوالى نصف احتياجاته من الغاز من روسيا.

المتحدث باسم البنتاجون «جون كيربي»

 

وبالتالى لم يكن مفاجئاً أن تعلن ألمانيا، أكبر اقتصاد فى أوروبا والتى تعتمد على روسيا لاستيراد أكثر من 55٪ من الغاز، و50٪ من الفحم، و35٪ من النفط، أن تعلن رفضها لفكرة الحظر المقترح على واردات النفط والغاز الروسية، مفضلة التركيز على «الضغط المستدام على المدى الطويل» على روسيا بدون أن يشكل ذلك عبئا ثقيلًا على الألمان. وقال المستشار الألمانى، أولاف شولتس، فى بيان يوم الاثنين الماضى: «فى الوقت الحالى، لا يمكن تأمين إمدادات الطاقة فى أوروبا لتوليد الكهرباء، والتنقل، وإمدادات الطاقة، وللأغراض الصناعية بأى طريقة أخرى. لذلك هذه الإمدادات ذات أهمية أساسية لتوفير الخدمات العامة والحياة اليومية لمواطنينا». وأوضح شولتس أن الحكومة الألمانية تعمل بجد منذ شهور مع شركائها داخل الاتحاد الأوروبى وخارجه لتطوير بدائل للطاقة الروسية ومع ذلك «لا يمكن القيام بذلك بين عشية وضحاها..هذا هو السبب فى أنه قرار واع من جانبنا لمواصلة أنشطة الشركات التجارية فى مجال إمدادات الطاقة مع روسيا».وتتفق فرنسا وهولندا ودول أوروبية عديدة مع الموقف الألمانى. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون قال إن فرض حظر على واردات الطاقة من روسيا «مطروح»، فقد صرح فى مؤتمر صحفى مشترك مع رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو ورئيس الوزراء الهولندى مارك روتى فى لندن أول أمس، بأن كسر الاعتماد على النفط والغاز الروسيين بحاجة إلى الوقت والتعاون، قائلاً: «هناك تبعيات مختلفة فى بلدان مختلفة، وعلينا أن ننتبه لذلك.. لا يمكنك ببساطة إغلاق استخدام النفط والغاز بين عشية وضحاها، حتى من روسيا».

فيما أقر رئيس الوزراء الهولندى بأن الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية «لا يزال موجودًا» فى أجزاء كثيرة من أوروبا، ودعا إلى فرض أى حظر بعد خطوات «متأنية وبعناية وخطوة بخطوة»، قائلاً: «الحقيقة المؤلمة هى أننا ما زلنا نعتمد بشكل كبير على النفط والغاز الروسى.. وستكون هناك «تداعيات هائلة» إذا طبقت دول الاتحاد الأوروبى حظرا فوريا».

وبسبب الضغوط من الكونجرس الأمريكى على إدارة جو بايدن لتعزيز العقوبات على موسكو، أعلنت أمريكا بشكل منفرد فرض حظر على وارداتها من النفط والغاز الروسى الثلاثاء، بينما أعلنت لندن، حليف واشنطن الأقوى فى أوروبا، إنها ستعمل على إيجاد بدائل للنفط والغاز الروسى بحلول 2023. وهذا يعنى أن التنسيق الغربى القوى فى قضية أساسية مثل فرض العقوبات بات الآن أكثر صعوبة وسيزداد صعوبة مع الوقت، فكل دولة ستسير بسرعتها الخاصة ووفق مصالحها.

وثانيا: لا تقتصر الخلافات بين الدول الغربية على سرعة وطبيعة العقوبات المفروضة على روسيا. فهناك خلافات حول تسليح أوكرانيا بطائرات مقاتلة من دول مجاورة مثل بولندا. فمنذ بدأت الحرب، تطالب الحكومة الأوكرانية الغرب بتزويدها بطائرات مقاتلة روسية الصنع لأن هذا هو نوع الطائرات التى يعرفها الجيش الأوكرانى وتدرب عليها منذ الحقبة السوفيتية.

وتؤيد أمريكا الخطوة وأجرت محادثات مع بولندا لبحث احتمالات منح الحكومة البولندية لأوكرانيا طائرات مقاتلة طراز «ميج 29»، مقابل أن تمنح واشنطن بولندا طائرات أف 16». لكن بالإضافة إلى الصعوبات اللوجيستية فى نقل طائرات حربية من دولة إلى أخرى فى زمن مواجهة عسكرية فى الأجواء الأوروبية، هناك مخاوف من أن تؤدى هذه الخطوة إلى اتساع نطاق الحرب فى أوروبا بعد أن حذرت موسكو أى دولة تشارك بشكل فعال فى الصراع، معتبرة ذلك بمثابة «إعلان حرب».

وأقر دبلوماسى أوروبى «مطلع» بأن فرنسا وألمانيا لديهما شكوك حول الموقف الأمريكى لأنه قد يجر دولا أوروبية أخرى إلى مواجهة محتملة مع روسيا. وأوضح: «بالنسبة لبرلين وباريس، يجب أن يكون هناك توازن بين الضغط على روسيا من ناحية والدبلوماسية من ناحية أخرى. هذا التوازن لم يتحقق بعد فى نظر البعض. نحن نسير بعيون مفتوحة نحو حرب طويلة فى أوروبا، ستؤثر على الأمن الأوروبى لسنوات قادمة وستضع مسمارا فى نعش الاستقلال الإستراتيجى الأوروبى عن أمريكا. ومن هنا جاءت جهود فرنسا وألمانيا لترك الباب مفتوحا أمام الرئيس الروسى لتجنب المسار العسكرى والعودة إلى طاولة المفاوضات». وكان الدبلوماسى الأوروبى يشير إلى القمة الثلاثية الافتراضية التى عقدت الثلاثاء بين الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون والمستشار الألمانى اولاف شولتس، والرئيس الصينى شى جين بينج لبحث حلول دبلوماسية للتصعيد الحالى ووقف إطلاق النار وبدء مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. وهى القمة التى كان لافتاً غياب أمريكا وبريطانيا عنها وسط اتهامات لهما بانهما يزيدان الأمور اشتعالاً بدعوات مثل تسليح أوكرانيا بطائرات هجومية مقاتلة. وقالت الرئاسة الفرنسية إن الرئيس الصينى يؤيد الجهود الفرنسية والألمانية لترتيب وقف إطلاق النار فى أوكرانيا وضمان تنسيق المساعدات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة. وتتهم الصين بعض دول الناتو بدفع التوترات بين روسيا وأوكرانيا إلى «نقطة اللاعودة»، عبر توسيع رقعة الحرب فى أوروبا بتورط دول ثالثة بتسليح أوكرانيا بطائرات مقاتلة.

لكن حتى الحليف الأقرب لواشنطن فى أوروبا، وهو بريطانيا، لم تقدم دعما صريحا لتلك الفكرة. وقال وزير الدفاع البريطانى بن والاس إنه سيدعم بولندا، العضو فى الـ«ناتو» إلى جانب بريطانيا، لتزويد أوكرانيا بطائرات ميج 29 «إذا اختاروا القيام بذلك». وأوضح: «ستتفهم بولندا أن الاختيارات التى ستتخذها لن تساعد أوكرانيا بشكل مباشر فقط، وهذا أمر جيد، بل قد تضعهم أيضا فى خط النار المباشر من دول مثل روسيا أو بيلاروس.. إنها حقا مسئولية كبيرة تقع على عاتق رئيس بولندا ووزير الدفاع بالفعل».

ومنذ طرحت أوكرانيا فكرة منحها طائرات روسية مقاتلة من جيرانها، لم يتحمس لها الرئيس البولندى أو وزارة الدفاع البولندية. وأوضح الرئيس البولندى، أندريه دودا، عدة مرات أن بلاده لن ترسل أى طائرات إلى أوكرانيا لأنه قد يُنظر إلى الخطوة على أنها تتدخل فى الحرب.

لكن تحت ضغط أوكرانيا وأمريكا، أعلن وزير الخارجية البولندى، زبيجنيو راو، أن حكومته «مستعدة لإرسال، وعلى الفور ومجانا، جميع طائراتها من طراز ميج 29 لقاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية فى ألمانيا ووضعها تحت تصرف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية». ويعنى الموقف البولندى أن بولندا ترفع يدها من قرار لمن سيتم إرسال تلك المقاتلات لاحقاً وبالتالى الحد من مخاطر تعرضها للانتقام المباشر من روسيا. لكن المقترح الذى باغت الإدارة الأمريكية، رفضته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لأنه يفتح الباب لاحتمالات مواجهة عسكرية بين موسكو وواشنطن. فقد أوضح المتحدث باسم البنتاجون، جون كيربى أن المقترح غير قابل للتطبيق، قائلاً: «إن احتمال إرسال الطائرات من بولندا للطيران فى المجال الجوى المتنازع عليه مع روسيا بشأن أوكرانيا يثير مخاوف جدية بالنسبة لتحالف الناتو بأكمله». وتابع: «سنواصل التشاور مع بولندا وحلفائنا الآخرين فى حلف»ناتو» حول هذه القضية والتحديات اللوجيستية الصعبة التى تطرحها، لكننا لا نعتقد أن اقتراح بولندا يمكن الدفاع عنه».

وأمام انتقادات أمريكية لبولندا بأنها لم تتشاور مع واشنطن قبل إعلانها استعدادها لإرسال طائراتها ووضعها تحت تصرف الإدارة الأمريكية، ردت وارسو بأنه لم يتم التشاور معها أيضا عندما اقترحت عدة دول غربية أن تُرسل طائرات مقاتلة من طراز ميج 29 لأوكرانيا فى «خطوة قد تعرض البلاد للمخاطر» كما قال مسئولون بولنديون.

والقضية الثالثة التى تثير الخلافات الغربية تتعلق باستقبال نحو مليونى لاجئ أوكرانى فروا من أوكرانيا منذ اندلاع الحرب. فقد اتهم وزير الداخلية الفرنسى جيرالد دارمانين، الحكومة البريطانية بإظهار «نقص من الإنسانية» فيما يتعلق بمساعدة اللاجئين الأوكرانيين الذين ينتظرون الآن فى مدينة كاليه الفرنسية للحصول على إذن للانضمام إلى عائلاتهم فى المملكة المتحدة.

وفى رسالة إلى وزيرة الداخلية البريطانية، بريتى باتيل، دعا دارمانين الحكومة البريطانية إلى إنشاء خدمة قنصلية مناسبة فى كاليه، مضيفًا أن ردها حتى الآن على الأزمة الإنسانية «غير مناسب بالمرة».

وحتى الآن، قاومت بريطانيا مطالب تخفيف قيود التأشيرات على الأوكرانيين الفارين من الحرب. وبينما استقبلت بولندا أكثر من مليون لاجئ أوكرانى، استقبلت بريطانيا حوالى 300 فقط. وقالت الحكومة البريطانية إنها لن تستقبل سوى اللاجئين الذين لديهم أقارب فى المملكة المتحدة، وهو الموقف الذى عرضها للنقد الأوروبى. ويرفض رئيس الوزراء بوريس جونسون دعوات لبريطانيا لتخفيف متطلبات التأشيرة للاجئين الأوكرانيين، قائلاً إن المملكة المتحدة لن «تتخلى عن الضوابط الحدودية تماما» حيال أولئك الذين يريدون القدوم إلى البلاد، مضيفًا أنه «من المنطقى أن يكون لديك بعض القدرة الأساسية للتحقق من القادمين للبلاد». وانتقدت أحزاب المعارضة فى بريطانيا الموقف ووصفته بأنه أشبه بخطاب فى تجمع لأنصار البريكست.

ومن المنظور الأوروبى، لا يمكن لبريطانيا استخدام سياساتها الحدودية وحقيقة أنها ليست في»منطقة شينجن»لعدم الوفاء بالتزاماتها الإنسانية على قدم المساواة مع الدول الفقيرة مثل بولندا ورومانيا ودول البلطيق.

إذن، لا تزال الأزمة الأوكرانية ـ الروسية فى الأسابيع الثلاثة الأولى، ومن المتوقع أن تستمر بعض الوقت ومع ذلك بدأت التصدعات والشروخ تظهر فى الوحدة الغربية، والبعض يعتقد أن تلك التصدعات ستزداد عمقاً بمرور الوقت بسبب التكلفة وتباين النهج.

منال لطفي، صحفية عربية من مصر
الأهرام، ‏الخميس‏، 10‏ آذار/ مارس‏، 2022

 

Please follow and like us: