عندما زرتُ المدينة المنورة بحثتُ عن الرمال التى مشى عليها النبى صلى الله عليه وسلم وتوقعت أن أرى كل مكان مشى فيه وجلس مع أصحابه، تخيلتُه وهو يمشى فى شعاب مكة، وهو يُشرِف مهاجرا على أبواب يثرب، أين هذه المَعالِم؟ لا شيء منها، أردت أن أسير إلى مَبْرك ناقته الشريفة عند منزل أبى أيوب الأنصارى ولكن المكان لا أستطيع أن أصف ما آل إليه من عدم الاهتمام، أين البئر التى كان يشرب منها المصطفى.. هذه المعالم غير واضحة.. لأن البعض يخشى أن يعبد الناسُ هذه الأمكنة، وهذا غير صحيح.
ومن حُسْن حظنا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نبى الجميع بل رسول العالمين، وحق لجميع المسلمين زيارة هذه المعالم, أليس من حقنا أن نزور غار ثور؟ وأين غار حراء؟ ولماذا عدم الاهتمام بالطريق إلى غار حراء؟ لقد يئس الشيطان أن يُعبَد فى شبه الجزيرة فهل بعض المتشددين أكثر خوفا علينا من الرسول الذى يقول يئس الشيطان أن يُعبد. لقد أُلِّفَتْ فتاوى وكُتُبٌ فى تحريم شواهد القبور وزيارة القبور وفتاوى تُحرّم مالم يُحَرّمَ!.
لماذا لا نحدّد الطُّرق التى سلكها الرسول فى مكة والمدينة وما بينهما فى الهجرة وطريقه للطائف وأين وقوفه مستظلا بشجرة هناك؟ وأين جبل أُحد؟ وأين موقع الحُديبية؟ وأين بيت آمنة عليها السلام وأين مكة القديمة وأين المدينة القديمة؟ وأين أماكن الغزوات, من المهم تتبع هذه الطرق المباركة ولْيأتِ المسلمون من شتى بقاع الأرض ليزوروا هذه الأماكن المقدسة التى مشى عليها النبى صلى الله عليه وسلم ونزل الوحى بها..
من المهم الاهتمام بالسياحة الدينية وهى سياحة ستدرّ مليارات على المملكة وسيأتى مَن يتتبع طريق الهجرة ومن يمشى إلى مواقع الغزوات… سيقول البعض إننا نبحث عن أمكنة.. نعم نبحث عن أمكنة مشى فيها رسول الله.. فمشيه سُنة ووقوفه سُنة، سيقول البعض أيضا إنها فتاوى وهنا أذكّرهم بفتاواهم حول تحريم قيادة النساء السيارات ثم أحلوها.. أوليس من حق الأمة أن تعرف مواضع مقابر الصحابة؟ لماذا لا نضع شواهد القبور فى البقيع بأسماء الصحابة؟ هؤلاء الصحابة هم صحابة رسول الله.
كلى أمل فى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان أن يعيد للمسلمين المزارات النبوية وأماكن الصحابة وقبورهم فهذا إرثنا النبوى، لا نملك سوى محبتهم ويُحشر المرء مع من أحب؛ وقد وقفتَ أيها الأمير ضدَّ هؤلاء المتشددين, فهل أرى قرارك بتشكيل لجنة حكيمة تحدد الأماكن التى سار فيها النبى صلى الله عليه وسلم منذ مولده الشريف حتى لحق برضوان ربه وتحدد الأماكن التى استُشهد فيها صحابته كى تتحول إلى مزارات للعالم، هذا دورك أيها الأمير، وظنّى أنك ستحقق آمال المسلمين ومن سار على الدرب وصل.
نتمنى من أمير مكة ومن أمير المدينة تشكيل لجنة تقترح قوانين حمايتها وتحدّد هذه الأمكنة المباركة وتعمل على ترميمها وفق معايير الترميم الدولية دون أن تطمس أثريتها وتمهد اللجنةُ الطرقَ الموصلة إليها وتضع علامات هادية لمن يروم زيارتها وترسم خرائط ليستدل بها قاصدوها، وتعمل اللجنة على حماية ما تبقى منها أو تحديد مكانها إنْ كانت قد تهدَّمت أو أُزيلَتْ، فالأماكن بمن سكَنها أوْ مرَّ بها، ويا أهل مكة ويا أهل المدينة حافظوا على هذه الأماكن فهى التى جعلت أفئدة الناس تشتاق إليكم، ولكُم فى بعث مصر طريق العائلة المقدسة مثال على الاهتمام بطرق الأنبياء إذْ أحيت مصرُ الطريق الذى سلكته السيدة مريم وسيدنا عيسى عليه السلام من أول دخولهما مصر من الناحية الشرقية حتى أسيوط بصعيد مصر وهذا طريق سياحى سيدرّ دَخْلا وفيرا، والمملكة فى حاجة إلى تنمية مواردها فهذه الأماكن المقدسة يعشقها المحبون، ألم يكن قيس يقول:
أمرُّ عـــلى الديار ديــار ليــلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارَ
فما حبُّ الديار شغفن قلبى
ولكن حــبُّ مَن سكــن الديارَ
سيمشى ملايين المسلمين مُقتفين أثر النبى صلى الله عليه وسلم وسيحظى الأمير محمد بن سلمان ومن ساعده بدعوات المسلمين، وستدخل أموال السائحين خزينة الدولة وتعمّر هذه الأماكن وما حولها وسيحظى الجميع بثواب رب العالمين القائل: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ.. ومن توقير النبى أن نحافظ على سنته ونعمل بها ونقتفى آثاره الطيبة فهى أماكن مباركة تجلّى فيها الوحى وحظيت رمالها بقدميْ النبى فدعونا نقتف أثره المعنوى والمادى.
محمد أبو الفضل بدران
الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة في جمهورية مصر العربية
منشور في الأهرام، 27 مارس/ آذار، 2022، تحت عنوان : “إحياء التراث الإسلامي”
