أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن حكومة العدو الصهيوني تعهدت للقاهرة “بالقيام بتحقيق كامل وشفاف” بشأن مجزرة اللطرون، التي وقعت عام 1967، وذهب ضحيتها عشرات الجنود المصريين، الذين أحرقهم جيش الإحتلال الصهيوني، أحياءً، ودفنهم في قبر جماعي، وقد طمس الصهاينة معالمه ببناء منشآت سياحية فوقه. كما أصدرت الخارجية المصرية بيانا حول هذه الجريمة. وقال المتحدث باسم الوزارة أنه تم تكليف السفارة المصرية في تل أبيب بـ”تقصي حقيقة ما يتم تداوله” و”متابعة هذا الموضوع”.
وكانت صحيفة صهيونية، قد كشفت عن مجزرة بشعة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب 1967، ضد “قوة مصرية مختارة”. ونشرت “هآرتس” يوم الجمعة 8 ايار / مايو الجاري، تقريراً من إعداد آدم راز، أشار فيه إلى “قضية مشتعلة أشغلت أعضاء مستوطنة يحشون في صيف 1967، وهي ما العمل في القبر الجماعي الكبير الذي تم حفره في تلك الفترة تحت الأرض التي قامت المستوطنة بفلاحتها”.
ونوهت الصخيفة إلى تحقيق قام بتنفيذه “ملحق هآرتس” ومعهد “عكفوت” مؤخرا، “كشف أن جهات في المستويات العليا جدا في الحكومة وفي الجيش لم تتطلع على كل القصة، ضمن أمور أخرى، بسبب الرقابة المتشددة التي تم فرضها عليها لعشرات السنين، وبعض ممن عرف بالقصة رفض التطرق لها”. وأضافت: “الآن سمح بالحديث بأنه تم دفن في أراضي نحشون، عشرات من جنود الكوماندوز المصريين واحد بجانب الآخر، من الذين قتلوا في حرب 1967”.
وتابعت: “هم ما زالوا مدفونين هناك، كما يبدو تحت الساحة التي استخدمت منذ بداية القرن العشرين كمنطقة جذب للسياحة”.
وقال ميلمان: “نشرت مصر كتيبتين من الكوماندوز في الضفة الغربية بالقرب من اللطرون، التي كانت آنذاك أرضا حراما، كانت مهمتهم هي الهجوم داخل إسرائيل والاستيلاء على اللد والمطارات العسكرية القريبة”.
وتقع اللطرون على الطريق الواصل بين القدس ويافا، وتبعد نحو 25 كيلومترا غرب مدينة القدس، وعقب حرب عام 1948، تم الاتفاق بين إسرائيل والأردن على جعلها منطقة محرمة. وفي حرب عام 1967، احتلت إسرائيل اللطرون، وضمتها، وهي اليوم من ضواحي غرب مدينة القدس.
وأضاف ميلمان، موردا تفاصيل ما جرى: “وقع تبادل إطلاق النار مع جنود الجيش الإسرائيلي وأعضاء كيبوتس نحشون (تجمع زراعي تعاوني)؛ هرب بعض الجنود المصريين، والبعض أُخذوا كأسرى، وقاتل البعض بشجاعة”.
وتابع: “عند نقطة معينة، أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف هاون وأضرمت النيران في آلاف الدونمات غير المزروعة من الأدغال البرية في الصيف الجاف”. وأكمل ميلمان: “مات ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا في حريق الأدغال”.
ونقل الصحفي الإسرائيلي عن زين بلوخ (90 عاما) الذي كان في ذلك الوقت القائد العسكري لكيبوتس نحشون، (كيبوتس يساري) قوله: “لقد انتشر الحريق سريعا في الأدغال الحارة والجافة، ولم يكن لديهم فرصة للإنسحاب”. وأضاف مواصلا النقل عن بلوخ: “في اليوم التالي جاء جنود من الجيش الإسرائيلي مجهزين بجرافة إلى مكان الحادث، وحفروا حفرة ودفعوا الجثث المصرية وغطوها بالتربة”.
وتابع ميلمان: “بلوخ وبعض أعضاء مستوطنة نحشون شاهدوا الجنود الإسرائيليين ينهبون ممتلكاتهم الشخصية من جثث الجنود المصريين، ويتركون المقبرة الجماعية بدون علامات”.
وأكمل الصحفي الإسرائيلي: “الآن، وبعد رفع الرقابة العسكرية، يضيف بلوخ أن حجاب الصمت يناسب الجميع؛ القلة الذين عرفوا لم يرغبوا في الحديث عنه؛ ولكن قبل كل شيء كانت المجزرة قرار الجيش الإسرائيلي”. وأشار ميلمان في تغريدات له إلى إن الوثائق العسكرية الرسمية غير السرية، تحذف “مأساة اللطرون من سجلاتها”.
ولم يُصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي تعقيبا فوريا على ما ذكره ميلمان.
وفي حرب 1967، لم تنجح الجيوش العربية في هزيمة الاحتلال الذي احتل إثر ذلك الضفة الغربية، بما فيها شرق مدينة القدس (كانت تحت السيطرة الأردنية) وقطاع غزة (كان تحت السيطرة المصرية)، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية.
جثامين منثورة
ولفتت هآرتس أيضا إلى أنه “قد تم توثيق أحداث تلك الأيام في سجلات الحرب، و في البداية تم العثور على قوة صغيرة من الفيلق الأردني في جيب اللطرون، الذي انضم إليه قوة كوماندوز مصرية من الكتيبة “33”من وحدة النخبة التي كانت تشمل نحو 100 جندي”.
وأوضحت أن “القوة المصرية خططت للسيطرة على قواعد سلاح الجو الإسرائيلي في اللد و”تل نوف” والرملة، وأمامها تمركزت قوات اللواء القطري “4” التابع للجيش والقليل من قوة “الناحل” وقوة عسكرية من المستوطنات اليهودية، وفي اليوم الأول للحرب في 5 حزيران/ يونيو، أطلق المصريون قذائف الهاون بهذا الاتجاه، وفي اليوم الثاني، أمر قائد اللواء “4”، موشيه يتباك باحتلال الجيب، وخلال ساعتين تم احتلال
شرطة اللطرون، وبعد بضع ساعات سهل “ايالون” كان كله في يد الجيش الاسرائيلي”.
وفي مذكراته، كتب المقدم (احتياط) زئيف بلوخ، من مؤسسي “نحشون”، والذي كان يقود المنطقة في الحرب: “وحدة الكوماندوز المصرية لم تكن محترفة، والمقاتلين لم يتم تزويدهم بخرائط حديثة، لقد كانوا ضائعين في المنطقة”.
وفي 6 حزيران/ يونيو، “حدثت المواجهة الأولى مع المصريين؛ جنود الكوماندوز تواجدوا في حقول الشوك المحيطة بمستوطنة نحشون؛ قتل نحو 25 جنديا مصريا في الحريق الذي اندلع في الحقول في إطار تطويق من قبل كتيبة المشاة التي كانت بقيادة المقدم يعقوب ميريا، وأيضا نتيجة استخدام القنابل الفوسفورية، وحدث تبادل لإطلاق النار خلال اليوم، وفي اليوم التالي وصل عدد القتلى في أوساط المصريين قرابة 80”.
الراهب جي خوري، من دير اللطرون التي تقع على الطريق الواصل بين القدس ويافا، أكد في مذكراته أن “جثامين جنود الكوماندوز المصري، كانت منثورة على طول الطريق”.
وزعمت الصحيفة، أن “إسرائيل أسرت بعض الجنود، وبعضهم دمج في قافلة اللاجئين الضخمة التي خرجت من القرى الثلاثة الفلسطينية المجاورة، وبعد الظهر في 9 حزيران/يونيو، في الوقت الذي واصل فيه جنود اللواء “4” الطريق إلى محور “بيت حورون”، وصلت إلى القسيمة “5” في كيبوتس “نحشون” قوة صغيرة من الجيش الإسرائيلي ترافقها جرافة”.
وأكدت أن “قوات الجيش قامت بحفر قبر في المكان بطول 20 مترا، ولم يتم أخذ أي علامات تشخيص من الجنود المصريين بحيث تمكن في المستقبل من تشخيصهم، وكان عددهم نحو 80 جثة”، مبينة أن أحد أعضاء المستوطنة اليهود، قام “بنزع (سرقة) ساعة ثمينة من يد أحد الجنود المصريين القتلى، وبقي يلبسها حتى وفاته، في حين أكد عضو آخر من الكيبوتس، أنه أخذ تذكار من أحد الجنود القتلى؛ وهي بندقية كلاشينكوف”.
وفي “شهادة صادمة” لأحد أعضاء الكيبوتس، أكد أنه “عثر في القبر الجماعي على أيدي وأرجل منفصلة للكوماندوز المصريين، وقمت حينها بدفنها بالجرافة، وهذا لم ينفع، الرائحة استمرت، وبرزت نصف جثة”.
وذكرت “هآرتس” أن “مصدر عسكري كان على علم بهذا السر، اعترف في محادثة مع “ملحق هآرتس” بأنه هو الذي طلب حظر نشر القضية طوال السنين، لأن كشفها يمكن أن يثير ضجة إقليمية”، منوهة أن جيش الاحتلال وبحسب شهادة عضو الكيبوتس دان مئير، لم يضع أي لافتة على القبر الجماعي، لكن عضو الكيبوتس ايلي بيلغ، ذكر أنه تم التعرف على القبر بشكل مؤقت بواسطة قضيب حديد تم غرسه في الأرض.
وفي شهادة قالها في حينه قبل وفاته، بنيامين ناؤور: “أنا على ثقة بأنه لو دفن بهذه الصورة يهودي، لوصل صراخنا عنان السماء، الجيش لم يحدد القبر”.
حرق الجثامين
ولفتت الصحيفة، إلى أن “جنود عرب من دول عربية مختلفة، قتلهم جيش الاحتلال ودفنهم في ذات مكان مقتلهم، وعندما انشغلت منظمة بالعثور على مفقودين، بدأت إسرائيل في تنظيم الأمر بهذا القدر أو ذاك، وتبادل الجثامين بين الطرفين”، مؤكدا أن “دفن الجنود العرب القتلى على مر السنين (في مختلف الحروب مع الاحتلال)، كان بشكل جماعي وبدون تحديد المكان أو جمع معلومات شخصية، علما بأن لدينا الكثير من القبور
الجماعية منذ حرب 1948؛ مثل القبر الجماعي في الطنطورة”.
وأضافت: “نفس المصير كان لجثامين المتسللين (العائدين)، وهو مفهوم جمعت تحته إسرائيل آلاف الفلسطينيين الذين اجتازوا الحدود الدولة وأرادوا العودة لأراضيهم وبيوتهم في الخمسينيات.
وفي شهادته عن هذه الجرائم، أكد اسحاق بونداك، قائد اللواء السادس الذي وضع في نهاية 1948 في اللطرون، أن جيش الاحتلال كان يتعمد ترك جثامين الجنود العرب على الأرض لتكون “عبرة، وهذا أمر غير طبيعي..، ورويدا رويدا امتلأت الطرق بالجثث المنتفخة، في حرارة الصيف انبعثت رائحة كريهة، وفي الليل كانت فريسة للذئاب والطيور الجارحة، لقد حددت أسراب الذباب مكان الجثث”.
وأكد بونداك، أن أحد قادة كتيبة “53”، “قام بتزويد جنوده بصفائح وقود، قاموا بسكبها على الجثث وإحراقها، وخلال ساعات احترقت”.
وأفادت “هآرتس” أن سلطات الاحتلال قامت بزرع قطعة الأرض التي احتوت على القبر الجماعي في كيبوتس “نحشون”، وتم زرع شجر اللوز، وبعد ذلك تم استبدال هذا الحقل بحقل للقمح، المحصول حل محل محصول آخر، وفي التسعينيات تقرر تغيير استخدام الأرض واقيم في المكان متنزه سياحي، ومنذ بداية 2002 يستخدم القسيمة “5” المتنزه السياحي الشعبي “ميني إسرائيل”.
كما أكد مصدر مطلع أن “رجال الوحدة المصرية ما زالوا مدفونين في المكان، ولم يقدم في يوم أي طلب لإخراج الجثامين من القبور وإعادتها إلى وطنها (مصر)”، منوهة أن حان الوقت للذهاب إلى “بلوخ” الذي لم يعد يعيش في كيبوتس “نحشون” لكنه يمكنه المساعدة في العثور على القبر الجماعي الذي يحتوي على جثامين الجنود المصريين.
وقالت “هآرتس”: “حان الوقت لذلك”. ونشر الموقع الإلكتروني لصحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”جيروزاليم بوست” الإسرائيليتين تفاصيل مشابهة لما ذكره ميلمان.
وكالات، الجمعة، 8 أيار/مايو، 2022