الاخبار
نصر الله يذكّر: الوقت ضيّق… وننتظر الردّ خلال أيام
إسرائيل تقرر اليوم: حلّ أو حرب
لم يُلغ الحديث عن اقتراب لبنان إنجاز ترسيم حدوده البحرية وتحديد منطقته الاقتصادية الخالصة مؤشرات إلى أن الأمور لا تزال مفتوحة على انفجار صراع مائي قد يتدحرج إلى حرب واسعة مع العدو الإسرائيلي.
منسوبا التشاؤم والتفاؤل متساويان في بيروت التي تنتظر الجواب الإسرائيلي على الطلبات اللبنانية التي حملها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، وعلى أساسه يُمكِن تحديد عنوان المرحلة المقبلة: إما «حرب الماء» أو «اتفاق البحر». الحذر في المقاربة اللبنانية عبّر عنه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، أمس، بالإشارة إلى أن «الخط 29 لا يزال خياراً مطروحاً إذا لم نتوصّل إلى تفاهم، ونرفض أن نسميه خطاً تفاوضياً». وأضاف أن الوسيط الأميركي «حمل مطالبنا ويُفترض أن يسمع الرد وأن يمارس دوره كوسيط في تقديم حلول وليس مجرد حمل الاقتراحات والردود عليها».
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كرر، في كلمة في المجلس العاشورائي أمس، أن «الوقت ضيق… وننتظر الرد على المطالب اللبنانية خلال أيام»، مؤكداً أن «موقف الدولة والمقاومة واحد»، ومشيراً إلى ما يتردّد عن اجواء ايجابية، «لكن لا نقول فول تيصير بالمكيول». وتردّد أمس في بيروت أن هوكشتين سيعود إلى لبنان خلال أيام، «وعلى أبعد تقدير خلال أسبوع»، علماً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد له، خلال اجتماع بعبدا أول من أمس، أن المهلة ليست مفتوحة وأنه لا يستطيع أن يأخذ مداه كما في السابق». فيما يعقد المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر اجتماعاً اليوم ليقرر كيفية التعامل مع ما حمله الوسيط الأميركي من لبنان وإعطاء الرد عليه. وأشارت قناة «كان» العبرية إلى أن «إسرائيل تعتقد أنه في الأسبوعين المقبلين سيتم استئناف المحادثات بين إسرائيل ولبنان. الموعد المستهدف هو شهر أيلول الذي يفترض أن تبدأ فيه أعمال الحفر في حقل كاريش. لذلك تعمل جميع الأطراف بقوة للتوصل إلى اتفاق قبل أيلول».
رغم ذلك، تقرأ دوائر سياسية بارزة، بارتياب كبير، الجو الإسرائيلي الذي لا يزال يعكس توتراً بارداً. فمنذ مغادرة هوكشتين بيروت، عبر الناقورة، ليل أول من أمس، لم تصدُر معلومات أو بيانات رسمية تُشير إلى تقّدم في المفاوضات الجوالة، باستثناء الإشارة إلى قرب الوصول إلى اتفاق من دون ذكر تفاصيل. فيما ركّزت وسائل إعلام إسرائيلية على «تنازلات» تقدمها إسرائيل، معتبرة أن حزب الله انتصر في هذا الملف. ونقلت القناة 14 في التلفزيون العبري عن مسؤول إسرائيلي كبير في قطاع الغاز قوله إن «اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تتبلور مع لبنان هي استسلامٌ كامل من رئيس الحكومة يائير لابيد ووزير الأمن بيني غانتس للبنان»، معتبراً أن «خضوع إسرائيل انتصارٌ كبير للأمين العام لحزب الله».
في المقابل، كشفت صحيفة «هآرتس» أن «إسرائيل والولايات المتحدة ترغبان في إنهاء الاتصالات سريعاً خشية أن ينفّذ حزب الله تهديده بمهاجمة منصة كاريش مع بدء عملها في مطلع أيلول». وأكدت أن «مسؤولين في الإدارة الأميركية أوضحوا لإسرائيل أنه إذا وقع مثل هذا الهجوم في الأيام المقبلة، فإن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون مضبوطاً». لكن إسرائيل، بحسب «هآرتس»، «رفضت الالتزام بذلك»، مشيرة إلى أن «قوة الرد ستكون متلائمة مع حجم الهجوم وتداعياته».
وفي السياق نفسه، رأى يوني بن مناحم، في موقع «مركز يروشالمي للشؤون العامة والدولة»، أن «مصادر أمنية رفيعة المستوى قدمت تقديراً للمستوى السياسي بأن حزب الله قادر بقذائفه الصاروخية وصواريخه الدقيقة على شل كافة أنشطة استيراد البضائع إلى إسرائيل عن طريق البحر الأبيض المتوسط، وضرب كافة منصات الغاز الطبيعي لإسرائيل في البحر». ولفت إلى أن «الأمين العام لحزب الله نجح، بواسطة 4 طائرات مسيّرة غير مسلحة أطلقها نحو منصة كاريش، في إدخال إسرائيل والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في دوامة سياسية، وبذلك عزز موقفه في الشارع اللبناني ونصّب نفسه – مرة أخرى – الحامي الحقيقي للبنان والمحافظ على حقوقه».
تزامنت هذه التقارير مع عودة هوكشتين إلى الولايات المتحدة بعد إجرائه محادثات مع لابيد وفريق التفاوض وكبار المسؤولين في وزارتي الطاقة والخارجية ومجلس الأمن القومي، من دون أن يُكشف عما دار فيها والمحاور التي تمّت مناقشتها. وأوضح موقع «واللا» العبري أن «زيارة المبعوث الأميركي إلى تل أبيب قادماً من لبنان بقيت تحت غطاء من السرية، وبأن ذلك يؤشر إلى تقدم في المحادثات وبأن الجانبين الإسرائيلي واللبناني، يسعيان للتوصل إلى اتفاق بشأن قضية الحدود البحرية في أسرع وقت ممكن». وتجدر الإشارة إلى أن الملاحظ بأن هناك ترويجاً في الجانب الإسرائيلي بأن الاتفاق مع لبنان بات وشيكاً.
غيرَ أن هذه التصريحات لا يُمكِن البناء عليها، خصوصاً أنه لم يصدر أي تصريح رسمي يعبّر عن الإيجابية والتفاؤل ذاته في كيان العدو. حتى في لبنان، وخلال التدقيق عن سبب الإيجابية في الحديث عن تقدُّم، يتَضح أن المسؤولين يعوّلون فقط على «جدية هوكشتين وإصرار الولايات المتحدة على إنجاز الاتفاق»، علماً أن «الوسيط الأميركي لم يقدّم أي تعهد، بل قال إنه سيحمل المطلب اللبناني ويعود به إلى إسرائيل»، وهو «التمسك بالخط 23 وحقل قانا كاملاً، البلوكات اللبنانية كاملة للبنان بحسب الترسيم اللبناني، ولا شراكة أو تقاسم للثروات مع إسرائيل، إضافة إلى ضمانات ببدء شركة «توتال» التنقيب فور توقيع الاتفاق.
البناء
الصين تعلن البدء بخطوات عسكريّة رداً على زيارة بيلوسي لتايوان بعد اعتبارها انتهاكاً للسيادة
تجديد الهدنة اليمنيّة مع فك الحصار وفتح المعابر وسداد الرواتب… وعودة للتفاوض النوويّ
مسؤول ملف الغاز في كيان الاحتلال: الاتفاق سيتمّ بشروط نصرالله… لقد هزمنا وانتصر
فيما تبدو الأوضاع في شرق آسيا ذاهبة الى التصعيد، وتتزايد المؤشرات لقرب المواجهة، على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى تايوان، وإعلان الصين اعتبار الزيارة انتهاكاً لسيادتها والتزامها بالرد عليها بخطوات عسكرية، بدت الأوضاع في المنطقة ذاهبة الى المزيد من التبريد، حيث المؤشرات تتزايد نحو العودة للتفاوض النووي بين إيران ودول الشراكة في الاتفاق، وبالتوازي تم التوصل إلى اتفاق لتجديد الهدنة اليمنية، بينما خرجت من كيان الاحتلال إشارات عن المباحثات التي تجري بين الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين والمسؤولين الإسرائيليين، تقول بقرب التوصل إلى اتفاق بعد قبول رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير حربه بني غانتس بالشروط اللبنانية، طلباً للاتفاق السريع بنصيحة من هوكشتاين، وتفادياً لمواجهة تخرج عن السيطرة ظهر أن حزب الله جاهز للمخاطرة بخوضها.
على جبهة الصين تايوان، لم تنفع التصريحات الأميركية التخفيفية من وقع زيارة بيلوسي لتايوان في ثني الصين عن التراجع عن خطوات عسكرية أعلنت أنها ستبدأ بها حول تايوان، فقد أوقفت بكين بداية تصدير المواد الغذائية الى تايوان وأعلنت عن مناورات بحرية وجوية في الجهات الأربع لتايوان. وأبدت مصادر دبلوماسية قناعتها بأن المواجهة الأميركية الصينية المتصاعدة لم تكن تحتاج الا الى فتيل الإشعال، وأن خروج واشنطن عن الالتزام بالسيادة الصينية على تايوان وفق مبدأ الصين الواحدة، يفتح الباب للصين للخروج عن مبدأ الالتزام بحل النزاع مع تايوان واستعادة وحدة الصين بالطرق السلمية، ما يعني أن زيارة بيلوسي التي وصفتها الصين بـ الانتهاك الجسيم لسيادتها تفتح الباب أمام الصين للبدء بمسار تتحكم بتوقيته وخطواته وآلياته يضع الخيار العسكري على الطاولة لاستعادة السيطرة على تايوان. ولفتت المصادر الى فوارق عديدة بين حالتي أوكرانيا وتايوان، أبرزها ان أوكرانيا دولة ذات سيادة وفقاً للقانون الدولي، بينما تايوان ولاية صينية ذات وضع خاص.
في الملف اليمني أعلن المبعوث الأممي هانس غروندنبرغ التوصل إلى اتفاق لتجديد الهدنة لشهرين قادمين، مع التركيز بوضوح على ترافق الهدنة مع جملة إجراءات كانت حركة انصار الله تشترطها للتجديد، ولفت غروندبرغ إلى أنه «شارك مع الطرفين مقترحاً عن اتفاق هدنة موسَّع وتلقى تعليقات جوهرية من الجانبين حول هذا المقترح»، واعتبر أن «مقترح الهدنة الموسّع سيساهم بالتوصل إلى اتفاق على آلية صرف شفافة وفعّالة لسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين بشكل منتظم، وفتح الطرق في تعز (جنوب غرب) ومحافظات أخرى، وتسيير المزيد من وجهات السفر من مطار صنعاء وإليه، وتوفير الوقود وانتظام تدفقه عبر ميناء الحديدة.
بالتوازي كانت التصريحات الأوروبية والأميركية والإيرانية تشير إلى الاقتراب من توجيه دعوة لاستئناف المفاوضات، دون أن يعرف ما إذا كانت ستكون هناك جولة تمهيدية في الدوحة برعاية مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، صاحب النسخة الأخيرة المنقحة من الاتفاق، التي ستشكل أساس التفاوض حول ما تبقى من نقاط خلافية، بعدما لاقت مقترحات بوريل قبولاً أولياً من الطرفين كأساس للنقاش، كما من المحتمل ان يتم الذهاب فوراً الى جولة جديدة من مفاوضات فيينا، دون الحاجة للمرور بالدوحة.
هذه المناخات التي تظلل المنطقة، تؤكد خشية أميركية إسرائيلية من اندلاع أية مواجهة مع محور المقاومة، والسعي لسحب فتائل التصعيد، وهذا ما حملته التطورات المتصلة بملف ترسيم الحدود مع لبنان، حيث كشفت وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية أن الوسيط الأميركي عاد فوراً من بيروت الى فلسطين المحتلة وبدأ مشاوراته مع رئيس حكومة الاحتلال يائير لبيد، ووزير الحرب بني غانتس، وان التفاهم كان بينه وبينهم على أولوية التوصل الى اتفاق سريع ولو بتقديم المزيد من التنازلات، تفادياً لخسارة المزيد من الوقت قد يملأه التصعيد من جانب حزب الله، وهو ما سيؤدي الى احتمال المخاطرة بمواجهة يبدو أن حزب الله جاهز لها، كما قالت المصادر الإسرائيلية. ووصل الأمر بمسؤول قطاع الغاز في الفريق المفاوض للكيان أن يقول لأكثر من وسيلة اعلامية، إن الأمور تتجه نحو اتفاق يشبه الاستسلام بالنسبة لـ»إسرائيل» بقبول كل الشروط التي وضعها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، قائلاً لقد هزمنا وانتصر نصرالله.
أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه العاشورائي أمس، في الضاحية الجنوبية لبيروت، أن «حرب تموز كانت أصعب حربٍ مرَّت علينا في ظل خذلان دولي وانقسام داخلي ولكن التجأنا إلى الله وهو الذي أنزل علينا نصره لأنه رأى صدق نيتنا»، مضيفًا أنّ «الحصار الاقتصادي هو حربٌ والصبر عليها هو جهاد وتسمى هذه المواجهة مواجهةً جهادية والعدو يخوض حربًا متنوّعة وعلينا مواجهته بطرقٍ متنوعة».
واعتبر نصر الله أنّه «ما دام هناك مشروع أميركي و«إسرائيلي» نحن سنواجهه على الصعد العسكرية والأمنية والثقافية والاجتماعية كافة. فاليوم أعظم تمثل للشيطان في زمننا الحالي هي الولايات المتحدة و«إسرائيل» وهذه المعركة مفتوحة واليوم أمامنا جبهتان مفتوحتان للمواجهة هما الاقتصادية الحياتية والسياسية الاعلامية». وأشار إلى أنّ هناك حرباً اقتصادية وسياسية اعلامية يُريد العدو من خلالهما أن يُخضعوا أي مقاوم في لبنان وأن يتخلى عن هذا الخيار بإظهار أن المقاومة وراء تجويعه وما عليه إلى الوقوف على الحياد. وقال: «المطلوب منا بهذه المعركة الصمود وهذا جهاد في سبيل الله، لأن رهان العدو هو الاستسلام والانهيار». وأضاف: «جواب الناس في الانتخابات كان عظيمًا، ولقد أُحبط العدو بالنتائج، خصوصًا أنها أتت بعد ثلاث سنواتٍ من التجويع».
وتابع السيد نصر الله: «تطل علينا بعد أيامٍ ذكرى الوعد الكاذب للسفيرة الأميركية باستجرار الغاز من مصر واستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سورية، وها قد مرّت سنة ولم يحصل شيء، وفي النهاية تخرج الأبواق الإعلامية للتحريض على المقاومة وتحميلها المسؤولية. ومن لديه علاقات عظيمة مع الولايات المتحدة والسعودية لماذا لم تتحركوا لجلب المازوت أو البنزين أو الطحين للشعب اللبناني؟ أوليست أميركا حليفتكم؟ هل لديكم الجرأة لمطالبتها بإعطائكم استثناء لينعم لبنان بساعات من الكهرباء؟».
وأكد السيد نصرالله أننا «سنكمل بمنهجية إيجاد الحلول للعبور بوطننا وناسنا نحو بر الأمان، وبعد عودة المبعوث الأميركي كان موقف الدولة والمقاومة منسجمًا نسبة لضيق الوقت». ونبّه من لعبة الوقت، مضيفًا: «على الرغم من أننا التمسنا بعض الإيجابية في ملف ترسيم الحدود البحرية».
أما بموضوع الفيول، فقال السيد نصر الله: «نتألم لأجل شعبنا، ولذلك أتينا بعرضٍ سابق من إيران لبيع المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية، وعرضناه على المسؤولين في لبنان، ولكن الفيتو الأميركي حال دون ذلك، بينما غيرنا لم يقدّم عرضًا واحدًا من أصدقائه». وأضاف: «لدينا مكانة محترمة لدى الجمهورية الإسلامية، وهي من وقفت إلى جانبنا بعد حرب تموز 2006 بالإعمار والمساعدات في وقتٍ كان يراهن البعض على انكسارنا بسبب عدم وصول المساعدات إلينا، وعلى تجويعنا وعدم قيامنا من تحت الركام وبل على «طلوع رائحتنا». وبيّن السيد نصرالله أنه «توجد منهجيتان في لبنان الأولى سلبية عبر التحريض والحصار والعقوبات لاستسلام الساحة والثانية تسعى لتقديم الحلول والمساعدات للمواطنين ونحن منها».
وختم السيد نصر الله قائلاً: «قدمنا عرضًا أننا سنتحدث مع إيران لاستجرار الفيول، وننتظر الرد اللبناني الرسمي لطرح الأمر على الإيرانيين، ولكن البعض رفض الأمر لأنه من إيران، ولأنه يعلم أن لدينا القدرة على ذلك فنحن سادة عند سماحة الولي الفقيه ولكنهم هم عبيد عند الأميركي والسعودي».
وبقيت زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في واجهة المشهد الداخلي، وسط ترقب رسمي وشعبي لردة الفعل الاسرائيلية على الموقف اللبنانيّ الذي رسمه اجتماع بعبدا الرئاسيّ، بحضور الوسيط هوكشتاين الذي غادر إلى فلسطين المحتلة أمس الأول، حيث واصل البحث في ملف ترسيم الحدود البحرية ونقل أجواء الموقف اللبناني لقيادة الاحتلال الاسرائيلي. وأفادت معلومات أن الحكومة الاسرائيلية ستجتمع اليوم لمناقشة القضية.
وحفلت الساحة الداخلية والمنصات الإعلامية والصحافية والصالونات السياسية بجملة من التحليلات والاستنتاجات واستقصاء المعلومات حول زيارة الوسيط الأميركي والمواقف التي تخللتها، والعروض والمقترحات التي تمّ نقاشها في اجتماع بعبدا والاجتماعات الجانبية التي عقدت بين هوكشتاين والوفد المرافق والسفيرة الأميركية دورثي شيا وبين نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، وسط تكتم شبه تام على مداولات اجتماع بعبدا بعدما طلب رئيس الجمهورية ميشال عون عدم تسريب محضر الاجتماع.
وإذ ينتظر لبنان بفارغ الصبر الرد الإسرائيلي على مضمون اجتماع بعبدا، رجّحت أوساط نيابية وسياسية مطلعة التوصل الى اتفاق على ترسيم الحدود خلال وقت قصير»، مشيرة لـ»البناء» الى أن «موضوع الترسيم والغاز يشكل بصيص الأمل للبنان للانفراج الاقتصادي في ظل الانهيار الذي يعيشه في الوقت الراهن»، واعتبرت الأوساط أن «إسرائيل في موقع الإحراج والحاجة لاستخراج الغاز أكثر من لبنان وهي ايضاً تواجه الازمات المختلفة السياسية والوجودية والاقتصادية اضافة الى جبهة داخلية متفككة وخائفة وقيادة أمنية وعسكرية مربكة، وتخشى الحرب مع لبنان نظراً لتداعياتها الكبرى عليها وعلى مشروع استخراج وتصدير الغاز من كاريش ومحيطها الى اوروبا في ظل العقود الموقعة مع مصر واليونان واوروبا، وأي حرب ستطيح بهذا المشروع برمته، أما لبنان فلم يعد لديه ما يخسره». وحذرت المصادر من أن «يلجأ الاحتلال الاسرائيلي الى ترسيم الحدود ومنع لبنان من استخراج ثروته باستمرار الفيتو الأميركي على عمل الشركات. مذكرة بالشرطين لتجنب الحرب: الأول ترسيم الحدود وفق المطالب اللبنانية، والثاني ضمانات أميركية – أوروبية للبنان بالسماح للشركات باستخراج النفط والغاز من كافة البلوكات اللبنانية».
وأشارت قناة «المنار»، وفق مصادر متابعة لملف الترسيم الى أن «التعديل في مسار الوسيط الأميركي وتوجهه ليلاً الى إسرائيل بدلاً من واشنطن، ما هو إلا جزء من الجدية التي بدأ يتعاطى بها منذ أن جالت مسيّرات حزب الله فوق حقل كاريش». وأوضحت المصادر، أن «هوكشتاين قدِم الى لبنان ومعه وثائق ومستندات وتفاصيل مكتوبة، وحاول أن يعطي باليمين ويأخذ باليسار، فأعطى لبنان ما يريده لناحية الخط 23 وحقل قانا»، لافتةً الى أنه «حاول في المقابل أن يقتطع جزءاً من الخط 23، وهذا ما قوبل بصد من قبل الرؤساء الثلاثة وقيل له بصريح العبارة: هذا الأمر مرفوض». وذكرت المصادر، أن «هوكشتاين أراد مهلة غير قصيرة، فلقي إصراراً على الحصول على جواب بأسرع وقت ممكن، حيث سمع من الرؤساء الثلاثة: أن الوقت ليس مفتوحاً». وأكدت أن «ما حكي عن تقدمٍ هو صحيح من حيث الطرح الجديد، لكن العرض الذي قدمه هوكشتاين كان ناقصاً ولا يحقق المطلب اللبناني كاملاً»، مضيفةً: «من المفترض أن يعود هوكشتاين الى لبنان خلال أيام وإلى أبعد تقدير خلال أسبوع، ويده ملأى بمطلب لبنان الذي لا بد منه: خط 23 كاملاً غير متعرّج وحقل قانا كاملاً ولو تداخل مع المياه في «إسرائيل»».
ونقلت قناة «أو تي في» عن مصادر معنية قولها إن «المبعوث الأميركي، أبلغ الجانب اللبناني الموافقة الإسرائيليّة على التخلي عن أية مطالبة بحصة من حقل قانا وعلى اعتماد الخط 23، لكنه ألمح إلى اعتماد هذا الخط متعرجاً، ما يعني حصول «اسرائيل» على جزء من البلوك رقم 8»، لافتة إلى أن «هذا الطرح رفضه الجانب اللبناني الذي أكد التمسك بكامل بلوكاته».
وذكرت المصادر وفق القناة أن «رد هوكشتاين، كان بأنه سيتوجه لـ»إسرائيل» للبحث في الموضوع والعودة بجواب حوله»، مشيرة إلى أن «شرارة التصعيد لا تزال واردة في حال أراد الجانب الآخر التسويف والمماطلة»، وأضافت: «في أيلول ستبدأ الباخرة بالإنتاج من حقل كاريش، وإذا لم يكن قد حل ملف الترسيم فستكون «اسرائيل» أمام خيارين، إما وقف الإنتاج، وإما تلقي مفاعيل تهديدات المقاومة«.
وعرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب للتطورات المحلية والإقليمية والدولية، كما تم تقييم المحادثات التي اجراها امس، الوسيط الأميركي هوكشتاين، والمعطيات التي توافرت حول الاتصالات التي يقوم بها الوسيط الأميركي لتحريك ملف المفاوضات غير المباشرة والتي يفترض أن تستكمل بترسيم الحدود.
وأعلن نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب، أن «غاز حقل قانا لنا ولن نتخلى عنه»، لافتاً إلى أن «لبنان متمسّك ببلوكاته كما رسّمها هو وليس كما رسّمها الآخرون والخط المتعرّج غير مطروح، ولا نقبل بشراكة او تقاسم ثروات بحقل قانا والكلام الذي وصلنا أن «إسرائيل» ضغطت على شركة توتال، الا انها اليوم متحمسة وجاهزة للتنقيب في بلوك رقم 9». وأوضح في حديث تلفزيوني أن «رئيس الجمهورية كلفني بملف الترسيم ولكنني كنت دائماً اطلع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي على كل التفاصيل وبالتالي كان هناك تنسيق وهذا عامل قوة للمفاوضات». وقال: «حرصنا على وقف التسريبات لإنجاح المفاوضات ولكن هناك من كان يعمد الى تسريب معلومات وتحاليل من نسج الخيال»، مشيراً إلى أن «الرؤساء الثلاثة لديهم إجماع حول ملف الترسيم وكل الشائعات وحملات التخوين غير صحيحة». وشدد على أنه «مقتنع بأن هوكشتاين لديه اهتمام للوصول الى حلول منها الحاجة الى الغاز في اوروبا والاستقرار، وهناك حاجة اوروبية – اميركية للوصول الى حل بعد ازمة روسيا – اوكرانيا». وكشف عن أن «خلال ايام سيعاد التواصل مع هوكشتاين وهو ذهب مباشرة من بيروت الى «اسرائيل»». وكشف بوصعب في تصريح آخر، أن «الإسرائيليين كانوا يضغطون على شركة توتال لعدم التنقيب بالبلوك 9، ومشاركة هذه الشركة في التنقيب هي أحد شروطنا التفاوضية».
ويشير مصدر مطلع في فريق المقاومة لـ «البناء» الى أن «ظروف ومعطيات داخلية وخارجية أملت على هوكشتاين العودة الى لبنان ثم السفر على عجل الى «اسرائيل»، ولمس هوكشتاين عناصر القوة في الموقف اللبناني وليس قوة القانون فحسب، بل القوة الميدانية التي تمثلها المقاومة التي تدرجت بدءاً بالمسيرات ثم موقف السيد نصرالله ثم الفيديو الصادم عن الباخرة الاسرائيلية، وبالتالي إظهار القوة أجبر هوكشتاين على العودة والتعامل بجدية مع المطالب اللبنانية، لكن لا يعني أنه يريد الحل، ولا زلنا في موقع التشكيك بصدقية الأميركيين بأنهم يريدون حلاً، لكن النقطة الثانية في مهمة هوكشتاين هي تخدير لبنان حتى لا يذهب الى استخدام القوة فيما لو تعثر الحل، ولذلك كان سؤاله خلال الاجتماع الرئاسي عن ضمانات لعدم استخدام القوة ضد «اسرائيل» وسمع زجراً من الرئيس عون بأن هذا ليس موضوعنا إنما موضوعنا الترسيم».
وشدد المصدر على أن «العدو مردوع بفعل الموقف اللبناني بشقيه الرسمي والمقاوم، وبالتالي هوكشتاين مضطر للقبول بالحل تحت ضغط تهديد المقاومة باستخدام القوة والعدو الإسرائيلي والأميركيين يعرفون جدية وجدوى هذا التهديد، فضلاً عن حاجتهما للنفط والغاز». وكشف المصدر أن «الموقف اللبناني يتشكل بثلاثة عناصر، حق لبنان بالخط 23 من دون شراكة مع أحد بحقل قانا، الثاني لا يمكن الإنتاج بكاريش من دون أن يسمح للشركات بالتنقيب في البلوكات اللبنانية، الثالث الإحجام عن إعطاء حقوق لبنان سيقود الى الحرب العسكرية».
وأكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد خلال مجلس عاشورائي أن «موقفنا في المقاومة واضح وجلي، نريد حقوقنا كاملة بمياهنا وحدودنا ومنطقتنا الاقتصادية الخاصة وبغازنا ونفطنا ورفع الحظر عن الشركات التي نستقدمها للتنقيب عندنا واستخراج غازنا»، وقال: «رهاننا على المقاومة وسلاحها في حفظ حقوقنا وسيادتنا»، معتبراً أن «هناك من لا يجرؤ على قبول هبة الفيول المجاني لتشغيل معامل الكهرباء في لبنان لأنه ينتظر الإذن من الأميركيين الذين يحاصرون بلدنا ومع ذلك يتغنون بالسيادة والاستقلال». ولفت الى أنه «بعد فشل الأميركي ومعه الاسرائيلي في إخضاع شعبنا عبر الحرب والعدوان والعمليات الأمنية، لجأ قبل فترة الى استخدام الحصار والتضييق الاقتصادي والنقدي ومنع الشركات من التنقيب في مياهنا عن الغاز والنفط وسهّل للإسرائيلي كل ما يحتاجه لاستخراج الغاز من مياه فلسطين المحتلة، وراح يراوغ ويعطل ترسيم حدودنا البحرية، الى أن اندلعت أزمة الغاز في أوروبا، فجاء مستعجلاً لتأمين مصالح الإسرائيلي والأوروبي على حساب مصلحتنا وسيادتنا الوطنية».