دراما الاستعارات: مكيافللي في ” ابتسم أيها الجنرال”*:

دراما الاستعارات: مكيافللي في ” ابتسم أيها الجنرال”*:

Our Precarious American Democracy Extreme Polarization and Alienation in Our Politics
“إسرائيل” تلاحق كوادر “الجماعة الإسلامية” في لبنان
"المغنية" كارلا بروني من تل أبيب إلى بيروت؟

عن مدى مطابقة الخيال للواقع
نجوى زيدان، ‏الثلاثاء‏، 28‏ آذار‏، 2023

يُخضعنا مسلسل “ابتسم أيها الجنرال”، الذي يعرض راهنا خلال الموسم الرمضاني، وفي حلقاته الأربع الاولى، كمشاهدين متابعين للدراما السورية بشكل خاص والعربية المشتركة بشكل عام، لفلسفة وفكر ومقولات الديبلوماسي الفلورنسي  مكيافللي، الذي عاش خلال ما يسمى بـ”عصر النهضة” واشتهر بكتابه ” الأمير”، الذي تعود كتابته الى العام ١٥١٣، ولم يِنشر الا بعد حوالى عقدين من الزمن.
“ابتسم أيها الجنرال”، يُعرض على “التلفزيون العربي” و”تلفزيون سوريا”، وتِرفع حلقاته على منصة يوتيوب مباشرة بعد عرضه التلفزيوني. مسلسل يطالعنا في حلقته الاولى وقبل عرض “الجنيريك” بسطرين اثارا سخرية المتابعين المثمنين للعمل في التعليقات المتاحة على يوتيوب: ” جميع شخصيات المسلسل واحداثه من وحي الخيال وأي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هي من قبيل المصادفة”، هذا التصريح المكتوب على الشاشة بمثابة مهرب من الرقيب بالاتفاق معه.
حاز المسلسل على دعاية وحملة إعلانية مهولة على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل العرض، وكان أهمها مقابلة مع كاتب النص السوري سامر رضوان، الذي سبق له ان قدم اهم النصوص الدرامية في الأجزاء الثلاثة لمسلسل ” الولادة من الخاصرة”، واثير الجدل الافتراضي تزامنا مع بث بروموهات المسلسل ومشاهد صغيرة وصورا لأبرز الممثلين، هذا الجدل تركز حول ان هذا العمل الدرامي٫ يروي “قصة العائلة الحاكمة في سوريا” كما اسموها، وعملت التعليقات على اكتشاف الشخصيات الحقيقية لهذه العائلة من خلال شخصيات المسلسل ومنها “الرئيس” وشقيقه وشقيقته ووالدته وزوجته وكبار معاونيه الأمنيين والسياسيين، وبدأت التعليقات بالتصويب على النظام في سوريا في حملة تذكر بتلك الحملات التي شنتها المعارضات السورية والعربية بعد اندلاع الحرب على سوريا: شتم النظام، تقريعه، شتم افراد العائلة، السخرية من شخص الرئيس بشار الأسد. وبتنا نعرف أن”الشخصنة” بأدوات “البذاءة” و”السب” و”التوعد” أدخلها الأميركيون على تكتيك “الثورات الملونة”، لإخفاء شره “قادتها” إلى تولي السلطة وحسب، من دون البرامج السياسية الإصلاحية اللازمة.
اما الاستعارة من مكيافللي في الحلقات الثلاث الاول، مع مطلع كل حلقة، ويبدو لي ان اسقاط مكيافللي على المعالجة الدرامية٫ يمثل الرؤية الدرامية لصناع هذا العمل، وفي الاقتباسات توجيه للمشاهد نحو فحوى الرسالة الدرامية، حيث سيقرأ المشاهد السوري والعربي عامة الرسالة من العنوان، وفي هذه المرحلة السياسية بالذات، مع ما تحمله من تغييرات في المواقف العربية من النظام السوري، اذ يكفي ان نعلم ان الشركة المنتجة “ميتافورا” هي شركة قطرية، تنتج اعمالا فنية للتلفزيون والسينما وتستقطب المبدعين العرب وتقول في التعريف عن نفسها انها تقف الى جانب الانسان العربي في معاركه ضد الدكتاتورية، ولمعرفة المزيد المدهش عن هذه الشركة يمكن للقارىء ان يدخل اسم الشركة على محرك البحث غوغل ويحصل على مراده.
اما الاقتباسات التي استعان بها صناع العمل بمكيافللي فكانت في الحلقة الاولى ” الأسس الرئيسية في كل دولة، هي القوانين الجيدة والأسلحة الجيدة وحيثما وجدت الاسلحة الجيدة، هناك قوانين جيدة، حتما”. اما الحلقة الثانية فكانت “من الأكثر امانا ان يخافك الناس على ان يحبوك”، وجاءت الاستعارة الثالثة كالتالي “يحتاج الحاكم ان يأخذ القليل من المؤامرات في الاعتبار اذا كان يميلون لصالحه”، وتبني هذه المقولات ما يشبه الدليل الذي يقود المشاهد الى اقتفاء أفكار صناع العمل في النظر الى احداث المسلسل واستنباط المعاني المقصودة في الحوارات.
لا يهم كيف ُيصنف المسلسل، سوري او عربي مشترك، على أساس الإنتاج ومشاركة ممثلين اثنين من لبنان، المهم ان القصة تتعلق بسوريا وان المسلسل تم تصويره في تركيا وبعض المشاهد على الحدود اللبنانيةـ السورية، وفيه نخبة من الممثلين السوريين ومن بينهم معارضين على “راس السطح”، يبقى ان نكتشف اذا ما استطاع سامر رضوان الكاتب، ان يخدم مجتمعه من خلال هذا العمل المتخيل كما قرأنا في السطرين اعلاه، وهو خارج سوريا. وما بين “الولادة من الخاصرة” و”ابتسم أيها الجنرال”، سوف يكون لنا عودة الى انتقاء العنوان الأخير ودلالاته، سنوات من الحرب الشرسة وتغييرات وتحولات في السياسة والجغرافيا والديمغرافيا في سوريا والمنطقة، فهل لمس صناع الدراما السوريين هذه التحولات ام انهم ما زالوا خاضعين لترغيب الاشقاء العرب واجنداتهم.
والى ان نصل للنهاية، لا بد لنا ان نراقب ظل مكيافللي، وان نعيش الفساد الناخر في عظم الدولة وشعور الانتقام القابع في نفوس من هم فوق ومن هم تحت، ولن نتغاضى عن الجانب الفني والاضاءة الخافتة وظهور البدلة العسكرية ونياشينها والقبعة العسكرية مرات عدة في الشارة، ولقطة لغلاف كتاب ” فن الحرب” لمؤلفه صن تزو.
*من اخراج عروة محمد وتمثيل مكسيم خليل وعبد الحكيم قطيفان ومرح جبر ومازن الناطور وريم علي وسوسن ارشيد ومن لبنان خالد السيد وراسيا سعادة.

 

Please follow and like us:

COMMENTS