“قضاة الحديقة” داسوا تواقيع العرب والمسلمين على اتفاق “المحكمة الجنائية الدولية”؟

“قضاة الحديقة” داسوا تواقيع العرب والمسلمين على اتفاق “المحكمة الجنائية الدولية”؟

مروان عبد العال: أيوب يقطف «الزعتر الأخير»
مولدوفا و”الحصن الرديف”؟!
قضايا "الثورة اللبنانية" : ماذا يريد الأميركيون من "الحراك" /شهادة فيلتمان (9)

احتفلت المحكمة الجنائية الدولية في الصيف الماضي بالذكرى العشرين لتأسيسها. وقال رئيسها القاضي بيوتر هوفمانسكي في مؤتمر خاص بالمناسبة : إنها “تشكل إحدى دعائم النظام القضائي الدولي”. أما المدعي العام كريم خان فقال : أن إنشاء المحكمة “إنجاز رائع”. لكن هذه العبارات المنمقة من ممثلي “العدالة الدولية” قلَّتْ أو كثرتْ فليس لها أن تصيب مكامن النفس العربية ولن تَعْبُرَ إلى أفئدة المسلمين.

لقد ابتهج السيد خان بعدما أصدرت هذه المحكمة مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 17 آذار/ مارس 2022،  وقال خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني فرنسي : إن” هذا اليوم هو يوم مهم للعدالة الدولية”. لأنه ولأول مرة، “ستتم محاكمة رئيس دولة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي” من قبل “المحكمة الجنائية الدولية”، بسبب “ترحيل” آلاف الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا.

ويجهل السيد خان أن فرحته تضاعف من شعور العرب والمسلمين بالإهانة من هذه “المحكمة”، بسبب “المطاردة القضائية” التي تواصلها في ليبيا والسودان بينما هي تتغاضى عن الجرائم الأميركية والبريطانية في العراق وفي أفغانستان أيضا. كذلك، في فلسطين المحتلة حيث تعرضوا لأكبر الإهانات القومية والدينية من “قضاة المحكمة الجنائية الدولية”. والأجيال الحالية من العرب والمسلمين رأت وسمعت كيف صمَّ أولئك “القضاة الدوليون” آذانهم، وأشاحوا بوجوههم عما جاء في التقرير الأول الذي قدمته بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون عن جرائم “إسرائيل” الرهيبة في قطاع غزة عامي 2008 ـ 2009.

لقد كتب غولدستون في التقرير الأول الذي استند إلى تحقيق دقيق : إن “هنالك أدلة تشير إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت من قبل إسرائيل خلال النزاع في غزة، وأن إسرائيل ارتكبت أفعالاً تصل إلى مستوى جرائم الحرب، وربما جرائم ضد الإنسانية”. فماذا فعل “قضاة العدالة الدولية” سوى التغاضي عن هذا الإتهام الموثق لـ”إسرائيل” بارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” في غزة الفلسطينية.

إن “القضاة الدوليون” الذين كبّوا ملف حقوق الفلسطينين مع نفايات مكاتبهم الوثيرة، انتفضوا من أجل الأوكرانيين، وسارعوا بغتة إلى استصدار “مذكرة توقيف” بحق رئيس روسيا. وعندما نقول سارعوا بغتة، فذلك لأن “مذكرة التوقيف” التي أصدروها كانت مؤرخة في يوم 17 آذار/مارس 2022، أي بعد أقل من شهر واحد على إطلاق روسيا العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. نعم، في أوكرانيا هبت “العدالة الدولية” إلى واجبها، كشفت هوية المجرم ووجهت إليه الإتهام وأمرت بتوقيفه. ولكن أين التحقيق المحايد الذي زودها بالأدلة والبينات. ومن الذي حقق أصلاً في مجريات “الملف الأوكراني”. أما فلسطين فلا تستحق “العدالة الدولية”.

ولئن كانت “المحكمة الجنائية الدولية” بنظر “القاضي هوفمانسكي”، “دعامة للنظام القضائي الدولي”، فإنها بنظر العرب والمسلمين، “دعامة”، بالفعل، لكنها “دعامة” غليظة لافتئات دول الغرب و”إسرائيل” على حقوقهم وتغلبها عليهم. وقد جاءت “مذكرة توقيف بوتين” لتزيدهم اقتناعاً بأن مقود “دعامة القضاء الدولي” هو بيد تلك الدول و”إسرائيل”، وأنها أنشأتها لحاجة ترسانتها إلى سلاح “العدالة الدولية”.

بعض دول إفريقيا جأرت بالشكوى من “المحكمة الجنائية الدولية”. فيكيل مبالولا، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا، صرح خلال مؤتمر صحافي: بأن “المحكمة الجنائية الدولية لا تخدم مصالح الجميع، بل مصالح البعض”. إذن، “الإضطهاد القضائي” الذي تمارسه “المحكمة” ضد العرب والأفارقة والروس والمسلمين، هو جزء من طبيعة “العدالة الدولية” التي لازمت “النظام الدولي الأحادي القطب”. وليس هناك أفضل من “قصة تقرير غولدستون” وسيلة تعليم تطبيقية لمعاينة هذا “الإضطهاد” والتبحر في دوافعه العميقة. بالوسع إيجاز هذه “القصة الدولية” عبر الإجابة على ثلاثة أسئلة :

ـ أين تقرير غولدستون الأول وهل يمكن الحصول عليه؟.

ـ لماذا صدر التقرير الثاني؟.

ـ  لماذ أزيل التقرير الأول لبعثة غولدستون عن صفحة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة؟.

والجواب بسيط :
إنها “إسرائيل”. كل “القصة” سببها “إسرائيل”. “مصالح إسرائيل”. “تفوق إسرائيل”. “سمعة إسرائيل.

إنها “القصة ذاتها عن أخلاق الغرب”.

الغرب يَزِنِ الحقوق بميزانين : الأول يستعمله في “الحديقة” ـ الغرب والثاني في “الغابة” ـ العالم. وقد أوضح ذلك جوزف بوريل منسق السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي منذ أيام. وبالطبع، فإن “إسرائيل” هي من أزهار “الحديقة” و”فلسطين” من أشواك “الغابة”. و”الإضطهاد القضائي” الذي يأتي من “المحكمة الجنائية الدولية” هو لقلع “الأشواك” من “الحديقة”. هو لتقنين العنصرية والكراهية الغربية ضد العرب والمسلمين والأفارقة والروس وربما يحل الدور من بعدهم على الصينيين والكوريين والأتراك.

عندما وزعت بعثة غولدستون التقرير الأول في الأمم المتحدة، أدلى رئيس حكومة العدو الصهيوني بنييامين نتنياهو بتصريح تلفزيوني مقتضب، قال فيه : “أدعو الامم المتحدة الى الالغاء الفوري لتقرير غولدستون. يجب رمي هذا التقرير في مزبلة التاريخ”.

بعد أسبوعين من هذا التصريح، وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية غولدستون بـ”القاضي اليهودي”، وقالت أن “الرجل يهودي صهيوني”، وإنه في “التقرير يدين طرفي الحرب”، لكن “إسرائيل” لم تكتفِ أو ترضى. برهن تصريح نتنياهو أن النظام الصهيوني لا يريد لأي كان من “أهل الحديقة” أن يكسر سيطرته على “حدود العدالة الدولية”. هكذا، بدأ مخاض التقرير الثاني الذي صدر في السنة التالية لتتم “إبادة” التقرير الأول. باقي “القصة” موجود في الأرشيف.

مغزى “قصة تقرير غولدستون” أن أخلاق “العدالة الدولية” تتشكل في هذه البيئة العنصرية المقرفة. فكيف يمكن لعربي أو مسلم أو أي إنسان حر النفس أن يقبل بأحكام “قضاة الحديقة” المذعنين للنظام الصهيوني؟.

لقد اسْتُولِدت “المحكمة الجنائية الدولية” في عام 2002، حينما كانت الولايات المتحدة الأميركية قد وصلت إلى ذروة هيمنتها على “النظام الدولي الأحادي القطب”. آنذاك، كان “المحافظون الجدد” الصهاينة في واشنطن، قد باشروا بـ”إعادة بناء الأمم” في بلاد العرب والمسلمين وبلاد أخرى في العالم، بغزوها واحتلالها وإشعال الحروب فيها تحت لافتة “الحرب على الإرهاب”. في ذلك الوقت بالضبط، تأسست هذه “المحكمة”، وأُفْلِتَ سوط “قضاء الحديقة” في الأزمات الدولية.

لكن اليوم، ومع دخول العالم مرحلة زوال هذا “النظام”، فقد بات “قضاة الحديقة” مثل دواب السيرك يجهلون مصيرهم بعد نهاية العرض.

نعلم كيف انقسمت الدول العربية والإسلامية حيال اتفاق روما (تموز/ يوليو 1998) الذي أسس “المحكمة الجنائية الدولية”. بعضها وقع على الإتفاق وبعضها لم يوقع. ولكن بعد أن رأينا انعدام الذمة لدى القائمين على هذه “المحكمة” وإساءتهم إلى جوهر القضاء وهو العدل، نسأل الدول العربية عما إذا كان أوان سحب تواقيعها من الإتفاق قد حل. نسألها لو تتأسى ببعض الدول الإفريقية. ثم ألم تحن ساعة تحرك “منظمة التعاون الإسلامي” من أجل تصحيح نظر “العدالة الدولية” التمييزي ضد العرب والمسلمين وضد الشعوب الضعيفة.

نرى بالتجربة وبالمنطق أن “مذكرة توقيف بوتين” أعدت في عجالة، لترهيب “أصدقاء” أميركا والغرب بـ”سلاح العدالة الدولية”، خصوصاً، بل أولاً وأساساً، حكومات العرب والمسلمين. فالغرب، يلجأ الآن إلى كل الوسائل لمنع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من “دوس آخر بقايا النظام الليبرالي [الذي شادته الولايات المتحدة على مقياس مصالحها]، في فترة ما بعد الحرب [العالمية الثانية]، ومن أن تُنتج تحولاً دراماتيكياً [يعجل في تراجع الولايات المتحدة عن قمة] السلطة والنفوذ في أوروبا” والعالم. لكن الوقت مناسب لهؤلاء “الأصدقاء” لكي يعجلوا بهذا التحول. عليهم ألا يخافوا. فأميركا والغرب لهم مصالح وليس “أصدقاء”. مصالح وحسب.

هيئة تحرير موقع الحقول

‏السبت‏، 16‏ شوال‏، 1444 الموافق ‏06‏ أيار‏، 2023

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة أولى :

إذا حاول القارئ، الآن، فتح رابط تقرير غولدستون الموجود أعلاه، في نص هذا المقال، والمدون في رابط خاص بمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فلن يعثر عليه، بل سيتم نقله إلى رابط صفحة أخرى تتضمن العبارات الإنكليزية التالية :

404 – File or directory not found.

The resource you are looking for might have been removed, had its name changed, or is temporarily unavailable.

404 – ملف أو دليل غير موجود.

ربما تمت إزالة المورد الذي تبحث عنه ، أو تم تغيير اسمه ، أو أنه غير متاح مؤقتًا.

ملاحظة ثانية :

ننشر أدناه ملخص صحفي عن التقرير الأول مع الرابط الذي أزالته الأمم المتحدة عن موقعها نزولاً عند “أوامر” نتنياهو :

 

 

United Nations Fact Finding Mission

on the Gaza Conflict

 

بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة

بيان صحفي

15 أيلول 2009

بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق تجد أدلة قوية على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت خلال النزاع في غزة وتدعو إلى وضع حد للإفلات من العقاب

نيويورك / جنيف —  أصدرت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون يوم الثلاثاء التقرير الذي طال انتظاره، والذي توصلت من خلاله بان هنالك أدلة تشير إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت من قبل إسرائيل خلال النزاع في غزة ، وأن إسرائيل  ارتكبت أفعالا تصل إلى مستوى جرائم الحرب ، وربما جرائم ضد الإنسانية.

خلص التقرير، بالإضافة إلى ذلك، إلى أن هنالك أيضا أدلة على أن الجماعات الفلسطينية المسلحة ارتكبت جرائم حرب، فضلا عن احتمال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وذلك من خلال الإطلاق المتكرر للصواريخ وقذائف الهاون على جنوب إسرائيل.

وكان قد تم تعيين أعضاء البعثة الأربعة  * من قبل رئيس مجلس حقوق الإنسان في نيسان المنصرم لكي يقوموا في “التحقيق في جميع انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ربما تكون قد ارتكبت في أي وقت في سياق العمليات العسكرية التي جرت في قطاع غزة خلال الفترة من 27 كانون الأول 2008 و 18 كانون الثاني 2009 ، سواء قبل أو أثناء أو بعد “.

يتضمن التقرير المكون من 574 صفحة تحليلا مفصلا عن 36 حادثة عينية وقعت في قطاع غزة، فضلا عن عدد آخر من الحوادث والتي وقعت في الضفة الغربية وإسرائيل. كما وأجرت البعثة 188 مقابلة فردية، واستعرضت ما يزيد عن 10,000 صفحة من الوثائق ، وشاهدت نحو   1,200 صورة ، بما في ذلك صور التقطت بالأقمار الصناعية ، فضلا عن 30 أشرطة فيديو. استمعت البعثة إلى 38 شهادة خلال جلستي استماع علنيتان منفردتان عقدتا في كل من غزة وجنيف، كلتاهما بثتا شبكيا وبالمجمل. ولقد تقرر الاستماع إلى المشاركين من إسرائيل والضفة الغربية في مدينة جنيف وليس في موقع الحوادث بعد أن رفضت إسرائيل السماح للبعثة الوصول إلى كلا الموقعين. إسرائيل تجاهلت أيضا الرد على قائمة شاملة من الأسئلة التي طرحت عليها من قبل البعثة. بالمقابل تعاونت السلطات الفلسطينية في كل من غزة والضفة الغربية مع البعثة.

ووجدت البعثة أنه وفي الفترة التي سبقت الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، قامت إسرائيل بفرض حصار يصل إلى حد العقاب الجماعي ونفذت سياسة منهجية من العزلة والحرمان التدريجي لقطاع غزة. وخلال العملية العسكرية الإسرائيلية التي أطلق عليها اسم “عملية الرصاص المصبوب “، تم تدمير المنازل والمصانع وآبار المياه والمدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة وغيرها من المباني العامة. ولا تزال  العديد من الأسر تعيش وسط أنقاض منازلها السابقة حتى بعد انقضاء فترة طويلة على شن الهجمات ، ذلك أن إعادة الإعمار مستحيلة نظرا لاستمرار الحصار. أكثر من 1,400 شخص قد لقوا مصرعهم خلال العملية العسكرية.

بالإضافة إلى ذلك عانى سكان قطاع غزة من صدمة كبيرة، سواء على المدى الفوري أم على المدى البعيد. ويشير التقرير إلى علامات الاكتئاب العميق ، والأرق ، وانعكاساتهما كالتبول في الفراش عند الأطفال. ووجدت البعثة بان الآثار على الأطفال الذين شهدوا أعمال القتل والعنف ، والذين كان يعتقدون بأنهم يواجهون خطر الموت ، والذين فقدوا أفرادا من عائلتهم، ستبقى طويلة الأمد، مشيرة في تقريرها إلى أن نحو 30 في المائة من الأطفال الذين تم فرزهم في مدارس الأونروا يعانون من  مشاكل تتعلق بالصحة العقلية.

ويخلص التقرير إلى أن العملية العسكرية الإسرائيلية وجهت ضد شعب غزة ككل، وذلك تعزيزا لسياسة شاملة ومستمرة تهدف إلى معاقبة سكان غزة، وفى نطاق سياسة متعمدة من القوة الغير متناسبة والتي تستهدف السكان المدنيين. إن تدمير منشآت الإمدادات الغذائية، ونظم الصرف الصحي للمياه، ومصانع الخرسانة والمنازل السكنية كانت كلها نتيجة لسياسة متعمدة ومنهجية، جعلت ممارسة المعيشة والحياة اليومية والحياة الكريمة، أمرا أكثر صعوبة بالنسبة للسكان المدنيين.

ويفيد التقرير بأن التصرفات الإسرائيلية التي تحرم الفلسطينيين في قطاع غزة من وسائل عيشهم ، والعمالة ، والإسكان والمياه ، والتي تنكر حقهم في حرية التنقل ، وحقهم في مغادرة ودخول بلدهم ، والتي تحد من حقوقهم في الوصول إلى محاكم تقوم على أسس قانونية من شانها إعطاء وسائل انتصاف فعالة ، كل هذه الأمور يمكن أن تؤدي إلى أن تخلص محكمة ذات اختصاص بأن جريمة الاضطهاد ، وهي جريمة ضد الإنسانية ، قد ارتكبت.

ويؤكد التقرير على أن الخسائر في الأرواح والدمار الذي سببته القوات الإسرائيلية خلال العملية العسكرية ، وفي معظم الحوادث التي حقق فيها ، والتي قام بسردها –  كان نتيجة لعدم احترام مبدأ آل”تمييز” في القانون الدولي الإنساني وهو مبدأ أساسي يوجب أي قوات عسكرية أن تميز في جميع الأوقات ما بين الأهداف العسكرية من جهة والمدنيين والأعيان المدنية من جهة أخرى. جاء في التقرير أيضا أنه “ومع الأخذ بعين الاعتبار القدرة على التخطيط ، والوسائل ذات التكنولوجيا المتاحة الأكثر تطورا واللازمة لتنفيذ مثل هذه الخطط، والبيانات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي والتي نصت على أن ما من أخطاء تقريبا قد وقعت ، فإن البعثة ترى أن الحوادث ونمطية الوقائع التي نظر فيها التقرير جاءت نتيجة لتخطيط متعمد وقرارات سياسية”.

على سبيل المثال ، يصف الفصل الحادي عشر من التقرير عددا من الحوادث المحددة شنت من خلالها القوات الإسرائيلية ” هجمات مباشرة ضد المدنيين خلفت الموت.” وهذه هي، على حد قول التقرير، حالات تبين الوقائع انه لم يكن من ورائها ما يمكن تبريره كأهداف عسكرية يسعى إليها الهجوم ويستنتج أنها ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. من ضمن الحوادث المذكورة ما يلي :

  • هجمات وقعت في حي السموني ، في حي الزيتون ، جنوب مدينة غزة ، بما في ذلك قصف منزل مدني أجبر الجنود الفلسطينيين التجمع داخله ؛
    • سبعة حوادث تتعلق ب “إطلاق النار على المدنيين بينما كانوا يحاولون مغادرة منازلهم سيرا على الأقدام إلى مكان أكثر أمانا ، رافعين الرايات البيضاء ، وفي بعض الحالات ، في أعقاب أمر من القوات الإسرائيلية بأن يفعلوا ذلك ؛”
    •استهداف مسجد في وقت الصلاة ، مما أسفر عن مقتل 15 شخصا.

وهناك عدد من الحوادث الأخرى يستنتج التقرير بأنها قد تشكل جرائم حرب تشمل هجوما مباشرا ومتعمدا على مستشفى القدس ومستودع سيارات إسعاف متاخم له في مدينة غزة.

ويشمل التقرير أيضا الانتهاكات الناشئة عن المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية ، بما في ذلك استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين الفلسطينيين ، مما أدى في بعض الأحيان إلى حالات الموت ، وتزايد عمليات الإغلاق وتقييد حرية التنقل وهدم المنازل. إن اعتقال أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني ، يقول التقرير ، أدى على نحو فعال إلى شل الحياة السياسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ووجدت البعثة أنه ومن خلال أنشطة كمثل استجواب الناشطين السياسيين وقمع الانتقادات لأعمالها العسكرية ، ساهمت الحكومة الإسرائيلية إلى حد كبير في مناخ سياسي عام أضحت فيه المعارضة شيئا لا يكن تقبله.

ووجدت بعثة تقصي الحقائق أن الإطلاق المتكرر للصواريخ وقذائف الهاون على جنوب إسرائيل من قبل المجموعات الفلسطينية المسلحة “بمثابة جرائم حرب وربما يشكل جرائم ضد الإنسانية” بسبب الفشل في التمييز ما بين الأهداف العسكرية والسكان المدنيين. “إن إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون التي لا يمكن أن تطلق بشكل دقيق لتستهدف أهداف عسكرية يخرق المبدأ الأساسي في وجوب التمييز” ، كما يقول التقرير. “وحيث لا توجد أهداف عسكرية مبتغاة والصواريخ وقذائف الهاون تطلق على المناطق المدنية، فإن ذلك يشكل هجوما متعمدا ضد السكان المدنيين”.

وتستنتج البعثة أن الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون “سببت الرعب في المجتمعات المحلية المتضررة في جنوب إسرائيل ،” فضلا عن “خسائر في الأرواح والإصابات الجسدية والنفسية للمدنيين وأضرار للمنازل ذات الملكية الخاصة والمباني الدينية والممتلكات ، وبالتالي أدت إلى تآكل الحياة الاقتصادية والثقافية للمجتمعات المتضررة ، وأثرت تأثيرا شديدا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسكان. ”

وتحث البعثة الجماعات الفلسطينية المسلحة التي تحتجز الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط على إطلاق سراحه لأسباب إنسانية ، وفي انتظار الإفراج عنه ، أن تقدم له كامل الحقوق التي تمنح لأسرى الحرب بموجب اتفاقيات جنيف بما في ذلك زيارات من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ويشير التقرير أيضا إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء بحق فلسطينيين، من جانب السلطات في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

إن حالة الإفلات من العقاب لفترات طويلة قد تسببت في أزمة عدالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة  وهذا أمر أضحى الرد عليه حريا بالفعل، كما يقول التقرير. ووجدت البعثة أن حكومة إسرائيل لم تنفذ أي تحقيقات ذات مصداقية في الانتهاكات المزعومة. ولذا أوصت بأن يقوم مجلس الأمن الدولي بالطلب من إسرائيل بأن تقدم له، في غضون ستة أشهر، تقريرا عن التحقيقات والملاحقات القضائية التي ينبغي إجراءها، فيما يتعلق بالانتهاكات التي تم تحديدها في تقرير البعثة.   توصي البعثة كذلك بأن يقوم مجلس الأمن بتشكيل هيئة من الخبراء المستقلين تقدم إليه تقريرا عن التقدم المحرز في التحقيقات والملاحقات القضائية الإسرائيلية. أما إذا كانت تقارير الخبراء لا تشير في غضون ستة أشهر إلى إجراءات ذات نية حسنة ومستقلة تجري ، فينبغي عندها لمجلس الأمن إحالة الوضع في غزة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. وتوصي البعثة أيضا بان تقوم نفس هيئة الخبراء تلك بتقديم تقرير إلى مجلس الأمن بشأن الإجراءات التي تتخذها سلطات غزة ذات الصلة فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبها الجانب الفلسطيني. وكما هو الحال بالنسبة لإسرائيل، وفي غضون ستة أشهر ينبغي على مجلس الأمن إذا اتضح بأنه لم تكن هناك نية حسنة لإجراء تحقيقات مستقلة تتطابق والمعايير الدولية المتعارف عليها، إحالة الحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

يمكن الحصول على التقرير الكامل بالاطلاع على الصفحة الالكترونية للبعثة تقصي الحقائق :

http://www2.ohchr.org/english/bodies/hrcouncil/specialsession/9/FactFindingMission.htm

لمزيد من المعلومات يمكنكم الاتصال ب

Doune Porter, Office of the UN High Commissioner for Human Rights, Tel: 1-917-367-3292 or +41-79-477-2576. Email: dporter@ohchr.org

* أعضاء بعثة تقصي الحقائق هم :
القاضي ريتشارد غولدستون ، رئيس البعثة ، القاضي السابق في المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا ؛ المدعي العام السابق في المحاكم الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ورواندا.
البروفيسور كريستين شينكين ، أستاذة القانون الدولي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ، وعضو البعثة الرفيعة المستوى لتقصي الحقائق في بيت حانون (2008).
السيدة هينا جيلاني ، محامية المحكمة العليا في باكستان ؛ الممثلة الخاصة السابقة للأمين العام المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان ، وعضو لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور (2004).
العقيد ديزموند ترافرز ، الضابط الأسبق في قوات الدفاع الايرلندية ؛ عضو في مجلس إدارة معهد التحقيقات الجنائية الدولية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Please follow and like us:

COMMENTS