“كيرن تكفا يسرائيل” أو “الأمل” القادم من أميركا لجمعيات ومنظّمات اليمين في “إسرائيل”!

“كيرن تكفا يسرائيل” أو “الأمل” القادم من أميركا لجمعيات ومنظّمات اليمين في “إسرائيل”!

منير شفيق يكتب عن "الشيخ الريسوني وزيارة القدس" و"مرة أخرى مع الشيخ أحمد الريسوني"  
ماذا وراء “دولرة أسعار السلع” في لبنان ؟
هجوم إلكتروني على أكبر مطار في “إسرائيل” : تل أبيب تتهم موسكو!

لم يكن من السهل على منظّمات وجمعيات اليمين في “إسرائيل” تحقيق ما حقّقته، حتى الآن على الأقل، من ترسيخ لخطاب وتوجّهات اليمين في المجتمع “الإسرائيلي” ككل وليس في الحقل السياسي فحسب، لولا الدعم المالي الذي يضمن لأي مشروع سياسي استمرار عمله وتنفيذ أجنداته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد تمت الإشارة في مساهمات سابقة (تحديداً تلك التي تناولت موضوعة جمعيات ومنظّمات اليمين الجديد في “إسرائيل” في مُلحق “المشهد الإسرائيلي”) إلى الدور الكبير الذي لعبته جمعيات ومنظّمات وصناديق التمويل الأميركية المحافظة في تعزيز الخطاب اليهودي ـ الصهيوني المحافظ والدفع قُدُماً بأجندات اليمين السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ الدينية، من خلال الدعم السخي لمنظّمات وجمعيات اليمين في “إسرائيل”، مستفيدةً من الهامش الذي يُتيحه القانون الأميركي للشركات والجمعيات الخاصة من حرية تلقّي التبرّعات وحرية توجيهها.

في هذه المساهمة، سيتم التعريف بأحد أهم الصناديق الأميركية الداعمة لجمعيات ومنظّمات اليمين الجديد في “إسرائيل” وهو “كيرن تكفا”، مع أهمية الإشارة إلى أن المساهمة عبارة عن مادة تعريفية أولية.

يُعدّ “كيرن تكفا”- بالعبرية، أو “صندوق الأمل” ـ بالعربية، منظّمة يهودية يمينية تأسّست في العام 1998 من قِبَل رجل الأعمال الأميركي اليهودي المحافظ زلمان بيرنشتاين، والهدف “تعزيز التميّز الفكري والمدني لشعب إسرائيل ولدولة إسرائيل”، إلى جانب “تعزيز الحرية الفردية والسوق الحرة والصهيونية”. تُشير رسالة الصندوق ـ كما يتم استعراضها عبر الموقع الرسمي ـ إلى أنها تستند للقيادة الفكرية المحافظة في المجتمع والسياسة والثقافة والاقتصاد والحياة الدينية والتي تُسهم بشكل كبير في ضمان وتعزيز مكانة “شعب إسرائيل ودولة إسرائيل” والعالم الغربي بأسره.

في البداية، كان الصندوق بمثابة جزء لا يتجزّأ من “كيرن تكفا” في الولايات المتحدة الأميركية، وقد استمرّ هذا الأمر لسنوات منذ تأسيسه في العام 1998 إلى أن استقل الصندوق كمنظمّة قائمة بذاتها في “إسرائيل” في العام 2017 وتم تعيين مدير تنفيذي له منفصل عن الصندوق في الولايات المتحدة وأصبح يُعرّف بأنه، أي الصندوق، منظمة شريكة له.

يقدّم الصندوق دعماً مالياً لبرامج دراسية ومنح للمنظّمات الشريكة بهدف تعزيز رسالتها بين المجتمع، خصوصاً تلك التي تتبنّى وجهة نظر محافظة فكرياً ومجتمعياً وتدعم قيم السوق والحرية الفردية في “إسرائيل”.  حيث أن الأفكار “العالمية” التي يستند إليها كقيم السوق الحرّة والحرية الفردية لا يجب أن يتم تناولها أو تبنّيها بمعزل عن ما يُطلق عليها مؤسسوه “النزعة المحافظة الإسرائيلية” وهي يهودية في جوهرها، وبموجبها؛ فإن “إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، ولا بد من التعبير عن ذلك بالتراث والتقاليد القومية في شخصية إسرائيل الدولة ومؤسساتها المدنية، والسلام المستدام القائم على القوة العسكرية”.[i]

يدعم الصندوق مجموعة متنوعة من البرامج التي تؤمّن تعزيز الخطاب والقيم المحافظة فكرياً والفردية اقتصادياً في “إسرائيل”، وتحديداً تلك التي تُركّز على موضوعات القانون؛ السياسة العامة؛ الثقافة؛ الأوساط الأكاديمية؛ والقيادة الحريدية (الأرثوذكسية المتطرّفة). أمّا في مجال القانون؛ فقد أطلق الصندوق مشروع “المنتدى الإسرائيلي للقانون والحرية” الذي يحاول خلق مجتمع من المحامين الإسرائيليين وغيرهم من المهتمين بالقانون والسياسة في “إسرائيل”، من أجل استحداث الأفكار ذات الصلة بموضوعات القانون والسياسة تُسهم في تعزيز خطاب وتوجّهات الصندوق المحافظة والتي تدافع عن قيم فصل السلطات والقيود القضائية والحريات الفردية والحكومة المحدودة، ولأجل ذلك، فهي تنظّم ما يُعرف بـ “خلايا الطلبة” في جميع كلّيات الحقوق في الجامعات “الإسرائيلية”، لعقد النقاشات والفعاليات بحضور شخصيات قانونية بارزة تحمل توجّهات الصندوق للتعاطي مع القضايا الآنية والمستقبلية في هذا المجال إلى جانب إشراك الخبراء القانونيين في النقاشات الدائرة حول الموضوعات القانونية بشكلٍ عام، ويُدير المنتدى بصورة عامة البروفسور دانييل فريدمان بمسمّى “رئيس اللجنة الاستشارية لإسرائيل”.[ii] وفي مجال السياسة العامة؛ يدعم “كيرن تكفا” نشر مجلة “شيلوح” بمعدّل خمس مرات في العام والتي تروّج للأفكار المحافظة في “إسرائيل” عبر نشر مقالات رأي وتحديداً تلك المتعلّقة بالخطاب الأكاديمي والثقافي والحكومي، ويُشرف على تحريرها د. يوآف سوريك.[iii] بالإضافة لذلك، يدعم الصندوق “مكتبة شيفولت” حيث يتم فيها ترجمة المقالات والآراء المنشورة باللغات الأجنبية وتحديداً الإنكليزية التي تتبنّى وجهة نظر محافظة بالتعاون مع دار النشر “سيلع مئير” في محاولة لتوطينها في اللغة العبرية والمجتمع “الإسرائيلي”. أما في ما يتعلّق بالبرنامج الخاص بالتيار الأرثوذكسي المتطرّف (الحريديم)؛ فيدعم الصندوق مشاريع لتنمية قيادة فكرية للتيار الأرثوذكسي المتطرف والمتشدّد بهدف تعزيز الإيمان بالهوية اليهودية، وفي الوقت نفسه، تعزيز المسؤولية الشخصية والمدنية ومحاولة إدماج هذا المجتمع بكافة ما يتضمّنه من تعقيدات وحواجز في المجتمع “الإسرائيلي” حفاظاً على التيار نفسه وعلى المجتمع “الإسرائيلي” أيضاً، وفي سبيل ذلك، أطلق الصندوق مشروعاً تربوياً (مجلة دورية) بهدف تطوير الخطاب الحريدي وموائمته مع كافة المستجدّات التي يشهدها المجتمع “الإسرائيلي” لتعزيز الخطاب المحافظ الحداثي والذي يُناقش فيها كافة المسائل المتعلّقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية لدى هذا التيار.[iv]

لقد شكّل الصندوق مصدراً رئيساً من مصادر التمويل لجمعيات ومنظّمات اليمين في “إسرائيل” خلال العقود الثلاثة الماضية، سواءً كان ذلك قبل انفصاله عن الصندوق الأم في الولايات المتحدة أو بعد ذلك (2017) كما أشرنا أعلاه. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن القانون الأميركي يُتيح هامشاً للمؤسسات والمنظمات الخاصة يسمح لها بعدم الكشف عن مصادر تمويلها ووجهة الدعم والتبرّعات التي تُقدّمها وخاصة تلك المُقدّمة على أنها موجّهة لـ “أعمال خيرية”، وقد استفاد الصندوق على مدار عقود من هذا الهامش في دعم وتمويل منظّمات اليمين في “إسرائيل”، والتي ما زال يُقدّم لها الدعم المالي حتى وقت كتابة هذه المساهمة. كما أن الصندوق حاصل على إعفاء من الضرائب في الولايات المتحدة ما يُتيح له أيضاً حرية في جني التبرّعات وتوجيهها. ففي تحقيق صادر عن منظّمة “السلام الآن” “الإسرائيلية” في العام 2014،[v] يتضّح أن الصندوق قدّم دعماً سخياً خلال الأعوام 2011-2013 بلغ مقداره 20 مليون دولار لصالح جمعيات ومنظّمات اليمين في “إسرائيل” بواسطة بعض الشركات والشخصيات في “إسرائيل” للتغطية على وجهة التبرّعات التي يُقدّمها، ويتجاوز إيلان شيزف وإلعاد فلنر- وهما مُعدّا التحقيق- دور الصندوق من كونه داعماً لهذه المنظّمات إلى تعريفه كأحد أهم جمعيات ومنظّمات اليمين في “إسرائيل” خلال العقد المنصرم تِبعاً لنشاطاته والدعم المالي السخي الذي يوفّره لمنظّمات اليمين.

لقد أشرنا في مساهمات سابقة إلى أن بعض منظّمات وجمعيات اليمين في “إسرائيل” يُمكن اعتبارها نُسخة “إسرائيلية” عن منظّمات وجمعيات يمينية مُحافظة في الولايات المتحدة الأميركية، أو تُجسّد العلاقة بينها، والتنسيق العالي في الأجندة والخطاب والمشاريع، التحالف بين اليمين “الإسرائيلي” الجديد والتيار المحافظ في الحزب الجمهوري الأميركي، وهذه الظاهرة اشتدّت وتيرتها وتصاعدت خلال العقود الثلاثة الماضية التي ساهمت بدور كبير في تعزيز قوة اليمين “الإسرائيلي” في المجتمع، وسيطرته على الخطاب “الإسرائيلي”، ليس على المستوى السياسي فحسب. في حالة “كيرن تكفا” يُمكن ملاحظة عملية الاستنساخ التي أُجريت للصندوق الذي بدأ كجمعية أميركية تدعم من ضمن ما تدعمه مشاريع “إسرائيلية” تُعزّز من الخطاب والتوجهات اليهودية الصهيونية المحافظة التي يتبنّاها الصندوق، ليستقرّ الأمر به في نهاية المطاف كصندوق ومنظمة “إسرائيلية” مستقلّة مقرّها تل أبيب شريكة للصندوق الأم وتتقاسم معه الأجندة والخطاب والتوجّهات.

 

[i] للاستزادة، أنظرhttps://www.tikvahfund.org.il/about-tikvah-israel.

[ii] للاستزادة، أنظر:  https://www.tikvahfund.org.il/israel-law-liberty-forum.

[iii] للاستزادة، أنظر:  https://www.tikvahfund.org.il/hashiloach.

[iv] للاستزادة، أنظر:  https://www.tikvahfund.org.il/haredi-department.

[v] لمراجعة تقرير منظّمة “السلام الآن” الذي أعدّه إيلان شيزيف وساعده إلعاد فيلنر، أنظر: https://bit.ly/3MXXr0c.

عبد القادر بدوي، باحث في “المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية”/ مدار، رام الله/فلسطين المحتلة.
مساهمة منشورة يوم السبت 27 أيار/ مايو 2023، في موقع “المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية”/ مدار ، رام الله/فلسطين المحتلة.

Please follow and like us:

COMMENTS