إدارة بايدن تحت “إدارة” شركة “WestExec” !؟

إدارة بايدن تحت “إدارة” شركة “WestExec” !؟

قطر تتهم الإمارات بإدارة سجون سرية في اليمن للتعذيب والقتل
بيان "المؤتمر القومي العربي" حول الأوضاع في فلسطين المحتلة
“أميركا أصبحت المركز الجديد للإضطراب في العالم” : “اضمحلال الإمبراطورية يتسارع”

تنطلق مناقشة أبعاد الفساد السياسي في النظام الأميركي خلال عهد الرئيس جو بايدن (جو النعسان)، من “كيفية تجنيد أعضاء الحكومة التي شكلها، لإدارة السياسة الداخلية والخارجية للدولة، مع التركيز على الروابط التي تجمع أفراد هذه الإدارة مع نخبة أو بيروقراطية شركات الأعمال والمال الأميركية“.

ووسط الإنتخابات الرئاسية الطاحنة، الآن، تتوالى التقارير اليومية عن ظاهرة الفساد السياسي التي تطبع الحياة العامة في الولايات المتحدة الأميركية. وينشغل باحثون وصحفيون جديون في تنوير الرأي العام،  بمختلف جوانب هذه الظاهرة. فيشرحون لمواطنيهم “الطبيعة المفترسة” لقطاع المصارف، الذي ينهب المواطنين بالقروض المغشوشة لشراء السيارات. وقد يرصدون توحش احتكارات صناعة الأدوية التي حَوَّلَت الوصفات الطبية إلى “أداة خداع” للأميركيين.

يجري الفساد السياسي، حسب هذه التقارير التي تستند على المصادر المفتوحة، تحت نظر “طبقة الحزبين” الحاكمة وبموافقتها، وقد أغرق مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية أيضاً. فصارت تكذب على المواطنين وتضلهم بشأن مسؤوليتها، مثلاً، عن “جعل هايتي وبعض دول أميركا اللاتينية يسقطون في حال أسوأ”.

تربط بحوث متعمقة، هذا الفساد بـ”سير أميركا نحو الإنهيار”. فتذكر عاملين. الأول، البؤس الشعبي، الناجم عن تراجع الثروات الاقتصادية لقطاعات واسعة من الأميركيين. والثاني، إفراط المجتمع في إنتاج النخبة من بين الأميركيين ذوي التعليم العالي والفاحشي الثراء، وقلة المناصب العليا التي ترضيهم.

وتعتبر تركيبة إدارة الرئيس بايدن أفضل نموذج للتعرف على أساس أو منبع الفساد السياسي في الولايات المتحدة. وقد بدأ النقاش حوله في مستهل عهد بايدن، حينما اتضح أنه يصنع أركان إدارته الوزراء والمسؤولين والموظفين الكبار، من احتياطي الموارد البشرية للشركات الإحتكارية الكبرى. وهذه الصناعة للإدارة السياسية ـ البيروقراطية للدولة، تجلي المعنى الكامل للفساد السياسي في “الحكم الديموقراطي” الأميركي. لأن أفراد إدارة نظام الحكم الذين يُجَنَّدُون من صفوف كبار مالكي ومديري الشركات الخاصة، لكي يُولَّوا المناصب العليا في الإدارة العامة، لا يتأخرون في “إعادة تدوير” /recyclage أموال الخزينة العامة إلى خزائن الشركات الخاصة.

لقد تعهد بايدن في مستهل ولايته الرئاسية، بتطبيق وثيقة “الإستراتيجية الأميركية لمكافحة الفساد”، وأعطى فرق الأمن القومي والاستخبارات وإنفاذ القانون، مهلة 200 يوم لتقديم توصيات حول كيفية مكافحة الفساد في الداخل والخارج، قائلاً : أنها “مهمة قومية ضرورية للحفاظ على ديمقراطيتنا ومستقبلنا”. لكنه ربما كان يقصد الفساد الإداري والمالي والشخصي والقانوني.

فقد أحضر بايدن معظم أركان إدارة حكمه ورجال عهده البارزين من مكاتب الشركات الخاصة. وتحول إلى رمز أو عنوان للفساد السياسي الأميركي منذ أول أيام توليه الرئاسة. بعدما وظف نحو 15 شخصاً من كوادر شركة WestExec Advisors في البيت الأبيض، وجهاز السياسة الخارجية، ومؤسسات إنفاذ القانون التابعة له. كما تم ترشيح إلى مناصب رفيعة المستوى. وهذا امر غريب، حتى بـ”المعايير الأميركية”، لأن هذه الشركة المحظوظة كانت باشرت أعمالها في عام 2017، قبل أربع سنوات على ولاية بايدن الرئاسية.

بلينكن وزبائنه!

تنشط هذه الشركة في بيع الزبائن “تحليلا لا مثيل له للمخاطر الجيوبوليتيكية” التي تسهل مشاريعهم أو تعرقلها. وفي سجل WestExec وشركات أخرى تعمل معها، أنها نجحت في إقناع شركات التكنولوجيا الناشئة بإبرام عقود دفاعية وساعدت شركات صناعة الدفاع على التحديث التكنولوجي، كما ساعدت الشركات المتعددة الجنسيات على اقتحام سوق الصين.

يعد طوني بلينكن، وزير الخارجية، من أبرز مالكي وموظفي شركة WestExec، الذين دخلوا في الحكومة الأميركية في عهد بايدن. وقبل التوزير جاء في سيرته أنه قدم المشورة لشركة الاتصالات العملاقة AT&T، وشركة Boeing، وقطب الشحن FedEx، وشركة الإعلام Discovery، باعتباره شريكاً مؤسساً لشركة WestExec. كما عمل بلينكن في شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Facebook وLinkedIn وMicrosoft وUber. وساهم في أعمال بعض الشركات المتخصصة مثل بائع الأعمال الفنية Sotheby’s، وشركة الأدوية الحيوية Gilead Sciences. ومن زبائن بلينكن شركات الاستثمار العالمية ومديري الأصول، مثل Blackstone وLazard وRoyal Bank of Canada والتكتل متعدد الجنسيات SoftBank، الذي يقوم بأعمال تجارية واسعة النطاق مع المملكة العربية السعودية. حتى أنه قدم المشورة للمجموعة الاستشارية ماكينزي وشركاه.

وقد غادر بلينكن WestExec في تموز / يوليو 2020، بعد أن استفسرت صحيفة The American Prospect عن العلاقة التي تربطه بها، إلا أن كل واحدة من هذه الشركات بقي لديها ملف دولي يؤثر على حسابات بلينكن أثناء تنفيذه لسياسة بايدن الخارجية. لقد أحضر بلينكن بعض موظفيه الرئيسيين في WestExec إلى وزارة الخارجية. مثل جوليان سميث، كبيرة مستشاريه، لتكون الممثل الدائم للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي/ ناتو. وسارة ماكول، المساعدة التنفيذية لشركة WestExec، التي أصبحت مديرة البرامج في وزارة الخارجية. وباربرا ليف، السفيرة الأميركية السابقة لدى الإمارات العربية المتحدة، التي عملت في شركة WestExec أيضاً، فإنها واصلت العمل كمبعوثة أولى لبايدن إلى “الشرق الأوسط” في مجلس الأمن القومي، ثم تولت منصب مساعد وزير الخارجية.

ومن بين موظفي شركة WestExec المستشار دانييل شابيرو، سفير الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لدى “إسرائيل”، الذي تولى أمر أحد زبائن WestExec، وهي شركة Windward “الإسرائيلية” المتخصصة بالذكاء الإصطناعي لتتبع السفن.

لقد كانت شركة WestExec مكاناً مريحاً لمديرة الإستخبارات الوطنية أفريل هاينز التي عملت مع الشركة ما بين عامي 2017 ـ 2020. ويشرح سجلها في الشركة أنها قدمت “نصيحة استراتيجية” بشأن “المعايير السيبرانية” المتعلقة بتهديدات الأمن القومي؛ واختبار أنظمة التعلم الآلي وتقييمها والتحقق من صحتها والتحقق منها من قبل وزارة الدفاع”، لعملاء مثل Facebook وJPMorgan Chase وMicrosoft وOpen Philanthropy. كما إن نائب مدير وكالة الإستخبارات المركزية ديفيد س. كوهين كان عضوا في في “الفريق الأساسي” لـ WestExec إلى جانب هاينز وبلينكن. ثم هناك كريس إنغليس، الذي عين مديراً للأمن السبراني في حكومة بايدن.

ركزت WestExec خلال عمرها القصير، على تعزيز قدرات أجهزة الدفاع والاستخبارات وإنفاذ القانون. وقد تعاونت مع شركة Ridgeline الاستثمارية في وادي السيليكون. وهي على عكس بعض المستثمرين في مجال التكنولوجيا، الذين يتجنبون العمل مع الجيش الأميركي، اهتمت Ridgeline بالمنتجات العسكرية. وتظهر أسماء كل من كوهين وإنغليس على موقع Ridgeline الإلكتروني. ومن خلال العلاقة بين الشركتين، استثمر الوزير بلينكن في عدد من الشركات الاستثمارية التكنولوجية الناشئة التي تحمل أسماء غريبة : Agolo، وDoodle، وWalaroo، وما إلى ذلك، لكنها تبتكر تقنيات متقدمة مثل الطائرات بدون طيار، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات. ولا شك أن العمل في هذه القطاعات قد أثر على مهامهم الجديدة في الحكومة.

كما عملت جين بساكي، في شركة WestExec قبل أن تعين في عهد بايدن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض. كانت بساكي مستشارة بارزة في الشركة، حيث قامت باتصالات مع شركة AnyVision “الإسرائيلية” لبرامج التعرف علىى الوجوه. كما تولت ليزا موناكو منصب نائب المدعي العام الأميركي. وكانت قبلاً مستشارة في WestExec مع بلينكن، حيث عملت مع Boeing ومع SoftBank. أن مات أولسن الذي حصل على على ملايين الدولارات من عمله كمسؤول كبير في شركة “أوبر”، رشحه بايدن لمنصب مساعد المدعي العام في قسم الأمن القومي. كذلك أصبح إيلي راتنر مدير تطوير السياسة الصينية لوزارة الدفاع الأميركية بصفته مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وهناك أسماء عديدة أخرى جاءت من شركة WestExec، مثل غابرييل شيفيتز، وتولت منصب مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي. وإليزابيث روزنبرغ، التي عينت مساعداً لوزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب. كما يمتلئ مكتب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بمستشاري الشركة، ومنهم كولين توماس جنسن مديرة الأمن القومي في الوكالة.

 

لويد أوستن من “رايثيون”!

إن وزير دفاع بايدن لويد أوستن، كان قبل توزيره، يشغل منصب مدير مجلس إدارة شركة Raytheon Technologies العملاقة لصناعة الأسلحة. كان على أوستن أن يسحب استثماراته في “رايثيون” ويعزل نفسه لمدة عام قبل تعييه في منصبه الحالي. واعترف أوستن بمدى سوء تكليف بايدن عضواً في مجلس إدارة شركة مصنعة للأسلحة، لكي يقوم بإدارة وزارة الدفاع الأميركية. وتحدث في مذكرة رسمية عن وجوب “أخذ دورنا كمسؤولين جيدين عن أموال دافعي الضرائب وثقتهم”. وهذا الكلام يختلف عن الأفعال، لأن العقود التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات في الداخل والخارج، قد جعلت مصالح شركة “رايثيون” راسخة في كل جانب من جوانب عمل الوزير أوستن.

إن نظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”، الذي تستخدمه “إسرائيل” لاعتراض صواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية، هو من تصنيع شركة رايثيون. ويتشارك معها في الإنتاج “شركة رافائيل “الإسرائيلية لصناعة الأسلحة. وبعد صمت وجيز من تعيينه، عاد أوستن ليتابع خطته بشأن اقتناء وإعادة بناء مخزون الصواريخ “الإسرائيلية” مشيداً بسمعة “القبة الحديدية” التي أنقذت العديد من “الأرواح البريئة”، على حد زعمه.

لا ينحصر الأمر بتدوير أولئك الأشخاص معظم المال العام إلى القطاع الخاص بل بوضع السياسة العامة ذاتها بين يدي شركاته. أي بين يدي كبار الأثرياء و”لصوص الصفقات” ومحتكري المال في المجتمع الأميركي. ومثل الوزير لويد أوستين وصواريخ شركة “رايثيون”، يشبه المثل الآنف، عن كبرى الشركات الإحتكارية في قطاع صناعة الأدوية. حيث نجد أن مصالحها هي التي تعين سياسة إدارة بايدن في هذا القطاع. لقد صمت بايدن ومرؤوسيه رغم ما يملكون من سلطات، عن تلاعب هذه الشركات بصحة الأميركيين.

إن التراخي السياسي معها، قد أتاح لهذه الشركات وعددها 25 شركة، تسيطر على 70 بالمئة من مبيعات الأدوية، أن “ترفع معدل استهلاك الدواء للفرد الأميركي الواحد، إلى أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة مع ما يستهلك الفرد الواحد ولنفس الدواء في البلدان. والأسوأ، أن هذه الإحتكارات التي تجني أرباحاً هائلة، لأنها تعطي الأولوية لتسويق وبيع الأدوية، تستخدم المال العام الذي تحصل عليه من إدارة الرئيس بايدن لغرض البحث والتطوير العلمي والصناعي، تضيفه إلى ثرواتها الخاصة، وقد حولت المفاوضات مع الإدارة بشأن تسعير بعض الأدوية إلى “مهزلة”.

إن اعتماد إدارة بايدن على موظفي القطاع الخاص لتدبير أعمال الحكم، هو فساد سياسي، إذن، لأنه يولد ميزان قوى اجتماعي ـ سياسي في صالح الأقلية الغنية والثرية ضد الأكثرية الفقيرة من الشعب الأميركي. وهذا التمييز الإجتماعي/الطبقي، يضر بمصالحه ومصالح الشعوب الأخرى.

مركز الحقول للدراسات والنشر

‏الثلاثاء‏، 10‏ رمضان‏، 1445 الموافق ‏19‏ آذار‏، 2024

Please follow and like us:

COMMENTS