«في الصراع بيننا وبين الصهاينة، إنّ من يفوز في سرد الحكاية والتاريخ هو من يفوز بالمعركة». تأتي «الزعتر الأخير» (دار الفارابي) للكاتب والسياسي الفلسطيني المعروف مروان عبدالعال ضمن سلسلة اعماله الثماني التي تتمحور حول القضية الفلسطينية. تصدر الرواية عن «دار الفارابي» التي يحبها السياسي الفلسطيني، مشيراً إلى أن للدار فضلاً عليه، فهي «أطلقت رواياتي السابقة».
لكن لماذا «الزعتر الأخير»؟ يجيبنا: «الزعتر نبتة طاهرة لا تنبت إلا في القمم العالية بين الصخور، وتتمتع برائحة مميزة. أعتقد أنّ هناك معركة هوية على الزعتر حول ما إذا كان عبرانياً أو كنعانياً. والأهم أن الرواية تحكي قصة شخصية قريبة كثيراً مني، لكنني بنيت عليها الخيال، واستطعت أن أحولها بشكل أو بآخر إلى رواية. هناك تداخل بين ما هو واقعي وخيالي في رواياتي، وهو شيء مميز أسميه الواقعية السحرية. بطل الرواية كان راعياً في فلسطين، لكنه انغمس في الصراع والكفاح، ولم يتحول المنفى بالنسبة إليه إلى حالة نقص، بل إلى حالة تمرد.
ونتيجة الأحداث التي حلت به، أصيب بمرض نادر اسمه «الفرط في الاستذكار» حيث يذكر كل شيء، ويتمنى أن يخفّف من ثقل تلك الذكريات. أخذه الزمن إلى تل الزعتر. وللعلم، فإن أهالي تل الزعتر الذين ماتوا، لم يخبرونا بأي شيء، والرواية تنطلق من سؤال الموت: هل الموت يستطيع أن ينهي الذاكرة؟ لكن الذين عاشوا، لديهم تذكّر كبير وتحديداً لأحداث اليوم الأخير من تل الزعتر لأنه يوم الخديعة حين خرج الناس المدنيون وقتلوا بطريقة وحشية». هل لفرط التذكّر رابط مع فكرة «الزعتر الأخير»؟ يرد: «ذلك أمرٌ تجيب عنه الرواية». لكن لماذا «الأخير»؟ «الفكرة هنا مرتبطة بأكثر من شيء. هناك الكثير من الناس الذين خرجوا من فلسطين يعتبرون أن آخر رمان تذوقوه في حياتهم كان في فلسطين، ولا يأكلون الفاكهة. هو نوع من الحنين، فالأخير تعني الحبيب الأخير، وأحياناً الجرح الأخير، والجرح الذي لا أريده أن يتكرر. هذا المنفى يتكرر، لكن الألم والجرح لا يجب أن يتكررا».
استغرقت كتابة هذه الرواية أكثر من عامين، لكنّ فكرتها راودت الكاتب قبل ذلك بكثير. يعرف أن الثقل كبير عليه وعلى أي كاتب ينتمي إلى توجهه الفكري، فالمقارنة مع غسان كنفاني ورعيل الكتّاب الأوّل ثقيل. إلا أنّ عبد العال يرفض فكرة «الوراثة». يعلّق: «لا وراثة في الأدب. التوريث قد يحصل في السياسة والإقطاع السياسي، لكنه لا يمكن أن يحصل في الثقافة ولا في الرواية ولا الأدب. هناك ظروف مختلفة تماماً تصنع تجربة أي مثقف أو أديب. بالنسبة إليّ، الإبداع هو إضافة، والوفاء لغسان هو إضافة. هذا هو التحدي الجدي».
لم يكن عبد العال يتوقع أن يصبح روائياً، وها هو اليوم يعمل لإكمال روايته الاولى «سفر أيوب». يقول لنا: «أول كتاب لي صدر بالمصادفة من دمشق، وتحديداً عن «دار كنعان» هو «سفر أيوب». لم يكن في بالي أن أصبح روائياً، لكنني أمتلك ذاكرة شفوية جمعتها من الروائيين الأوائل في حياتي وهم والدتي وجدتي وجدي ووالدي الذي كان مهتماً كثيراً بالكتب وكان رساماً. و«سفر أيوب» كانت روايتي الأولى التي كتبت فيها حكايا من فلسطين بما فيها حكايات جدي الذي خرج بطريقة غريبة مع فرسه الأبيض. هي سفر من «الأسفار» ورحلة الأسفار لا أعتبرها انتهت، فهي رواية مستمرة. أعتبر بأنّ معركتنا مع الاسرائيلي تكمن أيضاً في السرد. الرواية الفلسطينية أصيلة بنت المكان والزمان، والأهم يجب أن نقدم أدباً لائقاً ومقاوماً. أعتبر أن كل أدب مبدع هو أدب مقاوم. أنا تعلمت شيئاً من الأدباء السابقين، فمحمود درويش كان يقول إنّ «الأدب الرديء مثل السلاح الرديء»».
ملاحظة : جرى حفل توقيع رواية «الزعتر الأخير» لمروان عبدالعال، يوم الاثنين 4 كانون الأول/ ديسمبر، 2017، في معرض بيروت للكتاب، جناح دار الفارابي
عبد الرحمن جاسم
نقلاً عن "الأخبار" اللبنانية، الخميس ٣٠ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٧