لماذا تفضل أميركا منح اليابان وألمانيا “مقعدين دائمين” في “مجلس الأمن الدولي”؟

لماذا تفضل أميركا منح اليابان وألمانيا “مقعدين دائمين” في “مجلس الأمن الدولي”؟

السيناريست جورج عربجي: على الدراما أن تحمل مقولة ورسالة
نص البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري في مدينة سوتشي
الذكرى الـ104 : التركي ذبح الأرمن والسريان لأنهم وقفوا بوجه المشروع الطوراني

ينوي الأميركيون تحريك اقتراح زيادة عدد أعضاء “مجلس الأمن الدولي” التابع لـ”هيئة الأمم المتحدة”. وهذا الإقتراح ليس أميركياً. فقد طرح مراراً أثناء دورات “الجمعية العامة” السنوية، في كلمات ممثلي “حركة عدم الإنحياز” و”جامعة الدول العربية” و”الإتحاد الإفريقي” وكذلك، بلدان أميركا اللاتينية، وأكبرها البرازيل. فهذه الكتلة الدولية تجتمع على رؤى متقاربة بشأن “إصلاح نظام العضوية والتصويت في المجلس”، والتشارك في إدارة مؤسسات “هيئة الأمم المتحدة”، لا سيما “مجلس الأمن”، وفق مبدأ المساواة بين حقوق الأعضاء.

لكن واشنطن لا تكترث للحق. فهي تريد حصر قائمة “الأعضاء الدائمين” الجدد في “المجلس” بكلٍّ من اليابان وألمانيا. ولقد أعلنت صراحة، عن دعمها لمنح طوكيو “مقعداً دائماً” فيه، وكذلك برلين التي ينظر حكامها إلى الحصول على “المقعد الدائم” “مجلس الأمن”، كـ”ذروة مطامح السياسة الخارجية الألمانية”، وفق ما ذكر المحرر التنفيذي لمجلة “International Politik Quarterly”. أما بقية الدول التي ترشحت أو رُشحت للدخول إلى “نادي الكبار” في العالم، كالهند والبرازيل ومصر ونيجيريا، “فلْتَقْبَع على العتبة”.

وهذا التقدير السياسي لا تبدله تلك الأقوال الرسمية التي تشيعها واشنطن عن موافقتها على دخول الهند إلى “مجلس الأمن” كـ”عضو دائم”، ولا تلك الكلمات الغامضة التي تطلقها، عن قبولها دخول البرازيل إليه أيضاً. فهذه الأقوال يكاد يستحيل على الأميركيين أن ينقلوها إلى واقع الأفعال، وهم يعاينون الوجود التأسيسي الوازن لكلٍ من نيودلهي وبرازيليا، في المنظومات الدولية الجديدة الموازية لـ”الأمم المتحدة”، وتحديداً تكتل “بريكس”. ودأب كلا البلدين على مساندة الجهود الروسية ـ الصينية، لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب.

إن تفضيل الولايات المتحدة الأميركية اليابان وألمانيا على الهند والبرزايل وحتى مصر ونيجيريا، يقع في صلب جدول الأعمال الذي أعدته واشنطن من أجل السيطرة على ديناميات توازن القوى الدولي الراهن. فإذا نظرنا إلى أحوال هاتين الدولتين، سنجد أنهما ناقصتي السيادة. فأميركا تملك السلطة العليا في كل ما يتعلق بتخطيط وقيادة السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية لليابان ولألمانيا. وقواعد القوات المسلحة الأميركية، تعمل على أراضي اليابان وألمانيا بكل وظائفها العسكرية الحربية والإستخبارية، كـ”دولة قواعد في دولة”.

في أوكيناوا اليابانية، مثلاً، حيث تنتشر “دولة القواعد”، يتظاهر اليابانيون المحليون احتجاجاً على الإعتداءات الجنسية المتكررة التي يرتكبها الجنود الأميركيون بحق بناتهم. وهذه القواعد في اليابان وكوريا الجنوبية أيضاً، أصبحت ركيزة التحالف الحربي الثلاثي الذي أنشئ مؤخراً، بين جيوش الأميركيين واليابانيين وكوريا الجنوبية. ويستهدف مواجهة الصين، وكوريا الديمقراطية وكذلك، روسيا.

أما القاعدة العسكرية الجوية في رامشتاين في ألمانيا، فإن الأميركيين قد أنشأوا فيها “مركز تحكم للغارات (العدوانية) الجوية التي تشنها الطائرات بدون طيار على اليمن ودول أخرى”، لم تحددها المصادر الألمانية بالإسم. لكن النشاط الحربي الأميركي على الأراضي الألمانية، حفز بعض الألمان على “اتهام حكومة المستشار أولاف شولتس بالتواطؤ في عمليات القتل خارج نطاق القضاء التي تنفذها الولايات المتحدة”. وبالإضافة إلى قاعدة بوشل التي تأوي 20 سلاحاً نووياً أميركياً، هناك في ألمانيا قاعدة غرافنور في بافاريا، بالقرب من الحدود مع تشيكيا، هي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في العالم وتبلغ مساحتها 360 كلم2، أي ما يعادل مساحدة قطاع غزة في فلسطين المحتلة.

إن توسع التحالفات الحربية العالمية باتت من خصائص المرحلة الإنتقالية في النظام الدولي المعاصر، حيث نشهد انتقالاً من النظام الأحادي القطب الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة الأميركية، إلى النظام التعددي القطب الوليد الذي يتصدره مربع القوة الأوراسي المؤلف من روسيا وإيران والصين وكوريا الديمقراطية.

بهذا الوضع تبدو الحركة الأميركية حول “مجلس الأمن”، باقتراح “إضافة أعضاء دائمين” إليه، وتحديداً اليابان وألمانيا، مجرد عمل مكشوف لزيادة نفوذ الولايات المتحدة في “الأمم المتحدة”. وفي الوقت نفسه، وعلى المدى الأبعد، فإن ما يبدو أنه الخطة الأميركية إلى “إصلاح الأمم المتحدة”، إنما هي إحدى وسائل كبح أو عرقلة ديناميات الإنتقال بين النظامين الدوليين الأحادي والتعددي.

إن هذه الديناميات متسارعة بعنف ملحوظ، كما نرى في أوكرانيا وقطاع غزة، ولبنان واليمن والعراق وسوريا، وكذلك في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. وهذه الديناميات تمتص موارد نظام الهيمنة الأميركية في العالم وتستنزفها. كما أنها تنال من قدرة الولايات المتحدة على “القيادة العالمية” التي نادى بها “المحافظون الجدد” الأميركيون أمثال اليهودي الصهيوني ريتشارد هاس وغيره، وحاربوا لكي يفرضوها على العالم قبل أن يهزموا.

إن آخر الأدلة الساطعة على ضعف الكبح الأميركي لهذه الديناميات، هو انقسام أعضاء “مجلس الأمن” بين “حزب إطلاق النار على غزة” بقيادة الولايات المتحدة، و”حزب وقف إطلاق النار على غزة” بقيادة مربع القوة الأوراسي. وبالطبع، فإن خروج الولايات المتحدة (و”إسرائيل”) و”الأطلسيين” على “القانون الدولي” في غزة ليس جديداً، وهو يتنافى مع مزاعمهم عن “إصلاح الأمم المتحدة”. لكن الجديد هو إصرار “الأوراسيين” على “السعي المشترك لقيام نظام عالمي متعدد الأقطاب، والامتثال الكامل للقانون الدولي والحفاظ على مركزية الأمم المتحدة”.

 

مركز الحقول للدراسات والنشر

‏الخميس‏، 13 محرم‏، 1446 الموافق ‏19 تموز‏، 2024

Please follow and like us:

COMMENTS