أيمن العتوم… مجزرة غزة في البازار الروائي

أيمن العتوم… مجزرة غزة في البازار الروائي

سوريا : علي العنتبلي الذي يصنع المحاريث وقطع المعدات الزراعية
طهران تعلن عن أول رد انتقامي صاروخي على عملية اغتيال الفريق قاسم سليماني ورفاقه
محمد جمال باروت: فصول من العلاقات العربية ـ التركية

«القرّاء الأعزاء يمكنكم الحصول على روايتي الجديدة، رواية «الرعب» التي تتحدّث عن الحرب في غزّة، موقّعةً كلّ واحدٍ باسمه، وستصلكم إن شاء الله تعالى أينما كنتم في أيّ مكانٍ في تركيا، إلى منزلكم». الكلام السابق مأخوذ بالحرف عن فيديو حديث ظهر فيه الروائي الأردني أيمن العتوم داعياً قرّاءه إلى فرصة نادرة تمكّنهم من الحصول على روايته الجديدة «الرعب، حكاية الحرب في غزة 2023 – 2024»، واختَتم العتوم الفيديو بابتسامةٍ صادقة وحقيقيّة مردِفاً معها «مرحباً بكم».ولأننا نفتقد تلك الفرصة النادرة بالحصول على الرواية موقعةً بأسمائنا، ولأنّ منازلنا بعيدة ولا يمكن أن تُرسل صفحات الدرّ الثمين هذا إلينا، وبالتالي محرومون من رؤية ابتسامة العتوم فرِحاً بإصداره الأدبي الأحدث في معارض الكتاب عن قرب، فليس من سبيل إذن لمعرفة ما تسرده الرواية إلّا عبر المراجعات القليلة التي يضعها قرّاء العتوم في كلّ مكان، مُرفقين معها «استغرابهم» وفي أحيان أخرى كثيرة «دهشتهم» من المؤامرة الهجومية الكونية التي يقوم بها أعداء الأدب ضد العتوم، المُنتصِر لغزة والمُتابع عن كثب كلّ يوم من «أيام الحرب فيها» منذ السابع من أكتوبر، حتى لحظة إصدار الرواية.
وملخّص الرواية تلك، المنتشر والمعروف عنها حتى الآن، هو التالي: «تتحدث الرّواية عن الحرب في غزّة، التي بدأتْ في السّابع من أكتوبر عام 2023. تتناول الرواية الحرب من أبعادها الإنسانيّة والاجتِماعيّة، وتتحدّث عن المعاناة التي يعيشُها أهل غزّة على الأصعدة كافّة. تُخصِّصُ الرواية جزءاً من سرديّتها لمعاناة المرأة الغزّيّة، وفداحة الآلام التي تعانيها بصمتٍ؛ ذلك الجزء الذي لا يظهر في وسائل الإعلام، ولا تتناقله أخبارها. كما تكشفُ عن مدى صمودِ الغزّي أمام آلة القتل الهمجيّة، والترسانة العسكريّة، وتشبُّثِه بأرضِه رغم محاولات الاقتِلاع والتهجير، وعن عقيدة الغزّي القتاليّة، وصبره الذي يفوق صبر الجِبال، وعن طُول نَفَسِ المُقاومة للمحتلّ، وعدم القبول به مهما بلغتِ الضغوط، أو مهما طال الأمد. الرواية تَكتبُ بحروفٍ من دمٍ، لأنّها تتحدّث عن الدم الذي يُراق بلا حساب ولا محاسبة، وتختار قلمَ العزّة والكرامة في مواجهة الإذلال والإهانة، وتحاول أنْ تُبيّن الفارق بين صاحب الأرض وسارقها، بينَ مَنْ يزرع الورد ومَنْ يزرع الشّوك، بينَ مَنْ يسمح للعصافير بأنْ تُغنّي وبين مَنْ يحبسُها. يتقاسم بطولة الرّواية الممرّض (فرج أبو العُوف) الذي يتنقّل بين معظم مستشفيات غزّة يُداوي الجرحى ويحاول إنقاذهم ويمسح على أحزانهم، و(سلام) الصحافيّة التي تنقل ما تشاهده من فظائع وترافق فرج في مسيرته الطويلة». وربما تحصل بين الممرض والصحافية قصة حب، يلطّف بها العتوم أجواء الرواية، ويخفف عن قلب قارئه كي لا يثقل كاهله بـ «حكاية الحرب في غزة».
بادئ ذي بدء، لا بد من التوضيح أنّه ليس ثمة حقّ لأحد بمصادرة حقّ أحدٍ آخر بالكتابة، أياً يكن ذلك الذي يريد الكتابة عنه. المسألة إذن ليست منطلقة من نقاش يتعلّق بمدى أحقية العتوم أو غيره بالكتابة عن غزة، ولا منطلقة من موقفه الشخصي أو تطويعه للأدب في خدمة انتمائه للإسلام السياسي، فذلك حقه، وله قرّاؤه. ثانياً، تنطلق الكتابة عن رواية العتوم هذه من عنوانها، إذ يمكن محاكمة الخطاب الروائي من عتبته، مفتاحه، أي: عنوانه، سيّما إن ادّعى هذا الخطاب أنه سرديّة شبه وثائقية عن حدثٍ جلل ومأساوي. فعلاقة العنوان بالخطاب، أو بالمتن الروائي، في حالاتٍ كثيرة، هي علاقة تفاعلية انسجامية، إما تمطيط له أو تلخيص لمضمونه وإضاءة لبؤرته.
والعنوان دال، أفق، أو أفق توقّع، وهو علامة ناجزة، علامة لغوية أولى يتلقاها القارئ فيبني عليها، والعنوان مؤشر تعريفي وتحديدي، وهو الذي يمنح النص كينونته، وهو الجزء الدال من النص كله، هو الجزء الظاهر (إلى جانب الغلاف)، بالتالي هو واجهته الأدبية: تعريفه، ويمارس على قارئه إكراهاً أدبياً إما من أجل القبول أو الرفض. وبوصفه علامةً لغويةً، والنقطة الوحيدة الظاهرة، فإنّه (أي العنوان) تدليل، وهو نقطة الوصل بين النص والعالَم. وختاماً فإنّ العنوان هو الذي يمنح للنص هويته، وفي المناهج النقدية الحديثة مثل ما بعد البنيوية والسيميائية، تمّ اعتباره نصاً صغيراً قائماً، يؤدي وظائف شكلية ودلالية وجمالية تنبثق عنه دلالات تمتد إلى مفاصل النص.
«الرعب، حكاية الحرب في غزة 2023 – 2024»، يصدّر العتوم روايته بالعنوان السابق، وبغلاف أقرب إلى الأغلفة القوطية. لن نعنى بالغلاف ولا بالكلمة الأولى من العنوان، بل يعنينا ما يجيء بعدها «حكاية الحرب في غزة» ثم تعيين الزمن لأحداث الرواية «2023 – 2024».
وكلمة «حكاية» في التعريفات كلمة تشترط انتهاءً، أي إنها رويٌ شفاهي أو كتابي لحدثٍ وقع وانتهى، وفي معجم المعاني فإنها: «رواية الكلام على ما جرى عليه»، وشرط الحكاية أن تروي تفاصيلَ حدثٍ واقعيّ أو مُتخيّل، لكنه حدثٌ منتهٍ، لأنّ شرطها الآخر أيضاً أن تصل إلى نهايتها. وعنونة «حكاية» في السياق الغزّي يعني أنّ الإبادة وقعت، ويعني أنّ صرخات «وين نروح» التي يصرخها الغزيّون هي صرخات من الماضي، لا الآن وهنا.
الشيء الآخر في العنوان، بعد تعيين «الحكاية»، هو كلمة «الحرب». فالرواية تدّعي من عتبتها أن تروي «حكاية الحرب»، والحرب في المعجم قتالٌ بين فئتين، ومن تعريفاتها أنها تشترط قوتين متكافئتين أو متعادلتين، يعني ذلك أنه لا يمكن توصيف مقلاع في وجه دبّابة بـ «الحرب»، ولا قذيفة محلية الصنع بقنابل وصواريخ من شتى الأنواع بـ «الحرب». وفي القانون الدولي العام، موجوداً كان أم غير موجود، شرط كلمة «الحرب» أن تكون بين الدول، وأنها نزاعٌ مسلّح بين فريقين، يشترط فيها الدفاع عن المصالح والأهداف والحقوق، وهذا جزءٌ من تعريفها. ولكنها، ليست على الإطلاق، أكثر من 130 ألف شهيد و 10 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، مقابل «جيش» يسلّحه، تقريباً، العالَم. الحرب إذن بعيدة، لغةً واصطلاحاً ومعنىً عن المجزرة، بعيدة عن الإبادة وعن المحرقة والتطهير العرقي. وإلّا كان يمكن لإيلان بابيه أن يعنون كتابه بـ «الحرب في فلسطين» عوضاً عن «التطهير العرقي في فلسطين»، ويمكن لمايكل بالومبو اختيار العنوان نفسه بديلاً لـ «الكارثة الفلسطينية».
وعنوان الرواية، بوصفه مدخلاً إلى النص، يحدّد فضاءها أيضاً بحرف الجرّ المُستخدَم، فهنا الحرب «في» غزة لا «على» غزة. غزة إذن فضاءٌ تحدث فيه الحرب، مكانٌ مُعيّن، وقع فيه الحدث، لا عليه. والفرق هائل بين «في» و «على»، معنىً ومبنىً. إذ الحرب في غزة والحرب على غزة معنيان مختلفان، والحرب «فيها» في واحدٍ من إمكانيتها تغيّب أنها «عليها». وإن غُيِّبَت «عليها» تبقى غزة مكاناً لا على التعيين، مكاناً وقعت فيه حرب، ثم ماذا؟ كانت الحرب التي وقعت في هذا المكان ممتدة بين 2023 – 2024 كما يعيّن المؤلف في عنوانه، وفي تحديد زمن انتهائها، وفي تحديد زمنها القولُ إنها رواية الكلام على ما جرى عليه. ها هنا العنوان نصٌّ صغير قائم بالفعل، ولكنه لا يقول أيَّ شيءٍ مما ينبغي قوله.

يوسف شرقاوي، الأخبار، الخميس 5 أيلول 2024

Please follow and like us:

COMMENTS