بيان / خاص الحقول ـ الوطن العربي : أصدرت مجموعة من الكتاب والمثقفين بياناً، جاء رداً على الحملة المفتوحة ضد المقاومة والداعية إلى الاستسلام للضغوط الأميركية والإسرائيلية على الشعب الفلسطيني. وجاء في البيان:
قبل قرن ونصف قرن تقريباً، في بداية عام 1881، أسست مجموعة من اليهود الأشكناز الصهاينة في مدينة مونستي في رومانيا «جمعية استعمار فلسطين»، من أجل الإشراف على تمويل وتنظيم نقل المستوطنين الأوروبيين اليهود إلى فلسطين وتأسيس أول مجموعة من المستوطنات الصهيونية.
هكذا بدأت الحملة الأولى للاستيطان الصهيوني لفلسطين في أعقاب فشل وانهيار تجربتي مستوطنتي «بتاح تكفا» و«جاي أوني» (التي أقيمت على أراضي قرية الجاعونة الفلسطينية) السابقة عام 1878.
كان فشل التجربة الأولى نتيجة لمزيج من المقاومة العربية الفلسطينية البطولية وأسباب بيئية تُذكر بفشل وهزيمة التجربة الصليبية الأوروبية في الشرق العربي، والتي تؤكد استحالة استقرار واستدامة إقامة أي كيان استيطاني أوروبي الطابع في بيئة غير أوروبية.
كانت المستوطنة الأولى التي تم تأسيسها في هذه الحملة هي «ريشون لتسيون» (الأولى في صهيون)، التي أسسها مستوطنون يهود أوروبيون من روسيا ورومانيا، بتمويل سخي من الصهيوني تسفي ليفونتين، شقيق رئيس جمعية الاستيطان، على بُعد حوالى اثني عشر كيلومتراً جنوب شرق مدينة يافا في 31 تموز/يوليو.
بعدها بعدة أشهر، في 16 ديسمبر 1882، وبعد تأسيس مستوطنات أخرى عدة، قام الصهيوني الفرنسي «ادموند روتشيلد» بتمويل تأسيس مستوطنة «زخرون يعقوب».
ثم توالت الموجات الاستيطانية في الحملة الأولى التي استمرت من 1882 حتى عام 1904، حين بدأت الحملة الاستيطانية الثانية التي استمرت بدورها حتى عام 1917 وأسست لنموذج استعماري استيطاني إبادي غير مسبوق في التاريخ الحديث.
ففي سجلات الاستعمار الاستيطاني التي عرفتها البشرية وتضمنت حملات إبادة للسكان الأصليين، خصوصاً في أميركا الشمالية وأستراليا، وحتى مقارنة أيضاً بغيرهما من نماذج وحملات الاستعمار الاستيطاني الأوروبي الأخرى (كما في هايتي وجنوب أفريقيا والجزائر)، شَكَلتْ الصهيونية الاستعمارية ولا تزال مثالاً ونموذجاً لا يُضاهى في مستوى التخطيط المُسبق والمُتعمّد والصريح للاستيطان وسلب الأراضي والإبادة البنيوية والتطهير العرقي.
فبخلاف الحالة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية في فلسطين، لم تكن أي من المشاريع الاستيطانية الأخرى، خصوصاً تلك التي تضمنت إبادة السكان الأصليين، كما في النموذجين الإباديين في أمريكا الشمالية وأستراليا تحديداً، مصحوبة بأرشيف كامل من الخطط والكتابات المفصلة بدقة وشمولية ووضوح حول ضرورة القضاء على السكان الأصليين وإبادتهم.
ورغم أن نتيجة الاستعمار الاستيطاني لفلسطين لم ولا تحدث في نطاق الأيديولوجيا المجردة، ولا على الورق والخرائط والخطط، بل تحديداً عند نقطة التماس بين السلطة والأرض والسكان، فإن هذه السمة تشير أيضاً إلى مدى اختلاف الصهيونية عن سابقتيها الأسترالية والأمريكية من حيث شدة تركيزها، وحتى تركيزها المُفرط جداً على الإبادة المنهجية والبنيوية للشعب الفلسطيني بشكل لم تعرفه أي تجربة استعمارية استيطانية أخرى.
فالصهيونية، كما يشير ويجمع أهم خبراء وباحثي علم الاستعمار المقارن، تتميز من بين كل التجارب الاستيطانية الإبادية «بتشكيل ممارسة حصرية لمنطق الإبادة الاستيطاني أكثر مما عرفه العالم في المثالين الأسترالي والأمريكي» الأكثر شراسة حتى الصهيونية. فلم تعرف أي تجربة استعمارية استيطانية قط مثل تلك السلسلة الطويلة من البنى الخطابية والأيديولوجية والنفسية الاجتماعية التي تنفرد بها الصهيونية عن غيرها وبإصرارها العنيد منذ البداية على الإبادة الشاملة والكاملة للشعب الفلسطيني.
لكن المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين لم يكن ممكناً، تماماً كما جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي تعرض لها الشعب الفلسطيني ولا يزال منذ أكثر من قرن على الحملة الاستيطانية الأولى، فقط بسبب الدور الذي لعبته المنظمات الصهيونية في أوروبا وأميركا الشمالية، ولاحقاً في فلسطين، أو فقط بقدراتها الذاتية.
ففي الثاني من نوفمبر 1917، أقدمت الحكومة البريطانية على إصدار وعد بلفور المشؤوم فقط بعد موافقة وتبني الولايات المتحدة، القوة الكونية المهيمنة الجديدة والصاعدة، الكامل للمشروع الصهيوني.
كان التبني الأميركي خصوصاً، والغربي عموماً، والدعم المطلق والشامل للمشروع الصهيوني في قلب الوطن العربي، خصوصاً في أعقاب الحرب العالمية الأولى ودخول العالم دورة هيمنة كونية جديدة، حاسماً جداً في المسارات التي أخذها الصراع العربي-الصهيوني وفي المصير والاحتمالات الرهيبة التي واجهها الشعب الفلسطيني.
فهكذا أصبح المشروع الصهيوني يستند إلى تبني ودعم منظومة السلطة الكونية الجديدة التي تشكلت في أعقاب الحربين العالميتين، ما يفسر الأحداث الكبرى والمحورية التي مرت بها القضية الفلسطينية بدءاً بمحاربة الثورة الكبرى في فلسطين (1936-1939)، مروراً بتمرير قرار تقسيم فلسطين في الجمعية العامة بالترهيب والابتزاز والرشوة للحصول على ثلثي الأصوات، إلى النكبة وما رافقها من مجازر وتطهير عرقي في 1948، وحتى النكسة وما رافقها من مجازر وتطهير عرقي في 1967، ثم حرب تشرين/أكتوبر 1973، غزو لبنان وما رافقه من مجازر عام 1982، وصولاً إلى حروب الإبادة التي تشن على أهلنا في غزة وفلسطين منذ أكثر من عام ونصف عام، والعدوان الهمجي المستمر على لبنان واليمن وسوريا وتضطلع الولايات المتحدة والغرب بدور مركزي واضح فيها.
ولم يكن المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين أيضاً ممكناً، تماماً كما جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، أيضاً بسبب التبني والدعم الأميركي والغربي والمطلق فقط، بغض النظر عن مداه وشموليته وهمجيته.
ففي الثالث من كانون الثاني/يناير 1916 أطلقت اتفاقية سايكس – بيكو الفرنسية البريطانية (وبموافقة كل من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا) بتقسيمها منطقة الهلال الخصيب وتحديدها لمناطق النفوذ الاستعماري في المنطقة العربية مسار تقسيم الوطن العربي ووضعت الأسس لمنظومة عربية تابعة ومستعمَرة ترتبط مصالح القائمين عليها وقدرتهم على إعادة إنتاج سلطتهم ومصالحهم بشبكة كونية هائلة من المصالح قائمة على تقسيم الوطن العربي واستعمار فلسطين.
فهذه الاتفاقية المشؤومة لم تكن مجرد خرائط تقسيم وتقاسم نفوذ غربي استعماري فقط، بل استولدت أيضاً مصالح قُطرية وإقليمية وعالمية هائلة عملت وتعمل بشراسة ووحشية على استدامة تقسيم الوطن العربي والعمل باستمرار على إعادة إنتاج التنظيم الإستراتيجي (التقسيم) للإقليم الذي أصبح يتضمن أيضاً وجود الكيان الصهيوني في أعقاب نكبة العرب في فلسطين في 1948.
هكذا بدأ التأسيس مبكراً للترابط البنيوي والجذري العميق الذي نراه اليوم بوضوح بين مصالح وأهداف وسياسات بعض الشرائح القطرية العربية الحاكمة، التي تستمر بالدفاع بشراسة عن التقسيم من أجل إعادة إنتاج مصالحها وسلطتها، والكيان الصهيوني، لدرجة مشاركتها فعلياً في العدوان على الشعب الفلسطيني في أوج حروب الإبادة، والتآمر على قوى المقاومة العربية التي ساندت الشعب الفلسطيني، وحتى إسناد الكيان الصهيوني بلا أي خجل.
كان المشروع الغربي والصهيوني الإبادي في فلسطين يهدف منذ البداية إلى «إعادة تشكيل»، أو «إعادة تأسيس» واستبدال فلسطين العربية بـ «إسرائيل». لكن ذلك لم يتطلب ويفترض إبادة الشعب الفلسطيني فقط كما كان الكيان الصهيوني يفعل على الدوام.
ولم يتطلب ذلك أيضاً حتى محواً منهجياً وإلغاءً تاماً وتدميراً لفلسطين الحقيقية فحسب (كما حصل في كل الحروب قبل وأثناء وبعد النكبة)، بل تطلب وافترض أيضاً محو وإلغاء فكرة فلسطين ذاتها ومحو تاريخها الطويل وفق الفكرة العبثية المطلقة للادعاء الصهيوني بأن «تاريخ فلسطين هو فقط تاريخ اليهود في فلسطين»، رغم أن التاريخ اليهودي في فلسطين هو مجرد لحظة وجيزة للغاية في تاريخ أطول بكثير لفلسطين (ستون عاماً فقط قبل ألفي عام، سبقتها أربعة آلاف عام أخرى من التاريخ الطويل والغني والعريق)، ورغم أنه (أي التاريخ اليهودي) لم يكن مطلقاً حدثاً فريداً في تاريخ فلسطين الطويل – كان هذا التاريخ الوجيز وغير الاستثنائي في فلسطين مجرد تكرار لنمط اجتماعي اقتصادي حدث مراراً وتكراراً في تاريخ طويل جداً ونتج منه حضارات وثقافات وتقاليد عدة ومتعددة ربما يكون التاريخ اليهودي أقلها أهمية وشأناً وأقلها استدامة على مدى أكثر من سبعة آلاف عام من التاريخ بالحد الأدنى.
ولأن الصراع الراهن هو صراع حديث بين العرب، أصحاب الأرض الأصليين، وحركة استعمارية استيطانية أوروبية حديثة (كغيرها من الحركات الاستعمارية الأوروبية منذ القرن التاسع عشر)، فإن أي استحضار وتزوير للتاريخ القديم ليس إلا أداة لتبرير الإبادة الثقافية والسياسية للعرب في فلسطين لتترافق وتتوافق مع حملات الإبادة الجسدية للشعب الفلسطيني والتدمير المنهجي لأي وجود عربي على أرض فلسطين.
المقاومة الطريق إلى
… ومنذ كانون الثاني عام 1881، مع تأسيس «جمعية استعمار فلسطين» وبدء الحملة الاستيطانية الصهيونية الأولى في 1882، ولاحقاً المنظمة الصهيونية في 1897، والوكالة اليهودية في 1929، وكذلك صدور وعد بلفور البريطاني-الأميركي 1917، واتفاقية سايكس-بيكو 1916، كنتائج للحرب العالمية الأولى، افترضت الحركة الصهيونية توفر بيئة إستراتيجية عالمية وحتى أسس لمنظومة إقليمية وعربية تابعة ومستعمَرة مؤاتية ومناسبة لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني وإبادة الشعب الفلسطيني بمشاركة ثالوث العدوان والشر المتمثل بالحركة الصهيونية، الإمبريالية الغربية، والرجعية العربية. ولهذا بالضبط، ومنذ اللحظة الأولى للصراع الراهن، تميزت قضية فلسطين ولا تزال بأبعاد كونية إنسانية وعربية تختزل كل ما في هذا العالم والمنطقة من شرور، وترتبط وتتشابك، بالتالي، بنيوياً وجذرياً مع كل قضايا الاضطهاد والظلم والاستغلال في العالم والمنطقة.
ومنذ اللحظة الأولى للحملة الأولى للاستيطان الصهيوني أدرك الشعب الفلسطيني طبيعة التحدي الوجودي الذي يواجهه وأدرك جدياً مدى خطورته، وأبدى، بالتالي، استعداداً هائلاً ونادراً للمقاومة والتضحية دفاعاً عن أرضه ووجوده واستمراره وحتى عن مجرد حقه في الحياة.
فالذاكرة الثورية للمقاومة الفلسطينية الحديثة ضد المشروع الصهيوني، كما الوعي العروبي في فلسطين وانتماء أهلها إلى هذا العمق الإستراتيجي الذي من المفترض أن يشكل رأس حربة مقاومة المشروع الصهيوني، تعود حتى إلى ما قبل عام 1886 حين حصلت المواجهة الأولى بين مقاومي قريتي الخضيرة والملبس والمستوطنين الصهاينة الأوروبيين الأوائل في المستوطنة الصهيونية الأولى على أرض فلسطين (بتاح تكفا)، إلى انتفاضة القدس ويافا عام 1881 وإلى هبات التضامن مع ثورة عرابي في مصر، وبعدها ثورة المهدي في السودان 1884.
فلم تكن المقاومة، كما أدرك الشعب الفلسطيني بحكم التجربة الطويلة، والوعي الناشئ عنها، مجرد خيار من ضمن خيارات أخرى، أو حتى مجرد تعبير عن حالة وجدانية بفعل المشاعر الوطنية والقومية والدينية. فمشروع الإبادة والاستعمار الاستيطاني كان ولا يزال قائماً وسيظل مستمراً بمعزل عن المقاومة.
ففي تناقض صارخ، تميزت الصهيونية الاستعمارية حتى عن تجارب الإبادة الأخرى بحق السكان الأصليين في أميركا الشمالية وأستراليا، ليس فقط بالتركيز المفرط على الإبادة المنهجية (والترانسفير هو المفهوم المستخدم بوضوح منذ البداية)، بل في كونها التجربة الاستيطانية الوحيدة التي تتبنى التمييز الغريب بين المواطنة والقومية.
فأبناء الأمة، بعكس كل دول العالم، ليسوا مواطني الدولة، أو من يحملون جنسيتها، بل اليهود فقط. فـ «لا توجد أمة إسرائيلية منفصلة عن الشعب اليهودي»، كما قضت المحكمة الصهيونية العليا.
وبالتالي فمواطنو الكيان ليسوا من يحملون الجنسية (كما يعتقد من يفترض أن القضية هي قضية مساواة وحقوق مدنية وليست استعماراً استيطانياً إبادياً) بل الجنسية اليهودية (أي إنها مشروطة بيهوديتهم)، وهو ما أكده أخيراً قانون القومية الصهيوني الصادر في عام 2018 (قبل «طوفان الأقصى») وقانون العودة الصهيوني 1950.
لهذا، من المنطقي أن تستند الحاجة الوجودية للمقاومة إلى تجربة طويلة تؤكد أن الاستسلام، وحتى التراجع، وإظهار الضعف، لن تفعل أكثر من زيادة شهية الكيان الصهيوني للقتل والتدمير والإبادة والاستيطان.
لكن، ورغم أن البيئة الإستراتيجية العالمية والإقليمية (الهيمنة الأميركية والغربية المطلقة على العالم وطبيعة المنظومة العربية المستعمَرة والتابعة) وفّرت الشروط الضرورية لمسار صعود المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، والذي تضمّن سلسلة طويلة من جرائم الإبادة والتطهير العرقي، إلا أن الشعب الفلسطيني لم يتردد في المقاومة والدفاع عن وجوده لأكثر من قرن وقدم تضحيات وأثماناً هائلة تضمنت مئات آلاف الشهداء وملايين الأسرى والجرحى.
فرغم الاختلال الهائل في موازين القوى المادية والأيديولوجية لصالح العدو، ورغم انحياز الشروط الموضوعية العالمية والإقليمية المطلق لصالح المشروع الصهيوني، تمكنت المقاومة الفلسطينية والعربية ولأكثر من قرن من منع اكتمال الهيمنة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية.
هذا هو الأثر العظيم للمقاومة وإنجازها الأهم، وهو مساحة أمل كبيرة يتوجب البناء عليها، خصوصاً إن أدركنا أن الشروط الموضوعية، عالمياً وإقليمياً ومحلياً، والتي أثّرت في تشكيل المسارات الإستراتيجية للصراع على مدى القرن السابق بدأت تتغير. فرغم ارتفاع حدة ودموية المواجهة مع العدو الصهيوني، فإن المقاييس الموضوعية لمؤشرات قياس القوة الكونية تفيد بلا أدنى شك دخول المنظومة الكونية المنحازة لصالح الكيان الصهيوني مرحلة انتقالية ستنعكس بالضرورة سلباً في المستقبل على الإمكانات والقدرات الشاملة للكيان الصهيوني ككيان وظيفي وكقاعدة متقدمة للغرب الإمبريالي في المستقبل.
ضد الإبادة والاستسلام
منذ اليوم الأول لعام 1881، ومع البداية الفعلية للمشروع الاستيطاني الصهيوني يواجه الشعب الفلسطيني حروباً لا مثيل لها، لا حرباً واحدة. حروب متعددة الأشكال والجبهات تم فيها توظيف أكبر خبرات حربية وإمكانات تقنية وذخيرة معرفية تراكمت منذ نهاية القرن التاسع عشر من أجل إبادة الشعب الفلسطيني ومحو فكرة وتاريخ فلسطين.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر تحديداً، يتعرض الشعب الفلسطيني في غزة لعملية إبادة همجية ودموية غير مسبوقة في شكلها وأهدافها ودلالاتها، كما في وحشيتها، في التاريخ الحديث.
فهذه عملية الإبادة الأولى في التاريخ التي لم تحدث في سياق، أو على هامش حرب كبرى، أو حتى تم اكتشافها في أعقاب ارتكابها لاحقاً. فمنذ أكثر من عام ونصف عام، يتابع العرب والعالم بثاً مباشراً لقتل وحرق وتقطيع عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين تقدّر المؤسسات الطبية الدولية أن عددهم حتى اللحظة يتجاوز المئة ألف بكثير.
لذلك وغيره الكثير، إن المأساة والكارثة الإنسانية التي أصابت شعبنا منذ عام ونصف عام ولا تزال مستمرة تستعصي على التوصيف، وشلال الدم النازف لا يؤكد إلا على مستوى السقوط الأخلاقي للإنسانية في ظل الهيمنة الغربية المتوحشة التي لا تسمح فقط لمثل هذه الهمجية والتوحش أن تستمر بعد كل هذا الوقت، بل وتجعل حدوثها واستمرارها ممكنَين.
لكنه درس يتوجب على الجميع تعلمه: لا يمكن المراهنة على الغير، كان من كان، لينهي شلال الدم، خصوصاً إن كان متواطئاً أو مشاركاً، كما هي حال غالبية الدول الغربية، وأن هذا واجب ودور عربي وإسلامي أولاً وأخيراً رغم مسؤولية العالم أجمع عن كل ما يحصل لأهلنا في غزة.
ورغم شلال الدم الذي لم يتوقف، ورغم أن الإنسانية لا تمتلك حتى الأدوات اللغوية لتوصيف شدة المأساة ومدى التوحش الصهيوني والغربي، إلا أن إحدى أهم النتائج للسنة ونصف السنة الماضية هي المعجزة التي رأيناها في بطولات وعناد وشجاعة وإصرار المقاومين من فلسطين إلى لبنان واليمن وسوريا والعراق وعظمة البيئات الحاضنة للمقاومة رغم الأثمان الهائلة التي قدموها دفاعاً عن كل الأمة.
ما كشفت عنه حرب الإبادة الهمجية، وما كنا ندركه بعمومية، هو المدى الهائل للاختلال في موازين القوى. كان المقاومون، عدة آلاف فقط، يواجهون منفردين أكثر من ستمئة عام من تراكم خيالي من عوامل القوة الإمبراطورية الغربية تم وضعها كلها في خدمة حرب الإبادة الصهيونية ضد أهلنا في غزة، فيما الشعوب العربية والمسلمة في حالة موت سريري وشلل لا يمكن تبريره بأي تفسير. ولولا هذا الصمود، للآلاف القليلة من الشجعان فقط، لكانت هذه الأمة قد وصلت مرحلة الاستعباد الفعلي.
لهذا، إن حركات التحرر في كل التاريخ الحديث لا تقاتل لتنتصر في كل معركة فردية (في الحقيقة كان هذا دائماً نادر الحدوث)، بل تعمل على مراكمة خسائر العدو على المدى البعيد من جهة وتقديم تضحيات أكبر لتنتصر في النهاية (في حملة التيت الشهيرة في فيتنام، مثلاً، استطاعت المقاومة الشعبية إفقاد الاحتلال الأميركي توازنه لأسابيع، ولكن رغم تمكّن الأميركيين في النهاية من احتواء الهجمة بعد شهرين، إلا أنها كانت المعركة الأهم التي أسست للانتصار لاحقاً).
لهذا، إن إحدى النتائج المهمة استناداً إلى مجريات الحرب الدائرة الآن هي أنه لا، ولم، ولن يعرف العالم والتاريخ فكرة أكثر صوابية ودقة وصحة من الفكرة التي آمن بها هؤلاء المقاومون الأبطال (فكرة المقاومة وحركة التحرر): أنه رغم الخلل الهائل وغير المسبوق وحتى غير المتخيل في موازين القوى، كانت النتيجة، رغم كل الأهوال والآلام والاحتمالات الرهيبة التي واجهها المقاومون وأهلهم، أن المعركة لم تحسم وأن الصراع لا يزال وسيبقى قائماً وأن الأمة لم تسقط في وحل الاستعباد، فقط بفضل هؤلاء الأبطال.
بياننا للناس: من أجل الأمل والصمود والمقاومة
لا يمكن فهم جوهر المقاومة وحركات التحرر ضد الاستعمار بشمولية بمعزل عن إدراك الشرط الاجتماعي للمقاومة. صحيح أن الشعب الفلسطيني والأمة العربية هما كتلة واحدة، ولكنها بالتأكيد غير متجانسة كلياً، بل وتتمايز فئاتها مصلحياً لدرجة ارتباط فئة قليلة بالمشروع الصهيوني بنيوياً، فيما الغالبية الساحقة تتعرض لتهديد وجودي.
هكذا نفهم كيف يرى البعض المقاومة كتكتيك في أحسن الأحوال، أو كأداة لتحسين شروط التفاوض مدفوعاً بوهم الوصول إلى تسوية لا تؤثر جذرياً في البنى الاستعمارية الاستيطانية القائمة، وليس كخيار إستراتيجي. فبقدر ما قد تكون المقاومة، وحتى حرب الشعب، مفيدة في المدى القصير لبعض الشرائح الاجتماعية المتنفّذة وتستخدمها مؤقتاً كآلية لتحسين موقعها التفاوضي، بقدر ما ترى فيها هي أيضاً (كالعدوّ تماماً) خطراً في المدى البعيد.
فديمومة المقاومة وقوتها ستخلّان أيضاً بميزان القوى الاجتماعي والسياسي المحلي، تماماً كما تخلّان بموازين القوى في مواجهة العدو، ما يجعل هذه الفئة (الصغيرة جداً ولكن ذات المصالح الهائلة) في حالة تحالف موضوعي من المشروع الاستعماري الاستيطاني. هذا الشرط الاجتماعي تحديداً هو ما يفسر الاصطفاف التدريجي لبعض القوى في خندق العدو مع كل فرز، لدرجة القتال معه ضد أهلها وشعبها كما رأينا في غالبية تجارب حركات التحرر.
ومنذ الهجمة الأولى والرصاصة الأولى التي أطلقها الكيان الاستيطاني في حرب الإبادة الهمجية التي يتعرض لها أهلنا في غزة، ومعها أيضاً، انطلقت حرب شرسة أخرى تعمل على توظيف خطاب إعلامي وثقافي يستهدف القتل الرمزي للمقاومة والنيل من مشروعها النبيل وصورتها الأسطورية في الوعي الفلسطيني والعربي والعالمي خدمة للمجهود الحربي الصهيوني ومشروع الإبادة.
كانت البداية بالتشكيك بالمقاومة ومشروعها وصولاً إلى حد لومها على الكارثة الإنسانية التي يرتكبها العدو أمام أعين العالم بلا أي رادع.
ثم تصاعدت هذه الحملة التي يشكل رأس حربتها الآن مجموعة من «المثقفين» والكتّاب الفلسطينيين والعرب أخيراً كثيراً لدرجة رقصهم الوقح على دماء الضحايا والشهداء خدمة لمشغلين وممولين لهم مصلحة كبرى في هزيمة المقاومة.
هكذا تطور خطاب هذه الثلة من المثقفين من مجرد إلقاء اللوم على المقاومة والمقاومين الذين قدّموا أغلى ما يملكون في المعركة نيابة عن كل الأمة، إلى التشكيك في كل مشروع المقاومة وعملية «طوفان الأقصى»، وصولاً إلى دعوات صريحة أخيراً تطالب المقاومة بالاستسلام كخيار وحيد لوقف حرب الإبادة.
إن ترافق هذا الخطاب وتطوره وفقاً لمتطلبات العدوان العسكري الهمجي على أهلنا في غزة يؤكدان أنه لا يمكن، ولا يتوجب مطلقاً، اعتبار هذه الثلة من الأبواق صاحبة وجهة نظر خاطئة أو أن لديها قراءة مغلوطة. فهذه وجهة نظر وقراءة مشبوهتان بالحد الأدنى، ولا تخدمان إلا العدوان والمجهود الحربي الإبادي الصهيوني المتعدد الجبهات على شعبنا وأمتنا.
وكل من يلوم المقاومة في غزة وفلسطين والمنطقة عن أي من نتائج التوحش الصهيوني المدعوم غربياً، وخصوصاً كل من يشكك بها، وتحديداً كل من يطالبها بالاستسلام هو مشارك فعلي في العدوان وفي المجهود الحربي الصهيوني الإبادي. ففيما يطلق العدو الرصاص والصواريخ والقذائف على أجساد أطفالنا ونسائنا وأهلنا في غزة والضفة ولبنان واليمن، تقوم هذه الثلة باستكمال الحرب بإطلاق النار أيضاً (لأن الكلام أقوى من الرصاص أحياناً) على المقاومين وتعمل على نهش لحومهم وتشويههم عبر التشكيك بهم وبمشروعهم، وإنكار تضحياتهم الهائلة وجدواها بمطالبتهم بالاستسلام كحل وخيار وحيدَين.
إن دور المثقف الحقيقي والملتزم، كما علمتنا تجارب الشعوب المضطهدة والمستعمرة هو أساساً في أن يمنع «البائس من التواطؤ مع شروط بؤسه»؛ أن لا يصطف مع من يتنافس على نفوذ وضيع ضمن شروط العبودية، وإنما أن يعمل بكل ما لديه من قوة على التحرر مع شعبه من شرط العبودية نفسه؛ أن يفضح أدوات الهيمنة ويعري من يستخدم المعاناة ويدعي احتكار الحديث عنها لغاياته الشخصية والمصلحية.
إن مسؤولية المثقف العربي الحقيقي في هذا الوقت بالذات، تتطلب وتوجب القيام بدور أساسي وحاسم دفاعاً عن أهلنا وأبطالنا في غزة وباقي المنطقة ودفاعاً عن مشروعهم، وأيضاً حراسة وعي الناس وعقولهم.
فإما أن يقوم المثقف فعلاً بدوره المفترض، أو فليلتزم الصمت، إن كان أجبن من أن يتحمل مسؤولية دفع ثمن الموقف، رغم شلالات الدم في عصر يعمل العدو فيه على تطبيع إبادتنا.
وفي مقدمة المهمات الكبرى التي يتوجب على كل مثقف وكاتب في عصر الإبادة الصهيونية الغربية الاضطلاع بها هي الدفاع عن الأمل وقتال الإحباط واليأس بالدفاع عن الحق بالمقاومة.
أما من اختار التجند في معسكر العدو من مثقفين وكتاب مأجورين ويعمل على نشر الإحباط وثقافة الهزيمة والاستسلام والنيل من العقل وتهشيم العزيمة، فإنه لا يمكن فهم هذا الدور إلا كتبرير لحرب الإبادة الدائرة الآن وتمهيداً لحملة إبادة جديدة يكون شعبنا حينها مجرداً تماماً من أي إمكانية للدفاع عن النفس (هل تذكرون صبرا وشاتيلا؟).
أما المثقفون الآخرون، فعليهم أن يوفروا النموذج المضاد.
وإن كانت هناك لحظة في كل تاريخ العرب الحديث على الإطلاق توجب الدفاع عن العقل وحراسة الوعي ورفع المعنويات وتقوية العزيمة، وأيضاً الالتفاف حول المقاومة والدفاع عنها، فهي الآن أكثر من أي وقت مضى.
أما من يخشى الثمن التافه الذي قد يدفعه على هذا الطريق، فليقدم تبريره لأهل غزة ولبنان واليمن وعائلات الشهداء الذين تقطعت أجسادهم وأُحرقت أمام أعين العالم، قبل أن يقدمه لنفسه أو للعالم. لا يمكن تبرير السكوت.
بناء على ما تقدم، نؤكد ما يلي:
أولاً: إن مشروع الإبادة والتوحش والإجرام الصهيوني لم يبدأ في السابع من تشرين الأول 2023، بل هو نتيجة حتمية لطبيعة وبنية المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، وسيستمر بغض النظر عن الخيارات التي قد يتوهم البعض، أو يكذب على الناس، أنها قد توقفه. فالقرار الصهيوني بإبادة الشعب الفلسطيني بكل الطرق، قصفاً وحرقاً وتجويعاً وحصاراً وطرداً، وتدمير مدننا وقرانا ومخيماتنا، اتخذ أصلاً مع رفع الحجر الأول لبناء الوحدة الأولى في المستوطنة الصهيونية الأولى قبل ما يقارب القرن ونصف القرن.
فلم يكن محو وإزالة حارة المغاربة عن بكرة أبيها، مثلاً، في أعقاب حرب حزيران 1967، في فترة وقف إطلاق النار، مجرد انحراف في السلوك الصهيوني والطبيعة الصهيونية، بقدر ما كان تصرفاً صهيونياً معيارياً ونموذجياً تماماً.
فهناك أكثر من تطابق، وليس حتى مجرد تشابه، في ممارسات الاستعمار الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 1967 مع سياسة التدمير والمحو التي اتبعها الكيان الاستيطاني منذ 1948.
فمن بين 508 قرى فلسطينية تم استعمارها في أعقاب النكبة تم محو أكثر من 400 منها تماماً وكلياً – تم تدمير المنازل والجدران والحدائق، وحتى المقابر وشواهد القبور، حتى لم يبقَ فيها حجر على حجر. لهذا، إن من يشكك في المقاومة ومشروعها لا يخدم إلا مشروع الإبادة ولا يفعل أكثر من حرمان الضحية حتى من مجرد رفع صوتها ضد الذبح والإبادة. المقاومة ليست خياراً، بل البديل الوحيد الممكن للإبادة.
ثانياً: إن كل من يُحَمِّل المقاومة أي مسؤولية عن الكارثة التي حلّت بشعبنا، خصوصاً بعض الكتاب و«المثقفين» المأجورين، وتحديداً أولئك الذين امتلكوا أخيراً قدراً هائلاً من الوقاحة وصلت حد المطالبة بالاستسلام كحل لوقف المذبحة في غزة لا يخدمون إلا العدوان والمجهود الحربي الصهيوني المتعدد الجبهات على شعبنا وأمتنا.
إن الواجب الأساسي للمثقفين والكتاب العرب الحقيقيين هو التصدي لكل من يتجرأ على ذلك حتى ولو كان الثمن كبيراً. فأي ثمن محتمل سيصغر حتماً أمام شلال الدم النازف في غزة والضفة ولبنان واليمن. وطالما اختار البعض أن ينخرط في جبهة العدوان الرمزي على المقاومة، فعلى كل مثقف شريف الانخراط في الجبهة المضادة لهم.
ثالثاً: إن المقاومة الشاملة وبكل الأشكال هي شعاع الأمل الوحيد الذي يمتلكه الشعب الفلسطيني والأمة العربية والطريق الوحيد لإيقاف المذبحة والإبادة الدائرة منذ أكثر من سنة ونصف سنة، والمستمرة منذ أكثر من قرن. وإن كان مطلوباً من أي مثقف أو كاتب أي مهمة الآن، فهي العمل على حماية العقل والوعي من التهشيم المتعمد والتزوير واستدخال الهزيمة.
ومن نسي عليه أن يتذكر أن «طوفان الأقصى» كشف حقيقة الكيان الاستيطاني الهشة وأسقط فكرته ووظيفته لدرجة حاجته إلى تدخل مباشر من غالبية القوى الإمبريالية الغربية لإنقاذه حتى يستعيد توازنه.
رغم كل ذلك، لن ننكر أبداً أن الألم والوجع على ما أصاب ويصيب أهلنا في غزة أكبر من أن يوصف، وأننا نعرف أكيداً أننا لن نتعافى أبداً من الكسر العميق في أرواحنا والجرح العميق في قلوبنا لما أصاب أهلنا في غزة والضفة ولبنان واليمن.
لكن الصمود والثبات ليسا فقط هما السبيل الوحيد المتبقي في عصر الخذلان والانحطاط الأخلاقي حتى لا تتكرر المجزرة مرة أخرى، بل هما التعبير الأخلاقي والإنساني والسياسي الأسمى عن احترام الضحايا وتقدير عذاباتهم حتى لا تضيع هذه الدماء هدراً. أما الاستسلام أو الضعف أو التراجع، فلسوف تزيد فقط من شهية الوحش الصهيوني المتعطش للدماء.
رابعاً: إن الخيار الوحيد أمام شعبنا هو الصمود والثبات، وهما السلاح الوحيد والقوة الوحيدة التي يمكن لهما أن توقفا المجزرة في أوج الخذلان العربي والإسلامي.
والأهم أن الثبات والصمود في هذا الوقت بالذات هما التعبير الأسمى والأكثر أخلاقية عن احترام كل قطرة دم أُسيلت وكل روح أُزهقت في هذه الحرب الهمجية.
أما من يدّعي الحرص على أرواح الناس ودمائهم ويدعو بواحاً إلى الاستسلام، فليس إلا نخاساً رخيصاً سيلحقه العار وسيلعنه التاريخ والأجيال اللاحقة بالاسم.
فهؤلاء قد يتوهمون فعلاً أنهم يخترعون العجلة، ولكننا رأينا نموذجهم سابقاً في ما سُمّي «كتائب السلام» العميلة التي حاربت المقاومين في الثورة الكبرى (1936-1939) والحركيين الأنذال في الثورة الجزائرية العظيمة، كما رأينا نموذجهم في كل ثورة وكل حركة تحرر في التاريخ الحديث.
إننا ندعو كل مثقف وكاتب عربي شريف أن يرتقي إلى مستوى المسؤولية الحقيقية والتصدي لكل وأي صوت نشاز وقلم خبيث يطلق النار على المقاومة وبيئتها وينال من حق من يتعرّضون للإبادة في الدفاع عن أنفسهم وحقهم في الحياة.
خامساً: إن الحالة التي وصلتها حروب الإبادة لا تدع مجالاً للصمت أو الوقوف على الحياد، أو حتى مجرد المناصرة الرمزية. فالأمة الآن أمام استحقاق وجودي، فإما أن تخوض معركتها لوقف مذبحة أطفالنا وأهلنا قصفاً وحرقاً وتجويعاً، أو تنتظر الإبادة.
فالشعب الفلسطيني الآن يتعرض لحروب شرسة جداً ومتعددة الجبهات تستهدف محوه ليس سياسياً أو ثقافياً فقط، بل وجسدياً أيضاً. هذه مرحلة ستكون هائلة التبعات ولن ينفع بعدها الندم، كما لن يغفر فيها التاريخ ولا الأجيال القادمة لمن يصمت، حتى لا نقول شيئاً عن المتآمرين والمجندين في جبهات العدوان المختلفة.
إننا ندعو الجميع إلى الانخراط في هذا المجهود حتى لا يأتي على أحد اليوم الذي يشاهد إبادة أهله وأطفاله ولا يجد حينها من يسمع صراخه وشكواه. لا عذر لأحد. لا عذر يبرر الصمت والخذلان.
ختاماً، إننا ندعو كل شريف وحر في هذه الأمة أن يكون بمستوى التحدي الوجودي والأخطر الذي يواجه أمتنا، حتى لا يدفع أبناؤه وبناته وأحفاده الثمن الهائل في المستقبل، وأن يتخلى عن كل شيء وأي شيء وأن يتفرغ للمهمة الوحيدة التي تستحق التضحية بكل شيء في هذا الوقت، والتصدي للمشروع الصهيوني بكل وسيلة ممكنة حتى تتوقف حرب الإبادة على أهلنا في غزة.
إن حياة ودماء كل طفل وامرأة ورجل في غزة (فلسطين) ولبنان واليمن، كما مستقبل كل الأجيال العربية القادمة، ستتقرر في ساحة المعركة وساحات المقاومة. هذه مسؤولية في أعناقنا جميعاً، وتبعات خيانتها ستكون كارثية وغير ممكنة الاحتمال. فإما أن نقاوم أو ننتظر الإبادة.
* عن المجموعة: سيف دعنا، غسان أبوستة، صبيح صبيح، وسام الفقعاوي وصلاح الحموري
COMMENTS