ترجمة الحقول / خاص ـ بيروت : في فرنسا، كما في إسرائيل، يدعو الديماغوجيون اليوم إلى الدفاع عن “الحضارة اليهودية المسيحية”. ومن خلال هذه الدعوة، فإنهم يقومون بإحياء نقاش عن الروابط بين اليهودية والمسيحية يعود إلى قرنين من الزمان. لقد تأجج هذا النقاش، في البداية، بسبب علمنة المجتمعات الأوروبية، ثم بفعل صعود النازية، واليوم، فإنه يتغذى من حرب غزة…
لقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 24 أيار/ مايو 2024 في مقابلة على قناة فرنسية : “إن انتصارنا [في غزة] هو انتصار الحضارة اليهودية المسيحية ضد البربرية!”. وقبل نتنياهو، رأينا النائب الفرنسي الإسرائيلي السابق مئير حبيب في خريف عام 2023، يعبر عن قلقه “على فرنسا والحضارة اليهودية المسيحية!”.
مثل هذه التصريحات ترمي إلى ترسيخ مكانة دولة إسرائيل باعتبارها طليعة أوروبا في مواجهة “التهديد الإسلامي”. إلا أنها ألهمت صوفي بيسيس لتأليف كتاب مختصر : الحضارة اليهودية المسيحية، تشريح الاحتيال / La Civilisation judéo-chrétienne. Anatomie d’une imposture (Les Liens qui libèrent, 124 pages, 10 euros, numérique 7,50 euros).
في الكتاب تعرب المؤرخة المولودة في تونس من أصول يهودية سفاردية، عن نفورها من الصهيونية والدولة اليهودية/hébreu، التي هي من صنع الأشكيناز فقط. بل تمضي أكثر من ذلك، إذ تجادل بسيس في الصلة المفترضة بين اليهودية والمسيحية.
لقد ظل هذا النقاش حول العلاقة بين اليهودية والمسيحية يثير قلق المفكرين الأوروبيين لأكثر من قرنين من الزمان. وهو تطور أثناءهما وفقا للسياق الخاص بكل مرحلة من مراحلهما : علمنة المجتمعات الأوروبية، ظهور الاشتراكية، الحرب العالمية الأولى، صعود النازية إلخ. واليوم تغذي الحرب بين إسرائيل وحماس هذا النقاش.
كما يؤجج هذا النقاش القلق في فرنسا وأوروبا إزاء تصاعد مشاعر معاداة اليهود/ antisémitisme الآتية من قطاع من المهاجرين المسلمين. علماً بأن انتشار العداء بين الإسلام والديانات التوحيدية الأخرى في النصف الثاني من القرن العشرين تولد من النظام الكولونيالي الغربي وإنشاء “إسرائيل”.
كلاهما قريب ومتميز
وعلاوة على ذلك، فإن فكرة “الأخلاق اليهودية المسيحية” نفسها، باتت اليوم موضع نزاع واسع النطاق في العالم الأكاديمي، لا سيما في الدوائر اليهودية المحافظة. بحسب ما يشير جويل صبان/Sebban، المؤرخ المتخصص في العلاقات بين الكنيسة والكنيس. ويرجع صبان أصل النزاع إلى أن اليهودية لا تقتصر على “الأسفار الخمسة وكتب الأنبياء”، وأنها تطورت كثيراً، بعد فترة طويلة من ظهور المسيحية، وبطبيعة الحال بشكل مستقل عنها.
يقال أن أعظم مفكر لليهودية من بعد موسى النبي هو موسى بن ميمون (1138 – 1204)، وهو يهودي من قرطبة، كان معاصراً لإليانور الأكيتاينية/ Aliénor d’Aquitaine (ملكة فرنسا ثم ملكة إنكلترا التي شاركت في الحملة الصليبية الثانية. المحرر). لكن بالنسبة للإيمان المسيحي، إذا كان مرجعه يهودي، هو يسوع (السيد المسيح عليه السلام. المحرر)، وكذلك العهد القديم (إنجيل اليهود)، إلا أنه لا يقف عند هذا الحد.
إن عقيدة الإيمان المسيحي تستند إلى العهد الجديد (الإنجيل) أيضاً، الذي لا علاقة له باليهودية إلى حد كبير، وكذلك تستند إلى التراث/ Tradition، أي إلى نصوص آباء الكنيسة في الألفية الأولى. ولذلك نجد أنه حتى القرن الثامن عشر، لم يتساءل كلاً من المسيحيين واليهود عن جذورهم المشتركة. لأنهم اعتبروا اليهودية والمسيحية ديانتين منفصلتين، ونقطة على السطر. (1744-1803)
إن أسئلة العلاقة بين الديانتين لم تطرح إلا خلال قرن التنوير. كان اللاهوتي والشاعر الألماني يوهان جوتفريد von Herder /فون هيردر (1744 – 1803)، وهو تلميذ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724 – 1804) وصديق الشاعر والفيلسوف الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 – 1832)، في أصل حركة الرومانسيين، هو الذي سيلمح العلاقة بين اليهودية والمسيحية. وسوف يتم استغلال ذلك بطريقة أو بأخرى، للأفضل أو للأسوأ.
أندريه لاراني، 2 أبريل 2025، مؤسس موقع هيرودوت.نت عام 2004
المقال منشور في موقع هيرودوت يوم 2 نيسان 2025
ترجمة مركز الحقول للدراسات والنشر
الجمعة 11 نيسان 2025
العنوان الأصلي للمقال :
اليهود والمسيحيين
«الحضارة اليهودية المسيحية» في مواجهة البربرية؟
COMMENTS