العولمة العسكرية والإفقار : ( تحليل بعض الأهداف الإجتماعية ـ الإقتصادية للعدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006 )

شبكة حماية ضحايا الحرب : التقرير الدوري الأول أيلول/ سبتمبر2017
السعودية ولعنة إعدام النمر؟
أميركا تكافئ البرهان على تطبيعه مع “إسرائيل”، وترفع عقوباتها عن السودان

ضرب العدوان الإسرائيلي كل الأراضي اللبنانية في صيف عام 2006، وأحدث دمارا هائلا في مختلف قطاعات الإقتصاد الوطني. لكن أضرار العدوان تركزت على محافظات الجنوب/النبطية، بعلبك ـ الهرمل، البقاع، وضاحية بيروت الجنوبية. وفي شهر شباط الماضي أنجز "المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق" في بيروت، دراسة إحصائية تبين كمية ونوعية وقيمة هذه الأضرار، تحت عنوان : "المسح الشامل لأضرار القطاعات الإقتصادية جراء عدوان تموز 2006". ويقدم علي نصار عرضا ونقدا لهذه الدراسة.
مقـدمـة
تنقسم الدراسة إلى ثلاثة أجزاء تحدد : "أضرار المؤسسات"، و"أضرار الآليات"، و"أضرار الثروة النباتية والحيوانية". وقد شاركت في إعداد هذا "المسح الميداني الشامل فرق معظمها شبه متطوع، بلغ عددها 1400 محقق ميداني تقريبا". وقام هؤلاء بـ"مسح الأضرار المباشرة وغير المباشرة في القطاعات الثلاث (الصناعة، الزراعة والتجارة/الخدمات)، بالإضافة إلى الآليات والمزروعات، والماشية والطيور، وذلك في القطاع الخاص حصرا".
قيمة ونتائج أضرار المؤسسات
بلغ عدد المؤسسات المتضررة من جراء العدوان الإسرائيلي 9604 مؤسسات، يضاف إليها نحو 1000 مؤسسة، قيمة أضرارها 2 مليون دولار، ولكنها استثنيت من الدراسة لأن "أضرارها لا تندرج ضمن التصنيف المعتمد" في الدراسة. وتبلغ قيمة "مجموع الخسائر" في هذه المؤسسات "397.909.414" دولارا أميركيا. وتبعا لـ"حجم الأضرار"، فإن "التوزع العددي للمؤسسات المتضررة"، يظهر أن معظمها "(83.7 %) تقل أضرار كل منها عن 50 ألف دولار".

وبما أن "نسبة خسائر هذه المؤسسات إلى إجمالي خسائر المؤسسات لا تزيد عن 14.4 في المئة"، نفهم من أرقام الدراسة أن العدو الإسرائيلي، قد طبق تكتيك نثر الضرر الإقتصادي في المجتمع إلى أبعد مدى ممكن.

وفيما يتعلق بمستوى الأضرار، تكشف الدراسة "أن المؤسسات التي لحقت بها أضرار مباشرة بنسبة 100 في المئة، نتيجة العدوان، تشكل حوالي 53.45 في المئة من إجمالي عدد المؤسسات المتضررة"، ما يبين كثافة النيران المعادية على القطاعات الإقتصادية، ورغبة إسرائيل بتدمير أسس النشاط الإقتصادي في المناطق المستهدفة بالقصف.

كذلك نلاحظ، أن نتائج القصف قد أصابت الفئات الأفقر في الشرائح الإجتماعية الوسطى، حيث سجلت الدراسة أن "نشاط غالبية المؤسسات المتضررة، يتركز في مجال التجارة، وصيانة المركبات (السيارات تحديدا)، والصناعات التحويلية الخفيفة (معظمها مخابز وباتيسري)، وفي "مجال أنشطة الخدمات المجتمعية". أما لجهة قيمة الأضرار الذي ألحقها العدوان الإسرائيلي بالمؤسسات، فقد بلغ "نصيب قطاع الصناعات التحويلية الخفيفة 43.71 في المئة"، و"التجارة 36.08 في المئة، يليها القطاع الإجتماعي بنسبة 11.95 في المئة" من مجموع قيمة الأضرار.

يجدر بنا التوقف عند القيمة النسبية المرتفعة للأضرار في القطاع الإجتماعي. فقد تركز القصف الإسرائيلي على أهداف اجتماعية مثل المؤسسات التعليمية : مدارس ومآوي الأيتام ومهنيات، وبالطبع، فإن تدمير هذه الأهداف يحقق هدفا غير مباشر تسعى إليه إسرائيل وهو إفقار البنية الإجتماعية اللبنانية، بحسبان التعليم من أهم وسائل تحسين مستوى العيش والحياة. ولكن الإفقار يقود إلى نتيجة أخرى، تستهدفها إسرائيل دائما، وهي زرع عناصر الإضطراب السياسي في أركان الوطن اللبناني.

التوزع الجغرافي وطبيعة المؤسسات المتضررة
تكشف الدراسة "أن ما يزيد عن ثلث المؤسسات المتضررة يتركز في منطقة الضاحية الجنوبية (36.02%) يليها قضاء بنت جبيل (20.37%) ثم قضاء صور (16.33%) فالنبطية (11.52%)، وأخيرا، مرجعيون (9.00%). وبسبب شدة التفاوت الإجتماعي ـ الإقتصادي بين الريف والمدينة في لبنان، فإن "العدد الأكبر من المؤسسات التي يقل قيمة حجم أضرار كل منها عن 5 آلاف دولار، يتركز في أقضية محافظتي الجنوب"، بينما "العدد الأكبر من المؤسسات التي تتراوح قيمة حجم أضرار كل منها ما بين 10 آلاف ـ 50 ألف دولار، يتركز في منطقة الضاحية الجنوبية" لمدينة بيروت.

لقد تحملت القطاعات الإقتصادية في الضاحية الجنوبية العبء الأكبر للعدوان الإسرائيلي. حيث تشير الدراسة إلى أنه تبعا لـ"قيمة الخسائر التي منيت بها المؤسسات في كل قضاء … نجد أن أكثر من نصف هذه الخسائر تتركز في الضاحية الجنوبية (55.47%)، يليها قضاء زحلة (14.24%)، ثم قضاء عاليه (8.74%)، وبعده قضاء صور (7.98%)". وهذه المعطيات تكشف حجم الضرر الإجتماعي الذي لحق بالضاحية نتيجة العدوان، حيث لا زال سكان أحياء بكاملها ينتظرون فرج الإعمار.

ويمكن فهم معنى هذه الملاحظة بشكل أفضل، حينما ندرك "أن نسبة المؤسسات المتضررة المشغولة عن طريق الإستثمار (وليس التملك الخاص)، ترتفع بشكل لافت في الضاحية الجنوبية، لتصل إلى 46.50 في المئة" بينما تنخفض هذه النسبة إلى 8.3 في المئة في البقاع الغربي، وتنعدم في قضائي عكار وكسروان". فالقصف الإسرائيلي استهدف فئة المستثمرين الصغار، الذي يديرون مشاريع صغيرة خاصة، ومن الواضح أن تعطيل عمل هؤلاء قد لا يترك أثرا كبيرا على نشاط الإقتصاد الكلي، لكنه ينعكس بصورة تدن ـ وحتى انهيار في حالات نعرفها شخصيا ـ في مستوى معيشة أسر هؤلاء المستثمرين.

ويبدو من قراءة الدراسة أن غالبية المؤسسات المتضررة من العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، كانت مؤسسات عائلية أو تدار بجهد عائلي. إذ تفيد الدراسة أن نسبة المؤسسات الصغيرة الحجم التي "لا يتجاوز عدد عمالها الأربعة … تشكل 90.95 من إجمالي عدد المؤسسات المتضررة". أما عدد العمال في المؤسسات المتضررة فقد بلغ 27225 عاملا، لكن الدراسة تلمح إلى أن هذا الرقم غير دقيق بتاتا، لأن أصحاب هذه المؤسسات "تجنبوا التصريح عن عدد العمال".

أضرار الآليات والثروة النباتية والحيوانية
بلغ عدد السيارات المتضررة من العدوان الإسرائيلي في مختلف المناطق اللبنانية "9116 سيارة يملكها نحو 7818 شخصا، قدرت قيمتها بنحو "16.585.419" دولارا. لكن "أكثر من ثلث (34.6%)" هذه السيارات، دمره الإسرائيليون "في قضاء بنت جبيل لوحده، يليه صور (18.8%)، مرجعيون (11.7%)، النبطية (10.7%)، بعلبك (7.4%)". ومثلما هو الحال في أضرار المؤسسات، فإن القصف الإسرائيلي لسيارات ومركبات المواطنين، أفقرهم أو زاد من فقرهم. إذ تكشف الدراسة أن "33.5 في المئة من السيارات المتضررة تستخدم لأغراض إنتاجية"، مثل نقل الركاب والبضائع. بل يمكن القول، أن القصف المعادي نال بشكل ما من سيارات الفقراء، حيث نلاحظ أن "تاريخ صنع 56.7 في المئة من السيارات المتضررة يعود إلى ما قبل عام 1990"، وأن "معدل قيمة السيارة الواحدة" من السيارات المتضررة، لا يتجاوز "1820 دولارا"!؟.

أضرار المزروعات بلغت قيمتها "140.971.590" دولارا، ويملكها "نحو 21457 شخصا". أما أضرار الثروة الحيوانية فقد بلغت قيمتها "12.238.726" دولار، وهي تعود إلى نحو "4320 شخصا". واللافت أن أضرار المزروعات والثروة الحيوانية قد تركز بشكل خاص في محافظة بعلبك وفي الهرمل.

من المؤسف أن تكون الدراسة خالية من التحليل، بحيث يصعب على غير المتخصصين تحليل معطياتها، كما أنها استثنت مسح وإحصاء أضرار القطاع السكني والبناء، "نظرا لشمولها بإحصاءات خسائر الترميم وإعادة البناء". كذلك، لم تلحظ الدراسة "الخسائر غير المباشرة المتمثلة بتقلص المداخيل" أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي، بعد "التوقف عن العمل أو التراجع في النشاط الإقتصادي" للمؤسسات والعاملين، لأن هذه الخسائر، كما تقول الدراسة، "تندرج في إطار تقديرات الإقتصاد الكلي وليس الإقتصاد الجزئي"!؟.

تــذكــــــــَّـــروا …
طيلة ثلاث وثلاثين يوما من القتال الشرس بين المقاومة الوطنية والجيش اللبناني وبين المعتدين الإسرائيليين، هُجِّر إلى الشوارع أكثر من ربع اللبنانيين، أي ما يزيد على مليون شخص. التجـأ نصفهم إلى العاصمة : بيروت، حيث افترشوا الأرض في الحدائق والمدارس وعلى الأرصفة، من دون ماء أو كهرباء ومرافق صحية.

استشهد وجرح نتيجة العدوان مئات المقاومين والجنود ، كما استشهد نحو 1200 مواطن مدني، ثلثهم من الأطفال، وجرح نحو 5000 آلاف آخرين. كما وقع في الأسر ثلاثة مقاومين. كما أصيبت البيئة اللبنانية بخسائر جسيمة في البر والبحر، خصوصا بعد استخدام العدو الإسرائيلي للقنابل العنقودية، حيث نثرها في حقول الجنوب وبساتينه ووديانه. كما تكثر الشواهد على استخدامه مادة اليورانيوم المخصب في بعض المواقع، بالإضافة لاستخدام رؤوس حربية مقساة باليورانيوم المستنفد.

بدأت عملية إعادة الإعمار منذ اللحظة الأولى لتوقف العدوان صبيحة يوم 14 آب، ولم تنته حتى بعد مرور عام كامل. فما زالت مدينة بنت جبيل تنوء تحت دمار الحرب الإسرائيلية، اما الضاحية الجنوبية، فإن عملية الإعمار في الأحياء المدمرة لم تبدأ حتى الساعة، لأن الحكومة ترفض صرف الأموال للمتضررين عبر شركة وعد للإعمار.

الخلافات حول تخمين قيمة أضرار العدوان سببت مآس اجتماعية فقد أقدم المواطن ي.ح. من بلدة النبطية على الإنتحار. وأفاد أقاربه لمراسل "الحقول" أن المنتحر كان يملك مؤسسات بقيمة 2 مليون دولار، ولكن تخمين التعويضات لم يخصه إلا بأكثر من 100 ألف دولار، ففضل تجرع الموت على العيش بين ركام … الديون.
علي نصَّار
كاتب وصحفي عربي من لبنان، مدير موقع الحقول
نشرت هذه الدراسة في نيسان 2007

Please follow and like us:

COMMENTS