يقدم اللواء حسام سويلم قراءة (2) في هذا التقرير، تتضمن توثيقا دقيقا عن تاريخ ومكونات البرنامج النووي “الإسرائيلي”، وعن أخطاره الحربية والبيئية. لكن أهمية بل جدة هذه الـ”قراءة”، تكمن في تركيزها على حقيقتين أساسيتين : الأولى، أن “إسرائيل” تملك تقنيات عسكرية نووية استراتيجية وتكتيكية، هي جزء من خطة الحرب العامة للدولة الصهيونية. الثانية، أن دورة النشاط النووي في “إسرائيل” أحدثت، ولا تزال تحدث أضرارا بيئية وصحية وديموغرافية، تهدد سكان فلسطين المحتلة والدول العربية المجاورة. تؤكد “قراءة” اللواء سويلم أن الحملة الصاخبة على الملف النووي الإيراني، حاليا، تكاد تحجب القوة، وخطر القوة الحربية والتقانية النووية لدى الدولة الصهيونية، وهي حملة تشابه، كثيرا، الحملات المنظمة التي شنتها “إسرائيل” والنظام الصهيوني ـ عبر العالم، ضد البرنامج النووي المصري، ثم البرنامج النووي العراقي، حتى قيض لهما وسائل إحباط كلا البرنامجين، وإبقاء إسرائيل على سدة احتكار التقانة والسلاح النووي في الصراع العربي ـ الصهيوني :
مقدمة
أصدرت الهيئة العربية للطاقة النووية في كانون الأول/ديسمبر 2007 تقريرا حول النشاط النووي الإسرائيلي ومخاطره الإشعاعية على دول الجوار والأراضي العربية المحتلة.
وقد تناول التقرير موجزا عن تاريخ البرنامج النووي الإسرائيلي، والمنشآت التي تكون العناصر الرئيسية لهذا البرنامج، ومخاطر النفايات النووية الإسرائيلية على دول الجوار، خصوصا على مصر والأردن المجاورتين لصحراء النقب، إلى جانب واقع الرصد الإشعاعي البيئي في الدول العربية المجاورة، فضلا عن تجاهل إسرائيل للقوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأنشطة النووية.
ورغم أن التقرير لم يتطرق إلى حجم النشاط النووي العسكري لإسرائيل، إلا أنه أشار إلى أن إسرائيل لم توقع على اتفاقية منع الانتشار النووي، كما لم توقع على البروتوكولات المتعلقة بمنع انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.
وقد كشف تقرير الهيئة العربية للطاقة النووية عن أن إسرائيل تخطط لتجديد مفاعلاتها النووية القديمة في ديمونة بعيدا عن الرقابة الدولية والاستنفار الإقليمي في ظل أزمة البرنامج النووي الإيراني وتداعياتها، والجهود التي تبذل لإجبار إسرائيل على التوقيع على معاهدة الحد من الانتشار النووي.
كرونولوجيا النشاط النووي الإسرائيلي
بدأت إسرائيل التخطيط للحصول على التكنولوجيا النووية وتدريب خبراء متخصصين في هذا المجال فور إنشائها مباشرة في مايو 1948، وبعد ثلاث سنوات من إلقاء أول قنبلة نووية في التاريخ من جانب الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما إلىابانية، أسفرت عن حسم الحرب العالمية الثانية لصالح الأميركيين وحلفائهم. وقد شجع أول رئيس إسرائيلي وهو عالم الكيمياء حاييم وايزمان، علماء الذرة الصهاينة، واستحدث لهم دائرة لأبحاث النظائر في معهد وايزمان، والذي يعتبر أحد المؤسسات العلمية الرئيسية في مستوطنة راحوت بإسرائيل.
أصدر دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء في إسرائيل، قرارا بتشكيل مجلس أعلى للطاقة النووية، ما لبث أن أصبح هيئة الطاقة النووية الإسرائيلية، وهي تتبع بن غوريون مباشرة، وتحت إشراف وزارة الدفاع مباشرة أيضا.
تشكلت الهيئة من 17 عضوا برئاسة ارنست بيرغمان، وكان من بين أعضائها إسرائيل دستروفيسكي، الذي ابتكر عملية استخدام الماء الثقيل في تهدئة التفاعلات النووية. كما أمر بن غوريون في نفس العام 1948، بتجنيد الخبراء الجيولوجيين للبحث عن اليورانيوم في صحراء النقب، خصوصا في جنوبي سيدون وبئر السبع.
وقد تم اكتشاف ترسيبات غير كبيرة لليورانيوم في هذه المناطق. ولكن إسرائيل تغلبت على هذه المشكلة في بداية برنامجها النووي باستيراد 10 طن من جنوب أفريقيا، و10 طن من فرنسا، كما عملت على استخراج اليورانيوم من الفوسفات المنتشر في صحراء النقب، وحوض البحر الميت، والمتواجد بكميات ضخمة قدرت بـ220 مليون طن، وذلك على أساس أن نسبة اليورانيوم في الفوسفات تبلغ 0.01 – 0.02 في المئة.
هكذا، استطاعت توفير 24 طن يورانيوم في ذلك الحين. أما حجم اليورانيوم الممكن استخراجه من كل احتىاطي الفوسفات المقدر بـ 220 مليون طن، فيبلغ 250 ألف طن، ولكن ليس جميعها صالحة للاستخدام. ولذلك، تستخلص إسرائيل سنويا حوالي 15 طن يورانيوم من الفوسفات. ومنذ ذلك الحين أقامت إسرائيل ثلاث مصانع لإنتاج حامض الفوسفوريك اللازم لاستخراج اليورانيوم.
شهدت سنوات ما بعد 1948 حركة الهجرة الجماعية لليهود إلى إسرائيل، وكانت تضم نسبة كبيرة من العلماء والخبراء والمهندسين والفنيين في مجال التكنولوجيا النووية بتخصصاتها المختلفة. كما شهد عام 1949 إرسال عدد كبير من المبعوثين لدراسة العلوم النووية في عدة بلدان أبرزها : الولايات المتحدة وفرنسا.
في تلك السنة، سمحت فرنسا لبعض العلماء الإسرائيليين بدخول مركز ساكلاي Saclay للأبحاث النووية، والمشاركة في إنشاء مفاعل صغير للتجارب خاص بالمركز، وكان بن غوريون قد فاتح حكومة فرنسا في موضوع التعاون مع إسرائيل في المجال النووي وهو ما رحبت به فرنسا.
وبحلول عام 1950 أنشأت وزارة الدفاع الإسرائيلية قسما للبحوث النووية وتطويرها تابعا لها، في معهد وايزمان. وقد تفرغ للعمل في هذا القسم التقني مجموعة من علماء الفيزياء والكيمياء والمهندسين، حتى صار مهد العلوم النووية في إسرائيل.
وفي عام 1952 وضعت هيئة الطاقة النووية في تبعية وزارة الدفاع، وتوج التعاون النووي مع فرنسا بتوقيع اتفاقية للتعاون النووي للبلدىن في عام 1953، تحت إشراف شمعون بيريز، عرَّاب التعاون النووي والصاروخي بين إسرائيل وفرنسا. وبموجب الإتفاقية سمحت فرنسا للعلماء الإسرائيليين بالمشاركة في اختباراتها النووية.
واكب ذلك إطلاق الولايات المتحدة برنامج الرئيس ايزنهاور : “الذرة من أجل السلام”. وبموجبه ساعد الأميركيون إسرائيل في بناء مفاعل ناحال سوريك، والحصول على مكتبة ضخمة في العلوم النووية، وتدريب 56 عالم وخبير نووي إسرائيلي في المنشآت النووية الأميركية في مختبرات لوس آلاموس، تحت إشراف أوبنهايمر أبو القنبلة النووية.
وبموجب البرنامج الأميركي حصلت إسرائيل على 50 كغم يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المئة، لتشغيل مفاعل ناحال سوريك، وذلك ما بين عامي 1960 ـ 1966. وفي عام 1954 تم إنشاء أول مصنع لإنتاج الماء الثقيل في راحبوت، وبدأ العمل فيه في نفس العام، ثم أعلن عن ذلك وزير خارجية إسرائيل ابا إبيان، أمام لجنة نزع السلام التابعة للأمم المتحدة في 15 نوفمبر 1954.
تواكب ذلك عام 1953 مع عودة المبعوثين الإسرائيليين من الخارج، واستقطاب أعداد ضخمة من العلماء والخبراء والمهندسين والفنيين إليهود وغير إليهود العاملين في المجالات النووية من مختلف بلدان العالم، للالتحاق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، وليحاضروا في الجامعات والمعاهد العلمية ذات العلاقة بهذا البرنامج.
بحلول عام 1956 كان يوجد في إسرائيل أكثر من 150 عالم نووي، على مستوي عال في جميع التخصصات النووية. وفي هذا العام، قدمت أميركا مساعدات نووية إضافية لإسرائيل، من أجل إغرائها بالانسحاب من سيناء، عقب العدوان الثلاثي الذي شنته على مصر، مع فرنسا وبريطانيا في تشرين الأول/أكتوبر 1956.
وقعت إسرائيل اتفاقا مع فرنسا في أوائل عام 1957، نص على بناء مفاعل ديمونة، مع الحفاظ على سرية الاتفاق. كما أنشأت إسرائيل في نفس العام، شركة أميركية، تابعة لها، في مدينة أبوللو، بولاية بنسلفانيا، باسم numec، باعتبارها شركة متخصصة في تصنيع المعدات والمواد النووية. ثم تبين في عام 1964، ان هذه الشركة قامت بتهريب 200 رطل يورانيوم مخصب إلى إسرائيل.
عام 1957 أيضا، استقال معظم أعضاء هيئة الطاقة النووية في إسرائيل، باستثناء رئيسها أرنست بيرغمان، بسبب معارضتهم الاستخدام العسكري للطاقة النووية في إسرائيل. ولكن إسرائيل حصلت خلال عامي 1958 ـ 1959 على مساعدات تقنية تمثلت في معدات ومواد نووية، من الولايات المتحدة وألمانيا الغربية.
بدأ مفاعل ناحال سوريك عمله عام 1960، كما شارك علماء إسرائيليون نظرائهم الفرنسيين في التجارب النووية التي أجراها الفرنسيون في الصحراء الجزائرية، أثناء احتلال الجزائر. وفي نفس العام بدأت تساور الإستخبارات الأميركية شكوكا، حول طبيعة المنشأة التي تقيمها إسرائيل في ديمونة، وادعت أنها مصنع نسيج. ثم تأكدت الإدارة الأميركية في منتصف عام 1960، أنها مفاعل نووي ينتج موادا انشطارية، وهو قادر على تصنيع 1 ـ 2 قنبلة نووية سنويا.
وقد اعترف بن جوريون بذلك، فعلا، في كانون الأول/ديسمبر 1960. وفي نهاية العام التإلى، اكتملت إقامة مفاعل ديمونة، وتم تشغيله عمليا، عام 1963، بطاقة 26 ميغاوات. ثم كشف عالم الطبيعة النووي الإسرائيلي دي شإلىت، وفي عام 1964، أن إسرائيل لدىها الخبرات اللازمة لإنتاج سلاح نووي.
عام 1966 منعت الرقابة الإسرائيلية نشر كتاب لمؤلفيه : عامي دور أوف، ووايلي تايمز. وجاء في الكتاب أن إسرائيل أتمت إنتاج أول قنبلة نووية في عام 1966، وأن جنوب أفريقيا عرضت تنفيذ التجربة على أراضيها، إلا أن إسرائيل رفضت ذلك. وفي عام 1967 رصد مفاعل فصل للبلوتونيوم تحت الإنشاء في ديمونة. وشهد هذا العام تتويج التعاون النووي بين إسرائيل وجنوب أفريقيا، بمساعدة الأخيرة على إنشاء مفاعل نووي.
قام عملاء إسرائيل عام 1968 بشن هجمات بالغازات المسيلة للدموع على شاحنات، كانت تنقل كمية من اليورانيوم بين بريطانيا وفرنسا، وتم تهريبها إلى إسرائيل. وفي نفس العام اختفت سفينة تابعة لألمانيا الغربية (شيربورغ) كانت تحمل 200 طن من خام اليورانيوم في أعإلى البحار. بعد أسابيع ظهرت في ميناء حيفا، وهي تحمل اسما جديدا وعلما جديدا وطاقما جديدا. قدرت الإستخبارات الأميركية أن تكون الإستخبارات الإسرائيلية قامت بعملية قرصنة، فاستولت على السفينة وشحنتها النووية.
بدأ مفاعل فصل البلوتونيوم في العمل عام 1969. وفي تموز/يوليو 1970، ظهر مقالان في نيويورك تايمز يؤكدان نقلا عن مصادر الإستخبارات الأميركية، بأن إسرائيل تمتلك فعلا أسلحة نووية. وبالفعل، فقد قررت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير أثناء حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، نشر 13 سلاح نووي محملين على صواريخ أريحا للضغط على أميركا، للبدء في إنشاء جسر جوي لنقل مساعدات عسكرية عاجلة لإسرائيل لاستعواض خسائرها في الحرب. وفي عام 1977 تمكن عالمان إسرائيليان من إحراز تقدم في عملية تخصيب اليورانيوم بالليزر.
رصد القمر الصناعي الأميركي تيلا، يوم 22 أيلول/سبتمبر 1979، انفجارا نوويا فوق المحيط الهندي بالقرب من سواحل جنوب أفريقيا، ناتج عن تجربة نووية مشتركة بين جنوب أفريقيا وإسرائيل بقوة 2 ـ 4 كيلو طن. وفي 15 كانون الأول/ديسمبر 1980 سجل القمر الصناعي تجربة نووية أخري في نفس المنطقة، وبنفس القوة. وأشارت مصادر المعلومات أن الإنفجار النووي الثاني تم بواسطة قذيفة من مدفع عيار 155مم.
وقد ذكرت نشرة التقرير الخارجي التابعة لصحيفة إيكونوميست الصادرة في شباط/فبراير 1981، أن إسرائيل تمتلك حوالي 200 سلاح نووي وأنها تطور صواريخ كروز بالتعاون مع جنوب أفريقيا. وفي 11/7/1985 اكتشف مفتشو الوكالة الأوروبية للطاقة النووية، مع نظرائهم في الوكالة الدولية للطاقة، اختفاء 40 طن يورانيوم كانت مباعة إلى لوكسمبورغ، ثم أعيد شحنها إلى إسرائيل.
بعد ذلك، أكد تقرير لصحيفة صنداي تايمز في تشرين الأول/أكتوبر 1986، نقلا عن خبير نووي إسرائيلي هارب، هو موردخاي فانونو [الذي ستختطفه الإستخبارات الإسرائيلية لاحقا، ويسجن في إسرائيل لمدة 18 سنة تقريبا، بتهمة إفشاء أسرار] عمل في مفاعل ديمونة لمدة عشر سنوات، وأوضح فيه أن إسرائيل تملك ما بين 150 ـ 200 سلاح نووي، انشطاري واندماجي ونيوتروني، وأنها رفعت قدرة مفاعل ديمونة إلى 150 ميغاوات.
لقد تبنت إسرائيل منذ اكتشاف برنامجها النووي العسكري استراتيجية الردع بالشك، وأنها لن تكون الدولة الأولي في امتلاك سلاح نووي، ولكنها لن تكون أيضا الدولة الثانية، ولذلك قامت بقصف مفاعل أوزيراك النووي العراقي وتدميره في عام 1981، إلا أن معظم قادة إسرائيل وأخرهم إيهود اولمرت اعترفوا بصور مختلفة أن إسرائيل دولة نووية ولديها سلاح نووي.
المفاعلات والمنشآت النووية التكميلية
تملك إسرائيل تجهيزات نووية مهمة ربما تفتقر لها عدة دول أوروبية، وتحتوي هذه التجهيزات على 4 مفاعلات نووية Atomic reactors، 4 مسرعات نووية Nuclear accelerators ، وعدد من أجهزة فصل النظائر Isotope separators، والتحليل والتكسير النظائري كالمطايف الكتلية الكبيرة Mass – spectrometers، والميكروسكوبات الالكترونية، وأجهزة رصد وقياس وكشف الإشعاعات، ومولدات النيترونات Neutron – generators، وغيرها. وتملك مؤسسة الطاقة الذرية الإسرائيلية المفاعلات النووية، في حين تتوزع باقي الأجهزة، وكذلك ملكيتها، على الجامعات والمعاهد التقنية، ولكن تعمل تحت إشراف المؤسسة النووية.
أولا: المفاعلات النووية
1 ـ مفاعل ريشون ليتسيون: يعتبر أول مفاعل نووي يقام في إسرائيل. بدأ العمل في إنشائه في 20/11/1954، وبدأ تشغيله في 12/2/1957 بالتعاون مع شركة AMF – Atomics الأميركية، وهو من النوع الحراري غير المتجانس Thermal Heterogeneous بطاقة 8 ميغاوات حراري، لأغراض البحث العلمي وإنتاج النظائر المشعة، والاستفادة بتطبيقاتها في ميادين الطب والزراعة والصناعة وأبحاث المياه والجيولوجيا. كما يسمح هذا المفاعل بتنفيذ برامج خاصة مع المؤسسات العلمية والكليات والمعاهد التكنولوجية والصناعية، لتخريج طلاب ماجستير ودكتوراه في مختلف أفرع العلوم والهندسة النووية. أما الوقود المستخدم في تشغيله فهو اليورانيوم الطبيعي بنسبة 80 في المئة، ويورانيوم 235 بنسبة 20 في المئة بكمية 12.5 طن سنويا. ويستخدم الماء الثقيل كمعدل ومهدئ Moderator، والغازات للتبريد، وبلغت تكاليفه حوالي 42 مليون دولار. وأهم منتجات هذا المفاعل من النظائر المشعة : الارغون، الانتيمون، الزرنيخ، البروم، الكلور، إلىود، النيكل، الفوسفور، والصوديوم. ويقع على طريق ثانوي بين مستعمرة ناحال يهودا ومدينة ريشون لتسيون، وبالضبط، شمال المدينة بحوالي 800 متر.
2 ـ مفاعيل ناحال سوريك : أقيم هذا المفاعل في منطقة ناحال سوريك على مسافة 25 كم جنوب تل أبيب، وقامت بإنشائه شركة Atomics International الأميركية، وهو من طراز 1 ـ ERR، مثل مفاعل ريشون لتسيون. بدأ العمل في إقامته في 17/1/1957، وتم تشغيله في 18/1/1959 بطاقة 5 ميغاوات ارتفعت إلى 8 ميغاوات وهو من النوع (البركي، الصهريجي) الذي يستخدم الماء العادي للتبريد. ويستخدم المفاعل في تشغيله اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة، حيث أن كتلته الحرجة تساوي 16.4 كغم من اليورانيوم 235. وكانت الولايات المتحدة قد زودت إسرائيل بـ50 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة، وذلك كوقود للمفاعل. وقد تكلف إنشاء هذا المفاعل 30 مليون دولار. وبالإضافة لإنتاج النظائر المشعة، يستخدم مفاعل ناحال سوريك في إجراء البحوث النووية، وقد ساعد على كشف الكثير من الأسرار العلمية، ومكن العلماء والفنيين النوويين الإسرائيليين من الحصول على الخبرات اللازمة للتعامل، بعد ذلك، مع التجهيزات والمواد النووية، كما أهلهم لخوض غمار مشاريع أكثر طموحا في ديمونة، حيث حقق الخبرات العملية في مجال فصل البلوتونيوم. ولكن لا يمكن أن يتم فصل البلوتونيوم 239 في هذا مفاعل ناحال سوريك، نظرا لقلة النظير من اليورانيوم 238 في الوقود النووي. إلا أن البيانات التي تنشر عن معدل إنتاج مختلف النظائر المشعة التي يتطلبها برنامج الطاقة النووية، والمعاهد العلمية بإسرائيل، وهو حوالي 9 كوري في السنة، يجعلنا نتأكد أن هذا المفاعل وما زود به من إمكانات وتجهيزات لا يمكن أن يكون قد أنشئ لغرض تطوير البحوث في مجال النظائر المشعة فقط، بل لإتمام عملية فصل البلوتونيوم الذي أنتجه مفاعل ديمونة بعد ذلك، خلال فترة ما قبل الانتهاء من بناء المختبرات الساخنة أو المعمل الكيماوي في مفاعل ديمونة. ويستخدم مفاعل ناحال سوريك في إنتاج النظائر وأهمها: الفضة، الكالسيوم، الكروم، النحاس، الكبريت، والزنك. أما الخلايا الحارة في مفاعل ناحال سوريك فهي : خلية لاستقبال النواتج الأولى، خلية لغسيل وتعقيم العبوات، خلية لمعالجة النفايات، خلايا لتجهيز الناتج وتحضيره، خلية لتغليف الناتج النهائي. وتستهدف النظائر التي ينتجها المفاعل في مجالات الزراعة، والطب، والصناعة، والبحوث الجيولوجية. ويتواجد هذا المفاعل ضمن مركز للأبحاث النووية بمنطقة ناحال سوريك، وتنبع أهميته من كونه القناة الشرعية التي تحصل إسرائيل من خلالها على جميع أسرار التقنية النووية واحتياجاتها من الأجهزة والمعدات والمواد من الولايات المتحدة، كما تتم فيه عملية تخصيب يورانيوم بالليزر، وقد خضع هذا المفاعل للتفتيش من قبل الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الأولي من إنشائه، تم تولت الوكالة الدولية الإشراف عليه بعد ذلك.
3 ـ مفاعل ديمونة: يعتبر المنشأة النووية الرئيسية في البرنامج النووي الإسرائيلي، وبواسطته أمكن لإسرائيل تصنيع ترسانتها النووية الضخمة، ويقع مبنى المفاعل شمال غرب مدينة ديمونة، على طريق بئر سبع ـ ديمونة في أسفل جبل ديمونة. وتحيط بالمفاعل غابة من الأشجار تم غرسها، أطلق عليها غابة بن غوريون. وتحتوي منشأة ديمونة على تسع منشآت متخصصة، هي : جسم المفاعل النووي، وهو عبارة عن بناية لها قبة يبلغ طولها حوالي 18 مترا، ومعمل إعادة التصنيع وفيه يتم فصل البلوتونيوم من وقود المفاعل المستهلك، وهو ما يعرف بالمعمل الكيماوي، ومعمل إنتاج مادة الوقود النووي، ومعمل معالجة النفايات النووية السامة، ومعمل تصنيع الوقود النووي وتغليفه، ومنشأة تأمين الخدمات والطاقة والمواد اللازمة للمنشآت الأخرى، ومدرسة فنية ومكتبة وقاعة محاضرات وعرض، ومعمل تخصيب اليورانيوم بعملية الطرد المركزي، ومعمل آخر لتخصيب اليورانيوم بالليزر. وقد تم بناء هذا المفاعل طبقا لتصميم المفاعل النووي الفرنسي (G-3) الذي بني في ميركول بفرنسا (والحرف G هو اختصار لكلمة جرافيت Graphite التي تستعمل في المفاعل كمعدل، وفيه، 14902 قطعة جرافيت تزن 1207 طن). ويستخدم مفاعل ديمونة الماء الثقيل (D 20) كمهدئ، والغاز كمبرد، واليورانيوم الطبيعي كوقود، تصل نسبة تخصيبه إلى 1.5 في المئة. في بداية تشغيله احتاج إلى 20 – 45 طن يورانيوم، وهو يشبه المحطة النووية الفرنسية التي تم تشغيلها في عام 1986 بقدرة 70 ميجاوات، وتعرف برمز (4 – EL). تم تشغيل مفاعل ديمونة بطاقة 26 ميغاوات، ثم رفعت في عام 1982 إلى 70 ميغاوات، وفي عام 1987 رفعت مجددا إلى 150 ميغاوات، ولا يزال يعمل بهذه الطاقة حتى اليوم. وقد قدمت فرنسا هذا المفاعل إلى إسرائيل في مقابل حصولها على سر إنتاج الماء الثقيل، الذي توصل إليه الإسرائيليون، وهي مادة باهظة التكاليف وليست سهلة الاستيراد. ولذلك ترتفع تكاليف هذا النوع من المفاعلات نتيجة ارتفاع ثمن الماء الثقيل، حيث تزيد التكاليف بحوالي 50 في المئة، عن تكاليف المفاعلات التي تستخدم الماء العادي كمهدئ. وتبلغ تكلفة إنشاء مفاعل ديمونة حوالي 130 مليون دولار. ويعتبر مفاعل ديمونة مفاعل أبحاث إنتاجي، يعمل بنظرية فصل البلوتونيوم 239، ويتميز باستهلاكه كمية أقل من الوقود الذي يستخدم في مفاعلات تخصيب اليورانيوم، الا أن في هذه المفاعلات توجد خطورة من ارتفاع نسبة التريتيوم في مكان وجو المفاعل، وتكمن هذه الخطورة في أن هذا البخار قد يتسرب إلى أجسام العاملين عن طريق الجلد والتنفس، الأمر الذي يفرض ارتدائهم ملابس وأغطية رأس واقية من خطر تسرب التريتيوم، ولا يخضع مفاعل ديمونة لأي نوع من الرقابة سواء من جانب فرنسا التي أقامته، أو الولايات المتحدة، ولا حتى الوكالة الدولية للطاقة النووية.
4 ـ مفاعل النبي روبين : قدم هذا المفاعل هدية لإسرائيل من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون في عام 1965. بدأ العمل فيه أوائل عام 1966، في منطقة النبي روبين الواقعة على نهر روبين (سوريك سابقا)، بطاقة قدرها 250 كيلووات حراري، وبهدف معلن هو توليد الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر. ويستخدم اليورانيوم الطبيعي كوقود والجرافيت كمعدل، وثاني أوكسيد الكربون والهواء المضغوط كمبرد، ويستهلك من 25 – 30 طن يورانيوم سنويا. وقد شارك في تصميمه شركة أتوميكس إنترناشيونال الأميركية مع مجلس الأبحاث العلمية الإسرائيلية، وقدرت تكاليف إقامته بحوالي 200 مليون دولار.
هذا المفاعل قادر على إنتاج 417 مليون لتر مياه عذبة، ويمكن زيادتها إلى 675 مليون لتر يوميا، كما ينتج العديد من النظائر المشعة لاستعمالات الطب والزراعة والصناعة كذلك بإمكانه إنتاج البلوتونيوم.
ثانياً: مراكز البحوث النووية
تتفرع إلى أربعة مؤسسات رئيسية:
1 ـ مؤسسة الطاقة النووية الإسرائيلية : صدر قرار بتأسيسها عام 1952، وكانت تابعة لوزارة الدفاع، ثم ألحقت في عام 1966 بمكتب رئيس الوزراء، وتعتبر مسؤولة عن رسم وتوجيه سياسة الحكومة في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي، سواء فيما يتعلق باستخداماته السلمية أو العسكرية، والتنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة بهذا البرنامج داخل وخارج إسرائيل. ولذلك يوجد لهذه المؤسسة أنشطة ملموسة في جميع الجامعات والمعاهد العليا والتكنولوجية الإسرائيلية. كما لها علاقات وطيدة مع المؤسسات النووية في كثير من دول العالم. ومن أهم أنشطتها وضع خطط الأبحاث النووية في المؤسسات العلمية والبحثية بإسرائيل، والإشراف على إدارة جميع المنشآت النووية وتحديثها. وأبرز وأهم لجانها لجنة الأبحاث النووية، ولجنة الطاقة للقوى الكهربائية والمياه، ولجنة تطبيقات النظائر المشعة، ولجنة الأمن لتقدير الأخطار النووية، ولجنة التشريعات النووية.
2 ـ معهد وايزمان للعلوم : يقع في مدينة راحبوت قرب الرملة. تأسس في عام 1934 (قبل قيام إسرائيل)، وقد تولى الإشراف عليه لفترة طويلة، حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل. وتخصص في البداية في دراسة الكيمياء العضوية والأحياء الميكروبية، ويعتبر أهم وأكبر المعاهد والمراكز العلمية والتقنية في إسرائيل، إذ يحتوي على عدد كبير من الأقسام العلمية الهامة منها: قسم الأبحاث النووية والالكترونية والرياضيات التطبيقية، وقسم الأشعة تحت الحمراء والكيمياء التصويرية، وقسم أبحاث النظائر المشعة، وقسم الكيمياء العضوية وقسم التجارب البيولوجية، ولذلك فهو مجهز بأحدث الأجهزة والمعدات العلمية والعقول الإلكترونية. كما أنه مسرع نووي. وتنشر أبحاثه في أهم المجالات العلمية على مستوي العالم، ويمنح شهادات الماجستير والدكتوراه، ويحاضر فيه علماء من مختلف أنحاء العالم.
3 ـ معهد إسرائيل التقني (التخنيون): يقع هذا المعهد في جبل الكرمل في حيفا. تم تأسيسه في عام 1924، وتحول لاحقا إلى جامعة، وإن بقي معروفا باسمه، ويعد من أكبر وأهم مؤسسات التدريس والأبحاث في العلوم التكنولوجية في إسرائيل. يضم ما يزيد عن 4000 طالب. وعدد مشاريع البحثية تصل إلى 1200 مشروع. ويمنح درجات الماجستير والدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا ويعمل به مجموعة من كبار العلماء في شتى الفروع والتخصصات، يبلغ عددهم حوالي 500 أستاذ ومحاضر متفرغ.
أما أهم أقسامه، فهي : مؤسسة الأبحاث والتطوير، وقسم الهندسة النووية، ومعامل كيماوية وميكانيكية، وفيه مدرسة فنية عالية لتدريب الفنيين والمتخصصين في الهندسة والبناء، وصناعة الأجهزة والإلكترونيات والطيران ومركز غوليدج الالكتروني، ومعمل لدراسة الميكروبيولوجي العامة والصناعة. ويخدم خريجو قسم الهندسة النووية في المنشآت النووية فور تخرجهم، وكان يتم تدريبهم فيها من قبل ذلك، وهو يماثل إلى حد كبير معهد ماساشوستس التكنولوجي في الولايات المتحدة. ومن أهم فروع التخنيون معهد اينشتاين للفيزياء، وهو خاص لأعداد علماء الطبيعة النووية، وأجراء أبحاث في مواضيع الأشعة الكونية وفيزياء الحالة الصلبة وطبقات الجو العليا.
4 ـ جمعية الأشعة الإسرائيلية : يتركز نشاطها في ميدان السلامة النووية والحماية من الإشاعات. وتضم جميع العلماء والخبراء العاملين في مجال قياس الأشعة في المفاعلات والمعامل النووية، ومناطق دفن النفايات النووية، وتقوم بقياسات دورية لنسبة الإشعاع في الجو وفي المياه، كما تشرف على سياسة الرصد الإشعاعي في إسرائيل والمناطق المحتلة للإنذار عنها. وتشارك هذه الجمعية في عدة منظمات دولية مهتمة بهذا المجال، وتشارك في مؤتمراتها وأبحاثها.
النفايات النووية والإشعاعية
تعمل في مجال معالجة هذه النفايات عدة منشآت متخصصة، أبرزها :
1 ـ معمل معالجة النفايات النووية والإشعاعية: أنشئ هذا المعمل في عام 1975، بجوار مفاعل ديمونة لمعالجة النفايات المشعة التي تنتج عن جميع المنشآت النووية في إسرائيل. حيث يتم نقلها إلى هذا المعمل، قبل أن يجري تسخينها في فرن خاص، وتخلط هذه النفايات مع السكر، بتركيز يبلغ كيلوغرام من السكر لكل 150 لتر من السائل، وهذه الطريقة تحلل الحامض وتزيد تركيز إشعاعية النفايات إلى 2000 (كوري) في اللتر الواحد. ثم يعبأ السائل في خزان سعته 6500 لتر لمدة سنتين تقريبا.
تسمى هذه العملية بالتخزين المؤقت، ولها عدة فوائد أهمها : أنها تمنع تلوث أو تعرض الأفراد لهذه النفايات. كما تسمح بمعرفة خواص النفايات، ودراسة تحولها تمهيدا لتخزينها بصفة دائمة. ويمكن استخدام مخازن مؤقتة لتخزين الوقود النووي المستهلك قبل معالجته للحصول على مكوناته النووية، وهذه المخازن تتوافر فيها شروط وقائية عالية، مع استخدام دروع وقائية من الرصاص حول المخازن. وبعد سنتين تتم معالجة هذه المواد عن طريق الترسيب الكيميائي، ثم عن طريق الترشيح والامتصاص، وتحول إلى أجهزة التقطير لفصل مكوناتها. بعد ذلك تحول إلى أحواض التجفيف والكلسنة. وللتخلص نهائيا من هذه النفايات توضع في أوعية رابطة من الأسمنت، سعة الواحدة 20 لتر، وتغلف بمادة البيتومين، ثم تغلف مرة ثانية بمادة بوليميرية، وتغلف مرة ثالثة بمواد زجاجية أو سيراميكية، بعدها تدفن في أعماق الأرض.
تراعى عدة شروط في أماكن تخزين النفايات أهمها : ضرورة استقرار الطبقات الجيولوجية مع عدم احتمال حدوث هزات أرضية في أماكن دفنها. كما يتطلب التخزين، وجود مصدر دائم لتبريد النفايات نظرا للحرارة العالية المنبعثة منها. وأن يعمل الموقع الذى تدفن فيه النفايات، كدرع حاجز للإشعاع الناتج عن النفايات، مثل مصائد الملح. وأن يكون خاليا من الرطوبة، وفي مأمن من الحرائق والأخطار، وقريبا من المنشآت النووية، وبعيدا عن مصادر المياه الجوفية.
إن كافة هذه المواصفات تجعل من نفس منطقة المفاعل، على بعد كيلومتر منه هو المكان الملائم لدفن النفايات. لذلك فإن منطقة ديمونة تقع فوق القرية الفلسطينية (كرنوب)، وهى مبنية على صخور جيرية من العصر الطباشيرى المتوسط، وتوجد تحت هذه الصخور مباشرة صخور ما قبل الكمبرى Precambrian، وتحيط صخور مارلية Marl، وهى صخور جيرية وطينية 50 في المئة – 50 في المئة، من العصر الطباشيرى المتأخر. واحتمال وجود مياه جوفية في هذه الصخور بأنواعها الثلاثة، قليل، نظرا لأن مساحاتها صغيرة، ونفاذيتها منخفضة ومعدل سريان المياه الجوفية فيها بطئ جدا. ولذلك فإن هذه الصخور غير صالحة طبيعيا، لأن تكون خزانات مياه جوفية.
المخاطر الإشعاعية على الدول العربية
بدأ أول المفاعلات النووية العمل في إسرائيل عام 1957. والثانى والثالث بعد سنتين. كما دشن آخر هذه المفاعلات عام 1966. لكن بناء معمل معالجة النفايات في ديمونة، تأخر حتى سنة 1975، ما يؤدى إلى استنتاج واضح، وخطير، وهو : أن هذه المفاعلات، قد أنتجت نفايات نووية مشعة، بقيت من دون معالجة مدة خمسين سنة. والسؤال المطروح هو أين تم دفن هذه النفايات؟. وفي ظل أى شروط للأمان جرى تجميعها ونقلها ودفنها، خاصة في ضوء التسريبات الإعلامية والنقاشات التي دارت داخل الكنيست، حول أضرار هذه النفايات، وإصرار المسؤولين الإسرائيليين على التعتيم بحجة الحفاظ على الأمن القومي..؟!.
والخطر الواضح، حاليا، خاصة بعد إنشاء معمل معالجة النفايات، الصادرة عن مفاعل ديمونة، هو ما يطلقه المعمل الكيماوى في الجو من غازات ملوثة ومشعة، حيث تحمل الرياح السائرة هذه الغازات عبر الحدود الأردنية، حيث لا تزيد المسافة الفاصلة بينها وبين مفاعل ديمونة عن 40 كم. وكذلك عبر الحدود المصرية التي لا تبعد سوى 70 كم. وتطلق هذه الغازات، رغم علم مؤسسة الأرصاد الإسرائيلية جيدا، أن اتجاه الرياح السائدة في هذه المنطقة هي شرقية ـ جنوبية غربية.
الحوادث الإشعاعية في “إسرائيل”
من المعروف أن المفاعلات العاملة في إسرائيل تعتبر من الجيل القديم التي تم بناؤها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وقد تعرضت لتعديلات عديدة لرفع قدراتها وقوتها. وومن المفترض ألا يتم مثل هذا التطوير والتحديث في المفاعلات، إلا يتم إلا بتغيرها كاملة، ابتداء من المبنى وحتى الخزانات. لذلك، فإن تحديث المفاعلات الإسرائيلية دون أحداث هذا التغيير، يتسبب في وقوع حوادث نووية مختلفة.
لقد تم رفع طاقة مفاعل ديمونة من 26 ميغاوات إلى 150 ميغاوات، دون تغير غرفة حرق اليورانيوم. فزيدت أعداد قضبان اليورانيوم، وتم حشرها في المساحات الفراغية التي كانت موجودة بالغرفة، عند بداية التشغيل عام 1963، الأمر الذى نتج عنه مشاكل في إدخال وإخراج الأنابيب التي تحوى هذه القضبان، وتسبب باعوجاجها، إضافة إلى أن قبة المفاعل ومبنى التبريد لم يطرأ عليهما أى تغيير، منذ بدأ تشغيل المفاعل. وقد يترتب على هذا التعديل، تسرب للمياه الثقيلة المشعة، نتيجة للشروخ التي تصيب أنابيب اليورانيوم، وبالتالى تلوث إشعاعى في المنطقة المحيطة بالمفاعل. وقد تأكدت هذه المعلومات من مصادر كثيرة ومن صور الأقمار الصناعية.
الرصد الإشعاعي في الدول العربية:
في إطار مشروعها للرصد الإشعاعي البيئي في الدول العربية، عقدت الهيئة العربية للطاقة النووية عددا من الاجتماعات، بحضور خبراء الرصد الإشعاعي في الدول العربية، بغية دراسة واقع وآفاق التعاون العربى في هذا المجال. وقد تم استعراض قدرات القياس الإشعاعي البيئي في الدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة، وجاءت على النحو التالي :
1 ـ لبنان : يتكون مشروع الرصد الإشعاعي البيئي في لبنان من محطة واحدة عاملة بالتعاون مع هيئة الأرصاد الجوية.
2 ـ الأردن : تتكون شبكة الرصد الإشعاعي من 19 محطة عاملة لقياس المستوى الإشعاعي الحامي، ومحطة واحدة لقياس المستويات الإشعاعية في الهواء.
3 ـ مصر : تتكون الشبكة من 84 محطة عاملة، منها 15 رصد مائية، و15 لقياس الهواء.
4 ـ سوريا : تتكون الشبكة من 9 محطات مراقبة ثابتة، وجهازين لمسح الملوثات والعوائق الهوائية.
5 ـ السعودية : تتكون الشبكة من 15 محطة، 5 منها للعوالق الهوائية.
وقد صدرت توصيات عن هذه الاجتماعات، تشكل أساسا للتعاون بين الدول العربية المحيطة بإسرائيل، وأبرز هذه التوصيات: التعاون والتكامل في تطوير البرمجيات والتجهيزات الالكترونية المتعلقة بالرصد الإشعاعي البيئي. وذلك، بهدف الوصول إلى بناء القدرة الذاتية لبناء وتشغيل شبكات الرصد الإشعاعي، ودراسة تحديد أسلوب وكيفية إتاحة معلومات الرصد الإشعاعي البيئي للدول العربية فيما بينها. كما تضمنت التوصيات إصدار وثيقة تبني أسلوب جمع العينات الغذائية والبيئية، العمليات الإجرائية، وقياسها وتفسير النتائج، هذا بالإضافة لضرورة الاهتمام بخطة الطوارئ النووية على المستوين القطري والقومي التي أعدتها الهيئة العربية للطاقة النووية، والاستفادة من خبرات الدول العربية في هذا المجال.
إسرائيل والاتفاقيات الدولية
دأبت إسرائيل على تحدى قرارات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. كما أن إسرائيل تعتبر الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم توقع بعد على اتفاقية حظر الانتشار النووي، ولم تخضع منشآتها النووية للرقابة الدولية، وهذا ما يجعل المنطقة غير آمنة ومهددة دائما، بمخاطر الأسلحة النووية والحوادث الإشعاعية التي قد تنجم عن النشاط النووي وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
ولكن هذه الدولة القائمة على العدوان واغتصاب الحقوق العربية، ظلت تتحدى بصلف الإرادة الدولية. ولقد طالبت وفود الدول العربية في المحافل الدولية، دائما، بضرورة انضمام إسرائيل لمعاهدة خطر الانتشار النووي، ووضع جميع منشآتها النووية تحت نظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة النووية، والانصياع لقرار مجلس الأمن رقم 487 لعام 1981، والذى طالب إسرائيل، صراحة، وعلى وجه السرعة، بوضع منشآتها النووية تحت إشراف نظام الوكالة الدولية للطاقة النووية.
كما تشدد الوفود العربية على ضرورة التزام دول الشرق الأوسط في اتخاذ ما يلزم من خطوات عملية عاجلة لتنفيذ الاقتراح الداعى إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، وأن تعلن إسرائيل رسميا، أنها ستمتنع عن إنتاج الأسلحة النووية، والأجهزة المتفجرة النووية، أو الحصول عليها أو حيازتها على أى نحو.
فإسرائيل عضو في الوكالة الدولية لطاقة النووية منذ عام 1957، ولكنها رفضت الإنضمام إلى اتفاقية منع الانتشار النووي NPT، كما أنها غير موقعة على البروتوكولات الإضافية الخاصة بها، وهي تتعلق بحظر إنتاج وتصنيع وتطوير الأسلحة البيولوجية لعام 1972. كذلك، فإن الدولة الصهيونية رفضت التوقيع على القانون الدولى للتعاون ضد انتشار الأسلحة الباليستية لعام 2002، بينما وقعت عام 2006 على اتفاقية الأمم المتحدة لمنع أعمال لإرهاب النووي. وبالغم من عضوية إسرائيل في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية OPCW، فإنها لم تصدق هذه الاتفاقية، بتاتا.
رؤية تحليلية
لا شك في أن تقرير الهيئة العربية للطاقة النووية يلقى الضوء بتركيز، على خطورة البرنامج النووي الإسرائيلي، سواء من حيث ما ينتجه من مواد انشطارية، تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية بأنواعها المختلفة، أو من حيث المخاطر البيئية الناتجة عن تشغيل المنشآت النووية التابعة لهذا البرنامج، في غيبة رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية.
ولتوضيح النقطة الأولى الخاصة بالحجم الضخم لكمية البلوتونيوم 239 الذى ينتجه مفاعل ديمونة. فأنه يمكن معرفة هذا الحجم من المعادلة التي تقول بأنه من كل طن متري من اليورانيوم الذى يتم حرقه في المفاعل، يتم استخراج 1000 غرام من البلوتونيوم في السنة، طبقا لقدرة المفاعل بالميغاوات، في عدد أيام تشغيل المفاعل في السنة : قوة المفاعل x 300يوم/ 1000 = عدد كيلوغرامات البلوتنيوم في السنة.
طبقا لهذه المعادلة، فإن مفاعل ديمونة قد أنتج في فترة عمله بطاقة 26 ميغاوات 148 كيلوغرام، وفي الفترة الثانية عندما أصبح بطاقة 70 ميغاوات، 105 كيلوغرام، وفي الفترة الثالثة، وحتى اليوم، عندما ارتفعت طاقته إلى 150 ميغاوات 45 كجم. وإجمالي هذه الكمية، خلال 44 سنة، هو 1153 كيلوغرام بلوتونيوم.
فإذا علمنا أن قنبلة البلوتونيوم 20 كيلو/طن (مثل قنبلة هيروشيما)، تحتاج إلى 6 ـ 8 كغم بلوتونيوم، فإنه يكون بحيازة إسرائيل حاليا 164 قنبلة 20 كيلو/طن. ولكن الفنى النووي الإسرائيلى موردخاى فانونو، كشف عن أن إسرائيل تملك أكثر من 200 سلاح نووي. وهذه الشهادة، تعني أن الأسلحة النووية الإسرائيلية (قنابل ورؤوس صواريخ ومقذوفات) ليست كلها معدة للإستخدام الإستراتيجي، بقدرة 20 كيلو/طن، بل يوجد عدد من الأسلحة معد للإستخدام التكتيكي، بقدرات تتراوح ما بين 1 ـ 10 كيلو/طن، ما يتيح استخدامها في ميادين المعركة التكتيكية، ضد أهداف عسكرية منتقاة.
وقد أشار كتاب “خيار شمشون” إلى أن إسرائيل، رصدت حوالى 500 هدف استراتيجى مدني وعسكري في كل الدول العربية، من أجل قصفها نوويا، في حال نشوب حرب شاملة. وتشمل هذه الأهداف مدنا ومحطات طاقة، وسدود ومياه وحقول نفط ومطارات وموانئ، وبنى تحتية أساسية، بالإضافة، طبعا، إلى الفرق العسكرية والمقرات الدفاعية. وهذه الأهداف، يتحتم ضربهم نوويا، طبقا لسيناريو “الملاذ الأخير” الوارد في هذا الكتاب.
يبرهن هذا السيناريو ، حجم المخاطر التي تشكلها الترسانة النووية الإسرائيلية على البلدان العربية حاليا ومستقبلا، خاصة في ظل الخلل القائم في الميزان الاستراتيجى لصالح إسرائيل بسبب احتكارها النووي، وتفوقها في الأسلحة التقليدية والكيماوية والبيولوجية على الجيوش العربية. ويضاعف هذه المخاطر المساعدات العسكرية المادية والتقنية التي تؤمنها لها الولايات المتحدة الأمريكية.
أما فيما يتعلق بالمخاطر البيئية التي شكلها مفاعل ديمونة على المنطقة، فلا بد أن ندرك انه طبقا للمعدلات الزمنية لتشغيل المفاعلات النووية، استنادا للمعايير الدولية، فإن العمر الافتراضى لأى مفاعل ينبغى إلا يتجاوز 25 سنة، يتوقف بعدها عن العمل. طبقا لهذا المعيار، فإن مفاعل ديمونة بلغ سن الشيخوخة، وكان من المفترض أن يكون قد أحيل إلى التقاعد، وأغلق منذ عام 1985.
أما استمرار تشغيل إسرائيل هذا المفاعل، حتى اليوم، بعد أن تعدى العمر الافتراضى مرتين، فينطوي على مخاطرة كبيرة، خاصة في ظل رفع قدراته مرتين دون تحديثه. وبذلك يكون دخل مرحلة الخطر ويشكل قنبلة نووية موقوتة في المشرق العربي. وقد سبق أن حذرت الوكالة الدولية للطاقة النووية وهيئات دولية أخرى مسئولة عن البيئة، من وضع مفاعل ديمونة، بل وأشارت إلى احتمال حدوث كارثة نووية قد تحصد أرواح الملايين من أبناء المنطقة.
كما أن ارتفاع معدلات إنتاج البلوتونيوم، تفوق قدرة المفاعل المصمم لها، ما يرفع مستوى المخاطر المحدقة. وبالفعل، بدأت تظهر ملامح هذه المخاطر داخل إسرائيل في منطقة ديمونة، عندما أذاع التلفزيون الإسرائيلى أن عشرات العاملين في المفاعل أصيبوا بأمراض سرطانية خطيرة، رفعوا بسببها قضايا أمام المحاكم الإسرائيلية، للمطالبة بتعويضهم ماليا، ما تعرضوا له من تسربات إشعاعية، يقال أنها ناتجة عن حدوث شروخ في جسم المفاعل. ومن دلائل هذه المخاطر أيضا، قيام إسرائيل في الآونة الأخيرة، بتوزيع دواء (لوغول) المضاد للإشعاعات النووية على الإسرائيليين، الذين يسكنون في مناطق (ديمونة)،وفي (يفنا ويروحا) وهى القريبة من المفاعل، وذلك، في اعتراف غير مباشر بخطورة الموقف.
أما عملية دفن النفايات النووية الإسرائيلية، فأنها مصدر تهديد لا يقل عن المخاطر الناتجة عن استمرار تشغيل مفاعل ديمونة نفسه. وتشير الأرقام الرسمية الإسرائيلية إلى دفن حوالى 50 ألف طن نفايات في صحراء النقب. وربما يكون الرقم الحقيقي أكبر بكثير، نظرا للكميات الضخمة التي يتم حرقها من اليورانيوم الطبيعى في مفاعلات إسرائيل الأربعة، وليس في ديمونة فقط، خصوصا وأنه مع مرور الزمن تتآكل الحاويات التي تضم هذه النفايات. وقد ظهرت تشققات في حاويات مماثلة في الولايات المتحدة بعد 20 سنة من دفنها، ناهيك عن الزلازل والهزات الأرضية التي تتعرض لها هذه المنطقة من وقت لآخر نتيجة لوقوعها فوق فالق أرضى معروف شرق أفريقيا.
كما تساعد التجارب النووية التي تجريها إسرائيل تحت الأرض على تشقق هذه الحاويات، وقد رصدت إحدى هذه التجارب بواسطة سفن أبحاث ألمانية وأميركية البحرين الأحمر والمتوسط في 3/10/1996. كما تحدث هذه التجارب تصدعات في جسم المفاعل نفسه. وبعد قيام إسرائيل بدفن نفايات نووية في مناطق أخرى من الأرض المحتلة، شملت جبال الجليل وجبل الشيخ في سوريا، وفي البحر المتوسط، وقد رصد انتشار أمراض سرطانية في هذه المناطق أدت إلى عقم الرجال والنساء وحدوث وفيات بين السكان.
وستزداد هذه المخاطر والتهديدات مع قرار إسرائيل الأخير ببناء مفاعل نووى جديد بطاقة 1000 ميغاوات. كما أعلن وزير البنية التحتية إيفي إيتام في 27/11/2003، عن صدور قرار إسرائيلي ببناء مفاعل نووى جديد في النقب لإغراض مدنية بحلول عام 2020، بتكلفة نصف مليار دولار، وسيكون في شكل محطة طاقة نووية ضخمة، وهى تقنية تملكها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا فقط ويحظر بيعها. إلا أن إسرائيل تصر على الحصول على هذه المحطة رغم عدم توقيعها على اتفاقية الحد من الانتشار النووي. فإذا كان مفاعل ديمونة بطاقته الحالية 150 ميغاوات قد أنتج هذه الكمية من المواد الانشطارية التي مكنت إسرائيل من تصنيع هذا العدد الضخم من الأسلحة النووية، فكيف سيكون كم وحجم الأسلحة النووية التي ستنتجها إسرائيل، بعدما تبني مفاعلا جديدا بطاقة 1000 ميغاوات..؟! هذا ما ينبغى أن تتنبه له الدول العربية، وتلتفت إلى مخاطره على كياناتها وشعوبها وأجيالها القادمة من بعد، وتسعى إلى منعه بمختلف الوسائل ومهما تكلفنا [نحن العرب] من جهد وثمن.
(1)المصدر : مختارات إسرائيلية،السنة الرابعة عشرة، العدد رقم 159، آذار/مارس 2008.
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/CISR86.HTM
(2) لواء أركان حرب متقاعد عربي من مصر.
COMMENTS