أدرجت الأمم المتحدة التحالف العدواني الذي تقوده السعودية ضد اليمن، على اللائحة السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في النزاعات والحروب. وحمل تقرير بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، السعودية والتحالف الذي تتصدره، مسؤولية انتهاك حقوق الأطفال في اليمن[1]. وأضاف بان كي مون في تقرير له صدر الخميس 2 يونيو/ حزيران أن “التحالف كان مسؤولا عن 60 في المئة من حالات الوفاة والإصابة التي لحقت بالأطفال خلال العام الماضي، أي مقتل 510 طفلا وإصابة 676 آخرين”[2].
السعودية على “قائمة العار”
وأشادت كيرستي ماكنيل، المسؤولة بمنظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية، بوضع اسم السعودية على ما وصفته بـ “قائمة العار”[3]. ووثق تقرير بان كي مون زيادة كبيرة في عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا بتشوهات خلال عام 2015، بلغت ستة أضعاف مثيلاتها لعام 2014، وأضاف أن هذه الزيادة مستمرة خلال العام الجاري. كما سجل التقرير ذاته ارتفاعا في عدد الهجمات التي طالت المدارس والمستشفيات، خلال عام 2015، نتيجة زيادة وتيرة الضربات الجوية واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان[4].
ويشن تحالف عسكري تقوده السعودية ويضم دولاً عربية وتركيا، وتدعمه الولايات المتحدة الأميركية، حرباً عدوانية ظالمة على اليمن منذ 26 مارس/آذار 2015، تحت مسمى “عاصفة الحزم”. وأكدت بحوث “هيومن رايتس ووتش”، و”منظمة العفو الدولية”، و”الأمم المتحدة”، ومقابلات مع الشهود والضحايا وصور ومقاطع فيديو عديدة، أكدت أن تحالف السعودية انتهك عدة بنود في مجال حقوق الإنسان واستهداف المدنيين والأطفال[5].
بالأرقام : اليمن ضحية العدوان السعودي
وكان “الائتلاف المدني اليمني لرصد جرائم العدوان السعودي” قد نشر تقريراً في شهر كانون الأول الماضي، يؤكد أن ضحايا العدوان من المدنيين ارتفع إلى 23 ألفًا و553 مدنيًا، منهم 7 آلاف و495 قتيلًا، و16 ألفا و58 مصابًا من النساء والأطفال والرجال.
وأكد “الائتلاف” أن العدوان السعودي دمر خلال 225 يوما، 105 خزانات وشبكة مياه و14 مطارا و108 محطات وشبكة كهرباء و340 جسرا وطرقات و104 شبكات اتصالات و10 موانئ و244 سوقًا شعبًيا و472 مخزنًا غذائيًا و52 منشأة سياحية و212 محطة وقود وألف و231 مدرسة ومركزًا تعليميًا و844 مؤسسة حكومية و103 مزارع دواجن و161 مصنعًا و29 ملعبًا رياضيًا و34 جامعة و214 مركزًا طبيًا ومستشفى و564 مسجدًا في كل المحافظات التي طالها العدوان.
العدوان السعودي “غير شرعي” و”مكلف”
استخدم التحالف السعودي خلال حربه على اليمن شتى أنواع الأسلحة وأشدها فتكًا، فصبت طائرات التحالف أطنانا من القنابل المدمرة والشديدة الانفجار على رؤوس المدنيين في المنازل، كما أنها لم تتوان عن استخدام الأسلحة المحرمة مثل القنابل العنقودية التي لعبت دورا كبيرا في ارتفاع الخسائر البشرية، ما جعل الصحف والمنظمات الحقوقية الغربية، تتهم السعودية بشن الحرب خارج أي إطار شرعي واستخدام أسلحة محرمة دولیًا ضد المدنیین.
وكشف المغرد السعودي الشهير “مجتهد” أن تكاليف الحرب التي تشنها حكومة بلاده على شقيقتها المجاورة، قد بلغت حتى نهاية العام الماضي 200 مليار ريال سعودي، والتكلفة اليومية لحرب اليمن بلغت 750 مليون ريال سعودي. وأضاف “مجتهد”، أن تكلفة الذخائر وقطع الغيار والإعاشة والتموين، وصلت في 9 أشهر إلى ٢٠٠ مليار ريال، وهي لا تشمل صفقات الأسلحة التي عقدتها السعودية مع بعض الدول الغربية، مثل أميركا وبريطانيا وكندا في محاولة لتعويض الخسائر[6].
حقوقيون : لوقف بيع القنابل العنقودية الأميركية للسعودية
وقد تسببت الجرائم السعودية ضد اليمن باندلاع نقاش في كندا ودول غربية أخرى، لإرغام الشركات الغربية. وكشفت صحيفة «أوبزرفر»البريطانية أمس النقاب عن أن مبيعات الأسلحة البريطانية إلى دول تصنفها لندن على أنها تنتهك حقوق الإنسان، سجلت رقما قياسيا العام الماضى بلغ ٣ مليارات أسترليني.
وقال أندرو سميث من حملة “ضد تجارة الأسلحة”، التى رصدت أرقام صادرات السلاح البريطانية، إن “هذه حالة واضحة لحكومة [بريطانيا التي] تقول شيء وتفعل شيئاً آخر، وتكشف الازدواجية الصارخة والنفاق فى قلب السياسة الخارجية البريطانية”[7].
وفي كندا طالب ناشطون “شركة جنرال ديناميكس لاند سيستمز” البريطانية في لندن، بوقف أو تعليق بيع معدات حربية تنتجها في كندا للسعودية لأنها تقتل اليمنيين. ويقول منتقدون إنه يجب إجبار الحكومة الكندية على إعادة النظر في صفقة بيع أسلحة ومعدات حربية كندية للرياض بقيمة 15 مليار دولار[8].
وحثت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، و”منظمة العفو الدولية” ومنظمات أخرى مناهضة لتجارة الأسلحة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لاستغلال زيارته إلى السعودية ووضع حد لبيع القنابل العنقودية للمملكة، وسط أدلة متزايدة تفيد بأن السعودية تستخدمها ضد المدنيين في عدوانها المستمر على اليمن.
وبحسب صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية، دعت تلك المنظمات الحقوقية الرئيس الأميركي إلى “اتخاذ موقف حاسم من الضربات الجوية السعودية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 3200 مدني في اليمن، والتي يمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم الحرب”. وقدمت “هيومن رايتس ووتش” أدلة للبنتاغون تثبت استخدام السعودية للقنابل العنقودية المحرمة دولياً في اليمن منذ بداية الصراع.
وقالت الباحثة بلقيس ويلي المختصة في شؤون اليمن، إنها شخصياً “وجدت قنابل عنقودية بريطانية وأميركية الصنع، بين أنقاض مباني المدنيين اليمنيين التي دمرتها طائرات السعودية”. وأضافت ويلي أن “هيومن رايتس ووتش”، “لاتريد وقف بيع القنابل فقط، بل فرض حظر على بيع الأسلحة الأوروبية والأميركية للسعودية بشكلٍ كامل”.
أما منظمة “العفو الدولية” فإنها وصفت بيع القنابل الأميركية والبريطانية للسعودية بالعمل “الصادم” وأنه “غير مسؤول”. وقالت أن “القنابل العنقودية، الأميركية الصنع، أسفرت عن مقتل وتشويه أعداداً كبيرة من المدنيين في اليمن. ورأى أوليفر سبراغ مدير برنامج الأسلحة لدى المنظمة في المملكة المتحدة، أن الآن هو الوقت المناسب لحظر بيع هذه الأسلحة للسعودية”. وبحسب ما يضيف سبراغ، على المملكة المتحدة التأكّد من أنه “لا يوجد جنود بريطانيين أو معدات بريطانية تساعد السعودية في اليمن”[9].
وكان ناشطون أوروبيون قد كشفوا في تقارير نشرت في بيروت، أن الحكومة الفرنسية قد باعت السعودية كامل مخزون جيشها من القنابل الذكية التي اشترتها من الولايات المتحدة، وذلك لدعم عدوان السعودية على الشعب اليمني.
الصحة العالمية : لإنقاذ 15 مليون متضرر في اليمن
وكانت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة قد أطلقت نداء عاجلا لدعم القطاع الصحي في اليمن. وناشدت المنظمة في النداء الذي أصدرته في نهاية السنة الماضية الدول الغنية تقديم 31 مليون دولار لضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية لحوالي 15 مليون يمني من المتضررين من العدوان السعودي ـ الأمريكي على بلادهم. وقالت المنظمة إن “هناك حاجة إلى التمويل، على وجه السرعة، بعد أن انهار النظام الصحي في اليمن” بفعل القصف السعودي، الذي “أدى إلى حرمان الملايين من الناس المعرضين للخطر من أي رعاية، وهم بحاجة إلى أدوية على وجه السرعة”.
ونقل مركز الأمم المتحدة للإعلام عن الدكتور أحمد شادول، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، قوله “هناك 20 محافظة من أصل 22 محافظة يمنية تأثرت” بالعدوان السعودي الذي بدأ في آذار 2015. وأضاف: إن التقديرات تشير إلى أن 80 في المئة من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية وهناك حوالى 15 مليون شخص لا يحصلون على الرعاية الصحية المناسبة. وأوضح شادول أن المرافق الصحية في اليمن أبلغت حتى كانون الأول الماضي عن مقتل 6 آلاف يمني، وأنها عالجت حوالي 28 ألفا آخرين. وأنها طلبت المساعدة الدولية. لتقليل خطر تفشي الأمراض وتوفير الأدوية المنقذة للحياة وتطعيم الأطفال للحد من الوفيات[10].
الأمم المتحدة تتراجع!
وبعد أربعة أيام على قراره، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إنه تعرض لضغوط شديدة لإزالة اسم السعودية وبعض حلفائها من القائمة السوداء للانتهاكات بحق الأطفال في النزاعات، وذلك على خلفية المشاركة في النزاع في اليمن. وأوضح بان كي مون أن الإدراج على القائمة السوداء أدى إلى تهديد عدد من الدول بقطع تمويل ضروري لكثير من برامج الأمم المتحدة، وهو ما كان من شأنه التسبب في معاناة لملايين آخرين من الأطفال. وقال الأمين العام للمنظمة الدولية إن قرار رفع التحالف بصفة مؤقتة من القائمة السوداء هو أصعب قرار اتخذه على الإطلاق[11].
ونقلاً عن موقع “يمن إنفو”، فقد ذكرت وكالة أنباء رويترز أن مسؤولا في الأمم المتحدة كشف عن تهديدات سعودية وخليجية و”إسلامية” وجهت ضد الأمين العام والمنظمة الدولية لإجباره على رفع اسم التحالف السعودي من القائمة السوداء بشأن حقوق الطفل في اليمن. وتضمنت التهديدات إصدار أو استصدار فتاوى إسلامية ضد المنظمة الدولية. وكشفت مصادر دبلوماسية وأممية للوكالة عن تهديدات سعودية وخليجية وإسلامية للأمم المتحدة، من بينها تلويح الرياض بوقف المساعدات للفلسطينيين “الأونروا”[12].
وتعليقا على رد الفعل السعودي، قال مصدر دبلوماسي آخر لرويترز طالبا عدم نشر اسمه “تنمر وتهديدات وضغوط” مضيفا أن ما حدث “كان ابتزازا بمعنى الكلمة”. وذكر المصدر أنه كان هناك تهديد أيضا “باجتماع شيوخ في الرياض لإصدار فتوى ضد الأمم المتحدة تقضي بكونها معادية للإسلام مما يعني أنه لن تكون هناك اتصالات بدول منظمة التعاون الإسلامي ولا علاقات ولا مساهمات ولا دعم لأي من مشروعات أو برامج الأمم المتحدة”[13].
وانتقدت منظمات معنية بمجال حقوق الإنسان الأمم المتحدة بعد إعلان رفع التحالف من القائمة. واتهمت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة بممارسة “مداهنة مخزية” بعد القرار الأخير، بينما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن المنظمة الدولية “رضخت لضغوط السعودية”[14].
مركز الحقول للدراسات والنشر
10 حزيران/يونيو 2016
[1] الراديو البريطاني، 3 حزيران 2016
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/06/160602_yemen_saudi_coalition_blacklisted_children
[2] الراديو البريطاني، 7 حزيران 2016
[3] الراديو البريطاني، 7 حزيران 2016
[4] الراديو البريطاني، 7 حزيران 2016
[5] وكالات، 3 حزيران/يونيو 2016
[6] هدير محمود، الثلاثاء، 15 كانون الأول/ ديسمبر، 2015
http://elbadil.com/2015/12/15//العدوان-على-اليمن-خسائر-تتزايد-وانقسا
[7] الأهرام، 30 مايو / أيار 2016
[8] http://www.awdnews.com/top-news/saudi-foreign-minister-we-are-in-dire-need-of-israeli-military-assistance-to-defeat-yemeni-rebels-after-all-we-are-historically-cousins
[9] الأخبار، الخميس ٢١ نيسان ٢٠١٦
[10] تقرير سكاي برس، بغداد، يوم 16/12/2015
[11] الراديو البريطاني، 9 حزيران 2016
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/06/160609_yemen_un_saudi_coalition_pressured
[12] يمن إنفو، 8 حزيران / يونيو 2016
[13] يمن إنفو، 8 حزيران / يونيو 2016
[14] الراديو البريطاني، 9 حزيران 2016
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/06/160609_yemen_un_saudi_coalition_pressured