… وفي تفاصيل مجريات الجلسة، كما نقلتها مصادر وزارية لـ”المستقبل”، أنّ النقاش حول “سد جنة” شهد مطالبة الوزير نبيل دي فريج مجلس الوزراء باعتماد اقتراحه القاضي بالاستعانة بالبنك الدولي لإجراء دراسة علمية عملية محايدة حول السد لإنهاء الجدل السياسي المحلي بشأنه، غير أنّ الوزير جبران باسيل سرعان ما أبدى اعتراض “التيار الوطني الحر” على هذا الاقتراح بذريعة أنه يستغرق كثيراً من الوقت. وخشية احتدام النقاش طلب رئيس الحكومة عدم إغراق المجلس بالتفاصيل وطلب إعطاء الملف مزيداً من الوقت لبحثه ودرسه تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب بشأنه من دون أن يوضح الموقف الراهن بالنسبة لمصير الأشغال الجارية في المشروع.
+++++++++++++++
النهار
الحريري: أنا المسؤول وسأفتح دفاترالانتخابات الهيئة الخاصة لا تقفل حسابات نواب الحزب
مع ان الاطلالة الرمضانية الاولى لزعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري لم تشف غليل من انتظروا توغله الى “دفاتر” التجربة الانتخابية البلدية وخلاصاتها تفصيلياً، فان الحريري بدا جازماً في “وعده” بان يفتح الدفتر تلو الآخر تباعاً في سلسلة الافطارات التي سيقيمها في “بيت الوسط” وأماكن أخرى. وأمام حشد من رؤساء الطوائف والمذاهب وممثليهم، بدا لافتاً ان الحريري سارع الى تبديد اي لبس حيال اتجاهاته الى التعامل مباشرة مع نتائج “العواصف” السياسية والاعلامية التي أثيرت حول “تيار المستقبل” عقب الانتخابات البلدية والاختيارية راسماً من خلال اطلالته الأولى الخط البياني الثابت للتيار وسياساته. وفي ما يمهد لقراءة نقدية صريحة منتظرة منه، أعلن بوضوح ان هذه الانتخابات “تشكل فرصة لمراجعة نقدية داخلية وتقديم كشف حساب سياسي ووطني وتنظيمي أمام اللبنانيين عموماً وامام أهلي وأحبتي وكل الاوفياء لخط الحريرية السياسية”، متعهداً :فتح العديد من الدفاتر بما أتحمله من مسؤوليّات تجاه جمهور تيار المستقبل واللبنانيين والحلفاء والخصوم”.
وحصر الحريري مواقفه أمس “بثلاث حقائق مركزية”، معلناً أولاً أنه لن يلقي المسؤولية في أي اتجاه “فأنا المسؤول عن استخلاص نتائج الانتخابات وساتحمل النتائج مهما كانت قاسية”. وشدد ثانياً على التمسك “بمدرسة رفيق الحريري في الاعتدال والعيش المشترك والانفتاح والمناصفة التامة بين المسيحيين والمسلمين”، مؤكدا “اننا سنبقى كذلك ولن تغير نتائج بلدية من هنا أو حملة اعلامية من هناك اقتناعاتنا هذه”، كاشفاً انه كان يزمع الطلب من المجلس البلدي المنتخب في بيروت الاستقالة لو انكسرت المناصفة. واذ شدد على “حقيقة ثالثة” هي تمسك تيار المستقبل باتفاق الطائف “بما هو مشروع بناء الدولة السيدة على كل أراضيها الممتلكة وحدها حصرية السلاح”، تطرق الى الموقف من المملكة العربية السعودية قائلاً ان المملكة “وقفت وتقف وستبقى تقف في كل المراحل مع لبنان لاجل مشروع الدولة فيه”، ان “كل من يعتقد ان بامكانه الاصطياد في ماء يريده عكراً فإن ما من شيء يمكنه ان يعكر العلاقة بيننا وبين المملكة العربية السعودية”.
وأعتبرت أوساط سياسية ان الاطلالة الاولى للرئيس الحريري في الافطار الرمضاني تميّزت بـ”الجرأة وعدم الاختباء وراء الاصبع والاستعداد لإعادة النظر في أمور عدة لا بد من إنتظار نتائجها”. ووصفت الكلمة بأنها كانت “راقية وهادئة ولم تدخل في الخلافات بل حلّقت فوقها”. ولفتت الى ان الحريري خلص الى “أن إتفاق الطائف هو الجواب الداخلي والعلاقات مع السعودية هي الجواب الخارجي فلا يفكّرن أحد بتغيير النظام أو بتغيير الهوية”.
ويشار في هذا السياق الى ان السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري سيقيم افطاراً في دارته باليرزة الجمعة المقبل دعا اليه رئيس الوزراء تمام سلام ورؤساء الوزراء السابقين ومفتي الجمهورية اللبنانية وسائر مفتي المناطق.
مجلس الوزراء
في غضون ذلك، علمت “النهار” من مصادر وزارية ان جلسة مجلس الوزراء أمس لم تمض وفق التوقعات السابقة لها بإنها لن تقلّع بسبب عقبة بند سد جنّة، لكن الامور مضت في إتجاه آخر مما أثبت نظرية مفادها “ان المجلس يمرّ بجلسة تنظير ثم يمرّ بجلسة عمل وهذا ما حصل” على حد تعبير المصادر.
وفي شأن إنسحاب وزيريّن من كتلة الكتائب الوزارية سجعان قزي والان حكيم إعتراضاً على بندين يتعلقان بتنفيذ خطة النفايات لانشاء مركزين موقتين للمعالجة والطمر الصحي عند مصب نهر الغدير وبرج حمود – الجديدة التي أقرّها المجلس سابقاً، صرّح الوزير قزي لـ”النهار”: “كانت ملاحظاتنا على البند انه يمكن تأجيله أسبوعاً كيّ نعرف أبعاد إنسحاب بلدية بيروت والاثر البيئي للمشروع وتوضيح نسبة الفرز ونسبة المعالجة في ضوء ما تردد من ان النفايات سترمى فقط وعدم تأثير المشروع على المشروع الانمائي الكبير (لينور) من ضبية الى بيروت مروراً ببرج حمود وتغيّر طبيعة الاسعار بحكم إنسحاب بلدية بيروت وبلديات أخرى وكل ذلك لضمان شفافية المشروع وعدم حصره بجهة واحدة تتولى التلزيم والتنفيذ والاشراف على التنفيذ الى آخره، وعليه إنسحبنا إعتراضاً وليس إستقالة كي لا نكون شهود زور”.
درباس
وصرّح وزير الشؤون الاجتماعية رشدي درباس لـ”النهار” أن رئيس الوزراء “إستطاع بحنكته فتح ثغرة في سدّ جنّة للنفاذ الى جدول الاعمال. ثم إستطاع وضع سدّ في وجه من يحاول أن يعيد مسألة النفايات الى المربع الاول”.
“حزب الله” والحاكم
في سياق آخر، عادت مسألة تنفيذ قانون العقوبات الاميركي على “حزب الله ” الى الأضواء في ظل موقف سلبي جديد اتخذه الحزب عبر كتلة “الوفاء للمقاومة ” من مجريات تنفيذ القانون ومن مواقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من هذا الملف. ورأت الكتلة أمس ان “استهداف الادارة الاميركية للمقاومة وجمهورها عبر القطاع المصرفي اللبناني سيبؤ بالفشل ولن ينجح في تحقيق أهدافه”. وبعدما اعتبرت ان الحكومة والمصرف المركزي “معنيان مباشرة بحماية سيادة لبنان واستقراره النقدي والاجتماعي”، انتقدت بشدة “الموقف الاخير لحاكم المصرف المركزي الذي جاء ملتبساً ومريباً وهو يشي بتفلت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية ولذلك نرفضه جملة وتفصيلاً”. وكانت الكتلة تعلق على تأكيد سلامة في حديث أخير له أن المصرف المركزي أقفل 100 حساب مرتبط بـ”حزب الله ” تطبيقاً للقانون الاميركي وان الأولوية هي لابقاء لبنان على الخريطة المالية الدولية.
غير ان معلومات أفادت في المقابل ان هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان خلصت أمس برئاسة سلامة الى قرار بعدم اقفال حسابات “جمعية المبرات الخيرية ” بطلب من أحد المصارف كما اتخذت الهيئة قراراً مماثلاً بعدم تجميد حسابات التوطين الخاصة برواتب نواب “حزب الله”.
++++++++++++++++++
السفير
ريفي يحل ضيفاً على “الشقيق الأكبر” في موناكو إنه “شدُّ الحبال” بين بهاء.. وسعد!
إنه الوقت السياسي اللبناني الضائع بامتياز. أطراف داخلية تنخرط في المشهد الإقليمي وأطراف تنتظر، وفي كل الأحوال، ثمة رهان مشترك على معادلات إقليمية ستفرض إيقاعها حتما على التسويات اللبنانية المؤجلة.
وفيما يدفع “حزب الله” باتجاه انخراط أكبر في المعركة السورية، في ظل تقديرات بأن الشهور المقبلة ستكون ملتهبة، وهو الأمر الذي أعاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تأكيده خلال لقاء عبر الشاشة مع مجموعة كبيرة من كوادر الحزب المنخرطين في الحرب ضد القوى التكفيرية في سوريا، كان زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري يحاول في بيروت لملمة تداعيات الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة على صعيد جمهوره وتياره، خصوصا أنها أبرزت تفسخات في “البيت الداخلي” سابقة للاستحقاق البلدي، فيما شكلت مواقف وزير الداخلية نهاد المشنوق الأخيرة، مضبطة سياسية، لم يكن الحريري بحاجة إليها في هذا التوقيت بالذات، بل كان يريد عكسها من أجل تحسين شروط مفاوضاته مع الديوان الملكي في ما يخص مستقبل “سعودي أوجيه” في السعودية.
ومع القراءة الإيجابية للخطاب الرمضاني الأول والهادئ للحريري، ليل أمس، أمام حشد روحي وسياسي واجتماعي، في دارته في بيروت، فإن اللافت للانتباه هو دخول بهاء الحريري، الشقيق الأكبر لزعيم “المستقبل”، على خط التناقضات الداخلية، وذلك عبر تعمده استقبال وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي في منتجعه الصيفي في موناكو، منتصف الأسبوع الماضي، وذلك في خطوة أعطيت طابعا ليس اجتماعيا، خصوصا أن بهاء الحريري سبق له أن بادر إلى الاتصال بسعد الحريري للتعبير عن احتجاجه على تبنيه جمال عيتاني رئيسا لـ”لائحة البيارتة” الائتلافية، وقال له إنه من غير الأخلاقي أن تتبنى من سرق مال أخيك الأكبر، (يتهم بهاء الحريري جمال عيتاني باختلاسات بعشرات ملايين الدولارات في “مشروع العبدلي” في الأردن).
ووفق المعلومات المتداولة في عاصمة الشمال، فإن بهاء الحريري ومنذ تلقيه جوابا سلبيا من شقيقه سعد، قرر التشويش وأوعز لـ”أصدقاء مشتركين” بالتواصل بينه وبين أشرف ريفي، حيث يجري الحديث عن تمويل تلقاه وزير العدل قبل أسبوع من موعد الانتخابات، أربك أكثر من جهة لبنانية، بحيث راح البعض يشير بأصابع اليد إلى هذا البلد العربي أو ذاك، فيما كان البعض يردد أن جهة لبنانية ما تولت تمويل حملة اللائحة التي يدعمها ريفي!
ومع انتهاء الانتخابات، كان بهاء الحريري في طليعة من هنّأوا أشرف ريفي ووجه إليه الدعوة لملاقاته في موناكو، حيث سمع منه مواقف سياسية أبرزها رفضه لكل الخيارات السياسية لشقيقه سعد وأبرزها تبني ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، فضلا عن احتجاجه على قرار المضي بالحوار مع “حزب الله”.
واللافت للانتباه أن بعض الوسطاء الشماليين دخلوا على خط ترطيب العلاقة بين سعد الحريري وأشرف ريفي عشية الانتخابات البلدية، لكنهم اصطدموا بمواقف قاسية لوزير العدل قال فيها إنه يرفض كلام زعيم “المستقبل” بأنه هو من صنع منه حيثية سياسية، وقال ريفي: “هو اختارني وزيرا لأنني أمثل حيثية، والدليل أنهم عندما عرضوا عليّ وزارة الشؤون قلت لهم لست مستوزرا أو من النوع الذي يقبل بأي وزارة.. وأنا رفضت هذه الحقيبة وتمسكت بحقيبة العدل وقبلوا معي”.
وعندما بلغ هذا الكلام سعد الحريري، انبرى للقول: “أنا أعرف من يشغّل أشرف هناك (في السعودية)”!
وتقاطعت هذه المعلومات مع “مؤشرات سلبية” تلقاها سعد الحريري من السعودية، وربما تكون هي التي جعلته يبالغ في ردة فعله إزاء الرواية المزدوجة التي ساقها وزير الداخلية في مقابلته الأخيرة مع “كلام الناس” (“السين سين” وترشيح فرنجية).
ووفق مصادر على صلة بقطاع المقاولات في السعودية، يحاول سعد الحريري إبرام اتفاق مع الحكومة السعودية بشأن مستقبل “سعودي أوجيه” من أجل ترميم وضعه المالي في لبنان والسعودية، غير أن أفضل التقديرات هناك لم تعطه أكثر من ربع مليار دولار (250 مليون دولار)، وهي الموازنة التي بالكاد ستكون كافية من أجل المضي في عقود صيانة قصور ملكية ومقرات رسمية تتولاها “سعودي أوجيه” منذ الثمانينيات حتى الآن.
الحريري يدافع عن “حقبة عبدالله”
وكان الحريري العائد من أداء مناسك العمرة، قد أعلن، أمس، أنه ومن موقعه على رأس الهرم في “تيار المستقبل”، لن يعفي نفسه من تحمل نتائج بعض الإخفاقات في الانتخابات البلدية “مهما كانت قاسية”. وكشف في إفطار على شرف الهيئات الدينية، شارك فيه وزير الداخلية، الى جانب الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة، أنه كان سيطلب من المجلس البلدي أن يستقيل لو انكسرت المناصفة في بيروت.
ودافع عن حقبة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، خصوصا لجهة تصديه لمحاولات تشويه الدين الإسلامي، مشددا على المضي في ممارسة فعل الاعتدال والتصدّى للفتنة “بكل ما أوتينا من قوّة”، وقال: “لكننا لن نسكت بالمقابل على أخطاءٍ ترتكبها بعض الأجهزة، وحملات التجني التي تشنّها بعض الجهات السياسية والإعلامية على الشباب المسلم بذريعة مكافحة التطرف والإرهاب.”
وأكد الحريري تمسك “تيار المستقبل” باتفاق الطائف، وأشاد بوقوف السعودية مع كل لبنان، “لا لأجل مشروعٍ لها ولا لأجل مصلحةٍ لها، ولا لأجل فئةٍ من اللبنانيين من دون أخرى”. وختم “أنّ ما من شيءٍ يمكنه أن يعكّر العلاقة بيننا وبين السعودية”.
+++++++++++++++++
الاخبار: حزب الله: مصارف متواطئة ومواقف سلامة مريبة
“المقاومة النقدية” صارت ضمن أولويات حزب الله. بيانات كتلة الوفاء للمقاومة تكرّس هذا الخيار مرّة بعد مرّة. والبيان الأخير أمس، حدّد أول هدف لهذه المقاومة بالمصارف المتواطئة للنيل من المقاومة وجمهورها، مشككاً في مواقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “الملتبسة والمريبة”. رسالة واضحة من الحزب تفيد بأن الضغوط الأميركية التي أفضت إلى إغلاق المصارف “عشرات الحسابات المصرفية” سيخصص لها الحزب أولوية على “القرار المتخذ أمس في هيئة التحقيق الخاصة بشأن عدم إقفال حسابات نواب حزب الله لدى أحد المصارف ولا حسابات جمعية المبرات الخيرية”.
كل كلمة ينطق بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أصبحت “قيد المتابعة”. قبل يومين، قال لقناة “سي أن بي سي” التلفزيونية: “لا نريد أن يكون بضعة لبنانيين السبب في تسميم صورة لبنان وتشويهها في الأسواق المالية”.
هذا الكلام أدرجته كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها أمس ضمن “مواقف سلامة المريبة والملتبسة”، مشيرة إلى أن الأميركيين يمارسون سياسة الابتزاز والضغوط المتعددة، وبينها الضغوط المصرفية على المقاومة وجمهورها، “وقد وجدت الادارة الاميركية في بعض القطاع المصرفي اللبناني ضالتها لتحقيق سياساتها”.
خلف هذا الهجوم تقع مجموعة مواقف وسلوك استدعت تصعيد اللهجة ضدّ سلامة، إذ تقول مصادر قريبة من الحزب إن “بعض المصارف أغلقت أو جمّدت الحسابات العائدة لمؤسسات اجتماعية وتربوية قبل أن ترسل الملفات المعللة لهيئة التحقيق الخاصة طبقاً لما ورد في الإعلام رقم 20، بل هي تعمل اليوم على إرسال ملفات إلى الهيئة”. وتشير إلى أن “عشرات الحسابات باتت مقفلة عملياً، إذ لا يمكن تحريكها رغم أنه لا يحق لأي مصرف أن يقوم بهذا الأمر طالما أن هيئة التحقيق الخاصة لم تمنحه الإذن بإقفال الحسابات أو عدم إقفالها”.
في رأي الحزب، إن هذا السلوك مخالف للمادة الثانية من الإعلام رقم 20 التي تنص على أن “كل من يخالف القانون سيتعرّض للملاحقة أمام الهيئة المصرفية العليا”، لكن هذا الأمر لم يدفع سلامة إلى التحرّك ومعاقبة المخالفين، وخصوصاً أن ثاني أكبر مصرف لبناني (بنك لبنان والمهجر) هو بين بضعة مصارف أقفلت حسابات، فيما تراجعت مصارف أخرى عن محاولتها.
ويأتي موقف حزب الله غداة جلسة عقدتها صباح أمس هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان خُصّصت للمداولة بالملفات الواردة من أحد المصارف في إطار تطبيق الإعلام الذي يفرض على المصارف والمؤسسات المالية إبلاغ الهيئة قبل إقفال أو تجميد أو الامتناع عن فتح حسابات تدّعي المصارف أنها خاضعة للقانون الأميركي الرامي إلى “منع تمويل حزب الله دولياً”.
مداولات أعضاء الهيئة، وفق مصادر مطلعة، كانت سريعة ومن دون نقاش واسع، ما يوحي بأن هناك اتفاقاً مسبقاً بينهم على المعايير التي ستُطبق لتنفيذ مضمون الإعلام رقم 20. وقد نتج من هذا الاتفاق تحييد حسابات نواب حزب الله والمؤسسات الخيرية المشتبه في ارتباطها به. وبحسب مسؤول في مصرف لبنان، فإن الهيئة “ستتصرف بعقلانية وبانفتاح تجاه تطبيق القانون الأميركي وبمسؤولية تجاه الشيعة في لبنان”، مشيراً إلى أن قرارات هيئة التحقيق الخاصة لن تكون “رمادية”، بل هي ستمتنع عن الإجابة خلال مهلة 30 يوماً إذا تكوّن لديها الاقتناع لإقفال الحساب أو الامتناع عن فتحه، أو ستطلب من المصارف عدم إقفال الحساب. اللافت أن بعض المصرفيين رفضوا اعتبار الإعلام ملزماً للمصارف في ما خصّ فتح الحسابات وإقفالها وتجميدها، إذ قال رئيس مجلس إدارة البنك اللبناني السويسري تنال الصبّاح لـ”الأخبار” إن “قانون النقد والتسليف لا يعطي مصرف لبنان هذا الحق”.
في الواقع، لم تتوقف الهواجس والأسئلة والاستفسارات منذ صدور القانون الأميركي في 18/12/2015، وصدور مراسيمه التطبيقية في 15 نيسان 2016، إذ طغت الضبابية على القانون ومراسيمه التي تهدف إلى منع ولوج حزب الله إلى النظام المالي العالمي، لكنه لم يحدّد إذا ما كان القانون ينطبق على المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي يديرها الحزب، مثل المؤسسات التربوية والطبية والعاملين فيها، ولم يحدّد إذا كان الأمر ينطبق على الحسابات المستخدمة حصراً لتمويل نشاطات حزب الله أو المستخدمة بصورة شخصية من أفراد في الحزب يتقاضون رواتبهم من الحكومة اللبنانية.
كل هذه التوضيحات كانت مطروحة للنقاش خلال الأسابيع الماضية، وخصوصاً بعدما أصدر مصرف لبنان التعميم 137 الذي يطلب من المصارف تطبيق القانون الاميركي وإبلاغ هيئة التحقيق الخاصة بالحسابات المقفلة أو المجمدة أو تلك التي امتنعت عن فتحها للزبائن المشتبه فيهم. عندها اعتبر حزب الله أن سلامة “نكث” بالوعد الذي قدّمه لهم بمنع إغلاق حسابات الليرة، ومنع التعسّف ضدّ الزبائن… ثم جاءت معالجة المشكلة ببيان أصدره سلامة من باريس ثم كرّسه في لقاءات عديدة مع نواب من حزب الله ومع جمعية المصارف وفي الجلسة التي عقدتها هيئة التحقيق الخاصة في 26/5/2016، إذ أصدرت الإعلام رقم 20 “توضيحاً لتعميم مصرف لبنان رقم137 المتعلق بأصول التعامل مع القانون الأميركي حول منع ولوج حزب الله إلى المؤسسات المالية الأجنبية وغيرها، وتداركاً لحصول أي إجراء أو تدبير تعسفي من شأنه الإضرار بمصالح المودعين والعملات، سيما عند إقفال حساب أي منهم والامتناع عن فتح حسابات لهم أو عدم التعامل معهم، كل ذلك بصورة غير مبرّرة أو بحجة تفادي التعرض للمخاطر”.
كتلة الوفاء لن تنالوا من جمهور المقاومة
قالت كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها أمس إن سياسة الابتزاز والضغوط المتعدّدة التي تعتمدها الادارة الاميركية مع دول وقوى مختلفة تلتزم مواقف مناوئة لسياساتها، “لن تنفع إطلاقاً في ليّ ذراع حزب الله وتغيير مواقفه الرافضة للاستبداد والظلم اللذين تمارسهما الادارات الاميركية عن سابق قصد وإصرار عبر دعمها الاستراتيجي المتواصل لإسرائيل التي تمثل نموذج الكيان الارهابي في العالم، وعبر استخدامها وتوظيفها لفصائل الارهاب التكفيري وحماية الدول الاقليمية الداعمة لهذه الفصائل”.
هذا يعني أن الإدارة الأميركية “لا توفر فرصة للنيل من المقاومة وجمهورها، وقد وجدت في بعض القطاع المصرفي اللبناني ضالتها من أجل تحقيق سياساتها”. وأكدت الكتلة أن هذا الاستهداف الجديد للمقاومة وجمهورها “سيبوء بالفشل”، إلا أنها حمّلت “الحكومة والمصرف المركزي” مسؤولية “حماية سيادة لبنان واستقراره النقدي والاجتماعي”. وأضافت: “الموقف الأخير لحاكم المصرف المركزي جاء ملتبساً ومريباً، وهو يشي بتفلت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية، ولذلك فإننا نرفضه جملة وتفصيلاً. وعلى الجميع أن يدرك أن جمهور المقاومة ومؤسساته التربوية والصحية عصيّ على محاولات النيل منه من أي كان مهما علا شأنه”.
+++++++++++++++++++
المستقبل
جدّد التمسك بثلاثية “الاعتدال والمناصفة والطائف”.. وأشاد بوقوف السعودية “في كل المراحل” مع لبنان الحريري لمراجعة نقدية داخلية: أنا المسؤول
غداة عودته إلى بيروت منهياً أداء مناسك العمرة في مكة المكرمة، أولَم الرئيس سعد الحريري على شرف الهيئات الدينية في بيت الوسط حيث أكد في باكورة إطلالاته الرمضانية أنه بصدد إجراء “مراجعة نقدية داخلية وتقديم كشف حساب سياسي ووطني وتنظيمي أمام اللبنانيين وكل الأوفياء لخط الحريرية السياسية” بالاستناد إلى ما أفرزه الاستحقاق الانتخابي البلدي وما رافقه من “بلبلة سياسية وإعلامية”. وبالانتظار، فإنّ الحريري الذي لفت إلى أنه عازم على “فتح العديد من الدفاتر” خلال هذا الشهر المبارك، وضع عنواناً عريضاً للمراجعة والحساب بقوله: “لن ألقي المسؤولية في أي اتجاه ولن أعفي نفسي ومن معي من المسؤولية لألقيها على غيري.. أنا المسؤول عن استخلاص نتائج الانتخابات وأنا في رأس الهرم السياسي لتيار “المستقبل” سأتحمّل النتائج مهما كانت قاسية”.
الحريري، وفي الكلمة التي ألقاها بعد مأدبة الإفطار التي أقامها غروب أمس بحضور رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى جانب حشد روحي إسلامي ومسيحي وشخصيات وزارية وديبلوماسية وبمشاركة أطفال من دار الأيتام الإسلامية، شدد على كون “الاعتدال والعيش المشترك والحوار والتفاهم ليست مجرد كلمات بل فعل وممارسة يومية” بشكل يعبّر عن أهم الركائز التي اعتمدها منذ توليه سدة المسؤولية إثر جريمة 14 شباط 2005، مؤكداً في مقابل كل دروس “الكذب والمناورة والتجييش والتلاعب على الغرائز” التي حاولت السياسة في لبنان أن تقدّمها له، بقاءه على مرتكزات مدرسة رفيق الحريري في “الصدق والصراحة والوفاء”، وتمسكه مع “تيار المستقبل” بهذه المدرسة التي تضع لبنان فوق مصلحة أي شخص أو حزب، مدرسة الاعتدال والانفتاح وقبول الآخر والمناصفة التامة بين المسيحيين والمسلمين.
وفي معرض إبداء قناعته العملية والفعلية بثلاثية “الاعتدال والمناصفة والطائف”، جزم الحريري بأنه لا النتائج البلدية ولا الحملات الإعلامية ستغيّر في هذه القناعات، كاشفاً أنه كان بصدد الطلب من المجلس البلدي لبيروت أن يستقيل لو أدت نتائج انتخابات العاصمة إلى كسر مبدأ المناصفة في التمثيل الإسلامي المسيحي داخل المجلس. كما تعهد البقاء على تصديه لكل من يحاولون تشويه صورة الإسلام ممن “كان المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله أول من أسماهم “فئة ضالة” وأول من وصفهم بالخونة الذين يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه على أنّه دين التطرف والكراهية والإرهاب”.
وإذ جدد تمسك “تيار المستقبل” باتفاق الطائف “بما هو مشروع بناء الدولة السيّدة على كل أراضيها الممتلكة وحدها حصريّة السلاح والحامية بالقانون والتساوي لكل المواطنين، وبما هو تحديد نهائي لهوية لبنان العربية”، ذكّر الحريري بأنّ هذا الاتفاق كان واحداً من “عدّة مفاصل استراتيجية وقفت فيها المملكة العربية السعودية مع لبنان”، مؤكداً أنّ المملكة “وقفت وتقف وستبقى تقف في كل المراحل مع لبنان لأجل مشروع الدولة ولأجل مصلحة كل اللبنانيين من دون تمييز”. وللمناسبة، وبعد أن وجّه الشكر للسعودية “على كل دعمها غير المشروط للبنان وعلى كل مساعيها السياسية في كل المراحل”، توجّه الحريري في المقابل “لكل من يعتقد أنّ بإمكانه الاصطياد في ماءٍ يريده عكراً” بالقول “إنّ ما من شيء يمكنه أن يعكّر العلاقة بيننا وبين المملكة العربية السعودية”.
“حزب الله” يهوّل على الحاكم
في الغضون، برزت أمس إطلالة متلفزة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر محطة “سي.أن.أن” الأميركية تطرق فيها إلى الموجبات المصرفية اللبنانية ربطاً بقانون العقوبات المالية الأميركي، مؤكداً في هذا المجال إقفال 100 حساب مرتبط بـ”حزب الله” تطبيقاً لهذا القانون، مع تشديده على كون الأولوية بالنسبة للمصرف المركزي هي “لإبقاء لبنان على الخريطة المالية الدولية”.
في المقابل، سرعان ما صعّد “حزب الله” لهجته التهويلية على سلامة معتبراً أنّ موقفه الأخير “جاء ملتبساً ومريباً ويشي بتفلّت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية”، وطالب على لسان كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية “الحكومة والمصرف المركزي بحماية سيادة لبنان واستقراره النقدي والاجتماعي”.
“سد جنة”.. والنفايات
حكومياً، انعقد مجلس الوزراء أمس على صفيح نقاش ساخن حول ملفي “سد جنة” والنفايات انتهى إلى إرجاء البت بالأول وإقرار مرسومين متصلين بالمعالجة والطمر في الملف الثاني وسط احتجاج كتائبي عوني.
وفي تفاصيل مجريات الجلسة، كما نقلتها مصادر وزارية لـ”المستقبل”، أنّ النقاش حول “سد جنة” شهد مطالبة الوزير نبيل دي فريج مجلس الوزراء باعتماد اقتراحه القاضي بالاستعانة بالبنك الدولي لإجراء دراسة علمية عملية محايدة حول السد لإنهاء الجدل السياسي المحلي بشأنه، غير أنّ الوزير جبران باسيل سرعان ما أبدى اعتراض “التيار الوطني الحر” على هذا الاقتراح بذريعة أنه يستغرق كثيراً من الوقت. وخشية احتدام النقاش طلب رئيس الحكومة عدم إغراق المجلس بالتفاصيل وطلب إعطاء الملف مزيداً من الوقت لبحثه ودرسه تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب بشأنه من دون أن يوضح الموقف الراهن بالنسبة لمصير الأشغال الجارية في المشروع.
وبعد الانتقال إلى جدول أعمال الجلسة، أثار وزراء “الكتائب” مسألة الاعتراض على طلب مجلس الإنماء والإعمار إشغال أملاك بحرية عامة للمعالجة والطمر الصحي للنفايات في موقع برج حمود بالإضافة إلى معالجة المياه المبتذلة في محيط مصب نهر الغدير. ثم ما لبث أن انسحب الوزيران آلان حكيم وسجعان قزي من الجلسة اعتراضاً على إقرار المرسومين، وسط استغراب أكثر من مصدر وزاري عودة لغة الاعتراض على حل أزمة النفايات من دون تقديم أي مشروع واقعي بديل للحل.
++++++++++++++++++++++++
البناء
ولد الشيخ اسماعيل بدعم سعودي لحكومة يمنية موحّدة… وبان يفضح الرياض وزراء دفاع روسيا وسورية وإيران لإغلاق الحدود التركية السورية وتأمين حلب سياسة الحريري “زيّ ما هيّ”… وحزب الله يصف موقف سلامة بالـ “المريب”
بعدما فضحت عشرون منظمة إنسانية تعمل لحساب الأمم المتحدة وثلاث من منظماتها العاملة في الشأن الإنساني، لا شرعية قيام الأمين العام للأمم المتحدة بحذف اسم التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن عن اللائحة السوداء التي تضمّ الدول المتهمة بانتهاكات جسيمة لحقوق الطفل، وأكدت أنّ تقاريرها التي فرضت إضافة التحالف إلى اللائحة السوداء موثقة، ولم يتمّ دحضها، اضطر الأمين العام بان كي مون لتوضيح موقفه، فقال إنه حذف اسم التحالف من اللائحة السوداء بعدما هدّده مندوب السعودية بوقف تمويل الحكومة السعودية لعدد من المنظمات الإنسانية الدولية، وخصوصاً التوقف عن تمويل المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة في سورية، فخسرت الرياض وهج الكذبة التي عمّمتها عن انتصار موهوم، وخرج مندوبها في نيويورك يعيد كلامه المكرّر عن براءة حكومته من التهم، وهو يقول إنّ العتب على بان لأنه بدلاً من أن يكحّلها أعماها.
بين الكحل والعمى تتحرك السعودية أيضاً في أزمتها الأصلية وفروعها، وهي حربها الفاشلة والمتعثرة على اليمن، وهذا ما يفسّر انتقالها من لهجة التصعيد إلى دور مباشر في صناعة التسويات عبر سفيرها في اليمن المقيم في الكويت مواكباً المحادثات، فأكدت وزارة الخارجية الكويتية نجاح المبعوث الأممي إسماعيل ولد شيخ أحمد في صياغة تسوية تتضمّن تشكيل حكومة موحّدة ومجلس عسكري محايد وخطة أمنية تمّ تنسيقها مع السعودية، وحظيت بموافقة الأطراف بصورة أولية، وأنّ الأمر يحتاج بضعة أيام ليُبصر النور بشكل رسمي.
على الجبهة السورية، حيث يستمرّ الميدان متفجّراً، ما منع تنفيذ خطة إيصال المساعدات التي تمّ تنسيق إدخالها بين الحكومة السورية والأمم المتحدة، شهدت جبهات داريا والغوطة في دمشق وريفها تصعيداً عالياً، بينما تواصل الترقب في جبهتي مارع ومنبج، بينما كان التقدّم الذي يسجله الجيش السوري في جبهة الرقة هو التطوّر الأبرز ميدانياً ببلوغ وحدات الجيش السوري مفرق الرصافة قرب مطار الطبقة العسكري، وما شهدته جبهة خان طومان من مواجهات عنيفة.
الاجتماع الذي عُقد على مستوى وزراء الدفاع في روسيا وسورية وإيران واستضافته طهران، وبقي دون توضيحات إعلامية انسجاماً مع طبيعة هذا النوع من الاجتماعات التي تشكل بانعقادها رسالة كاملة، قالت مصادر إعلامية في طهران إنه ضمّ معاوني الوزراء ومسؤولي الاستخبارات في الجيوش الثلاثة، وفرقاً من المستشارين تولّت دراسة خطط العمل المشتركة التي تنتظر قوات مشتركة من جيوش الدول الثلاثة جواً وبراً، ومحورها كيفية إقفال الحدود السورية – التركية نهائياً، وكيفية تأمين مدينة حلب وفكّ كلّ أنواع الحصار عنها وإلغاء التهديدات التي تمثلها الحشود التي أدخلتها تركيا عبر حدودها إلى أريافها.
لبنانياً شكلت المواقف السياسية التي أطلقها كلّ من الرئيس سعد الحريري وحزب الله أبرز التطورات الداخلية، حيث تحدّث الحريري في أول إفطاراته الرمضانية متناولاً وضع تياره والتقييم الذي سيجريه للانتخابات البلدية ونتائجها، لكن الأهمّ كان تأكيد وقوفه على أرضية ذات الخطاب السياسي التقليدي في العداء لسورية والولاء للسعودية والعجز عن تموضع هادئ يتيح له دون مواقف حادّة استقراء ما يجري حول لبنان ويتيح له رسم خطوط تعامل معها أو ترقب لتبلورها وربطها بما حدث مع تياره، فكانت أبلغ كلماته عبارة “زيّ ما هيّ” مختصرة سياساته وتقييماته ومواقفه. أما على مستوى ما صدر عن حزب الله فكانت العلاقة مع مصرف لبنان التي تبدو أنها قد دخلت مرحلة من التأزم بعد بوادر حلحلة سادت الأسابيع الماضية. فكلام الحزب عن موقف مريب وملتبس لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يشكل أعلى مستوى من التصعيد في موقف الحزب منذ بدء الأزمة الناجمة عن وضع مصرف لبنان لقانون العقوبات الأميركي قيد التنفيذ، ويتوقع أن تكون للموقف تداعيات ما لن تنجح مساعي الوساطات بتلافي القطيعة والحؤول دون اللجوء إلى المواجهة السياسية والإعلامية.
استشعر الرئيس سعد الحريري حجم الانهيار الذي أصاب تيار المستقبل، وبروز القيادات المتنافرة على ضفافه تتناتش الجسم الرئيسي. وعُلم الحريري سواء بمفرده أو بمساعدة أحد أن الحالة المرضية هذه ما كانت لتحصل لو كان هناك شخص مسؤول عن القيادة يدير الدفة بدقة. وبما أنه كان عليه أن يفعل ولم يفعل، بات الحريري مقتنعاً أنه المسؤول عن الكارثة التي حلّت بحزبه”. فهل يملك الوقت الكافي لهذه المراجعة أم فات الأوان وما هي الأوراق التي يملكها حتى يستخدمها في هذا السياق؟
لقد بدا الرئيس الحريري أمس، خلال الإفطار الرمضاني الذي أقامه على شرف رجال الدين في بيت الوسط كمن يبكي الملك الضائع المشتت، محاولاً جمع ما ضاع منه، لكنه لا يملك القدرة للنجاح، فأقرب المقرّبين يشككون في قدرته. وحاول الحريري حجب حقيقة الجفاء السعودي السياسي حياله، بعد الجفاء المالي والتضييق على مؤسساته، وأنه لم يعد القائد الأوحد، بتضخيم دور المملكة في لبنان، مشيراً إلى “أنها لم تقف مع لبنان لأجل فئة أو طرف دون الآخر، بل وقفت إلى جانب لبنان ومشروع الدولة”، وقال: “لكل مَن يعتبر أن بإمكانه الاصطياد في الماء العكر ما من شيء يمكنه أن يعكّر العلاقة بيننا وبين السعودية.”
وأكد الحريري أن الانتخابات البلدية التي حصلت أخيراً شكلت فرصة لمراجعة نقدية داخلية وكشف حساب سياسي وأنه لن يلقي المسؤولية في أي اتجاه في موضوع نتائج الانتخابات البلدية، لافتاً إلى أنه سيفتح خلال هذا الشهر الكثير من الدفاتر.
وشدّد الحريري على أنه المسؤول عن استخلاص نتائج الانتخابات البلدية، وأنه في رأس الهرم السياسي لتيار المستقبل سيتحمّل النتائج مهما كانت قاسية، كاشفاً أنه “لو لم تتحقق المناصفة في بيروت فإنه كان سيطلب من المجلس البلدي الاستقالة فوراً. ولفت الحريري إلى “أن الهدف الحقيقي من “زيّ ما هي” كان منع التشطيب لمنع كسر المناصفة”، قائلاً: “لو كسرت المناصفة في بيروت كنت سأطلب من المجلس البلدي أن يستقيل فوراً”. وتابع الحريري: “في تيار المستقبل سنبقى متمسكين باتفاق الطائف بما هو مشروع بناء الدولة السيدة على كل أراضيها والتي تتمتع بحصرية السلاح ومتمسكون بالطائف بما هو تحديد نهائي لهوية لبنان العربية”.
في سياق متصل، يقيم السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري حفل إفطار في دارته في اليرزة يوم الجمعة المقبل يجمع فيه رؤساء الحكومات وفعاليات سنية، بحضور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، إضافة إلى مفتي المناطق ومشايخ من الطائفة السنّية، تحت عنوان “لمّ الشمل” وتوحيد الصف السنّي.
الحكومة أمام جدار النفايات مجدداً
وعادت الملفات الخلافية لتخيّم على جلسات مجلس الوزراء، فبعد أن جعل وزراء 14 آذار من سدّ جنة مطية للتهرب من البحث في ملف الاتصالات والانترنت غير الشرعي، تحت حجج واهية، وغياب وزير الاتصالات بطرس حرب عن الجلسة أمس، وترحيل ملف أمن الدولة عاد ملف النفايات ليرخي بظلاله على مجلس الوزراء. والبارز أمس، انسحاب وزيري حزب الكتائب ألان حكيم وسجعان قزي من الجلسة، بعدما كان وزراء الكتائب تحفظوا عن خطة وزير الزراعة أكرم شهيب التي أقرها مجلس الوزراء في آذار الماضي.
وبدأ الخلاف عندما أقرّ مجلس الوزراء البندين 6 و7 المتعلقين بالنفايات الأول يتعلق بمشروع مرسوم يرمي إلى الترخيص لأشغال عامة بحرية لإنشاء مركز مؤقت للمعالجة والطمر الصحي عند مصب نهر الغدير أي “الكوستبرافا” والثاني يتعلق بمصير برج حمود، وفيما تحفظ وزيرا التيار الوطني الحر جبران باسيل والياس بو صعب على غرار تحفظهما على الخطة بأكملها، انسحب وزيرا الكتائب في خطوة اعتراضية وذلك بعدما طرح وزير الاقتصاد خمسة أسئلة، لكن من دون الحصول على أي جواب عليها وعدم أخذ ملاحظاتهما في الاعتبار لناحية دراسة الأثر البيئي لمطمرَي الكوستبرافا وبرج حمود.
وشهدت الجلسة نقاشاً حول قرار وزير الزراعة أكرم شهيب منع إدخال شاحنات الخضار والفاكهة من سورية إلى لبنان، فطالب الوزيران حسين الحاج حسن وعلي حسن خليل إعادة النظر بهذا القرار، لأنه مخالف للاتفاقيات بين البلدين. فوعد رئيس الحكومة تمام سلام بمعالجته بعد عودة وزير الزراعة من موسكو اليوم. في المقابل بقي الوزير أبو فاعور على موقفه الذي أعلنه قبل الجلسة، وشدّد على أن قرار وقف استيراد الفواكه والخضار من سورية هو تقني وليس سياسياً، مهاجماً الدولة السورية بشكل عنيف”.
هل يتحوّل مطمر برج حمود إلى “ناعمة آخر”؟
وقالت مصادر وزارية لـ “البناء” “أن وزيري التيار الوطني الحر اعترضا على المناقصات خصوصاً لجهة إعطاء مقاول واحد تنفيذ مهمتين في المشروع وليس مهمة واحدة، فالمقاول نفسه سيأخذ تلزيم السور حول البحر لطمر النفايات ومهمة تنفيذ الطمر في آن معاً”.
وأشار حكيم لـ “البناء” إلى أن “اعتراضنا على بندَي النفايات كان من منطلق بيئي، لكنه لم يؤخذ بعين الاعتبار، لذلك قررنا الانسحاب من الجلسة لتسجيل الموقف”.
وتحدّث حكيم عن النقاط الخمس التي اعترض والوزير قزي عليها: “النقطة الأولى: غياب الدراسة البيئية المسبقة لإقامة مطمري برج حمود – الجديدة والكوستبرافا، في ظل إصرار البعض على إقامة هذين المطمرَين ورفض طلبنا إجراء دراسة بيئية لاحقة لسد جنة”.
النقطة الثانية: أن الدراسة البيئية يمكن أن تظهر أن الكوستبرافا غير صالح مئة في المئة لمطمر، لناحية انبعاث غاز الميتان وتكاثر الطيور عليه، وبالتالي نحن أمام خيارين إما اعتماد الكوستبرافا بشكل نهائي من دون دراسة بيئية وإما تحويل نفايات الكوستبرافا إلى مطمر برج حمود وبالتالي تحويل برج حمود إلى “مكب ناعمة” آخر وبالتالي طمر ساحل المتن الشمالي بالنفايات”.
النقطة الثالثة: مشروع “لينور” الذي أقر منذ عشرين عاماً. وهو مشروع تنمية لإنشاء شاطئ لساحل المتن يمتد من المارينا إلى المرفأ؟
النقطة الرابعة: بلدية بيروت انسحبت من العقود المركزية للنفايات ولديها تصوّر لحل أزمة النفايات في المدينة التي تنتج أكبر كمية من النفايات، وبالتالي يمكن أن تنتفي الحاجة إلى مطمرَي الكوستبرافا وبرج حمود، ويمكن أن تعلن اتحادات بلديات أخرى كاتحاد بلديات كسروان انسحابها أيضاً من العقود، فما الحاجة إذن لهذين المطمرين؟
النقطة الخامسة: موضوع تلزيم الشركات، لأن لدينا شكوك في الدراسة البيئية للخطة والمناقصات ودفتر الشروط والتلزيم”.
ونفى حكيم اتجاه وزراء الكتائب إلى تقديم استقالتهم من الحكومة، مؤكداً أنهم سيحضرون الجلسات المقبلة لأنهم والوزراء المسيحيين الآخرين يمثلون رئيس الجمهورية ويمارسون صلاحياته في مجلس الوزراء في ظل الفراغ الرئاسي.
وأوضح وزير التربية الياس بو صعب لـ “البناء” أنه “لم يكن هناك توجّه بالانسحاب من الجلسة، ولذلك اكتفينا بالتحفظ على بندي النفايات ولا داعي للانسحاب، لأننا اعترضنا على الخطة منذ إقرارها في مجلس الوزراء، وبالتالي من المنطقي أن لا نوافق على التفاصيل”.
وفي ملف سد جنة لفت بو صعب “إلى أن الجميع يقول إن موضوع السد بيئي، لكن المناقشات داخل مجلس الوزراء كانت سياسية وأن على وزير البيئة أن يطبق القانون ويلجأ للإدارة البيئية للمشروع لا أن يطلب إيقافه”.
موقف سلامة ملتبس وحزب الله لن يتفرّج
إلى ذلك، قرّرت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان أمس، برئاسة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، عدم إقفال حسابات جمعية المبرات الخيرية بطلب من أحد المصارف، واتخذت قراراً مماثلاً ينطبق على رواتب نواب “حزب الله” لجهة عدم تجميد حسابات التوطين الخاصة بهم، وذلك لعدم وجود مبررات واضحة وصريحة.
وأشارت المعلومات إلى أن “قرار النظر في حال مؤسسات أخرى تابعة لحزب الله، مثل مستشفيي “الرسول الأعظم” و “بهمن”، سيُدرس فور تسلّم الهيئة أي طلب مصرفي في هذا الخصوص”، مشيرة إلى أن “المشاورات تقتصر فقط على المؤسسات والكيانات غير المدرجة في لوائح “أوفاك”، لأن لا كلام في تلك التي وردت أسماؤها في لوائح العقوبات الأميركية”.
وأكدت كتلة الوفاء للمقاومة “أن سياسة الابتزاز وضغوط الولايات المتحدة الأميركية لن تنفع في لوي ذراع حزب الله وتغيير مواقفه تجاه الأعمال التي تقوم بها ودعمها لـ “إسرائيل” واستخدامها، بالإضافة إلى توظيفها وتمويلها للمنظمات الإرهابية”، مشيرةً إلى “أنه إذا كانت الإدارة الأميركية لا توفّر فرصة للنيل منا ووجدت في القطاع المصرفي فرصة، فنحن نؤكد لها أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل”.
ولفتت الكتلة إلى “أن الحكومة والمصرف المركزي معنيان بحماية لبنان وسيادته”، مشيرةً إلى “أن موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جاء ملتبساً ومريباً ويوضح التفلّت إذ نحن نرفضه جملة وتفصيلاً”، مشدّدة على “ضرورة أن يدرك الجميع أن جمهور المقاومة والمؤسسات التابعة له عصيّ على محاولات النيل منه”.
ورأت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ “البناء” “أن بيان الكتلة العنيف يدلّ على أن مستوى المخاطبة والاشتباك حول هذا العنوان انتقل إلى مستوى تصعيدي”. ورأت في ما يجري “محاولة لي أذرع لحزب الله وخلق موازٍ لإجباره على فتح الطريق أمام السياق السياسي الداخلي كما تريده الولايات المتحدة”. ولفتت المصادر إلى “أن حزب الله لن يترك خصومه يقودونه إلى الذبح ويتفرّج عليهم ، ولن يستسلم للضغوط والابتزاز التي يبدو أن جزءاً من اللبنانيين يتقدّم على الأميركي في ممارسته”.
وأشارت أوساط متابعة لـ “البناء” إلى “أن سلامة يحاول أن يقول من خلال كلامه إننا نطبق قانون العقوبات الأميركي الذي له علاقة بالحزب ومؤسساته بشكل مباشر، وإننا لا نستطيع إلا أن نبقى جزءاً مما يسمّى النظام المصرفي الدولي”، لافتة إلى “أن حدود التطبيق ستقف عند حزب الله أو أي حسابات تكون موضع شك، وبالتالي يحاول الحاكم المركزي الفصل بين استهداف الحزب وحساباته بشكل مباشر كتطبيق للقانون، وبين الاجتهاد في تطبيق القانون الذي قامت به مصارف لبنانية عديدة قبل توقيع الكونغرس الأميركي على المراسيم التي استهدفت أشخاصاً لا علاقة لهم بحزب الله”.
واعتبرت الأوساط أن “لبنان بصدد التعاطي مع عقوبات أميركية حصراً، ولا أحد يتحدث عن قرارات أوروبية خاصة أن الأوروبيين لديهم تصنيف متمايز للحزب في موضوع الإرهاب ولديهم مصالح أكثر تعقيداً مرتبطة بلبنان وبوجود اليونيفيل”.
باسيل إلى باريس
من جهة أخرى غادر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والوفد المرافق بيروت، متوجّهاً إلى باريس، على أن يزور بعدها السويد والنروج وفنلندا في جولة تمتدّ أسبوعاً يطلع خلالها من مسؤوليها على أسباب التشدد في القوانين للحدّ من تدفق اللاجئين الذين وصل عددهم إلى رقم غير مسبوق. وتأتي جولة باسيل، بحسب ما أبلغ مصدر دبلوماسي “المركزية”، تحضيراً لـ “مؤتمر توزيع المسؤوليات” المزمع عقده في نيويورك في أيلول المقبل بعد تدني حظوظ تقاسم أعداد اللاجئين الذي كانت تخطط له المفوضية السامية للاجئين، عبر حث دول أوروبا وأميركا واستراليا على قبول السوريين بهدف لمّ شمل الأسرة، لكن هذا الاقتراح يبدو مرفوضاً في أوروبا على الأقل.
وقبيل سفره، أصدر رئيس التيار الوطني الحر تعميماً حدد فيه آلية خوض الانتخابات التمهيدية الداخلية لاختيار مرشحي التيار للانتخابات النيابية.