شهدت جزيرة أوكيناوا إحدى أكبر التظاهرات المستمرة منذ عقدين، رفضاً للوجود العسكري الأمريكي في اليابان. وجرت المسيرة الاحتجاجية التي حشدت أكثر من 65 ألف شخص، بما فيهم محافظ أوكيناوا، تاكيشي أوناغا، ومسؤولون في الأحزاب اليابانية المعارضة، الأحد 19 يونيو/حزيران، بالعاصمة الإدارية للمحافظة ناها. وتتاخم هذه المدينة قاعدتي كادينا وفوتيمنا الجويتين العسكريتين الأمريكيتين. كما انطلقت تظاهرة عشوائية تضامنية مع أوكيناوا في محيط مقر البرلمان الياباني في العاصمة المركزية طوكيو.
واستنكر المتظاهرون استمرار الوجود العسكري الأمريكي الواسع في اليابان، وارتكاب العسكريين الأمريكيين جرائم خطيرة بحق المواطنين اليابانيين، مطالبين بتغيير الإجراءات القضائية التي توفر الحصانة للعسكريين الأمريكيين المنتشرين في البلاد.
وكانت عنصر سابق في المشاة البحرية الأمريكية يعمل في إحدى القاعدتين الأمريكيتين كعامل مدني. قد ارتكب منذ أسابيع، جريمة قتل شابة يابانية في العشرين من عمرها. وأثارت نقمة شديدة بين الأوكيناويين. وابتدأت المسيرة الإحتجاجية في مدينة ناها، بالوقوف دقيقة صمت حدادا على روح الفتاة القتيلة، لتتواصل بقراءة الرسالة التي كتبها والد الفتاة ووجهها إلى شعب اليابان وحكومتها من على منبر التظاهرة الضخمة.
وعبر المتظاهرون عن غضبهم من مخططات طوكيو وواشنطن لنقل القاعدة الأساسية للمشاة الأمريكية في أوكيناوا من وسط الجزيرة إلى ساحلها الشمالي. فيما طالب محافظ أوكيناوا، تاكيشي أوناغا، في كلمة ألقاها خلال المظاهرة، بإبعاد القاعدة عن الجزيرة بشكل كامل. واختتمت المسيرة بتوقيع عريضة طالبت حكومتي اليابان والولايات المتحدة بتقديم اعتذارات رسمية لعائلة الفتاة القتيلة ولجميع مواطني أوكيناوا.
وكانت شرطة الجزيرة أوكيناوا قد اعتقلت، في 19 مايو/أيار الماضي، مواطنا أمريكيا يدعى كينيث شينزاتو، وهو مدني يعمل في قاعدة “كادينا” الجوية الأمريكية بالجزيرة ويبلغ 32 عاما من العمر للاشتباه بأنه قتل الفتاة رينا شيمابوكورو، وهي يابانية أوكيناوية، وتخلص من جثتها.
واستدعى وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا، السفيرة الأمريكية لدى اليابان كارولين كنيدي، للاحتجاج على الحادث. وقال كيشيدا للصحفيين عقب الاجتماع معها: “عبرت عن خيبة أملي الشديدة للسفيرة كنيدي وأبلغتها احتجاجا قويا. قلت لها إن حادثة كهذه لا عذر فيها وإني أشعر باستياء شديد”. وقد اعترف الأمريكي بارتكاب جريمة اغتصاب الفتاة وقتلها طعنا.
ومن المعلوم أن جزيرة أوكيناوا تحوي 32 قاعدة عسكرية أمريكية، وهو ما يساوي 62 بالمئة من القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في اليابان. وتغطي قواعد الجيش الأمريكي حوالي 25 بالمئة من مساحة أراضي الجزيرة وتستوعب حوالي 50 ألف مواطن أمريكي من بينهم 26 ألف عسكري وعامل مدني. وتشكل هذه القوة حوالي 50 بالمئة من العدد الإجمالي للوحدات الأمريكية المرابطة في اليابان،
وقد أصبحت أوكيناوا بفعل هذه القواعد العسكرية الأمريكية الضخمة معقلاً جيوسياسياً هاماً، تستخدمه الولايات المتحدة لفرض وتوسيع نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا المجاورة للصين، إحد أكبر القوى في العالم التي تسعى إلى وضع حد للهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية.
ويواجه اليابانيون القواعد الأمريكية منذ فترة طويلة. ويقولون إنها تلوث بيئة الجزيرة وتلحق أضراراً شديدة بصحة سكانها. كما برى هؤلاء أن بقاء هذه القواعد على الأراضي اليابانية يبقي على الإرث الثقيل لمرحلة الاحتلال الأمريكي لليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
وتكشف احتجاجات سكان أوكيناوا ضد القواعد العسكرية الأميركية على أراضي بلادهم، عن احتقان متعاظم في علاقات اليابان والولايات المتحدة. وقد فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما في إعادة تقويم هذه العلاقات خلال زيارته الأخيرة إلى اليابان.
وخيب أوباما توقعات الشعب الياباني بأنه سيقدم خلال الزيارة اعتذاراً عن جريمة إلقاء جيش الولايات المتحدة قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما تسبب بكارثة قومية عميقة للأمة اليابانية.
ويجادل باحثون مختصون بأن الجيش الأمريكي تعمد القيام بأول قصف نووي في التاريخ البشري، أهداف جيوستراتيجية تتعلق برغبة الولايات المتحدة بفرض الهيمنة الإمبريالية على عالم ما بعد الحرب، وأنه لم تكن ثمة ضرورات عسكرية واستراتيجية تستدعي إبادة وتشويه ملايين اليابانيين.
مركز الحقول للدراسات والنشر
19 حزيران 2016