تكشف وثائق “جبهة النصرة” عن أن “فك الإرتباط” مع “تنظيم القاعدة”، أي انفصال الجولاني عن الظواهري، هو مناورة تكتيكية موجهة، تحديداً، لخداع الجمهور الغربي، الذي تعرض لتعبئة مكثفة ضد “القاعدة” طيلة العقدين الأخيرين، باعتباره مصدر الإرهاب الإسلامي. وهذه الوثائق تبين أن “النصرة” ما زالت تدرب كوادرها ومقاتلها على عقيدة “القاعدة” التي وضعها اسامة بن لادن، باستهداف القوى الغربية، وخاصة الأميركيين. وأن حربها الجارية ضد “الروافض”، هي حرب على “العدو القريب الشيعي”، تمهد للحرب على “العدو البعيد الصليبي”.
أحدث هذه الوثائق هو الكتيب التدريبي الذي يحمل عنوان “الابتكار الفنان في استهداف الأمريكان”، الذي يجري تداوله ضمن معسكرات “جبهة النصرة” ومدارسها الدينية، وهو من تأليف الإرهابي الإسلامي المعروف “أبو عبد الكريم الغربي”. ويتضمن الكتاب شرحاً وافياً لعناصر “النصرة” ـ “القاعدة” عن كيفية شن حرب إرهابية asymmetric لا متوازية، داخل أراضي الولايات المتحدة الأميركية. ويوضح كيفية الحصول على الأسلحة المناسبة من خلال كل مفاصل الحياة الإجتماعية ـ الإقتصادية في أميركا نفسها.
ينطلق كتيب “الابتكار الفنان في استهداف الأمريكان”، من مقولة سياسية ـ أيديولوجية تعتبر “أمريكا هي رأس الأفعى”. وهذا يعني أن على أعضاء تنظيم “جبهة النصرة” أو “جبهة فتح الشام”، كما باتت تعرف بعد “فك الإرتباط”، عدم الانشغال بالأفرع والذيول الغربية وحدها، لأنهم “إذا ضربوا الرأس مات الجسد”. ويلفت المؤلف “أبو عبد الكريم الغربي” إلى “أن ضرب أميركا يمنح المنفِّذ مقعداً في أعلى درجات الجنة، لأن ضربها فيه تأييدٌ لمعظم قضايا المسلمين، بينما ضرب غيرها قد لا يكون فيه تأييد إلا لقضية واحدة”.
يدعو الكتيب أنصار ومؤيدي “جبهة النصرة” إلى ابتكار واعتماد طرق ووسائل جديدة غير مألوفة لتنفيذ عمليات عسكرية ضد المصالح الأميركية، من دون أن يكون بإمكان استخبارات أجهزة الولايات المتحدة التنبؤ بها أو توقعها. وهذه الطرق والوسائل التي يعرضها الكتاب، مستخلصة إلى حد كبير من مفهوم الحرب اللامتوازية asymmetric.
يدعو كتيب “جبهة النصرة” المقاتلين إلى التخلي عن وسائل الإرهاب التقليدية كالمتفجرات والرصاص. يقول الكتيّب : “لا متفجرات .. لا مشكلة”، فأسطوانات الغاز قد تحل المشكلة. ثم يشرح طريقة استخدام هذه الاسطوانات عبر وصلها مع الكهرباء، مع إضافة غالونات البنزين والشظايا المعدنية بجانبها، لكي تحدث أكبر ضرر ممكن. كما يركز على “استخدام أسلحة الدمار الشامل” المؤلفة من حمض الكبريت وسيانيد البوتاسيوم وبرمنجنات البوتاسيوم.
من بين الوسائل والأدوات المبتكرة في الكتيب، التركيز على استخدام السموم. إذ بإمكان “المجاهد” الذي يعمل في فندق أو مطعم أن يضع سماً بطيئاً، ذو مفعول غير فوري، في طعام الزبائن. ولا يخشى الكتيّب من انتهاك حرمة الأطفال، إذ ينصح عناصر “النصرة” باستخدام الأطفال من أجل التجسس على “الكفار” أو ، أو حتى قتلهم، “تحت شعار اللعب والبراءة”، كما جاء في الكتيب.
يقترح الكتيّب 25 أداة أو وسيلة لتدمير المصالح الأميركية، بما يؤدي في النهاية، إلى انهيار الولايات المتحدة، حسب ما ورد في الكتيب. وأهم هذه الأساليب هي: تخريب السدود المائية، نسف الجسور، حرق الغابات والمحاصيل الزراعية، التسبب بالازدحامات المرورية (لأنها تؤدي إلى خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات)، إفساد مصادر المياه وتسميمها، تخريب شبكات الصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار، استهداف محطات الكهرباء، استهداف الطائرات عند إقلاعها أو هبوطها دون الحاجة إلى خطفها.
ومن بين الأدوات والوسائل التي يقرحها كتيب “أبو عبد الكريم الغربي” لشن الحرب اللامتوازية asymmetric على الولايات المتحدة، يذكر : تدمير شبكة غاز التدفئة، اختراق شبكات الحاسوب ونشر الفيروسات، تحريض العنصريين والمظلومين والمرضى النفسيين على أعمال الشغب والفوضى، سرقة المصارف والشركات الغنية، إسقاط المباني عبر إحراقها، القيام بعمليات النصب والاحتيال للاستحواذ على أموال الكفار، بيع الغذاء المسموم بسعر رخيص.
لقد ابتهجت دول “التعاون الخليجي” وتركيا بخطاب أبي محمد الجولاني الذي أعلن فيه “فك ارتباط” تنظيم “جبهة النصرة” الذي يقوده في سوريا، مع تنظيم “القاعدة” الذي يقوده ايمن الظواهري عبر العالم. في الولايات المتحدة الأميركية ظهرت البهجة أيضاً، من تحول “النصرة” إلى “جبهة فتح الشام”. والسبب بسيط : إن تخلي الجولاني عن الإسم القديم للتنظيم المدرج على لوائح الإرهاب في مجلس الأمن الدولي، يسهل على هذه الدول مواصلة دعم الإرهاب الإسلامي في سوريا، ويحررها أمام الرأي العام الغربي من تهمة دعم منظمات مرتبطة بـ”القاعدة”، تحت لافتة “المعارضة المعتدلة”.
مركز الحقول للدراسات والنشر
18 آب 2016