تسربت تقارير ديبلوماسية في بيروت عن وقوف الأميركيين وراء تحرك مجموعة اللبناني الأرمني Jirair Sefilian جرير سيفيليان المسلحة، التي احتلت مبنى فوج شرطة المرور في وسط العاصمة الأرمنية يريفان طوال النصف الثاني من شهر تموز الماضي. وقد طالب المسلحون بإقالة رئيس الجمهورية سيرج سركيسيان، والإفراج عن جرير زعيم حركة “البرلمان التأسيسي”، الذي كان قد أوقف في شهر حزيران الماضي، حيث وجهت إليه اتهامات بحيازته أسلحة غير شرعية، والسعي إلى احتلال مبان حكومية ومراكز إذاعية في يريفان[1].
واعتبرت تلك التقارير أن تحركات جرير ومسلحيه كانت جزءاً من أعمال شغب مدبرة من جانب سفارة الولايات المتحدة في يريفان، بهدف زعزعة الإستقرار السياسي والتمهيد لـ”ثورة ملونة” تطيح بنظام الرئيس سركيسيان الذي يرفض الإنخراط في الإستراتيجية الأطلسية ـ الأميركية في القوقاز ـ قزوين[2]. ويُصْدِقْ “تمرد” سيفيليان الدامي على حكومة الرئيس سركيسيان، توقعات محمد خليفة المحلل السياسي في دولة الإمارات العربية المتحدة، بشأن الوضع في أرمينيا[3].
فقد أكد خليفة في أحد مقالاته المنشورة في شهر نيسان الماضي، إن “دول الغرب ستعمل على تسعير الصراع الداخلي في هذه الدولة. وإذا نجح الغربيون في إسقاط النظام الحاكم في أرمينيا عبر ثورة ملونة، فإن الصراع سيتجدد لا محالة مع أذربيجان، وأيضاً إذا نجحت روسيا في الحفاظ على الدولة الأرمنية، فإن الدول الغربية ستعمد إلى دفع أذربيجان لفتح حرب جديدة مع أرمينيا، والهدف النهائي للمساعي الغربية هو زعزعة استقرار روسيا عبر حدودها المباشرة، ونقل الفوضى والثورات والحروب إلى داخلها”[4].
يستجيب “تمرد” جرير سيفيليان لخطط الديبلوماسية الأميركية بتهيئة ظروف “الثورة الملونة” في ارمينيا. فقد ألقى السفير الأميركي ريتشارد ميلز في يريفان، يوم الاثنين 9 تشرين الثاني 2015، كلمة مطولة أمام أعضاء غرفة الصناعة والتجارة الأرمنية ـ الأميركية، أكد فيها على أن عضوية أرمينيا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومعاهدة الأمن الجماعي، يجب أن لا تحول دون إقامة أرمينيا علاقات وثيقة ومتبادلة المنفعة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا والشركاء الآخرين المحتملين. وقد زاد تدخل واشنطن في أرمينيا بعد 13 أيلول عام 2013، بعدما كشفت يريفان عن نيتها بالانضمام إلى الاتحاد الجمركي مع روسيا، بدلاً من توقيع اتفاقية “شراكة” مع أوروبا[5].
يتدخل الأميركيون في أرمينيا وفي كل دول جنوب القوقاز، وكذلك في حوض بحر قزوين، بحثاً عن منافعهم القومية الإستراتيجية في مواجهة الدول المستقلة، مثل روسيا والجمهورية الإسلامية في إيران. ويُنظر إلى “تمرد” سيفيليان ومجموعته المسلحة باعتباره موجة من موجات “الثورة الملونة” التي يحركها ممثلو واشنطن في العاصمة الأرمنية منذ أكثر من سنتين. لا سيما بعد توقيع وزير الدفاع الأرمني سيران أوهانيان مع نظيره الروسي سيرغي شويغو على اتفاق إنشاء نظام إقليمي موحد للدفاع الجوي في منطقة القوقاز، بتاريخ 23 كانون الأول 2015[6]. فهذا النظام يقلص قدرة واشنطن على تهديد “طريق الحرير” الأوراسي.
وكان مسلحو سيفيليان قد استسلموا للسلطات في يريفان يوم 31 تموز الماضي، بعدما احتجزوا رهائن وقتلوا شرطياً وجرحوا آخرين. وجرير سيفيليان، هو من مواليد 67 في برج حمود ـ لبنان، متزوج من Nanour Parseghian نانور بارسيغيان، الموظفة في السفارة اللبنانية في أرمينيا. وكان غادر لبنان في أواسط عام 1990 للمشاركة في حرب ناغورني / قره باغ ضد أذربيجان. وبعد أن كان عضواً في حزب الطاشناق (“الاتحاد الثوري الأرمني”) في لبنان، ها هو يقود أكثر حركات المعارضة تطرفاً في ارمينيا[7].
لم يظهر التأييد الأميركي لهذا “التمرد” الدموي إلا بصورة غير مباشرة. فقد احتفى به موقع حزب “القوات اللبنانية”، الذي كان عميلاً لـ”إسرائيل”، وما زال يتلقى دعماً أميركياً، حيث نشر تقريراً عن “أرميني لبناني يشعل يريفان”. حيث يصف سيفيليان بأنه “زعيم الجبهة الراديكالية المعارضة ـ أرمينيا الجديدة”. كما قال إنه “عاد عام 2000 إلى لبنان واستقر فيه لمدة سنتين. ثم بدأ نشاطه السياسي بالانخراط مباشرة في صفوف المعارضة المتشددة ضد النظام الحاكم في أرمينيا”. وأن “المرحلة الأولى من نضاله انتهت باعتقاله في عام 2006”[8].
ومثل هذه الحفاوة لوحظت أيضا في موقع “المدن” الذي يتمركز في لبنان، ويعمل بتمويل من حكومة قطر. فقد نشر هذا الموقع تقريراً بعنوان : ” أرمني لبناني يشغل أرمينيا ويقلق روسيا”. وفي مستهله “استنتج” بأن “تمرد” سيفيليان “ليس نذير خير لموسكو”، ثم تحدث بحماس عن “إمساك” مسلحي هذا اللبناني الأرمني “بقاعدة البوليس” واستمرارهم “باحتجاز خمسة من رجال البوليس، بمن فيهم نائب قائد الشرطة الأرمنية وارطان يغيزاريان، ونائب قائد شرطة يريفان فاليري أوسيبيان”.
وتحدث تقرير هذا الموقع الممول من قطر، عن أن “قوى المعارضة قد اتهمت الرئيس الأرمني سيرج سركيسيان، بالمسؤولية عن الوضع القائم، واعتبرت احتلال قاعدة الشرطة بأنه رد اضطراري على السلطات”. ويخلص إلى أن “الأحداث، التي تجري الآن في أرمينيا، والتي قد تنتهي، بشكل ما من الأشكال، في أية لحظة، ليست ببشرى سارة للكرملين، مهما حاولت أجهزة إعلامه في التقليل من أهميتها ووصفها بأنها ليست إلا ارتداداً لمحاولة الإنقلاب في تركيا”[9] في 15 تموز الماضي؟. كما شارك التلفزيون الفرنسي في تبرير “التمرد” المسلح في يريفان حيث يختم التقرير المنشور على موقعه الألكتروني بالقول : “وانتخب [الرئيس الأرمني سيرج] سركيسيان، العسكري السابق القريب من روسيا، في 2008. واعترضت المعارضة على توليه الرئاسة وأدى وصوله إلى السلطة إلى اضطرابات سقط خلالها عشرة قتلى”[10].!
مركز الحقول للدراسات والنشر
الأحد 11 أيلول، 2016
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] http://magazine.com.lb/index.php/confidences/en-vrac/item/55?issue_id=248
[2] http://magazine.com.lb/index.php/confidences/en-vrac/item/55?issue_id=248
[3] “إيقاعات الحرب بين أرمينيا وأذربيجان”. مقال محمد خليفة، جريدة الخليج الإماراتية.
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/62139a9e-9822-4033-a5ac-4be33b539785
[4] “إيقاعات الحرب بين أرمينيا وأذربيجان”. مقال محمد خليفة، جريدة الخليج الإماراتية.
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/62139a9e-9822-4033-a5ac-4be33b539785
[5] أرمينيا: سفراء أميركا يهيئون الظروف لنشوب “الثورة الملونة”؟. مقال المحلل السياسي اللبناني حبيب فوعاني. 14 تشرين الثاني 2015.
http://alhoukoul.info/article/8609
[6] http://www.albaldtoday.com/world-news/19128.html
[7] http://magazine.com.lb/index.php/confidences/en-vrac/item/55?issue_id=248
[8] http://www.lebanese-forces.com/2016/07/20/jirair-sefilian-armenia-lebanon/
[9] http://www.almodon.com/arabworld/2016/7/19/%D8%A3%D8%B1%D9%85%D9%86%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%B9%D9%86%D8%A7%D9%88%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9
[10] http://www.france24.com/ar/20160730-%D8%A3%D8%B1%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D9%81%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%AA%D9%82%D9%84%D9%88%D9%86-%D8%B3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%B3%D9%8A%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%86