تسلم مجلس الأمن الدولي من الأمين العام بان كي مون 24 آب /أغسطس 2016، التقرير الثالث لآلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، وفقا لقرار المجلس رقم 2235 الصادر عام 015. ويستعرض التقرير التحقيقات المفصلة التي أجريت حول تسع حالات محددة، ويقدم النتائج والتقييم والخلاصة من اللجنة التي تقود الآلية.
وخلال مناقشة التقرير في المجلس بعد اسبوع، ظهرت محاولات فرنسية وأميركية لتسييس التقرير، وتبرئة الجماعات الإرهابية من المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا، وفرض عقوبات على الحكومة السورية “بدعوى إدانة استعمال” تلك الأسلحة. وزعم وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرو في حديث صحفي نقلته “رويترز” أن تقرير الأمم المتحدة هو “فرصة لدفع روسيا لقبول قرار يدين النظام السوري واستئناف المفاوضات السياسية”.
ورفض سفير سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري، نتائج التقرير، معتبراً أنها “تفتقر إلى أي دليل مادي (يؤكد) استخدام غاز الكلور، أكان الأمر متعلقاً بعينات أو بتقارير طبية”. وطالب بمواصلة التحقيق، قائلاً : “نحن بحاجة إلى معرفة الحقيقة من دون أن يتم التلاعب بتلك الحالات لأغراض سياسية”. كما رأى سفير روسيا في المنظمة الدولية فيتالي تشوركين، أن التقرير غير كاف لتحميل دمشق المسؤولية عنها. وشبه تشوركين الوضع حول الحوادث الموثقة لاستخدام غاز الكلور بسوريا بأنها مثل “مسدس ينبثق منه الدخان”، لكن لا توجد عليه أي “بصمات” تدل على الطرف الذي استخدم هذا السلاح.
والواقع، أن التقرير الثالث لآلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، هو مسيس أصلاً، لأن التحقيق الذي عرضه عن تسع هجمات كيميائية لم يقدم أي أدلة. ومع ذلك يتهم الجيش العربي السوري باستخدام غاز الكلور مرتين، ودولة الخلافة الإسلامية مرة واحدة. وهذا القصور ليس عرضياً أو تقنياً، لأنه يتغاضى عن التحقيق في دور ومسؤولية الطرف الثالث الذي يملك أسلحة كيمائية استخدمها في سوريا، وهو “جبهة النصرة” بكل مكوناتها “القاعدية” مثل “أحرار الشام” أو”الإخوانية” مثل مجموعات “الزنكي”.
وأعرب ممولو “جبهة النصرة” في قطر عن حماسهم لهذا التقرير، رغم وجود “أسئلة جدية للغاية حوله”، خصوصاً وأن “التقرير لا يسمي جهة محددة يمكن فرض عقوبات عليها، لأنه لا يتضمن أسماء أو خصوصية أو بصمات أصابع”. وشارك موقع الجزيرة القطري في حملة إعلامية ـ سياسية من خارج مجلس الأمن لحمله على اتخاذ قرار “يفرض عقوبات دولية على النظام السوري بعد ثبوت استخدامه أسلحة كيميائية”. من دون أن ينسى رؤوس “جبهة النصرة” في الدوحة التشكيك بموقف روسيا “حليفة النظام، وإمكانية عدم اعتراضها على مثل هذا القرار”.
إن التحقيق الخاص الذي أعده هارلاد دورنبوس Harlad DOORNBOS وجنان موسى Jenan MOUSSA حول ترسانة الأسلحة الكيمائية لدى المجموعات الإرهابية في سوريا، يكشف عن أن “جبهة النصرة” وفروعها قد استولت على أسلحة كيمائية من موقع الفوج 11 في الجيش العربي السوري، بعد أن نجحت في اقتحامه والسيطرة عليه في عام 2012.
ويشرح هذا التحقيق الذي نشرته مجلة Foreign Policy يوم 17 آب/ أغسطس الماضي، تفاصيل استيلاء الجماعات الإرهابية في سوريا، على ترسانة الفوج 111 من الكلور، وغاز السارين والخردل. وهذا التقرير شديد الأهمية لأنه نشر قبل اسبوع واحد من تسلم مجلس الأمن الدولي من الأمين العام بان كي مون 24 آب /أغسطس 2016، التقرير الثالث لآلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن استخدام السلاح الكيميائي في سوريا .
لقد أهملت الدبلوماسية الفرنسية ـ الأميركية في مجلس الأمن كل ما نشر عن هجمات كيميائية شنتها “النصرة” أو متعاونين معها في مدينة حلب يوم 2 آب الماضي. رغم ما كشفته مجلة Magazine في عددها رقم 3065، يوم الجمعة 5 آب 2016، عن أن هذه الهجمات أودت بحياة مقاتلين لبنانيين من حزب الله. وقالت تقارير صحفية أنهما : سمير عواضة من بلدة الطيبة، واسماعيل زهري من مدينة النبطية. وهذا الإهمال الغربي كان متعمداً، كما بدا خلال المفاوضات الروسية ـ الأميركية، بشأن اتفاقية التهدئة الجديدة في سوريا. إذ كان جلياً إصرار الأميركيين على رفض إدراج “جبهة النصرة” التي غيرت اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، ضمن المجموعات الإرهابية المستثناة من شروط التهدئة .
تسببت الهجمات بغاز الكلور التي شنتها مجموعات “الزنكي” الإرهابية في يوم 2 آب 2016، بقتل سبعة أشخاص وأصابة 23 آخرين. ومع أن مسؤولين روس قالوا أنه قد “تم إبلاغ الجانب الأمريكي بالموضوع”، فقد أصر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونير على القول أن الخارجية الأمريكية لم تحصل على مثل هذه المعلومات.
تطوي المواربة الدبلوماسية الأميركية والغربية في تحميل إرهابيي “النصرة” مسؤولية اقتناء واستخدام الأسلحة الكيمائية في حلب وأنحاء أخرى من سوريا، دلالات خطيرة. فالولايات المتحدة وكذلك فرنسا وبريطانيا والسعودية، لم يقترحوا أي خطة على “التحالف الدولي” لتجريد “النصرة” وفروعها من الأسلحة الكيميائية، وهم ما زالوا يتوسلون مجموعات الإرهاب الإسلامي في الحرب ضد سوريا، وضد دول أخرى يخططون لإيقاعها في دوامة حروب الإرهاب. وليس في الأفق أي بوادر على تراجع الأميركيين و”حلفائهم” عن دعم الإرهاب، بما في ذلك الإرهاب الكيمائي.
مركز الحقول للدراسات والنشر
الأحد 11 أيلول 2016