السياسي المخضرم الذي دخل البرلمان الفرنسي أصغر نائب في السن العام 1981، تخضّب في الحياة السياسية ووزارات الحكومة في عهدي فرنسوا ميتران وجاك شيراك حتى رئاسة الحكومة طيلة أعوام 2007 ــ 20012 حين ترك نيكولا ساركوزي قصر الأليزيه. وقد بات على قاب قوسين من خوض الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل عن أحزاب اليمين والوسط نظراً لأن الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية ضد “آلان جوبيه” أصبحت شبه محسومة. وربما يكون الأكثر ترجيحاً للوصول إلى رئاسة الجمهورية في مواجهة مرشحة أقصى اليمين “مارين لوبان”.
يسعى “فرنسوا فيون” إلى ما يصفه ب”القطيعة الحقيقية” مع سياسات الحكم في عهدي ساركوزي وهولاند، ويمثّل بحسب الصحافة المقربة من الحزب الاشتراكي ظاهرة “الترامبية” قبل ترامب (صحيفة ليبراسيون) لكنه بحسب الصحافة اليمينية يمثّل أملاً بالعودة إلى “الثلاثين سنة المجيدة” بين عامي 1960 ـــ 1990 وفق قراءة “ألويز لانسلي” في صحيفة “لوفيغارو”. فهو يرى أن سياسات الطبقة السياسية أودت بفرنسا إلى حافة الإفلاس والإنهيار السياسي شأنها شأن ما يتعرّض له الاتحاد الأوروبي الذي أصبح شاهداَ مشلولاً أمام التحولات الكبرى ولا سيما في الشرق الأوسط، كما كتب في مجلة “ماريان” (نيسان / أبريل 2016).
في هذا الإطار انتقد مبكراً سياسات نيكولا ساركوزي تجاه ليبيا، وتبنّى منذ عام 2012 الدعوة إلى حل سياسي بالتعاون مع روسيا في حل الأزمة السورية. (لوفيغارو 13 آب/ أغسطس 2012). وذلك من أجل البحث عن أفق قابل للحياة في فرنسا بين “أوروبا آكلة لحوم البشر والهجرة المتجهة أكثر فأكثر إلى التوحش” (ألويز لانسلي). فصداقته الحميمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ساهمت إلى حد بعيد في تبنّيه رؤية مختلفة عن “محرمات” النخبة الحاكمة في أوروبا، لكن هاجسه الفرنسي والأوروبي يدفعه إلى التحالف مع موسكو في مواجهة ما يسميه “مخاطر الجهادية” التي تهدّد فرنسا وأوروبا بحروب تمسّ الأمن القومي والأمن الداخلي. فهو يتعهّد برفع العقوبات عن روسيا والتحالف مع موسكو في مواجهة الجماعات الارهابية في سوريا بالتعاون مع حليف لا محيد عنه في هذه الحرب.
في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 انضم إلى موسكو بالدعوة إلى تحالف دولي من أجل مساندة كل القوى التي تقاتل “داعش” على أرض المعركة وسمى بالإسم حزب الله والكرد والجيشين السوري والعراقي.( مقابلة مع فرانس أنتير). إنما ذهب أوضح من ذلك في نقده اللاذع لمحصلة سياسة باراك أوباما والاتحاد الأوروبي التي راهنت على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد عوض أولوية مواجهة “داعش”. ومال في نقده إلى اتهام السعودية والدول الخليجية بأنها سبب أزمة سوريا، مشككاً بالرواية الرسمية في فرنسا وأوروبا بشأن ما يُطلق عليه الثورة السورية ضد الاستبداد. وفي هذا الأمر قد يكون لبوتين دور مؤثرحين سأله “فيون” العام 2011 عما يجري في سوريا، مستوضحاً هوية الجماعات المسلحة وارتباطاتها الدولية والإقليمية.
قبل أيام من الانتخابات التمهيدية تعهّد “فيون” بإعادة العلاقات مع سوريا في حال انتخابه رئيساً أو إنشاء “خط دبلوماسي” مع دمشق على الأقل لمواجهة “داعش” وحماية المسيحية المشرقية. كما تعهّد بدعم العلاقات مع إيران والتقارب مع سماه “خط ترامب ــ بوتين”. وحين سأل عن سقوط الضحايا في حلب أجاب بأنه ينبغي سؤال أصدقائنا السعوديين عن ضحايا اليمن.
فالانتخابات التمهيدية التي وصفت بأنها استفتاء معادٍ لساركوزي، قد تكون ساركوزيةً متشددةً أقرب إلى “التاتشيرية والترامبية” في الداخل الفرنسي لكنها في السياسة الخارجية معادية لسياسة ساركوزي وهولاند سواء بسواء.
وكالات، 21 تشرين الثاني / نوفمبر 2016