أعلنت كازاخستان استكمال كافة التحضيرات لمفاوضات آستانة. المنصة جاهزة. سيأتي ممثلو حكومة الجمهورية العربية السورية. سيقابلهم ممثلو أوباش الإرهاب التكفيري، الذين ترعاهم، الآن، تركيا. أذَّنَتْ معركة حلب، ببدء مرحلة جديدة في الحرب الأطلسية ـ الخليجية على سوريا.
آستانة قد تصبح مساراً سياسياً، يعيد رسم خارطة ميادين الحرب وتوازنات القوى فيها. روسيا وإيران تراهنان على جذب تركيا، العضو الأوراسي الوحيد في حلف شمال الأطلسي، إلى موقف مشترك لمحاربة الإرهاب التكفيري هناك.
عشية آستانة، ما زال الأتراك يناورون كذباً ونفاقاً. جربوا أن يغيروا ملابس الإرهابيين ولافتاتهم الشرعية. أعادوا تنظيم ميليشيات "الإخوان" والجماعات التركمانية، والعصابات الممولة من النظام الوهابي السعودي تحت لافتة "الجيش الحر". لكنهم فشلوا في دمج "جبهة النصرة" تحت هذه اللافتة الميليشياوية التي تقوم الإستخبارات التركية على رعايتها. إذا أردنا أن نلخص الإستعدادات التركية للصعود إلى منصة آستانة، لن نجد سوى إرهابيي "جيش الفتح" ناقصاً إرهابيي "القاعدة" أي "جبهة النصرة".
آستانة هي مرحلة. هي مرحلة ما بعد معركة حلب بكل ظروفها الحاسمة. غيرت هذه المعركة التاريخية موازين القوى في جبهات الشمال السوري. كل الفصائل الإرهابية التي جمعتها تركيا في إدلب، لا يمكن أن تصمد إلا شهوراً قليلة. خمسة. ستة. فرَّت الإستخبارات التركية بها إلى آستانة، لإنقاذها من خطر الإبادة التامة بنيران الجيش السوري وحلفائه. سلكت أنقرة طريق آستانة لأنها تخشى خسران ورقة الإرهاب. من يصدق أن "جيش الفتح" الذي كانت جمعته لاحتلال حلب وأريافها، قد صار "معارضة إسلامية معتدلة".
على من تكذب حكومة أردوغان في أنقرة. على موسكو أم طهران، أم على الشعب السوري.
من ينسى بيانات "جيش الفتح" حول جريمة اغتيال أندريه كارلوف سفير روسيا لدى تركيا. أين اختفى ضابط الإستخبارات السعودية الإرهابي عبدالله المحيسني. أليس هو القاضي العام لـ"جيش الفتح". هل ما زالت الإستخبارات التركية تحمي "مركز دعاة الجهاد" الذي أقامه في مدينة إدلب. أم أن أردوغان قرر أن "يأكل تعب" المحيسني ويجير نفوذ السعودية على إرهابيي الجبهة الشمالية لصالح تركيا.
يقول فكرت أوزار القنصل التركي في الرياض أن "تركيا اقفلت حدودها مع سوريا منعا لتسلل عناصر "داعش". ولكن ماذا عن بقية الفصائل الإرهابية.
من حق روسيا وإيران أن تراهنا على كسب تركيا في الحرب ضد الإرهاب. ولكن هل يريد "الإخواني" أردوغان أن يتخلى، فعلاً، عن حضانة الإرهابيين التكفيريين. كم من وعد قطعه لموسكو وطهران في هذا الشأن ثم نكث به. بلى، نشأت أوضاع جديدة في مرحلة ما بعد معركة حلب. أوضاع تبرر مسعى كلا العاصمتين المتحالفتين، مع دمشق، ومع المقاومة الوطنية اللبنانية، لأن تقنعا الحاكم التركي بدعم الحوار السوري ـ السوري، وتأييد الحل السياسي في سوريا. لكنه، للآن، يشرع بوابات الجبهة الشمالية أمام عصابات الإرهابيين.
في الطريق إلى آستانة يواجه الرهان الروسي ـ الإيراني على دخول الرئيس التركي في موكب الحل السلمي في سوريا، عقبة كأداء إسمها أردوغان. أردوغان نفسه، هو أكبر عقبة في الحرب على الإرهاب. اردوغان هو "إخواني" نمطي : تكفيري مستتر. بليد ذهنياً. تحكمه شهوة السلطة. كيف لهذا النفر "الإخواني" الرجعي أن يكون جزءاً من الحل السوري ـ السوري. في الطريق إلى آستانة تومض بعض الأوهام بشأن تغير موقع تركيا في توازن القوى الدولي. الدولة التركية أطلسية. والحكم "الإخواني" من صميم "الإسلام الأطلسي".
في الطريق إلى آستانة يناور اردوغان مجدداً. ينتظر ترامب، بالتأكيد. وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أعلن يوم 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، ان بلاده تدعم بشكل كامل عضوية جورجيا في حلف شمال الأطلسي. وقال إن "تركيا تدعم وحدة الأراضي الجورجية وحدودها وسيادتها، وستواصل ذلك". هه. لقد سمع بالحرب العدوانية التي شنتها جورجيا على أوسيتيا وأبخازيا عام 2008 وذيولها. لكنه اراد توجيه "رسالة ثقة" بنظام حكم "الإخوان" في أنقرة. أراد أن يؤكد للأطلسيين استعداد نظام حكم الرجل الواحد للعمل ضد … روسيا.
وزير الدفاع التركي فكري إشيق صدق على هذه الرسالة الإستراتيجية بعد يومين. ألقى كلمة في مؤتمر "سفراء تركيا في الخارج"، في 12 كانون الثاني/يناير الجاري، حملت موقفين أطلسيين واضحين. الأول، يفيد "أنَّ تطور علاقاتنا مع روسيا لا يعني، إضعافها مع حلف شمال الأطلسي. سنواصل علاقة التحالف والتعاون مع الحلف". الثاني، يقطع بـ"عدم صدور أي مشكلة من تركيا من شأنها الإضرار بالحلف"، مؤكدا "عدم حدوث ذلك في المستقبل. لكنَّا نحتفظ بحق انتقاد حلف شمال الأطلسي، لعدم التزامه بتعهداته تجاه تركيا، ونمارس هذا الحق بين الحين والآخر".
في الطريق إلى آستانة يتمسك أردوغان بورقة الإرهاب التكفيري.
في الطريق إلى آستانة يتمسك أردوغان بالولاء لحلف شمال الأطلسي.
هيئة تحرير موقع الحقول
الخميس، 21 ربيع الثاني، 1438، الموافق 19 كانون الثاني، 2017