حدد قائد الجيش العماد جوزف عون عناوين رؤيته للجيش وضرورة إعادة عسكرته ومنع التجاذبات السياسية حوله، والمواضيع الأمنية والداخلية التي تعني المؤسسة العسكرية، ويؤكد أنه معنيٌّ بطيِّ صفحة العسكريين المخطوفين.
تحدث قائد الجيش العماد جوزف عون، في أول إطلالة إعلامية له عبر «الأخبار»، عن رؤيته للمؤسسة العسكرية، وإبعاد الجيش عن السياسة. وتطرق إلى ملفات التعيينات العسكرية والعسكريين المخطوفين والمساعدات الغربية ومكافحة الإرهاب، والوضع الأمني الذي يطمئن إلى استقراره، ونظرة الدول الغربية إلى دور الجيش في لبنان، وإلى زيارته المرتقبة لواشنطن.
عن رؤيته للمؤسسة العسكرية وما رسمه لها من خطة منذ أن طُرح اسمه لقيادتها، وهو الآتي من فوج المغاوير واللواء التاسع، قال عون: «جئت من معاناة المؤسسة العسكرية وأعرف مشاكلها. عدا عن القضية الأساسية التي تهمّ الجيش في مواجهة العدو الإسرائيلي، اهتمامي يتركز على مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن في لبنان وعلى الحدود، وفي كشف مصير العسكريين المخطوفين. داخلياً، يجب التركيز على تعزيز قدرات الجيش كعديد ونوعية العتاد، وتحسين الطبابة العسكرية. كذلك فإنَّ أبرز ما سنعمل عليه، استقلالية الجيش وإبعاده عن التجاذبات والتدخلات السياسية، وتعزيز الثقة بقرار المؤسسة الخاص بعيداً عن أي عناصر خارجية».
وعمّا إذا كان السياسيون سيمتنعون حقاً عن التدخل في قرارات المؤسسة، أجاب عون: «لا يمكن أيَّ سياسي أن يفرض أي قرار على الجيش. هناك مراكز أساسية في الجيش كرئاسة الأركان ومديرية المخابرات وأعضاء المجلس العسكري هي حصص للطوائف، ونحن مضطرون إلى احترام خصوصية كل طائفة، بشرط احترام الكفاءات، إذ لا يمكن القبول بأي ضابط غير كفوء. عدا عن ذلك، القرارات العسكرية تعني القيادة وحدها، ولن أقبل أن يطلب أي سياسي تعيين هذا الضابط أو ذاك، وقد بدأت تطبيق هذا الأمر في مكتبي الخاص، فقد عينت مدير المكتب (العميد وسيم الحلبي)، وهو الذي اختار أعضاء المكتب من دون أن أتدخل، مع احترامه للاختلاط الطائفي. سنعمل على الحدّ من التدخلات السياسية ومن تدخل الضباط مع السياسيين. لكل إنسان وضابط الحق بالطموح، الماروني يطمح إلى قيادة الجيش والسنّي والدرزي والشيعي إلى المراكز المحسوبة على طوائفهم، ولكل طائفة الحق في الطموح، لكن ليس على حساب كرامة المؤسسة العسكرية».
وشدّد قائد الجيش على أنَّ «من غير المسموح لأي ضابط أن يغلِّب مصلحة طائفته على مصلحة لبنان. يجب أن يعمل لكل لبنان تحت سقف الأنظمة والقوانين، وسيُحاسَب من يخرج عن هذا الخط. هناك ثقافة موجودة، ونعرف أنَّ تغييرها صعب، ولكن لا شيء مستحيل».
مع بداية عهد رئاسي جديد وقيادة عسكرية جديدة ترافقه في السنوات المقبلة، ما هي آفاق التعامل مع رئيس الجمهورية الذي اختاره شخصياً لقيادة الجيش؟ يقول عون: «رئيس الجمهورية كان قائد الجيش، وكنا نقاتل معه، ونعرف ماذا يشعر تجاه المؤسسة، لأنه يعرف معاناتها، وحين نطرح مع رئيس الجمهورية هذه المواضيع، يتفهم هذه المشاكل والطروحات، وكذلك الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري اللذان أبديا استعدادهما لتوفير الدعم المطلق للجيش».
حالياً يُعدّ قائد الجيش في بداية توليه مهماته القيادية الملفات كاملة، وهو في مرحلة استطلاع للمشاكل والمواضيع الشائكة، منها ما يحل عبر القيادة نفسها، ومنها عبر وزير الدفاع، ومنها ما يحل على صعيد المؤسسات والحكومة.
ثلاثة عناوين نسأل عنها قائد الجيش: ملف النازحين السوريين ومكافحة الإرهاب ومنطقة عرسال، والأوضاع الحدودية، ولا سيما في أعقاب الاجتماع الأمني في قصر بعبدا الذي ركز على التدابير الأمنية في المطار.
النازحون مشكلة أمنية واجتماعية
عن النازحين، يقول عون: «هذا الملف نعمل عليه في شكل وثيق. وأنا أتابعه كما مكافحة الإرهاب قبل تولي مهمات قيادة الجيش، ونحن نطبق عمليات دهم ومراقبة في تجمعات النازحين. لكن معالجة ملف النازحين تتطلب خطة سياسية في مجلس الوزراء، لأن هذا الملف ليس أمنياً فقط، فالشق الأمني هو 20 في المئة فقط منه، بل إنَّ الجزء الأساسي فيه اجتماعي. والرئيس سعد الحريري تحدث عن خطورة هذا الملف، وعمل الجيش هو جزء من الاستراتيجية الشاملة لمعالجة هذا الملف. هناك مشاكل اجتماعية كثيرة تتفرع من قضية النازحين، سواء عبر الولادات التي تتضاعف، وانتشار المخدرات أو الجريمة، إذ إنَّ ما بين 50 في المئة و60 في المئة من المتورطين فيها والموقوفين هم سوريون. لذا، فإنَّ الملف يتطلب قرارات واضحة من مجلس الوزراء، يتعلق بوضع النازحين العام وتحقيق عودتهم إلى بلدهم. لأن الخلل ليس أمنياً فقط، بل اجتماعي، وهو أخطر من الأمن العسكري».
وكشف عون عن توجه نحو التنسيق بين كافة الأجهزة الأمنية في ملف النازحين، خصوصاً أنَّ العلاقة قائمة مع اللواء عباس إبراهيم، ومع تسلم اللواء عماد عثمان مهماته، هناك نية لتأليف خلية أمنية للتنسيق بين الأجهزة في ملفَّي الإرهاب والنزوح.
عن الوضع الأمني عموماً وسياسة مكافحة الإرهاب، قال عون: «إن الوضع الأمني في لبنان مستقر، والجيش يعمل في ما في وسعه للحفاظ على الاستقرار والاطمئنان. لذا ينصب جهدنا على مكافحة الأرهاب في الداخل وعلى الحدود».
وعن احتمال تسرب عناصر من تنظيم «داعش» من الموصل وسوريا إلى لبنان، أجاب: «الخطر موجود تجاه لبنان وكل دول العالم، لكن ليس من خلال جماعات مسلحة تصل إلى لبنان. حالياً تعتمد هذه المجموعات سياسة الذئاب المنفردة، أي تنفيذ كل شخص منفرداً عمليات إرهابية حيث يتمكن. هناك جهد استخباراتي هائل لمكافحة الإرهاب، وقادرون على ضبط الوضع بنسبة 70 إلى 80 في المئة، ونحن نعرف أن أي دولة لا تقدر على ضبط الوضع بنسبة مئة في المئة، وقد شهدنا ماذا حصل في أوروبا أخيراً. لكن نضع كل الإمكانات الأمنية والاستخبارية لوضع سياسة مكافحة الإرهاب، وخصوصاً في ضوء الإنجازات التي تحققت في خلال السنوات الماضية والتوقيفات التي جرت في الأيام الأخيرة وكشف مجموعات إرهابية».
وأكد أن «المعابر الرئيسية الشرعية ممسوكة، كالمصنع وحوله وعلى طول السلسلة الشرقية والشمال، وطبيعي أنَّ الوضع الحدودي جنوباً ممسوك بفعل القرار 1701 ووجود القوات الدولية بالتعاون مع الجيش».
عن الوضع في عرسال، وهو الذي خبر وضع المنطقة جيداً، ومعالجة وضع المسلحين في شكل نهائي، يقول: «الوضع في عرسال جيد، ولا قدرة للمسلحين على شنّ هجوم شامل. لكن الخطر من عمليات إرهابية لا يزال موجوداً. أما عن معالجة وضع المسلحين نهائياً، فهذا أمر يتعلق بالقرار السياسي من جهة، ونضج الظروف الأمنية والسياسية من جهة أخرى».
وشدد قائد الجيش على أنَّ «الجيش يمسك جيداً بكل خطوط الدفاع، ويمنع تسلل المسلحين من عرسال وإليها، ويتبع أسلوب الضربات الاستباقية، والأفواج الحدودية تقوم بكل مهماتها على أحسن وجه».
وعن الوضع في منطقة القاع ومحيطها قال: «30 في المئة من قوة الجيش وفوج المجوقل وكتلة نارية ضخمة موجودة في راس بعلبك والقاع وجرود عرسال، والوضع ممسوك». وأشار إلى أنَّ الاجتماع الأخير في قصر بعبدا ركز على تفعيل التدابير الأمنية في المطار، وتحسين أداء القوى الأمنية، خصوصاً أنَّ الجيش له دور إضافي في حماية المطار من الخارج عبر كتيبة المدافعة عن المطار».
زيارة لواشنطن
لم يجرِ بعد الحديث بين قائد الجيش والمعنيين حول الهبة السعودية، «لكن المساعدات الغربية الأميركية والبريطانية والألمانية والفرنسية مستمرة. وتصل إلى لبنان قريباً مساعدات أميركية من قذائف وصواريخ وملالات جديدة ومدافع، وبريطانيا تعزز دوماً الأفواج البرية والمراقبة عبر الكاميرات والأبراج، وألمانيا ستنضم إليها، وهي أساساً تُسهم في تعزيز القوة البحرية، والفرنسيون يقدمون الصواريخ المضادة للدروع. كذلك قدم الهولنديون أخيراً سيارات إسعاف للجيش».
ويؤكد عون أنَّ الأوروبيين يقدمون مساعداتهم، مشددين «على أن لبنان هو خط الدفاع الأول عن أوروبا، والأميركيون فخورون بأنَّ استثمارهم في الجيش أثبت فعاليته، وقيل لنا إنَّ الجيش اللبناني هو الوحيد من الجيوش الذي لا يُدفع إلى القتال. فهو من الجيوش التي تعمل مع الأميركيين ولا يعمل لديهم أو لهم، ويتعاملون معه على أساس أنه شريك أساسي في مكافحة الإرهاب، ويشيدون بخبرات ضباطه وجنوده، ولذلك تتكثف الدورات التدريبية والمساعدات الأميركية».
وعن احتمال زيارته للولايات المتحدة، كشف عون «أنه سيزور واشنطن في الأشهر القليلة المقبلة للتعارف ولتمتين العلاقة مع الأميركيين الذين يقدمون مساعدات ودورات تدريبية»، مشيراً إلى أن «أجهزة الاستخبارات الغربية تتعاون مع الجيش عبر تبادل معلومات وخبرات، والتنسيق مستمر».
العسكريون المخطوفون: جرح يجب إقفاله
في موضوع العسكريين المخطوفين، أكد عون أنَّ «هذا هاجس لديّ منذ قبل تسلمي المسؤولية، أريد إنهاء الملف، سواء أكانوا أحياءً أم شهداء. وهذه مهمة يجب أن ننجزها. وسأتواصل مع اللواء عباس إبراهيم لطيّ هذا الملف. فهذا جرح يجب أن نقفله، علماً أن لا وسيط صادقاً حتى الآن بين الجيش والخاطفين».
عن التعيينات العسكرية قال عون إنه «في صدد إنجاز تعيينات الملحقين العسكريين وتعيين الأشخاص المناسبين في العواصم وفق خبراتهم، لا وفق التدخلات السياسية». أما عن مديرية المخابرات والتدخلات السياسية فيها، فيقول: «مدير المخابرات هو بمثابة المستشار الأمني لرئيس الجمهورية، وسآخذ رأي رئيس الجمهورية. لكن القرار النهائي يعود إلى قائد الجيش».
هيام القصيفي
الأخبار، العدد 3143، 3 نيسان 2017