رغم الأجواء التفاؤلية والتي شاعت خلال الساعات الماضية، ومنها تأكيد الرئيس ميشال عون بان الاتصالات قائمة حالياً للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية على اساس النسبية، آملاً ان يبشر اللبنانيين بإنجاز هذا القانون قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل، فان التجاذبات السياسية واستمرار «الكباش» بين قصري بعبدا وعين التينة بددت من أجواء هذا التفاؤل، خصوصاً بعد ما اعلنه الرئيس نبيه برّي امس من معطيات ووقائع تتصل بقانون الانتخاب ورفض نقل مقاعد عدد من النواب، وفتح الدورة الاستثنائية، حيث علمت «اللواء» ان الرئيس عون لم يوقع مرسوم فتح الدورة رغم احالته إليه من قبل دوائر رئاسة مجلس الوزراء مساء الجمعة الماضية، وانه سيوقع عندما يصبح قانون الانتخاب جاهزاً، خصوصاً وان الهدف من فتح الدورة هو اقرار هذا القانون حصراً، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة. غير أن مصدراً سياسياً رفيع المستوى ومعنياً بالاتصالات الجارية حول إنتاج قانون الانتخابات أكّد لـ«اللواء» أن ليس هناك من شيء محسوم بعد، وأن هناك حاجة للقيام بمزيد من الاتصالات والمشاورات للوصول إلى صيغة نهائية لقانون الانتخابات. واعترف المصدر بان هناك تقدماً يشهده الملف، ولكنه أشار إلى انه لا يمكننا أن ننسى بأن الشياطين تكمن في تفاصيل الأمور …
الجمهورية
«توتّر دستوري» على حلبة الصلاحيات والقانون رهن «الفرصة الأخيرة»
“المشهد الداخلي مشحون سياسياً ودستورياً، والمناخ الإيجابي الذي ظهر على السطح في الفترة الأخيرة يبدو أنّه تَوارى خلف تصادمِ الصلاحيات وتفسيرات دستورية متناقضة حول فتحِ الدورة الاستثنائية ومن هو صاحب الصلاحية في هذا الفتح. وأمّا القانون النسبي المطروح كمخرج بدوائره الـ 15، فجامد في مكانه من دون أيّ تقدّم يُذكر على صعيد الاتصالات التي يقال إنّها جارية، فيما هي غير مرئية، بينما العقدة الأساس ما زالت كامنة في الخلاف المستحكم على نقلِ المقاعد من منطقة إلى أخرى، والذي قد يشكّل رصاصة الرحمة في رأس هذا القانون.
البارز في الساعات الماضية كان الحديث المتجدد لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن إمكان ولادة القانون الانتخابي الجديد قبل نهاية ولاية المجلس في 20 حزيران المقبل.
وهو الامر نفسه الذي اكّد عليه رئيس الحكومة سعد الحريري مساء امس بقوله: «عندما اقول انّنا سنصل الى قانون للانتخابات يعني انّنا سنصل الى قانون للانتخابات، وقد اصبحنا قاب قوسين من التوصّل الى ذلك».
الدورة الاستثنائية
اللافت انّ رئيس الجمهورية لم يتطرق امام زوّاره الى الدورة الاستثنائية إنْ حول سببِ التأخّر في فتحها او حول ما إذا كان سيصدر مرسوم فتحِها، او موعد إصدار هذا المرسوم، فيما لوحِظ انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري رَفع من سقف خطابِه ضد ما سمّاه الهجوم المستغرب الذي تعرّضَ له من «التيار الوطني الحر» على خلفية تحديدِه موعد الجلسة التشريعية في 5 حزيران المقبل، مستغرباً تصويرَ خطوتِه هذه وكأنّها افتئات على صلاحيات رئيس الجمهورية.
فيما رأيُ رئاسة الجمهورية مناقض لموقف بري، إذ تحيل الجميع إلى المواد 31 و32 و33 من الدستور والتي هي شديدة الوضوح حول كيفية فتحِ الدورة، ومن هو صاحب الصلاحية بذلك، وبالتالي لا اجتهاد امام النص.
قريبون من بعبدا
وفي هذا السياق، اكّد قريبون من قصر بعبدا لـ»الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية «اعلن من اللحظة الاولى انه اذا انقضى العقد العادي لمجلس النواب من دون اقرار قانون انتخاب فهو جاهز لتوقيع مرسوم دورة استثنائية حتى 20 حزيران لإقرار قانون الانتخابات حصراً، وبالتالي هذا أمر محسوم ومعروف، لكن ذلك يجب ان يتم وفق الدستور والاصول. والدستور واضح في المواد 31 و32 و33 حيث يحدّد كيفية فتح الدورة، وبدايتها ونهايتها وجدول اعمالها».
ولذلك، اضاف القريبون من بعبدا، «فإنّ أيّ تحديد لأي جلسة من خارج هذه الاصول يُعدّ باطلاً ومخالفاً للقانون والدستور، بحسب نصّ المادة 31. والمرسوم يصدِره رئيس الجمهورية بعد الاتفاق مع رئيس الحكومة، وجدول اعمال العقد الاستثنائي يحدّده مرسوم فتح الدورة وليس أحد آخر. ورئيس الجمهورية مؤتمن على الدستور وأقسَم بالحفاظ عليه وسيطبّق هذه المواد ولا يمكن ان يخرج عنها او يسمح بالخروج عنها».
وهل دخَلنا في كباش واجتهادات دستورية؟ أجاب هؤلاء:» لا كباش ولا اجتهادات، الدستور واضح ويجب تطبيقه، والنص واضح، وبالتالي لا اجتهاد في موضع النص. لذلك وجبَت قراءة المواد 31 و32 و33 الواضحة وضوح الشمس ولا تحتاج لا الى تفسير او الى اجتهاد، ورئيس الجمهورية سيطبّق هذه المواد حرفياً».
وتعليقاً على المؤتمر الصحافي للرئيس بري، اوضَح القريبون من بعبدا «انّ المهم هو ما ختم به المؤتمر، إذ اكّد انه يمكن انّ هناك محاولات للإيقاع بينه وبين رئيس الجمهورية، وأنّ ما قبل الانتخابات ليس كما بعدها والباقي خاضع للدستور. وأمّا في السياسة فإنّ للكلام هوامش كبيرة، وأمّا الدستور فليس له هوامش بل هو نصّ واضح وصريح».
ولاحَظ القريبون من بعبدا «انّ الغريب في هذا التطور الذي حصل هو انّه أتى فوراً بعد كلام رئيس الجمهورية بأنّ الاتصالات متقدّمة لكي يبصر قانون الانتخاب النور قبل 20 حزيران المقبل».
وحول نقلِ المقاعد النيابية، لفتَ القريبون من بعبدا الانتباه الى «أنّ رئاسة الجمهورية لم تتعاطَ بهذا الموضوع، بل هو متروك للقوى السياسية. وإن كان البعض يتفهّم بعض القوى بالعودة الى اساس الطائف وتخفيف الطائف من اعباء زمن الوصاية».
توتّر دستوري
الواضح انّ هذه الاجواء التي استجدّت بالامس، تنفّس المناخ التفاؤلي الذي ساد في الساعات الاخيرة، وتضعِف احتمال بروز ايجابيات جدّية تؤسس لولادة سريعة للقانون النسبي، ذلك انّ البلد عاد ليتأثّر بـ»التوتر الدستوري» الذي اشتعل فجأةً بين بعبدا وعين التينة، الذي يبدو انّه مفتوح على محطات اشتباكية اخرى، ما يعني زيادة منسوب التوتر، الامر الذي يجعل من الايام الـ 20 المتبقية من عمر الولاية المجلسية اياماً شاقة سياسياً ستقود الى واحد من اتجاهين: إمّا نحو حلّ نهائي عبر قانون انتخابي يرسّخ الاستقرار السياسي، وإمّا نحو الأسوأ بعد 20 حزيران.
إلّا أنّ مصادر عاملة على خط الاتصالات لم تقطع شعرةَ الامل في تجاوزِ هذه الأزمة، بل إنّ المعركة الجانبية التي فُتحت على هامش القانون، لم تلغِ مناخ التفاؤل بالكامل، بل إنّ الامل ما يزال موجوداً، والرهان يبقى على الحركة التي يمكن ان يقوم بها النائب جورج عدوان مع القوى السياسية، خصوصاً اتصالاته مع «التيار الوطني الحر»، وكذلك مع بري وسائر القوى الحليفة له، وتحديداً «حزب الله»، الذي يبدو جليّاً أنه يتبنّى موقف بري في هذه الفترة.
إلّا انّ المصادر تعترف بأنّ مهمة عدوان قد تكون شاقة جداً، وإمكانية تحقيق خرقٍ صعبة جداً تبعاً للمواقف المتصلبة للقوى السياسية كلها. فـ»التيار الوطني الحر» ومعه «القوات اللبنانية» يصرّان على وضعِ الضوابط للقانون وكذلك تضمينه الإصلاحات التي تؤمّن تحقيقَ سلامة التمثيل وصحته للمسيحيين، ويأتي نقلُ المقاعد من امكنةِِ فرَضتها الوصاية السورية الى امكنتِها الطبيعية. فيما يقابل هذا الإصرار بإصرار مقابل من بري وحلفائه على رفض خطوة نقلِ المقاعد حتى ولو ادّى ذلك الى تطيير القانون.
وفيما تخلو روزنامة القوى السياسية من مواعيد محدّدة لاستئناف الاتصالات، لم تستبعد مصادر مواكبة لحركة عدوان ان يبادر الى استئناف اتصالاته على الخطوط كلها، وبالتالي التحرّك مجدداً نحو عين التينة والسراي الحكومي وبعبدا و»التيار الوطني» الذي قالت اوساطه إنّ موقفاً مهمّاً سيصدر عنه اليوم ربطاً بالتطورات الاخيرة.
ووصَفت المصادر هذه الاتصالات بالفرصة الاخيرة التي لا بدّ لها ان تُنتج تفاهماً ولو في اللحظة الاخيرة، وهذا يفترض بالدرجة الاولى ألّا تصطدم بطروحات من هنا وهناك، تنطوي على شيء من التعجيز، الامر الذي يعزّز احتمالات الفشل، وتجنّبُ هذا الاصطدام يوجب بداية سلوكِ الاطراف جميعها طريقَ التنازلات المتبادلة، لتؤدّي الى قانون جديد لا تنحصر فائدته بتعزيز سلامة التمثيل وصحته، بل بتعزيز الاستقرار السياسي الذي يعاني من هشاشة كبيرة في هذه الايام.
«القوات اللبنانية»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ التقدّم الذي حصل انتخابياً غيرُ مسبوق لجهة إنجاز التوافق السياسي على النسبية الكاملة وحجم الدوائر والصوت التفضيلي، فيما انتقل النقاش لبحثِ الأمور التقنية المتصلة باحتساب الأصوات، واستمرار البحث في مسألة نقل المقاعد بإخراجها من اللغط الحاصل أو التشويه المتعمّد، حيث إنّ «القوات» أحرصُ ما يكون على المسيحيين في الأطراف، والدليل انّ فكرة الاقتراح المختلط تستند إلى قاعدة أساسية، وهي تمكين الصوت المسيحي في الدوائر المختلطة، وتحديداً في الأطراف، من ان يكون مؤثّراً لا هامشياً ولزوم ما لا يلزم على غرار ما هو قائم وأدّى إلى تيئيس المسيحيين من سياسة المحادل والبوسطات وتغييبهم عن اختيار نوّابهم».
وتمنّت المصادر «عدم حرفِ النقاش عن التطور الأساس الذي نجَحت المقاربة القواتية في تحقيقه، والمتّصل بتجاوزِ الخلافات من أجل الوصول إلى مساحة مشتركة فعلية وللمرّة الأولى»، وحذّرت «من العودة إلى النقطة الصفر لأنّ المسافة الزمنية الفاصلة عن نهاية ولاية مجلس النواب لم تعد تسمح بتضييع الوقت وتمييع النقاش، خصوصاً أنّ الاتفاق السياسي الذي أنجِز على النسبية الكاملة وتفاصيلها بنسبة 90% يستحيل استنساخه على اقتراح آخر، ما قد يضع لبنان أمام احتمالات أسوأ من بعضها البعض».
ودعَت «القوات» إلى «عدم تضييع الفرصة التاريخية التي بَرزت مع التوافق الأخير، بل يجب التقاطها سريعاً وترجمتها بقانون تُجرى على أساسه الانتخابات، بما يصحّح التمثيل الوطني ويحقّق المساواة ويطبّق الطائف بشقّه الميثاقي ويقدّم جرعة إصلاحية ويحصّن الاستقرار ويعطي العهد زخماً استثنائياً وانطلاقة متجدّدة».
الأخبار
بري «يستعيد نشاط المجلس» والتيار يريد تعديلاً دستورياً: البلاد أسيرة الدلع السياسي
“اجتهد الرئيس نبيه بري، فقرر أن «يستعيد نشاط المجلس»، رغم انتهاء العقد التشريعي العادي. في المقابل، يطالب التيار الوطني الحر بتعديل دستوري، تحت عنوان «الحفاظ على المناصفة»، لتثبيت التركيبة المذهبية لمجلس النواب بعد إنشاء مجلس للشيوخ. ورغم التشنّج بين الرئاستين، فإن الاتفاق على قانون جديد للانتخابات ممكن، إذا ما توقّف بعض السياسيين عن ممارسة الدلع.
هل يعود البحث في قانون الانتخابات المطروح أخيراً (النسبية على أساس 15 دائرة) إلى النقطة الصفر؟
السؤال راج في ضوء نتائج المؤتمر الصحافي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، وسط ملامح أزمة أكبر، فيها صراع على الصلاحيات الدستورية في تفعيل المجلس أو تعطيله، بما يوحي بأنّ الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية آخذ في الاحتدام. وفيها أيضاً، ما لم يخرُج إلى العلن بعد، وهو مطالبة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بتعديل دستور يثبت الطائفية والمذهبية في مجلس النواب.
ما سبق دفع بأسئلة إضافية، من قبيل ماذا سيحدث بعد أن تنتهي الدورة العادية للمجلس (غداً) إلى الفشل في التوافق على أي صيغة قانون جديد للانتخابات النيابية، وعدم توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم الدورة الاستثنائية؟ ثم ما الهدف من وراء تعقيد الأزمة بطروحات تمسّ جوهر الطائف في أدق لحظة سياسية تمُرّ فيها البلاد؟
الثابت الوحيد في كل الدائرة المفرغة التي ندور فيها، إما أنّ هناك من لا يريد حصول الانتخابات إلا وفق ما يراه مناسباً له، وإما أن القوى السياسية تبدو مصرة على استدراج لبنان إلى دائرة النار التي تضرب المنطقة منذ سنوات، بوعي أو من دون إدراك.
ولذلك، تحتاج البلاد إلى مَن يقدر على وقف الملهاة، وقول الأمور بصراحة:
أولاً: الاتفاق على «النسبية المشوّهة» في 15 دائرة هو أفضل ما يمكن أن تنتجه الطبقة السياسية اليوم.
ثانيا: البلاد لا تحتمل الدلع، ولا الهرطقة، ولا تهشيم الدستور والقوانين التي تحوّلت إلى هيكل صدئ، لا يُقام له أي اعتبار.
ثالثا: ما تحقق تحت عناوين «الشراكة» و«استعادة التمثيل» و«حفظ الحقوق» هو أفضل الممكن حالياً. ولا داعي للذهاب أبعد، وطرح مطالب استفزازية وتعجيزية، لحفظ ماء وجه من صعد إلى شجرة وبات عاجزاً عن إيجاد سبيل للنزول.
رابعا: ليست الأيام العشرون الفاصلة عن عهد الفراغ النيابي الوقت الأمثل لإطلاق النار على العهد ومحاولة عرقلته. يكفي البلادَ الجمود «البنيويّ» الذي يشل مفاصل الدولة، ولا حاجة إلى مزيد من النزف السياسي والأمني والمالي.
في جميع الأحوال، ثمة مَن لم يفقد الأمل بإمكان التوصل إلى قانون جديد للانتخابات. ولا يقتصر ذلك على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري اللذين عبّرا أمس عن أملهما بالاتفاق على قانون قبل نهاية الولاية النيابية. فما قام به الرئيس نبيه بري أمس، وبصرف النظر عن الرأي الدستوري به، يحمل إيجابيات كثيرة، برأي سياسيين بعضهم من خصوم رئيس المجلس. فبرّي أكد أولاً موافقته على النسبية في 15 دائرة، وعدم ممانعته إدخال نص على الدستور لتثبيت المناصفة، رغم أنها واضحة في مواد الدستور بلا أي لبس. ودفع عن نفسه سيف التهديد لعدم فتح دورة استثنائية من خلال القول إنه مستعد للذهاب في المواجهة إلى أقصاها. كذلك فإنه رسم خطاً أحمر يحول دون نقل المقاعد من دائرة إلى أخرى (ربما يُستثنى من ذلك إعادة مقعد الإقليات، أو المقعد الإنجيلي، من الدائرة الثالثة في بيروت إلى الأشرفية).
وبحسب مصادر عونية، وأخرى من فريق 8 آذار، فإن بري سيزور قصر بعبدا الخميس، ليشارك في الإفطار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية. وقال مصدر وزاري من فريق 8 آذار إن مشاركة بري في إفطار السرايا الحكومية غروب أمس لم يهدف إلا إلى التمهيد للمشاركة في إفطار بعبدا، وكسر الجليد مع عون، وفتح أفق للحل.
مصادر في التيار الوطني الحر قالت لـ«الأخبار» إن التشنّج يسيطر على العلاقة بين عون وبري، لكن ذلك لا يعني أن الأمور أعقد من أن تُحل. وتعوّل المصادر على اتصالات ستشهدها الأيام المقبلة لخفض حدة التوتر. وفيما رأى سياسيون عونيون أن «اجتهاد بري بشأن استمرار العقد العادي لمجلس النوب أقرب إلى الهرطقة الدستورية في مقابل نصوص لا تقبل التأويل»، فإنهم أكّدوا أن الخلاف على تفسير الدستور لن يؤدي إلى إطاحة الجهود التي بُذِلت وأدّت إلى تقريب وجهات النظر بشأن قانون الانتخابات.
المسارات السياسية ليست مقفلة بالكامل إذاً. وحتى اللحظة، لم يتدخّل حزب الله لمحاولة نزع فتائل التفجير. وما يصعب تصديقه أن الاتفاق شبه منجز على قانون جديد للانتخابات، ولم يعد بحاجة إلى إلى الكف عن الدلع والنكد السياسيين.
مؤتمر برّي أمس أتى في لحظة يُحاول فيها التيار الوطني الحر والقوات طرح مسألة تعديل الدستور تحت عنوان «ضمان حقوق المسيحيين». وطرحهما يُطالب بـ «تعديل المادتين 22 و24 من الدستور، بهدف الإبقاء على المناصفة والتوزيع الموجود حالياً في المجلس النيابي بشكلٍ دائم ونهائي، حتى بعد استحداث مجلس للشيوخ يُنتخب على أساس مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي»، ما يعني الإبقاء على مجلس نيابي مذهبي واستحداث مجلس مذهبي جديد.
مصادر عين التينة رأت هذا المطلب «لعباً بالنار»، مؤكّدة أن موقف برّي «واضح وقد كرّره أكثر من مرّة، وهو اللاعودة عن المناصفة ولكن في إطار وطني». وأشارت إلى أن برّي في مؤتمره أطاح هذا الطرح، إذ إنه «حين اقترح إنشاء مجلس شيوخ اجتهد في الدستور مفسراً مصطلح مجلس نواب وطني لا طائفي، بأن المجلس يحافظ على المناصفة، ولكن من دون الإبقاء على التوزيع المذهبي عند المسيحيين والمسلمين».
من جهة أخرى، أعلن رئيس المجلس أنه «تلقى وعداً من رئيسي الجمهورية والحكومة بإصدار مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب»، قائلاً: «تواصلت هاتفياً مع الرئيس عون ووعدني بأن ينسق مع رئيس الحكومة لإصدار المرسوم، خصوصاً أنني ملزم بمهلة محددة هي 48 ساعة، لتثبيت الجلسة أو تأجيلها. كان هذا الكلام الساعة التاسعة من مساء الجمعة.
وبعد الاتصال مع عون تواصلت مع الحريري الذي وعدني بأن يوقع المرسوم، وطلبت منه أن ينسق مع فخامة الرئيس. وبعدها أخبرني الحريري أنه وقّع المرسوم وأحاله على بعبدا لتوقيعه وإبلاغي به في الليلة ذاتها. انتظرت حتى ظهر السبت، ولم يصلني المرسوم، علماً أن المعلومات أشارت إلى أنه على الطريق، وعلى هذا الأساس دعيت إلى جلسة في الخامس من حزيران».
وقدّم رئيس المجلس مطالعة دستورية لمسألة دعوته إلى جلسة بعد انتهاء العقد العادي ومن دون إصدار مرسوم الدورة الاستثنائية، مشيراً إلى أنه «لدى استخدام الرئيس المادة 59 من الدستور، وتأجيل عمل المجلس لفترة لا تتعدى الشهر، فهذا لا يعني إلغاء الجلسة أو عمل المجلس، بل تأجيله»، مشيراً إلى أن «هذا الخيار موجود في الدستور اللبناني، وفي الدستور الفرنسي. وقد استخدم في فرنسا في عام 1898، بمعنى أنه يحق له الدعوة إلى جلسات بعد انتهاء العقد العادي لفترة شهر».
وفيما أكد برّي أنه وافق على اقتراح النائب عدوان بشأن قانون الانتخاب «لأنه خرج من لقاءات بكركي»، فإنه أكّد رفض نقل المقاعد النيابية واعتماد الصوت التفضيلي على أساس طائفي، مشيراً إلى أن هذه الطروحات تنسجم مع طروحات التقسيم في المنطقة. واستمر برّي بعدم الإفصاح عن سيناريو ما بعد 20 حزيران، مجدّداً رفضه الفراغ في المجلس النيابي. وأبدى استغرابه لعدم توقيع المرسوم، قائلاً: «سمعت أن هذا من أجل الضغط عليّ للقبول بما يريدون من شروط، لكن لا أنا ولا أنت يا فخامة الرئيس من الذين يبيعون ويشترون».
بدورها، أشارت مصادر بارزة في تيار «المستقبل» إلى أن «رئيس الحكومة قام بما هو مطلوب منه ولم يتراجع عن تعهده للرئيس برّي». ورأت المصادر أن «المشكلة هي عند الرئيس عون». وكان لافتاً عدم تطرق الحريري إلى مؤتمر برّي، مكتفياً في حفل إفطار السرايا أمس بتوجيه التحية إلى رئيس المجلس، واصفاً إياه بالصديق، وبأنه «أكثر من يسعى مثلنا للتوصل إلى قانون جديد وعصري للانتخابات». وأكد الحريري أن «العودة إلى الستين أو التمديد سيشكل لنا جميعاً هزيمة أمام قواعدنا، ويعبّر عن اهتراء سياسي والرئيس برّي شاهد على ما أقوله». ولم يعلن رئيس الحكومة موقفاً من مشروع النسبية في 15 دائرة.
من جهتها، رأت مصادر القوات اللبنانية في كلام برّي «تصعيداً ضد الرئيس عون، بالتأكيد أن المجلس هو سيّد نفسه». لكنها حيّدت نفسها بشأن قانون الانتخابات، مشيرة إلى أن ما يرفضه الرئيس برّي بشأن نقل المقاعد «يُمكن التراجع عنه، لأن الأهم بالنسبة إلينا هو تقسيم الدوائر، وما دامت هذه النقطة تلقى موافقة الجميع، فنحن لن نطيح الانتخابات بالتمسك ببند نقل المقاعد، علماً أننا لم نطالب إلا بنقل مقاعد أربعة كانت قد فرضت في مرحلة الوصاية السورية». واستبعدت المصادر أن يؤدي الاشتباك بين عون وبرّي إلى نسف مسعى النائب جورج عدوان «إلا إن كان هناك قرار سياسي».
اللواء
إنتفاضة بري: جلسة 5 حزيران دستورية
الحريري يحذِّر: بعد 19 حزيران لن يكون كما قبله… بعبدا تتلقى الصدمة.. وتسلِّم بالدورة الإستثنائية
“أبعد من النقاش الدستوري، أو الجدل، تطايرت شظايا المؤتمر الصحفي الذي فاجأ الرئيس نبيه برّي المجتمع السياسي بعقده بكل اتجاه، ووضعت البلاد امام احتمالين لا ثالث لهما: إما الإسراع بفتح دورة استثنائية تتيح للمجلس النيابي عقد جلسة أو اكثر لمناقشة وإقرار قانون انتخاب جديد، بلا نقل مقاعد أو فرز إضافي للمجتمع اللبناني، المنهك بالازمات، وإما انشطار السلطات العامة والوصول إلى مكان في البلد تنتهي فيه ولاية المجلس النيابي، او لا تنتهي، اذا ما سارت الأمور على نحو غير متوقع، ومدد المجلس لنفسه في «جلسة ما» من دون فتح الدورة الاستثنائية، عملاً بما قاله الرئيس برّي في مؤتمره الصحفي من ان تأجيل انعقاد المجلس لمدة شهر، هو ارجاء عقد الجلسات وهو دين للسلطة الاشتراعية.
وقال الرئيس سعد الحريري في افطار أقامه غروب أمس في السراي الحكومي، كان من أبرز حضوره الرئيس برّي والرؤساء امين الجميل وحسين الحسيني ونجيب ميقاتي وتمام سلام، والمفتي عبداللطيف دريان، وقاطعه النائب وليد جنبلاط أو من يمثله، أن المهل الدستورية تداهم الجميع، وما بعد منتصف ليل التاسع عشر من حزيران لن يكون كما قبله.
والخيار السليم بالنسبة لرئيس الحكومة الوحيد الاتفاق على قانون انتخاب جديد. ومن وجهة نظره فان العودة إلى الستين أو التمديد سيشكل هزيمة لنا جميعاً امام قواعدنا الشعبية، ويعبر عن اهتراء سياسي.
الا أن الرئيس الحريري، الذي وجه تحية إلى «الرئيس الصديق نبيه بري» رأى أن الفشل غير مسموح به، واننا أصبحنا قاب قوسين من التوصّل إلى ذلك، جازماً عندما اقول اننا سنصل إلى قانون للانتخابات يعني اننا سنصل إلى قانون للانتخابات.
عاصفة برّي
على أن الرئيس الحريري، ولئن تجنّب ما طرأ على المواقف من تشنج، بعد عاصفة برّي، التي اعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وقابلتها بعبدا ببرودة، وبرد دستوري على النقاط التي أثارها في مؤتمره الصحفي، فان الاوساط السياسية تتحدث عن نكسة للأجواء الإيجابية، متخوفة من تصعيد في الايام القليلة المقبلة، وإن كانت بعبدا قالت انه لا اجتهاد في موضع النص، وان مرسوم الدورة الاستثنائية سيصدر حتماً، ولكن وفق «الأصول الدستورية الدقيقة» (والتعبير لمحطة O.T.V).
استأثرت «انتفاضة بري» وفقاً لتعبير أحد المشاركين في الطبخة الانتخابية بأحاديث المدعوين إلى افطار السراي، ولاقت مواقفه استحساناً، في ضوء التأخير الحاصل بفتح دورة استثنائية، والطروحات التي تمعن في تسعير الخطاب الطائفي، وإن كانت بعض أوساط بعبدا تروج ان الرئيس ليس متمسكاً بنقل المقاعد شرط العودة إلى الطائف من حيث عدد النواب الـ108.
وعلمت «اللواء» أن الرئيس الحريري حاول على هامش الإفطار احتواء التصعيد الناشئ، والتقى بالرئيس برّي قبل الإفطار، ثم عاد واجتمع إلى الوزير جبران باسيل، (ووفقاً للمعلومات فان خرقاً ما لم يسجل، وبقيت المواقف على حالها).
ومن المتوقع أن تتواصل جهود «احتواء العاصفة السياسية» التي تُهدّد قانون الانتخاب قبل جلسة مجلس الوزراء وربما بعدها في ضوء موقف التيار الوطني الحر بعد اجتماعه الأسبوعي بعد ظهر اليوم. وقال مصدر وزاري أن الجلسة التي تعقد غداً في السراي الكبير، يغيب عنها قانون الانتخاب، وعلى جدول أعمالها 32 بنداً ابرزها:
مشروع قانون يرمي إلى تعديل الجدول الرقم (6) المتعلق بتمويل سلاسل رواتب العسكريين في الجيش وقوى الامن الداخلي لجهة إضافة تعويض لعناصر قوى الأمن الداخلي العاملين في السجون ومراكز السجون الطبية.
ومشروع مرسوم بنقل اعتماد بقيمة مليارين و250 مليون ليرة من احتياطي الموازنة لتنفيذ مشروع مصب طوارئ بحري للصرف الصحي في ساحل كسروان، ومشروع مرسوم يرمي إلى تسوية أوضاع العاملين لدى الصندوق المركزي للمهجرين ومشروعي اتفاقيتين بين لبنان والبنك الاسلامي للتنمية لتمويل مشروع تطوير وادارة خدمات الصرف الصحي في حوض نهر الغدير، فضلاً عن مشروع قانون يرمي الى تعديل قانون السير، فضلاً عن 11 بندا في الجدول يتصل بالسفر.
قانون الانتخاب
ورغم الأجواء التفاؤلية والتي شاعت خلال الساعات الماضية، ومنها تأكيد الرئيس ميشال عون بان الاتصالات قائمة حالياً للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية على اساس النسبية، آملاً ان يبشر اللبنانيين بإنجاز هذا القانون قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل، فان التجاذبات السياسية واستمرار «الكباش» بين قصري بعبدا وعين التينة بددت من أجواء هذا التفاؤل، خصوصاً بعد ما اعلنه الرئيس نبيه برّي امس من معطيات ووقائع تتصل بقانون الانتخاب ورفض نقل مقاعد عدد من النواب، وفتح الدورة الاستثنائية، حيث علمت «اللواء» ان الرئيس عون لم يوقع مرسوم فتح الدورة رغم احالته إليه من قبل دوائر رئاسة مجلس الوزراء مساء الجمعة الماضية، وانه سيوقع عندما يصبح قانون الانتخاب جاهزاً، خصوصاً وان الهدف من فتح الدورة هو اقرار هذا القانون حصراً، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة.
غير أن مصدراً سياسياً رفيع المستوى ومعنياً بالاتصالات الجارية حول إنتاج قانون الانتخابات أكّد لـ«اللواء» أن ليس هناك من شيء محسوم بعد، وأن هناك حاجة للقيام بمزيد من الاتصالات والمشاورات للوصول إلى صيغة نهائية لقانون الانتخابات.
واعترف المصدر بان هناك تقدماً يشهده الملف، ولكنه أشار إلى انه لا يمكننا أن ننسى بأن الشياطين تكمن في تفاصيل الأمور، لافتاً إلى أن هناك الكثير من التفاصيل لا تزال بحاجة إلى اجراء المزيد من الدرس والمراجعة قبل الاعلان عن النجاح في الوصول إلى القانون العتيد الذي يطمح اليه جميع اللبنانيين.
من ناحيته، رأى مصدر نيابي في «تيار المستقبل» لـ«اللواء» ان اعتماد قانون انتخابي يعتمد على النظام النسبي كما هو معلن حالياً من الصعب التوافق عليه والسير به، ولفت إلى ان الأمور لا زالت تحتاج إلى مزيد من التشاور وإعادة النظر في تفاصيله.
وجزم المصدر بان هناك صعوبة بالنسبة لاعتماد الصوت التفضيلي، لا سيما أن المواقف السياسية واضحة من هذه النقطة، كذلك رفض المصدر رفضاً قاطعاً ما يُحكى عن نقل بعض المقاعد المسيحية من مناطق إلى مناطق أخرى، خصوصاً أن هناك مناطق ومدناً تتميّز بتنوعها الطائفي وهذا يعتبر من الامور الأساسية فيها، ويشير المصدر إلى ان هذا الموضوع مرفوض من قبل شريحة كبيرة من السياسيين المسيحيين كما المسلمين، لانه يزيد التشنج الطائفي والمذهبي.
ومن جهتها، قللت مصادر في «الثنائي المسيحي» من حجم الخلاف القائم حول مشروع النائب جورج عدوان لقانون الانتخاب، وقالت: إن هوّة الخلاف باتت ضيقة والأمور ستمشي في نهاية المطاف برغم موقف الرئيس نبيه برّي حول قانونية الدعوة لجلسة مجلس النواب في 5 حزيران. وأن الاتفاق تم على 15 دائرة والصوت التفضيلي في القضاء.. وباقي بعض التفاصيل التي ما زالت موضع نقاش، مثل نقل بعض المقاعد المسيحية من دائرة الى اخرى، وتكتمت المصادر على التفاصيل «لان الموضوع حساس ودقيق وتفصيلي، وحتى لا يفسّر اي موقف يصدر للاعلام على انه ضد فريق أو انه تراجع هنا أو تصلب هناك». واكدت ان موضوع فتح الدورة الاستثنائية تفصيلي والدورة ستفتح بكل الأحوال.
وأشارت المصادر إلى أن القوى السياسية الاساسية سائرة في المشروع وأن كانت هناك بعض الملاحظات لقوى أخرى سيجري تذليلها. وربطت بين فتح الدورة الاستثنائية وعقد جلسة 5 حزيران، وبين ما يمكن أن يحصل خلال اتصالات الساعات المقبلة لتجاوز العقبات.
«ارنب» بري
وتمثلت انتفاضة برّي، باخراج الرئيس برّي ارنباً جديداً من قبعته، في سياق تبريره لأسباب دعوته إلى جلسة في الخامس من حزيران المقبل، خارج العقد العادي للمجلس، والتي اعتبرت مخالفة للدستور، فرأى في مطالعة دستورية مطولة أن استخدام رئيس الجمهورية للمادة 59 من الدستور والتي تجيز له «تأجيل» انعقاد المجلس شهراً، هو بمثابة «دين» يبقى للمجلس دورته العادية المؤجلة شهراً، من دون حاجة الى فتح دورة استثنائية، طالما ان الرئيس عون يرهن فتح الدورة بالاتفاق على القانون الانتخابي.
وسارعت دوائر قصر بعبدا إلى الرد على الرئيس برّي مشيرة إلى أن الرئيس عون لم يقل يوماً انه لن يوقع مرسوم فتح الدورة، لكن هذا المرسوم يفترض الاتفاق أولاً على القانون الانتخابي، معتبرة الدعوة إلى جلسة 5 حزيران باطلة استناداً الى المادة 31 من الدستور، الا ان مصادر قصر بعبدا نفت ان يكون قد صدر أي كلام من بعبدا في خصوص التعليق على برّي.
وروى برّي في مؤتمر صحفي دعا إليه على عجل ظهر أمس، دوافع دعوته إلى عقد الجلسة من دون انتظار فتح الدورة الاستثنائية، موضحاً انه وفق النظام الداخلي للمجلس فان عليه أن يثبت موعد الجلسة قبل 48 ساعة، مشيراً إلى انه انتظر حتى مساء الجمعة، أي قبل موعد الجلسة التي كان مقرراً عقدها أمس الاثنين، وبعدما تبين صعوبة التفاهم على قانون انتخاب، اتصل بالرئيس عون وابلغه بانه لا يستطيع أن يؤجل جلسة الاثنين الا إذا جرى فتح دورة استثنائية، وان عون ردّ عليه طالباً منه الاتكال على الله وانه سيتحدث مع الرئيس الحريري في الموضوع، لكن برّي، بحسب ما رواه، بادر الى الاتصال بالرئيس الحريري واطلعه على ما جرى مع الرئيس عون، ودعاه الى التشاور معه في موضوع مرسوم الدورة، ولاحقاً ارسل اليه الحريري مايفيد انه ارسل مشروع مرسوم فتح الدورة الى رئيس الجمهورية، الا ان المرسوم لم يصل إلى عين التينة مقترناً بتوقيع عون، الامر الذي دفعه الى تحديد موعد الجلسة الجديدة ظهر السبت من دون انتظار المرسوم.
ولفت برّي إلى انه كان امامه ثلاثة خيارات، الدورة والعريضة النيابية، أو اللجوء الى الدستور الفرنسي الذي استوحي منه الدستور اللبناني، تلافياً لاشكال مع رئيس الجمهورية، ومؤدى هذا الخيار ان دور الانعقاد هو حق دستوري لا يجوز الغاؤه أو تقصير مدته، وان كان التأجيل متاحاً ولكن بمعنى تأخير انعقاده.
وكان الرئيس برّي قد أعلن في سياق رواية تأجيل الجلسة انه اتصل شخصياً بالنائب جورج عدوان وابلغه قبوله بالنسبية مع 15 دائرة في القانون الانتخابي، لكنه أوضح انه رغم قبوله بهذا الأمر، بدأت الشروط وكان اولها: هل ستكون المناصفة، فأجبنا بنعم بالتأكيد، ثم قالوا بالصوت التفضيلي، فقلنا ان هذا لا يُشكّل مانعاً للقانون، مع العلم انه لا ضرورة له بعد ان اصبحت الدوائر 15، لكن شرط ان لا ينحصر بالطائفة أو المذهب.
وأعلن برّي رفضه نقل مقاعد النواب شكلاً واساساً، معتبراً نقل النواب انه فرز مقلد لمشاريع التقسيم القائمة في المنطقة، خاتماً انه بانتظار القرار النهائي لتكتل التغيير والإصلاح لمتابعة النقاش حول نقطتين لم يتطرق اليهما مع عدوان، وهما العتبة الوطنية وطريقة احتساب المقاعد، وحتى ذلك التاريخ، نأمل ان شاء الله ان يكون القانون جاهزاً وتترك الامور للمجلس النيابي.
ورداً على سؤال أوضح برّي انه إذا لم يفتح رئيس الجمهورية الدورة فانه سيدعو إلى جلسة أخرى غير جلسة 5 حزيران، وانه إذا حصل إصرار على نقل المقاعد فانه لن يسير بالقانون، مستغرباً ما يقال عن وجود مشكلة بينه وبين الرئيس عون، مشيراً إلى ان ما كان قبل الانتخابات الرئاسية غير ما بعدها، وهذا الكلام اتفقت انا وهو عليه بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة في المجلس النيابي.
البناء
بوتين وماكرون يؤكدان التعاون لحلّ سياسي في سورية يحافظ على الدولة ومؤسساتها
الحشد الشعبي يكسر الخطوط الحمر الأميركية ويفاجئ: لقد بتنا على الحدود السورية
القانون يترنّح على حبال بعبدا وعين التينة حول الدورة الاستثنائية ونقل المقاعد
“ثلاث مفاجآت من العيار الثقيل حكمت كلاً من المشهد الدولي والإقليمي والمحلي، فعلى المستوى الدولي ظهر الثنائي الروسي الفرنسي كثمرة غير متوقعة لنتائج الانتخابات الفرنسية التي حملت إيمانويل ماكرون إلى الأليزيه، على حساب مرشحين كانوا يجاهرون بالسعي لأفضل العلاقات مع روسيا، وجاء التطوّر في الموقف الفرنسي ظاهراً في الملف الخلافي الرئيسي المتمثل بمستقبل الحلّ السياسي في سورية، حيث جاء إعلان ماكرون بالتعابير المستعملة من الرئيس الروسي، بالسعي لحلّ سياسي يقيم مرحلة انتقالية تحافظ على الدولة السورية ومؤسساتها، وفقاً لأولوية الحرب على الإرهاب، مع أخذ العبر من مشاريع التغيير الفاشلة في المنطقة وتأثيرها السلبي على أمن أوروبا.
المفاجأة الثانية جاءت إقليمياً بحسم الملف الرئيسي في الحرب السورية، بتقديم الجواب حول التوازنات التي ستحكم الحدود السورية العراقية، التي صارت آخر قيمة في الجغرافيا السياسية للحرب في سورية، لاتصالها بمكانة إيران الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، ما جعل واشنطن تجاهر بالسعي لمنع التواصل بين الجيش السوري والحشد الشعبي عبر الحدود السورية العراقية، لتكون المفاجأة إعلان الحشد الشعبي بلوغه نقاط الحدود مع سورية.
المفاجأة الثالثة لبنانية، وجاءت بمقدار ما كان التفاؤل بقرب التوصل لتوافق حول قانون انتخابات جديد مفاجأة أيضاً، لتعيد مناخات التشاؤم مع ظهور شدّ حبال بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي حول قضيتي فتح الدورة الاستثنائية والدعوة لنقل مقاعد نيابية مسيحية من طرابلس وبعلبك الهرمل وسواهما إلى دوائر ذات أغلبية مسيحية، وهو ما وصفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالتقسيم والفدرالية.
بري: جلسة 5 حزيران دستورية
قبل يومين من نهاية العقد العادي للمجلس النيابي وعلى وقع مفاوضات ربع الساعة الأخير على تفاصيل قانون الانتخاب النسبية 15 دائرة الذي حظي بتوافق معظم الكتل النيابية و»بات قاب قوسين»، كما عبر رئيس الحكومة سعد الحريري أمس، حسم الرئيس نبيه بري الجدل حول دستورية جلسة 5 حزيران المقبل وانعقاد المجلس من دون فتح دورة استثنائية للمجلس، وأعلن بري أن الجلسة دستورية.
وأوضح رئيس المجلس في مؤتمر صحافي عقده أمس في عين التينة، أن «المادة 59 التي تسمح لرئيس الجمهورية تأجيل جلسة المجلس النيابي لمدة شهر لا يوجد في الفقه واللغة والقانون، ولا معنى للتأجيل سوى التأخير وأن المجلس بالتالي ينعقد بعد انتهاء مدة التأجيل لتعويض الفترة التي أجلت، بمعنى أن هذا دين يبقى للمجلس قائماً دائماً بدليل أنه لو أراد المشترع الدستوري تقصير مدة الانعقاد لاستعمل كلمة اختصار أو الانتهاء أو التقصير».
وروى بري القصة الكاملة حول مرسوم فتح الدورة الاستثنائية واتصاله برئيسي الجمهورية والحكومة وأكد أن «لا أحد يستطيع الضغط على مجلس النواب إلا الشعب اللبناني فقط»، مشدداً على رفضه بالشكل والأساس نقل مقاعد مسيحية الى دوائر أخرى، معتبراً ذلك «فرزاً مقلداً لمشاريع التقسيم القائمة في المنطقة وأن هذا الأمر سيصبح إذا ما سرنا به، باباً ومنفذاً لطوائف أخرى من أجل المطالبة به أيضاً».
وفتحت النقاط التي أثارها رئيس المجلس في مؤتمره الصحافي الباب واسعاً على نقاش دستوري جديد حول انعقاد المجلس بعد نهاية عقده العادي في 31 أيار، حيث ترى بعبدا أن دعوة بري لجلسة في حزيران بعد نهاية العقد العادي وقبل توقيع رئيس الجمهورية العقد الاستثنائي غير مبررة وتستند في رأيها الى المادة 31 من الدستور التي تقول إن «كل اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يعد باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون». وبالتالي ترى مصادر بعبدا أن «انعقاد المجلس سيصبح غير دستوري مع نهاية الشهر الحالي ما يعني أن جلسة 5 حزيران غير قانونية»، لكن مصادر قناة الـ»أو تي في» أكدت أن «مرسوم الدورة الاستثنائية لمجلس النواب سيصدر حتماً لكن وفق الأصول الدستورية الدقيقة». بينما تتمسك عين التينة بدستورية الجلسة بعد استخدام رئيس الجمهورية المادة 59 من الدستور التي قضت بتأجيل انعقاد المجلس لمدة شهر واحد.
«التيار الحر» يحدّد موقفه النهائي اليوم
وفي غضون ذلك تستمرّ المشاورات على بعض النقاط العالقة في قانون النسبية لجهة نقل بعض المقاعد. وأكد الرئيس عون أن الاتصالات قائمة حالياً للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس النسبية و»نأمل أن نبشّر اللبنانيين بإنجاز هذا القانون قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل.»
ولم يبلغ التيار الوطني الحر بعد رده النهائي على تفاصيل قانون النسبية على أساس 15 دائرة بانتظار اجتماع تكتل التغيير والإصلاح اليوم الذي سيصدر عنه موقف رسمي نهائي، لكن مصادر التيار الوطني الحر أشارت لـ«البناء» أن «جلسة 5 حزيران من دون فتح دورة استثنائية تعتبر باطلة وغير دستورية وبالتالي نواب التكتل سيقاطعون الجلسة»، موضحة أن «التفسيرات الدستورية عن انعقاد المجلس بعد 31 أيار هي انتقاص من صلاحية رئيس الجمهورية الذي يحق له وحده بالاتفاق مع رئيس الحكومة توقيع مرسوم العقد الاستثنائي»، غير أنها لفتت الى «أن دعوة بري الى جلسة في 5 حزيران خارج نطاق الدستور يعني أنه يدرك أن الرئيس عون سيتجه الى فتح الدورة».
وأعربت المصادر العونية عن اعتقادها بأن «جميع الأطراف باتت محكومة بالتوافق على قانون جديد بمعزل عن الجدل الدستوري المستجدّ حول قانونية انعقاد المجلس وسنصل الى خواتيم سعيدة في وقت قريب جداً، لأن التيار يرفض الفراغ التشريعي الذي سيؤدي الى خطر كبير على العهد والبلد».
وكشفت المصادر «الاتفاق بين الجميع على المبادئ الاساسية لقانون الانتخاب كالنسبية الكاملة وعدد الدوائر الذي تثبت على 15 دائرة وتقييد الصوت التفضيلي بالقضاء وليس بالطائفة أو بالمذهب والبحث جارٍ الآن حول التمثيل العددي لكل مقعد نيابي الذي يجب أن يتم على معايير موحدة فضلاً عن نقل بعض المقاعد»، ولفتت الى أن «الأمر ليس عملية تقسيمية كما يُقال، بل نقل المقاعد محصور بمقعدين فقط الأول مقعد الأقليات في بيروت الثانية والمقعد الماروني في طرابلس، وبالتالي لم يطلب التيار نقل المقعد الماروني في بعلبك الهرمل التي يوجد فيها أكثر من 23000 مسيحي، أما المقاعد التي يوجد فيها عدد قليل من طائفة معينة فيجب نقلها الى دوائر أخرى».
وحذّر الرئيس الحريري من ضيق المهل الدستورية، وقال خلال مأدبة إفطار أقامها أمس في السراي الحكومي حضرها الرئيس بري وحشد كبير من الوزاء والنواب وقادة الأجهزة الأمنية، أن «ما بعد منتصف ليل التاسع عشر من حزيران، لن يكون كما قبله والخيار السليم الوحيد المطروح أمامنا هو الاتفاق على قانون انتخاب جديد، عادل وشامل، وخلاف ما يحلّل البعض، بأننا في العلن نريد التغيير ولكننا في الخفاء نماطل بهدف العودة الى قانون الستين أو التمديد، إنني على يقين تامّ، بأن العودة الى قانون الستين أو التمديد، سيشكل هزيمة لنا جميعاً أمام قواعدنا الشعبية، ويعبر عن اهتراء سياسي لا يصبّ في مصلحتنا ومصلحة البلد».
جنبلاط: وافقنا للخروج من المأزق
وفي حين أبلغ رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الرئيس بري والمعنيين موافقته على قانون النسبية الكاملة على 15 دائرة بعد أن اعتمدت الشوف وعاليه دائرة انتخابية واحدة، أوضحت مصادر الحزب الاشتراكي لـ«البناء» أننا «وافقنا على هذا النسبية وفقاً لـ15 دائرة، علماً أننا رفضنا النسبية الكاملة في السابق لأننا نريد الخروج من المأزق الحالي وكي لا نتّهم بالتعطيل، لكن لا زلنا نناقش في بعض النقاط التفصيلية ولم نحصل على أجوبة عليها حتى الآن ولن نكشف عنها في الإعلام».
ولفتت المصادر الى أننا «اعترضنا في السابق على المشروع التأهيلي ولن نقبل به تحت أي ضغوط وظروف ورفضنا عملية نقل المقاعد الذي يمكن تأجيله الآن ومعالجة النقاط الأهم». وأبدت المصادر تأييدها لكلام الرئيس بري أمس، الذي وصفته بالمنطقي والدستوري و»هو مطروح للنقاش وغير ملزم، بل طرحه بري كرئيس للمجلس من منطلق استمرار انعقاد المجلس النيابي حتى آخر يوم من ولايته لإتاحة المجال لغقرار قانون جديد»، موضحة أن «بري يتحاشى الوقوع في الفراغ الذي سيجر معه الفراغ الشامل على صعيد المؤسسات لا سيما في ظل الظروف المحيطة في المنطقة».
وأكدت المصادر أن «نواب اللقاء الديموقراطي سينزلون الى المجلس ويشاركون في الجلسة التي دعا اليها بري في 5 حزيران وإن لم تفتح دورة استثنائية، لكنها أشارت الى أن «الرئيس الحريري وقع المرسوم وبالتالي من الافضل للبلد في هذه المرحلة أن يبادر رئيس الجمهورية الى ذلك وتجنّب مشكلة دستورية حول انعقاد المجلس». لفتت الى أن «قانون الستين لم يعد مطروحاً في ظل التقدّم الحاصل على صعيد القانون النسبي، لكن في حال وصلنا الى نهاية ولاية المجلس دون توافق على قانون جديد، سنذهب مكرهين الى انتخابات على أساس الستين».