تواجه المملكة عاصفة سكانية. نحو 50 في المائة من سكان المملكة ولدوا بعد 1990. بدأ هذا الجيل في الدخول إلى سوق العمل دون وضوح في الرؤية حول سياسة بشرية عامة (نسبة من يعملون في القطاع العام أو الخاص، التفاعل بينهم، سياسة الاستقدام، سياسة الهجرة، سياسة التعليم، سياسة التدريب).
ونواجه عاصفة أخرى في فقدان سياسة الطاقة، حيث يصل استهلاك المملكة إلى نحو أربعة ملايين برميل مكافئ في اليوم من النفط. كما نواجه عاصفة أخرى في إيجاد التوازن بين الاستحقاق الداخلي (إدارة شؤوننا الداخلية) وبين المسؤوليات الإقليمية لدول عربية شبه فاشلة.
ونواجه عاصفة أخرى في إيجاد التوازن الصحي بين الدعم وبين محفزات الإنتاج. كل هذه العواصف مادية في طبيعتها، ولكن هناك عواصف أخرى في المكون الفكري والمعنوي وحالة من اللاتوازن بين الأجيال في كل مستوى وطبقة، وبين المادي والمعنوي وبين الأيديولوجي والعلمي.
تداخل هذه العواصف يجعل من التنبؤ خطأ فكريا خاسرا ويجعل التحليل دائماً قاصرا، كما تمتد هذه البيئة العاصفة إلى الجزئيات فيصعب قراءة المؤشرات وأحيانا حتى المعلومات والإحصائيات. الطبيعة الذهنية للإنسان تقوده إلى الحيرة والتبصر ومحاولة الفهم وحتى استنباط الحلول، ولكن تزامن هذه العواصف يجعل التحليل أقرب إلى التخمين غير المقنن.
في ظل هذه الحالة من الاستقطاب في الحلول المزعومة تصبح الحاجة للتفكير الاستراتيجي أكثر إلحاحا ووضوحا، فالمؤشرات على استنزاف النموذج السائد مادياً وفكرياً أصبحت واضحة. المستقبل لا يسامح والماضي لا يشفع حين تتزامن العواصف وتتكاثر المطالب المادية من قبل الأفراد دون مبرر وتصبح جميعها ملحة، وبالتالي واقعية، بينما الجانب المعنوي يتبع الحالة المادية فتصبح المطالب مشرعنة دون أساس، ويصبح الأساس غير متفق عليه، فتغيب مركزية الإجماع.
ولكن محصلة المكون الفكري لا تقبل في الجوهر النظرة العلمية المادية كمدخل لإعادة ترتيب البيت. تداخل المادي مع المعنوي صفة أزلية من طبيعة البشر، وآلية حركتهما مرتبطة ولا يمكن فصلهما، ولا يمكن تغليب واحدة على الأخرى لمدة طويلة، ولكن فرص التحديث في ثنايا التداخل والتوفيق بينهما.
أول خطوة للحل هي الاعتراف الصريح من قبل النخبة بأن النموذج استهلك وأننا جميعاً أمام تحد وأن المخزون الثقافي والتاريخي إنجاز وتجربة، إضافة إلى أن الطاقات البشرية الهائلة في مجتمعنا كافية للتعامل مع هذه العواصف والوصول إلى بحر الأمان ــ التقدم التنموي مادياً ومعنوياً.
أخيرا الإنسان غير المتوازن بين حاجاته المادية ونزعاته المعنوية ”أيديولوجية، فكرية، نفسية” يصبح غير مستقر وعرضة للعواصف الصغيرة ناهيك عن الكبيرة. المدخل إلى هذه التوازن أن يصبح الإنتاج محور النشاط الفردي والجمعي. الإنتاج هو جوهر العملية الاقتصادية وآليات هذه العملية معروفة وعادة ما تكون فاعلة، حينما يكون مصدرها ذاتي دون استشارات معلبة مستوردة من الخارج. فالتعليم الحقيقي يتم بالتجربة وتحمل الأخطاء والمساءلة والمراجعة. بعد أن تدور عملية الإنتاج يبدأ التصحيح المعنوي وتتحسن عملية الإنتاج تم ترتقي الحالة المعنوية وتتناقص وتضعف العواصف، وبالتالي تنجح العقلية السعودية في التحدي.
COMMENTS