يصدر، قريباً، كتاب اسرائيلي تحت عنوان «نافذة على الساحة الخلفية»، يوثّق لواقع تخلي تل ابيب عن عملائها في لبنان، خلال انسحاب الجيش الاسرائيلي عام 2000 وبعده.
الكاتب هو المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية (أمان)، يائير رابيتس، الذي عمل منذ عام 1968 ضابط استخبارات في الجبهة الشمالية (اللبنانية ــ الفلسطينية)، وقائداً لوحدة الاستخبارات البشرية، 504، في منتصف السبعينيات، وهي الوحدة المسؤولة عن تشغيل العملاء في الدول المجاورة لاسرائيل، ومن بينها لبنان.
وقد نشرت صحيفة «هآرتس» مقتطفات من الكتاب، تتضمن كثيراً من الوقائع والاحداث التي رافقت رابيتس طوال اربعين عاما خدم فيها في الاستخبارات العسكرية، ومنها ما كان بحسب تعبيره، «مليئا بالدم والاهانات» لمن عمل من اللبنانيين مع الاستخبارات الاسرائيلية.
يشير رابيتس، الى انه في منتصف السبعينيات، وعندما كان قائدا للمنطقة الشمالية في وحدة الاستخبارات المسؤولة عن تشغيل المصادر البشرية (504)، حرص على تطوير علاقة خاصة مع «القرى المسيحية» في جنوب لبنان. و«تطوّرت هذه العلاقة، ووصلت في ما بعد إلى إقامة ميليشيا مدعومة من إسرائيل، عرفت باسم جيش لبنان الجنوبي»، مشيرا الى انه عمل في موازاة ذلك، على «إقامة علاقات مع حزب الكتائب في لبنان، وتطورت العلاقة أكثر، بعدما عمل من عام 1982، وحتى عام 1985، رئيساً لبعثة الموساد، التي كان مقرها في شرق العاصمة اللبنانية».
يؤكد رابيتس انه «غير نادم على اي خطأ يتعلق بالعلاقة مع حزب الكتائب في لبنان»، بل يوجه انتقاداته إلى أصحاب القرار في تل ابيب، والى الخبراء «الذين زرعوا الوهم لدى (الرئيس السابق) بشير الجميل، ومجموعة القتلة التي كانت محيطة به»، ويقول في كتابه: «شاهدت رجال (الوزير السابق) إيلي حبيقة وهم يشحذون السكاكين، قبل انطلاقهم لتنفيذ المذبحة في صبرا وشاتيلا، وسمعت ما كانوا يقولونه بشأن نياتهم استخدام السلاح الأبيض فقط». مع ذلك، يؤكد انه لم يكن على علم مسبق بالمجزرة، ويقول: «لم اعلم بهدفهم، فهذا الامر لم تكن له علاقة بوظيفتي». ويتهم رابيتس في كتابه «ضباط وحدة العلاقات الخاصة في الموساد، الذين سمحوا ــــ بسبب قلة معرفتهم بالكتائب ــــ بجر الجيش الإسرائيلي الى تطهير لبنان من المنظمات الفلسطينية، ليتراجع الكتائبيون عن كل الاتفاقات المعقودة معهم»[1].
وعن خطوة الانسحاب من جنوب لبنان، يشير رابيتس الى انه «مقتنع بأن الهروب المتسرّع من لبنان، في ايار 2000، بناءً على قرار رئيس الحكومة آنذاك إيهود باراك، عزز من قوة حزب الله، وقدرته على توجيه ضربة قاتلة لقدرة الردع لدى الجيش الاسرائيلي، بل وايضا، تشجيع الفلسطينيين على إشعال الانتفاضة الثانية في العام نفسه». وشدد على ان «وصف (الأمين العام لحزب الله، السيد حسن) نصر الله لإسرائيل ببيت العنكبوت، لم يأت عبثا. ولو كنت صاحب القرار في حينه، لكنت امرت (قبل الانسحاب من جنوب لبنان)، بفرض حظر تجول على القرى الجنوبية، وجمع السلاح والعتاد، ودعوة عناصر ميليشيات لحد الى مراسم وداع محترمة، وهو الامر الذي لم يحصل».
وتحدث رابيتس عن»وعود فارغة» أغدقها الضباط الاسرائيليون على عناصر ميليشيا لحد، الذين «يعيشون الآن في اسرائيل في ضائقة كبيرة جدا». وأشار إلى أن «كل مسؤولي المؤسسة الامنية الاسرائيلية، الذين صنعوا مجدهم بفضل هؤلاء، اختفوا فجأة من الميدان، وتركوهم لمصيرهم». وأوضح: «اعلن الضباط الاسرائيليون امام مسامع عناصر لحد، طوال السنوات التي سبقت الانسحاب عام 2000، أن الجيش الاسرائيلي سيحرص على ان يعوض لهم بدل كل بيت يخسرونه بيتا آخر، وبدل كل شجرة شجرة اخرى، بل وبدل كل عنزة عنزة اخرى… ولولا المساعدات التي تؤمنها جمعية مساعدة عناصر الجنوبي الخيرية، لكانوا جميعا تلقوا فقط، مجموعة من الماعز، لا أكثر».
وكشف رابيتس ان «المؤسسة الامنية في اسرائيل، انتهجت سياسة التمييز بين الضباط الرفيعي المستوى في ميليشيات لحد، الذين حظوا باهتمامها، وبين العناصر الصغار، الذين اضطروا الى الاكتفاء بما تقدمه وزارة الاستيعاب الاسرائيلية من مساعدات متواضعة». وأشار إلى أن لديه «حسابا مليئا بالاعتراضات على الاصدقاء في الوحدة 504، الذين تعاملوا بشكل مهين مع عناصر لحد، وتخلوا عنهم واطلقوا امامهم جملة من الوعود الكاذبة، وهو الامر الذي ينعكس سلبا على عمل الوحدة، لان السلاح الاساسي لدى وحدة تشغيل العملاء، هي السمعة الحسنة وعدم التخلي عن عملائها»[2].
واشارت «هآرتس»، اضافة الى ما ورد في كتاب رابيتس، الى انه في اللحظة التي سيصدر فيها الكتاب، «قررت اسرائيل ايقاف دفع الرواتب وبدل الايواء السكني لعناصر ولاجئي الجيش الجنوبي، الامر الذي يعني ان اللاجئين الصغار من هؤلاء سيجدون انفسهم في الشوارع، الامر الذي يعد خيانة اخرى من انتاج المدرسة التي تتبعها اسرائيل».
COMMENTS