وصلت الأزمة السورية إلى مستويات جديدة من التدهور أمام الرأى العام العالمى دون بارقة أمل فى حل سياسى قريب. ولم تكن مشاهد مآسى الشعب السورى على شواطئ تركيا وأوروبا والتى احتلت مساحات واسعة من تغطية الإعلام العربى والدولى فى الأسبوعين الأخيرين سوى محصلة لتواطؤ ما يسمى بـ المجتمع الدولى فى التصدى لعصابات القتل التى تريد هدم الدولة وتفريغ الأرض من أبنائها تحقيقا لأهداف وخطط مريبة تحت دعوى التخلص من النظام الحالى فى دمشق.. حجم المأساة واتساعها لا يبرره بأى حال من الأحوال الرغبة فى التخلص من نظام أو رئيس فلا يمكن تصديق تلك الأطراف المتورطة فى تشريد شعب أو تدمير أمة بزعم إنقاذه من حكامه.. أى جنون هذا؟!
تحمل المواقف المبدئية للدولة المصرية والتى عبر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى وتأكيده فى جولته الخارجية الأخيرة وفى لقائه مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قبل أسبوعين ثم مع وفد مجلس الشيوخ الإيطالى أمس الأول ــ أهمية الحل السياسى الذى لابديل له، وأن هذا الحل السياسى ليس دعماً لأى طرف على حساب الآخر، وإنما حفاظاً على كيان ومؤسسات الدولة السورية والحيلولة دون انهيارها، وكل هذا له أهمية خاصة فى مواجهة مواقف غير مفهومة من أطراف عدة عربياً ودولياً تصر على وضع «العصا فى العجلة» باشتراطها تنحى بشار الأسد أولا وعدم تضمينه فى الحل السياسى بينما تلك الأطراف تعلم أن جنيف لم تتضمن ذلك وأن الخطر الأكبر هو التنظيمات المتطرفة التى تعيث فسادا فى سائر مناطق سوريا والعراق ولا تجد رادعا حاسما سواء من العواصم العربية أو من القوى الدولية التى تعلن عن مواقف متشددة وتتقاعس عن تقديم مشروع حقيقى يوقف الكارثة. تعلم القوى العربية والدولية أن النظام الحاكم فى دمشق لابد أن يكون جزءا من مواجهة الظلاميين الذين تفوق جرائمهم كل ما جاء فى كتب التاريخ من فظائع البرابرة والتتار والمغول.
إن تأكيد قمة واشنطن بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما وخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز الأسبوع الماضى الحل السياسى للأزمة السورية هو أمر يستحق الإشادة والتقدير بإتجاهه إلى رفض الحل العسكرى للوضع الحالي، وكان يمكن القول إنه تحول فى اتجاه التصدى الشامل لإرهاب تنظيم الدولة «داعش» وجبهة النصرة لولا اشتراط تنحى بشار الأسد وهو شرط يتغافل أن الأسد يتمتع بشعبية وسط قطاع لا يستهان به من الشعب السوري.
ويبدو أن مسألة الإصرار على تنحية الأسد فى ظل الظرف الراهن فى دمشق والمدن الكبرى تصب – سواء كانت تلك الأطراف الرافضة لوجوده تدرى أو لا تدرى – فى صالح هدم مؤسسات الدولة السورية وهو ما يعنى أن ما لم يتحقق بالإرهاب (القوة العسكرية لجماعات دموية) يمكن أن يتحقق عن طريق بوابة السياسة!!؟
نريد فى تلك الظروف العصيبة أن نتيقن من جدوى تلك الدعوات للحل السياسى خاصة أن اتفاق جنيف -1 بين أيادينا ويقدم رؤية للحل وخريطة طريق مقبولة وتم التوصل إليها برعاية دولية. ومن باب التذكرة، تضمن بيان جنيف -1 الخطوات الرئيسية التالية التى تحدد معالم أية عملية انتقالية:
(أ) إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك فى ظلها العملية الانتقالية . وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية . ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة.
(ب) الشعب السورى هو من يقرر مستقبل البلد . ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته فى الجمهورية العربية السورية من المشاركة فى عملية الحوار الوطني. ويجب ألا تكون هذه العملية شاملة للجميع فحسب، بل يجب أيضا أن تكون مجدية – أى أن من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسية.
(ج)على هذا الأساس، يمكن أن يعاد النظر فى النظام الدستورى والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام.
(د) بعد إقامة النظام الدستورى الجديد، من الضرورى الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة.
(هـ) من الواجب أن تُمّثل المرأة تمثيلاً كاملاً فى جميع جوانب العملية الانتقالية.
من واقع وثيقة جنيف -1 لا يمكن للشروط أن تحل الموقف الراهن ولكن يمكن أن يكون تأثيرها عكسيا، فهى تذكرنا بالشروط الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية ومحاولة خبيثة لإجهاض اتفاق جنيف رغم أن بنوده كفيلة بإلزام المجتمع الدولى بالسعى الجاد لوضع حد للمأساة الإنسانية الدائرة بلا رحمة اليوم. فاستمرار الوضع السورى التعس هو عار فى حق الأمة العربية سيضاف إلى سلسلة إخفاقات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين من غزو لبنان إلى تدمير العراق واليمن وليبيا مرورا بغزو الكويت.
أيها العرب .. هل نسيتم الأقصى وفلسطين؟!
رحم الله الشاعر العربى الكبير مظفر النواب..
COMMENTS