إنها فتنة جبران باسيل. لم يتحرك القضاء حتى الآن لمساءلة الوزير جبران باسيل. فالرجل صنع فتنة طائفية موصوفة. باسيل هدد بالقتل. حرض عليه. ليس صهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مواطناً يدعو للثورة على النظام الطائفي. فيبرر لمواطنيه هذا العنف السياسي. أو هذا الغضب الإجتماعي. إنه أحد "صبيان" ـ ولا نقول زعماء ـ الطوائف، الذي يطمع بحصص الطوائف الأخرى. تملكته نوبة غضب طائفي. هدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري "بتكسير" رأسه. تكسير. تحطيم. تخريب. تفجير. نسفّ!. هذه لغة حربية. أين القضاء. لماذا لا نراه يتحرك للجم هذا العنف المرفوض من باسيل. لقد أخافنا!. الرجل جاهر برغبته بالتزعم الطائفي وإن على شقف الجماجم أو شظاياها. يريد باسيل أن يمد يده على "حقوق طوائف" أخرى. وهذا عنف سياسي معروف النتائج في لبنان. فأين القضاء. هذه جريمة يمكن أن تخرب البلاد وتنقم العباد. على اي حال صهر الرئيس عون نقمهم فعلاً. أمس، بسبب فتنة جبران باسيل، رجعت كوابيس الحرب الأهلية إلى غرف النوم، وهناك خوف من أن تملأ الشوارع … (علي نصّار)
البناء
عون يستقبل الرئيس الألماني وقضية النازحين السوريين على الطاولة لا تزال موضع خلاف قائم
قنبلة باسيل الكلامية تهدّد بحريق كبير… والحريري يقود التهدئة لاحتواء التداعيات باعتذار علني
حزب الله: لغة لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح القومي: لتصحيح الإساءة المرفوضة
غطى كلام وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بحق رئيس مجلس النواب نبيه بري على المتابعات لملفات إقليمية كبرى أبرزها الاستعدادات لافتتاح مؤتمر سوتشي اليوم كبداية مسار استعادة وحدة وسيادة سورية بالتزاوج مع مساعي الحل السياسي لقيامة الدولة السورية، كما غطى على زيارة الرئيس الألماني للبنان والمحادثات التي جرت بينه وبين الرئيس اللبناني ميشال عون، والتي تصدّرها ملف النازحين السوريين في لبنان وما كشفته من عمق الخلاف بين لبنان والمجتمع الغربي حول فرص عودة النازحين إلى المناطق الآمنة في سورية، في مسار منفصل عن مساعي الحل السياسي والنهاية الكاملة للحرب.
سيطرت ردود الأفعال على كلام باسيل على المشهدين السياسي والإعلامي، وكان للشارع نصيبه من التداعيات، وأجمعت المواقف السياسية للقوى الفاعلة على تأكيد رفض الكلام المسيء لرئيس المجلس النيابي ورفض اللغة التي تخرج عن لياقات وآداب التخاطب السياسي ومخاطر الانزلاق للفتن. وأجمعت المواقف على انتظار موقف للوزير باسيل ينهي الأزمة باعتذار علني التقى على الدعوة إليه النائب وليد جنبلاط، مؤكداً الوقوف في موقع استنكار الإساءة للحليف والشريك بري، كما توجّه وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى عين التينة بعد زيارة رئيس الحكومة لقصر بعبدا ودعوته للتهدئة. وقال المشنوق إن المطلوب اعتذار من باسيل، بينما كانت الأنظار تتجه نحو معرفة موقف حزب الله ومدى نيته القيام بمسعى لوساطة بعدما كان أنهى وساطة أول أمس ليلاً ترجمت بهدنة إعلامية، قبل انفجار قنبلة كلام باسيل وإطاحتها بمناخ التهدئة.
حزب الله أصدر بياناً طالب فيه بتصرف وعلاج بحكمة ومسوؤلية وشجاعة، ما بدا توجّهاً لرئاسة الجمهورية للتدخل، خصوصاً مع الموقف الحازم للبيان في تأكيد رفض كلام باسيل بحق الرئيس بري، ووصفه بالقامة الوطنية الكبرى، ورفض كل مساس بمقام الرئيس بري، واعتبار اللغة الواردة بكلام باسيل لغة لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح، بل تمزّق الصف وتهدم كل بناء، ما أوحى أن الحزب لم يعتبر الكلام الذي نقل عن باسيل كافياً بالحديث عن «كلام منسوب ومسرّب ولا يعبّر عن قيمنا».
الحزب السوري القومي الاجتماعي أصدر بياناً رفض فيه الإساءة للرئيس بري، ودعا لمعالجة شجاعة ومسؤولة تُفترض ترجمتها بالتراجع عن الكلام المسيء، وقد يكون أولها تأجيل المؤتمر الاغترابي الذي ربّما يكون الخلاف حوله عنصر تأجيج للخلاف.
«فيديو» باسيل أسقط الهدنة وفجّر الشارع
لم تصمُد الهدنة الإعلامية التي توصل اليها حزب الله بين التيار الوطني الحر وحركة أمل أكثر من 24 ساعة. سقطت الهدنة وعادت الأمور الى المربع الأول وعاد الطرفان الى قواعدِهما والى التخندق خلف المتاريس الطائفية، وبدأت خطوط التماس بالظهور وانتقل الصراع من المؤتمرات والشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي الى الشارع الذي انفجر وتحوّل ساحة حرب حقيقية بعد الفيديو المسرّب لوزير الخارجية جبران باسيل الذي وصف رئيس المجلس النيابي نبيه بري بـ «البلطجي» وبعض الكلمات النابية، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة عمت مختلف المناطق اللبنانية ما وضع البلاد أمس أمام مشهدٍ شبيه بمرحلة الحرب الأهلية وغداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
أما اللافت فهو تزامن التحرّكات الشعبية مع وصول الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الى بيروت والتعبير عن فخره بلبنان وبالتعايش بين المجموعات الشعبية والأديان المختلفة فيه.
وفي تفاصيل اليوم الميداني الطويل، أنه وعلى خلفية شريط فيديو سرّبته رئيسة قسم الكتائب في محمرش – البترون ريمي زاهي شديد، في لقاء عقده باسيل في البلدة تضمّن مواقف عالية السقف ضد الرئيس بري، تداعى مناصرو حركة أمل الى الشارع وعمدوا الى قطع الطرقات بالإطارات المشتعلة في العاصمة والضاحية والبقاع وتوجّه بعضهم الى مكتب «التيار» في ميرنا الشالوحي في سن الفيل معبّرين عن رفضهم التعرّض لرئيس الحركة، وعلى الفور حضرت القوى الأمنية وقوة من فوج المغاوير وتمكنت من تفريق المتظاهرين.
ولاحقاً توجّه باسيل إلى مركزية «التيار» في سنتر «ميرنا الشالوحي»، واجتمع مع الوزراء والنواب وقياديي التيار والشخصيات السياسية الموجودة في المركز، وإذ غادر باسيل من دون الإدلاء بأي تصريح ورافضاً الإجابة على أسئلة الصحافيين، تولى وزير العدل سليم جريصاتي توضيح الموقف، ورد على سؤال حول اعتذار وزير الخارجية قائلاً: «الشجاعة مَن يمسك شارعه ويضبطه والتظاهر شيء والاعتداء على مركز حزبي شيء آخر، ولن نسمح بهذه الممارسات»، ما فسّرته مصادر على أن باسيل يرفض الاعتذار. وأعلن جريصاتي أن «الاستنابة صدرت عن المحكمة العسكرية في موضوع إطلاق النار، والأمور السياسية مهما بلغت من شدّة لا تتحوّل الى الشارع لأن كل شارع يقابله شارع، ونأمل أن لا يتكرر الأمر». كما حضر مساعد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي رولان شرتوني، وعاين المكان، وقرّر تسليم التحقيقات للشرطة العسكرية. ومن جهته أعطى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق تعليماته الى قوى الأمن الداخلي للسهر على ضمان الأمن والسلامة العامة للأشخاص والممتلكات ومنع الاعتداء على أي من المراكز الحزبية، فضلاً عن تأمين فتح الطرقات».
«أمل»: الجرّة كُسرت مع «التيار»
وفي حين طلب «التيار» من جميع مناصريه ومن المواطنين الهدوء وضبط النفس وترك القوى الأمنية الرسمية تقوم بالمعالجات اللازمة، أكدت مصادره لـ «البناء» أن لا نية ولا قرار بالمواجهة في الشارع والقيام بردات فعل، تمكنت قيادة أمل مساء أمس من احتواء الموقف بعد تعليمات تلقاها المسؤولون الميدانيون بالطلب من المناصرين إخلاء الشوارع وفتح الطرقات، وأكد مصدر قيادي في الحركة لـ «البناء» أن «قيادة الحركة ومسؤوليها المنتشرين على الأرض تمكنوا من إقناع المناصرين بالانسحاب من الشارع»، مؤكداً أن «لا قرار من الحركة لقواعدها وجمهورها بالنزول الى الشارع، بل ما حصل كان ردة فعل عفوية على كلام باسيل الذي تخطى الحدود في التخاطب السياسي والأخلاقي». وأضاف المصدر: «لا الحركة ولا رئيسها كانا يريدان ما حصل في الشارع، بل هم الأحرص على السلم الاهلي وعدم العودة الى الحرب الأهلية. والرئيس بري أوعز لقيادة الحركة منذ بدء التحرك في الشارع الطلب الى المناصرين الخروج من الشارع. وأنه سيعالج الأمر بوسائله الخاصة، لكن ما حصل كان إنذاراً شعبياً لعدم تكرار أي كلام في المستقبل بحق قامة وطنية يؤدي الى انفجار في البلد»، كما نفى المصدر أن تكون «قيادة الحركة طلبت من المتظاهرين التوجّه الى مناطق وجود التيار، رغم أنهم ذهبوا الى هناك سلمياً وتعرّضوا لإطلاق النار». ودعا المصدر رئيس الجمهورية لـ «التدخل لدى باسيل وبعض المستشارين الذين يعملون على توريط الرئاسة في خلافات وأزمات مع القوى السياسية».
وإذ أكد المصدر أن موجة الاحتجاجات انحسرت واليوم ستعود الأمور الى طبيعتها، حذر من أن «الاستمرار في هذا الأسلوب سيؤسس لصراعات سياسية وطائفية في المستقبل»، مشدداً على أن «الجرة كسرت مع التيار بعد كلام باسيل وستبدأ نتائجه السلبية بالظهور سياسياً وانتخابياً في الاستحقاقات المقبلة، إن في الانتخابات النيابية أو انتخابات رئاسة المجلس النيابي، ولاحقاً في رئاسة الجمهورية وفي عمل المؤسسات الدستورية».
واعتبر المصدر أن «نيات التيار بخوض معركة رئاسة المجلس ضد بري ظهرت في فلتات لسان باسيل ونحن متأكدون من أن التيار لن يعطي أصواته لبري ولا نستبعد أن يخوضوا المعركة بمرشحٍ آخر»، وأكد أن «المواجهة ستنتقل من الشارع الى المؤسسات الدستورية ولن يستطيع التيار تهميشنا في الحكم»، وأوضح أن «الاعتذار ليس حلاً للمشكلة التي انتقلت الى الشارع، فالرئيس بري يتجاوز. لكن هل الشارع يستطيع ذلك؟ رغم أن لدينا قناعة بأن ممارسات باسيل وخطابه لن يتوقفا». وعن أزمة المرسوم التي شكلت الخلفية المباشرة لانفلات الشارع، أوضح المصدر أن «مرسوم الأقدمية لم ينشر ولن ينفذ ولن يوقع وزير المال مرسوم ترقيات الضباط والحل باقتراح بري دمج المرسومين وتوقيع الوزراء المختصين ورئيسي الجمهورية والحكومة»، ولفت الى أن «المرسوم مخالف للقانون والدستور ويمكن غضّ الطرف عن الأولى، لكن عن الدستور مستحيل».
كلام باسيل كان محور الاجتماع الطارئ لهيئة الرئاسة في الحركة، حيث رأت أن ما جرى تداوله من كلام صادر عن باسيل «يحمل أبعاداً خطيرة تهدد وحدة البلد واستقراره وأمنه وهي دعوة مفتوحة الى فتنة ستأخذ في طريقها كل ما اُنجز على مستوى البلد، وتذكرنا بحروب التحرير والإلغاء المشؤومة التي جلبت للبنان الدمار والويلات. وودعا بيان هيئة الرئاسة في حركة أمل مَن يعنيهم الأمر لكبح جماح الرؤوس الحامية والواهمة وتدارك الأمور قبل فوات الأوان».
وكان وزير المال علي حسن خليل قد ردّ في تصريح على باسيل قائلاً: «إذا كان الهدف من وراء ما حصل هو تعطيل الانتخابات، فنطمئنكم أنها حاصلة بموعدها»، مشيراً الى «أننا لسنا مَن يطالب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالاعتذار. ولكن اذا أراد ذلك فليكن أمام اللبنانيين وكل العالم».
مساعٍ للتهدئة
وقد تداعت جهات سياسية عدة للوساطة على خط «التيار» «الحركة» لتبريد المواقف وضبط الأمور قبل انفلاتها واتساع رقعتها أكثر. وقد تحدثت مصادر إعلامية عن اجتماعات عُقدت ليل امس بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا والوزير باسيل ومعاون الأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل في الضاحية الجنوبية، غير أن مصادر مطلعة ومعنية نفت ذلك، مؤكدة لـ «البناء» أن حزب الله لم يتدخل حتى الآن ولم يتقدم بأي مبادرة ولم يعقد أي لقاء مع باسيل ولا مع أي من المسؤولين في التيار، كما أنّه لم يتدخّل في ضبط الوضع الأمني على الأرض، مشيرة الى أنه أصدر بياناً توضيحياً وعبر عن موقفه، مشيرة الى أن لا مبادرة سيقدّمها الحزب في الأفق ويترك الأمر لرئيس السلطة التنفيذية أي الرئيس سعد الحريري لتقديم مبادرة توافقية وتوفيقية للحل بين بعبدا وعين التينة. واستبعدت المصادر أن يتطور الوضع الأمني نحو الأسوأ أو أن ينعكس على الانتخابات النيابية، لكنها حذّرت من انعكاس الانقسام السياسي القائم سلباً على عمل المؤسسات الدستورية، داعية جميع الأطراف الى التهدئة والبحث عن مخارج للازمة.
وكشف الحريري من بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون عن مبادرة سوف يطلقها لتهدئة الأجواء، وتناول الرئيسان المستجدّات على الساحة المحلية بالاضافة الى زيارة الرئيس الالماني الى لبنان.
وقال الحريري: «أكدنا على التهدئة التي يجب أن تحصل، وفخامته في هذا الجو. وتطرقنا كذلك الى زيارة الرئيس الالماني، واتفقنا أيضاً على عقد جلسة لمجلس الوزراء إن شاء الله هذا الخميس، اثر الزيارة التي سأقوم بها الى تركيا». وأضاف: «إن شاء الله تتجه الامور الى التهدئة والإيجابية. فالبلد ليس بحاجة لا الى تصعيد ولا الى تأزيم. لقد سمعنا الكثير، وحصل هناك اعتذار من قبل الوزير باسيل. فلندع الامور عند هذا الحد، ومع الوقت نأمل أن تحصل التهدئة. وأنا سأكمل جهودي في هذا الموضوع». وفي تصريح آخر، أشار رئيس الحكومة إلى أن «كرامة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري من كرامة جميع اللبنانيين والإساءة لأي منهما هي إساءة لنا ولمؤسساتنا وطوائفنا وسلوك مشين ومرفوض يجب أن يتوقف».
وفي سياق ذلك، زار وزير الداخلية نهاد المشنوق عين التينة، وقال بعد لقائه بري: «أتيت أناشده بالهدوء والترفع فوق الصغائر وعدم السماح لكلمات خاطئة صادرة عن أي كان بالمساس باستقرار البلاد». وأضاف «كلام باسيل يجب أن يُردّ عليه باعتذار لكل اللبنانيين ولا يجب ان تنقص باسيل شجاعة الاعتذار»، مشيراً إلى أن «الرئيس بري أكّد احترامه لمقام رئاسة الجمهورية».
مواقف مستنكرة
وقد أثار كلام رئيس «التيار الحر» حملة استنكار سياسي وحزبي واسعة، فقد أصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً أسف فيه من المستوى الذي وصله مؤخراً الخطاب السياسي في لبنان، و«يرى في الكلام المسرّب عن وزير الخارجية جبران باسيل، بحق دولة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إساءة مرفوضة، لما يمثله الرئيس بري من قامة وطنية كبيرة كان لها الدور الحاسم في الدفاع عن لبنان وتحصين استقراره وسلمه الأهلي».
وأهاب الحزب بالمسؤولين في لبنان، «الارتقاء بخطابهم إلى المستوى الذي يليق بهم كمسؤولين عن آلام وآمال اللبنانيين، وذلك من أجل تحصين البلد، وتمكينه من مواجهة الأزمات العديدة والتحديات الكبيرة، وكل انزلاق نحو هاوية الحسابات الضيقة، من شأنه تعقيد الأوضاع وتأزيمها، بما يخدم مصلحة أعداء لبنان»، داعياً الى العودة الى الخطاب السياسي الوطني، لأن الرجوع عن أي خطأ ليس فضيلة وحسب، بل هو عامل حماية وتحصين للبنان واللبنانيين، وإن المطلوب معالجة سريعة للتداعيات الحاصلة، وأن تنسحب هذه المعالجة على الأمور الأخرى، كاتخاذ القرار بتأجيل المؤتمر الاغترابي، لأن وحدة اللبنانيين مطلوبة في الوطن والاغتراب.
كما عبر حزب الله في بيان عن رفضه القاطع «للكلام الذي تعرّض بالإساءة إلى دولة رئيس مجلس النواب الأخ الأستاذ نبيه بري شكلاً ومضموناً، ونرفض الإساءة له من أي طرف كان»، مؤكداً «على تقديرنا العالي واحترامنا الكبير لشخص ومقام دولة الرئيس نبيه بري، وهذا ما كان يعبّر عنه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاباته ومواقفه». واشار الى أن «هذه اللغة لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح بل تخلق المزيد من الأزمات وتفرق الصف وتمزق الشمل وتأخذ البلد إلى مخاطر هو بغنى عنها». واعتبر انه «بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه ندعو إلى المسارعة بمعالجة هذا الوضع القائم بأعلى درجة من الحكمة والمسؤولية».
وقد تلقى بري سيلاً من الاتصالات المستنكرة أبرزها من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط .
عون وشتاينماير…
وقد حجبت الأحداث الأمنية الداخلية، الأضواء عن زيارة الرئيس الألماني الى بيروت والمواقف التي اطلقها، حيث أكد شتاينماير خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس عون في بعبدا أن «المانيا تهتم في الحفاظ على التعددية والاستقرار في لبنان، فإنه اعتبر أن ذلك من صميم مصلحة بلاده»، مشدداً على «دعم الإجراءات الأمنية في لبنان عبر مشاركة بلاده في قوات «اليونيفيل».
وعن دور ألمانيا في إمكان ردع إسرائيل من التقدم نحو النقاط المتنازع عليها على «الخط الأزرق»، شدد الرئيس الالماني على انه تبلغ من الرئيس عون عن هذه المعطيات التي تعتبر في أوجه منها خطيرة. مؤكدا أن «لا مصلحة لأحد في زيادة صعوبة الوضع الحالي او اعتماد التصعيد في الوقت الراهن».
وتوافق الرئيسان عون وشتاينماير على «ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية الراهنة، كما على أهمية مشاركة المانيا في المؤتمرات الثلاثة التي سوف تُعقد في روما وبروكسيل وباريس لدعم لبنان». وأكد الرئيس عون «الدعم الذي يمكن أن تقدّمه المانيا لنجاحها»، و«الذي سيسهم بلا شك في توطيد الاستقرار والأمن والسلام في وطننا».
ولفت عون إلى «الأعباء التي يتحملها لبنان نتيجة النزوح السوري كما اللجوء الفلسطيني»، مؤكداً ان «مواجهة هذه الأعباء مسؤولية دولية مشتركة، ويجب العمل سريعاً على وضع حد لمعاناة النازحين، وتأمين عودة آمنة لهم الى بلادهم».
الجمهورية
تسريبات الليل تُشعل دواليب الأزمة.. وكلّ الإحتمالات مفتوحة
عوّلَ اللبنانيون على اتفاق وقف إطلاق النار السياسي على الجبهة المفتوحة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، بعدما نجحت وساطات الأصدقاء في بدء سريانه نهار الأحد، إلّا أنّ ما سُمّيت «تسريبات الليل» محت اتفاق النهار، وعادت وأشعلت فتيل الأزمة مجدداً وعلى نحوٍ غير مسبوق بين الطرفين. وضعُ البلد في الساعات الـ 24 الماضية، أرخى بتداعياته على أكثر من مستوى، فأعاد خلط أوراقِ الأزمة كلّها ونصَب المتاريس أكثر فأكثر بين أطرافها، فارضاً غلياناً على المستوى السياسي عموماً، وبين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، وبين جمهوريهما اللذين تجيّشا كلٌّ لفريقه، وكان الشارع ساحة مواجهة وعرضِ عضلات، فتحرّكَ على وقعِ مضمون التسريبات والتحرّكات الاعتراضية على هجوم رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل على رئيس مجلس النواب، وتُرجِمت التحرّكات بتجمّعات وقطعِ طرقات وحرقِ إطارات في الضاحية وبيروت والجنوب، وتوسّعت رقعتُها لتمتد إلى سن الفيل عبر تنفيذِ مناصري«أمل» اعتصاماً وحرقَ إطاراتٍ بالقرب من مركزية «التيار» في سنتر ميرنا شالوحي، وترافقَت مع هجوم عنيف على باسيل تناوَله في السياسي والشخصي، ومن دون أن توفّر عباراتُ الهجوم رئيسَ الجمهورية، وأذكت هذه المواجهة الحربَ العنيفة الدائرة بين الطرفين والمتصاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
مرّت زيارة رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك فالتر شتاينماير والمحادثات التي اجراها مع رئيس الجمهورية ميشال عون، كحدثٍ عابر، بفِعل الاشتباك السياسي الذي تصاعد بين حركة «أمل» والتيار الوطني الحر، وتدحرجت احداثه بشكل كبير في الساعات الماضية ووضَع البلد على حافة ازمة سياسية خطيرة، خصوصا وأنّ «المشاعر المتبادلة» بين الطرفين، تبدّت في اعادة نبشِ الذاكرة اللبنانية واستحضار مفردات الحرب الاهلية التي اذاقت اللبنانيين الويلات، كلّ ذلك بدا أقوى من ايّ وساطة للتوفيق بين «أمل» و«التيار»، او ايّ محاولة لإعادة مدّ الجسور المقطوعة بينهما، خصوصا وأنّ سقفَ المواجهة ارتفع بين الطرفين الى مداه الاعلى، بإصرار عين التينة على اعتذار باسيل ليس من بري، بل من كل اللبنانيين، وهو الامر الذي يَرفضه باسيل ويؤكّد «التيار» انه ليس في هذا الوارد.
تحرّك الحريري
وفي موازاة صمتِ رئيس الجمهورية الواضح حيال الأزمة المستجدة، وإنْ كانت مصادره تعكس استياءَه من الشعارات والهتافات التي اطلِقت ضده، وتجاوَزت البعد السياسي الى الشخصي، بدا أنّ بري قد آثر الصمتَ ايضاً، فيما استشعَر رئيس الحكومة سعد الحريري خطورةَ الأزمة فبادر الى زيارة سريعة للقصر الجمهوري، في محاولة منه لصبّ الماء البارد على الفتائل المشتعلة، وفكفكةِ صواعقها، وتردّد انّه أوفد في الوقت نفسه وزير الداخلية نهاد المشنوق الى وزارة الخارجية للقاء باسيل، ومن ثمّ الى عين التينة للقاء بري. ولم تخرج هذه الاتصالات بأكثر من تصلّبٍ في الموقف.
وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري، تواصَل هاتفياً بعد خروجه من قصر بعبدا مع الوزير علي حسن خليل، مُبدياً رغبته في معالجة هذه الأزمة ولملمةِ الموضوع وتبريدِ الأجواء لِما فيه خدمة البلد واستقراره. ولم يشِر الى ايجابيات حول لقائه مع رئيس الجمهورية.
وبحسب المعلومات، فإنّ نبرة الحديث خلال المحادثة الهادفية كانت عالية بعض الشيء، حيث أُبلغ الحريري فيها: «لا احد يُصغّر هذه المسألة، أو ما جرى، فالمسألة ليست صغيرة بل كبيرة جداً، ولا تُحَلّ على طريقة تبويس اللحى، وبداية الحلحلة هي في تقديم باسيل اعتذاراً علنياً مباشراً من اللبنانيين».
وتشير المعلومات الى أنّه بعد مضيّ فترة قصيرة على هذا الاتصال، أوفَد الحريري مدير مكتبه نادر الحريري للقاء خليل، الذي اكّد التمسّكَ بالاعتذار قبل كلّ شيء، وأسمعَه ايضاً كلاماً عاليَ النبرة والمضمون مفادُه: «لا احد يعتقد انّ هناك امكانيةً في البلد لقيام ثنائيات، أو لتجاوزنا، ومن يعتقد بوجود ذلك فهو مخطئ كثيرا».
عين التينة
وبدا من أجواء عين التينة أنه في ظلّ عدم مبادرة باسيل الى الاعتذار، فإنّ الامور مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وباب الخيارات ايضاً. في وقتٍ اعرَبت مصادر سياسية عن اعتقادها انّ هذا الجو المتأزم ستصيب شظاياه الجميع، ولن يكون العهد بمنأى عن التداعيات، وكذلك الحكومة التي ستتأثّر حتماً بما يجري، ربّما بلجوءِ اطرافٍ سياسية الى مقاطعتها أو حتى الاستقالة منها. ولم تنفِ المصادر او تؤكّد إنْ كان وزراء «أمل» في هذا الوارد.
وقالت مصادر عين التينة لـ«الجمهورية»: «الوصول الى ايّ تسوية الآن بات على عاتقِ قواعد جديدة، وإنّ معادلات السابق كلّها سقطت». واعتبَرت «أنّ الحديث عن شدّ العصب في الشارع هو تسطيح وتسخيف لِما حصَل، فالمسألة باتت اكبرَ بكثير، إنّ استحضار لغة التحريض وافتعال هذا الجوّ التوتيري بشكل مفاجئ بعد هدنةٍ اعلامية بين «التيار» و«أمل» ولو كانت هشّة لا يمكن تفسيرُه إلّا نيّاتٍ لتطيير الانتخابات، لكن اكّدنا لكلّ مَن تواصَل معنا أنّنا بِتنا مصرّين على إجرائها في موعدها اكثر من ايّ وقت مضى».
وقالت: «واهمٌ من يعتقد انّ ما جرى سيمرّ مرور الكرام، وخطواتُنا ستعلَن في حينه، ولا قرار على مستوى الحكومة، وكلّ شيء في أوانه». ونفت المصادر ان يكون «حزب الله» قد تدخّلَ او اطلقَ ايّ وساطة للتهدئة بين «أمل» و«التيار» في الساعات الماضية التي سبقت كلام باسيل، وقالت: «إذا اتّصل بنا كيم جونغ اون، يكون قد اتّصل بنا أحد من «حزب الله» لهذا الغرض، وقرار التهدئة لم يكن سوى طرحٍ وهمس بين الفريقين». وأكّدت المصادر انّ الخطوات اللاحقة ستُعلَن في وقتها».
وإذا كان الجوّ المتأزم قد أثارَ علامات استفهام في أوساط سياسية مختلفة حول مصير الانتخابات، مع ترجيح بلوغِ الوضع الى حدّ مِن التفجّر يؤدي الى تعطيلها، وهو امرٌ استبعده خليل، الذي قال لـ«الجمهورية»: «واهمٌ مَن يعتقد انّ هذه المسالة ستمر مرورَ الكرام، قد يكون هناك من يعمل لتعطيل الانتخابات، وقد يكون من يفترض انّ هذه الأزمة ستؤدي الى تطييرها، فإنّ موقفنا واضح بأنّ هذه الانتخابات يجب ان تحصل، وستحصل».
«الحزب»
وغاب «حزب الله» عن خطّ الوساطة، إلّا أنّه حضَر على خط التضامن مع بري في بيان أعلنَ فيه رفضَه المسَّ بالرئيس بري من ايّ كان.
وقالت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية: «لم يعد ينفع النأي بالنفس وسقَطت كلّ الوساطات بعد كلام باسيل، فما حصَل لم يكن في الحسبان، والتعرّض للرئيس بري خط أحمر».
وعلمت «الجمهورية» أنّ أطرافاً سياسية أجرَت تقييماً لِما قاله باسيل في الشريط المسرّب من لقاء البترون، فلاحظت انّ اللقاء لم يكن ضيّقاً، بل كان موسّعاً ومتاحاً فيه التسجيل، وأنّ ما دفعَ بري الى الاستياء ليس فقط وصفه بـ«البلطجي» والتوعّد بـ«تكسير رأسه» على حدّ ما قال وزير الخارجية، بل المضمون السياسي الخطير لهذا الكلام، الذي كشفَ النظرةَ الحقيقية لمفهوم المشاركة وكيفية كسرِها، وهنا الكلام ليس موجّهاً الى بري، فالحديث عن «الذين صادروا خلال 25 سنة» وعن الاقتصاد وما الى ذلك، ليس مع بري، بل مع الذين حكموا البلد خلال هذه الفترة، اي الرئيس رفيق الحريري.
«التيار»
في المقابل، بدا أنّ «التيار» قد بنى تحصيناته الدفاعية في وجه الهجوم العنيف على رئيسه ومطالبته بالاعتذار. إلّا أنّ أوساطه أكّدت لـ«الجمهورية» الرفضَ القاطع لإقدام باسيل على الاعتذار.
وبينما زار باسيل المقرّ العام لـ«التيار» في سنتر ميرنا الشالوحي برفقة وزراء ونوّاب، أصدرَ «التيار» بياناً قال فيه إنّ عناصر من «أمل» هاجَموا المقر العام «ورشقوه بالحجارة وأحرقوا الدواليب وأطلقوا النار، فاضطرّ عناصر حمايةِ المقر الى الدفاع عن انفسِهم، واستدعوا الجيش الذي طوّق المكان».
ودعا مناصريه «الى عدم القيام بأيّ ردّات فعل في ايّ مكان وتركِ معالجةِ الامر للقوى الأمنية فقط»، كما طلب من مسؤوليه «عدمَ التعليق الإعلامي على ما يجري من احداث وترك اللبنانيين يحكمون بأنفسهم».
إقتراحات حلول
إلى ذلك، كشَفت مصادر سياسية مراقبة لـ«الجمهورية» أنّ مجموعة أفكار لمخارج حلول تمّ تداوُلها في بعض الغرف السياسية، وخلاصتُها:
– أن يبادر باسيل الى زيارة عين التينة، وهذه الخطوة تُغني عن الاعتذار.
– تنفيس الاحتقان القائم عبر إعادة النظر في مرسوم الاقدمية وتوقيع وزير المال، إذ إنّ ما يجري هو امتداد طبيعي لأزمة المرسوم.
– أن يتوجّه باسيل برفقة الرئيس الحريري الى عين التينة، وهذه الخطوة تُعَدّ مدخلاً أمام الحريري لاستعادة خط الاتصال مع برّي الذي انقطع بسبب توقيعه مرسومَ الأقدمية.
مرجع أمني
وفي هذه الأجواء طمأن مرجع أمني الى أن لا خوف على الاستقرار، وتحرّكات الشارع محدودة، وقال لـ«الجمهورية»: «الأمور لن تتفاقم وتؤدي الى صدامات في الشارع، لأنّ الجميع يدرك مخاطرَ هذه اللعبة وانعكاسَها على الجميع». وحصَر المرجع ما يَجري «في إطار ردّات الفعل المضبوطة، لأنّ الرئيس بري بالتحديد هو أكثر من يُبدي حِرصه على الاستقرار الأمني».
الأخبار
باسيل لن يعتذر: سقوط التسوية
لا حاجة لكثير من الشرح. التسوية السياسية التي حكمت البلاد مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة الرئيس سعد الحريري، وجرى تجديدها بعد احتجاز الأخير في السعودية، اهتزّت بعد أزمة «مرسوم الأقدمية»، ثم سقطت بالضربة القاضية التي وجهها لها الخطاب المسرّب للوزير جبران باسيل، الذي وصف فيه الرئيس نبيه بري بـ«البلطجي». كان بري، بحسب مقربين منه، يفتح الباب لاستيعاب الأزمة، معوّلاً على تدخّل لرئيس الجمهورية ميشال عون «يضع حداً لتداعيات ما ارتكبه باسيل».
لكن عون لم يحرّك ساكناً في هذا المجال. وعلى العكس من ذلك، خرج بعض من هم في فريقه ليعلن التضامن مع باسيل، حتى قبل أن يبدأ مناصرو أمل بالتحرك في الشارع. وبدلاً من المبادرة إلى الحل، سُرِّب تسجيل ثانٍ لباسيل، يهدّد فيه بـ«تكسير راس» رئيس المجلس.
بدأت «أمل» خطواتها التصعيدية تدريجاً. بيان لهيئة الرئاسة، ثم بيان للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، قبل نزول المناصرين لقطع الطرقات بالإطارات المشتعلة، في عدد كبير من المناطق. رافق ذلك هجوم واسع على باسيل وعون، على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يخل من شتائم بحق أفراد من عائلة الرئيس، في مقابل هجوم عوني على برّي. بدا أن كل الخطوط الحمر قد جرى تجاوزها.
ذروة التصعيد الميداني كانت في محيط المركز الرئيسي للتيار الوطني الحر في سن الفيل. هنا، تنفّس باسيل الصعداء. كان مرتبكاً طوال يوم أمس. لكن هجوم مناصري «أمل» على المركز، وتحركاتهم في الشوارع، استفزت جمهور التيار، وجعلت قيادة الأخير تراهن على «انقلاب» في ما تسميه «المزاج المسيحي» الرافض لردّ فعل أنصار برّي. هذا الارتياح جعل باسيل يتمسّك برأيه: لن يعتذر، تقول مصادر التيار، لافتة إلى أنه سيكتفي بالتعبير عن الأسف الذي أعلنه عبر «الأخبار» أمس. وتضيف المصادر: «الاعتذار المطلوب يكون بمثابة الخضوع الذي نرفضه. نحن نعتذر بأدائنا لا بناءً على الطلب». وتذهب المصادر أبعد من ذلك لتقول: «مستعدّون لإرشاد حركة أمل إلى مناطق محددة ليهاجموها. التهديد بالفتنة ما بيمشي معنا».
«سكرة» باسيل بـ«انقلاب المزاج الشعبي» تخيف بعض المسؤولين في التيار الذين يسألون: والآن، إلى أين؟ في رأيهم أن المواجهة مع بري تفيد التيار شعبياً، لكنها ستؤدي إلى تعطيل الحكومة، والمجلس النيابي، والمتضرر الأول في هذه الحالة هو العهد، والثاني هو رئيس الحكومة.
ما جرى في الساعات الماضية أظهر أن التسوية انتهت، وأن إعادة إحيائها تحتاج إلى ما هو أبعد من وساطة يبدو حزب الله عاجزاً عن أدائها. خطاب باسيل دفع الحزب إلى إصدار بيان يستنكر فيه كلام وزير الخارجية، رافضاً التعرض لبري، شخصاً ومقاماً، ومطالباً بحل الأزمة بحكمة ومسؤولية. أما الحريري، فيداه فارغتان من أي مبادرة. كل ما فعله أمس هو إقناع رئيس الجمهورية بتأجيل انعقاد المجلس الأعلى للدفاع، تجنباً لتحوّله إلى ميدان نزاع. خلاصة ما حدث أن البلاد دخلت أزمة جديدة، يصعب التنبؤ بمآلاتها.
اللواء
تضامن وطني مع برّي وإدانة إساءة باسيل
إحتواء التحرُّكات في الشوارع.. واهتزاز تفاهم عون – نصر الله
في ساعات ما بعد الظهر، ومع هبوط الليل الداكن، على العاصمة الحزينة، التي تتطلع ببعض من «نور» حول معجزات تُعيد تحريك الأوضاع الاقتصادية المتهاوية، كادت الشوارع تلتهب، وكاد الفيديو المسرَّب عن لسان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يشعل عود الثقاب، لكن التضامن الوطني العارم مع الرئيس برّي وعدم التردد بإدانة إساءة باسيل له، جعلت الموقف قابلاً للاحتواء في الشوارع.
المسألة، أبعد من انتخابات انها مسألة من يحكم البلد: شراكة الطائف أو إعادة التموضع والالتفاف على إصلاحات وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية في خريف عام 1989.
منذ منتصف ليل الأحد – الاثنين، سرى التسجيل التالي عن لسان باسيل، بحق الرئيس بري: «كل هذه البرعطة لنبيه برّي لأنه فهم انه لم يعد يستفيد منا في الدولة، ولا في الاغتراب… تخيلوا ان هناك واحد يضع يده على السلطة التشريعية مثل ما يريد»، وقال رداً على سؤال «حلتها مع برّي نحنا نكسرلو راسو ومش هوي يكسرلنا راسنا».
مثل هذا الكلام تفاعل بقوة ولم تفلح الاتصالات لا الرسمية ولا الحزبية في تدارك الوضع، ولم يكن من السهل على أحد ان يبلع كلام باسيل، الذي قيل في لقاء حزبي انتخابي، فبعد سلسلة المواقف الوطنية التضامنية مع الرئيس برّي، والاستنكار الذي لا لبس فيه لإساءة باسيل «الموصوفة» والتي تقتضي تحرّك القضاء لمساءلته، في ضوء ما آلت إليه «إساءته الثابتة» في فيديو.
وبعد زيارة صباحية إلى قصر بعبدا حيث التقى الرئيس ميشال عون، أوفد رئيس الحكومة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى عين التينة، مناشداً الوزير باسيل الاعتذار برسالة موجهة مباشرة إلى اللبنانيين، وهو الأمر الذي طالبه به وزير المردة بعد زيارة عين التينة يوسف فنيانوس.
وعبرت حركة الشارع من مار الياس إلى الطيونة إلى ميرنا شالوحي، تنذر بتصعيد لطالما لم يظهر في ساحات المدينة ومربعاتها منذ ربع قرن، وسط أسئلة غاية في التعقيد والحراجة حول التداعيات التي كان في أوّلها اطاحة اجتماع مجلس الدفاع الأعلى، الذي يتعين ان يحضره أيضاً وزير المال علي حسن خليل فضلاً عن احتمال تأجيل جلسة مجلس الوزراء.
وسياسياً، يشهد تفاهم معراب الذي وقعه الرئيس عون والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في شباط 2006 أوّل اهتزاز من هذا العيار، حيث قال الحزب في بيان: نرفض رفضاً قاطعاً الكلام الذي تعرض بالإساءة إلى الرئيس برّي شكلاً ومضموناً، ونرفض الإساءة له من أي طرف كان.
وانتقد بيان الحزب ما وصفه «باللغة التي لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح بل تخلق مزيداً من الأزمات وتأخذ البلد إلى مخاطر هو بغنى عنها».
ودعا الحزب إلى المسارعة «بمعالجة هذا الوضع بأعلى درجة من الحكمة، والمسؤولية».
وبصرف النظر عن تحريك وزير العدل سليم جريصاتي النيابة العامة العسكرية لملاحقة مطلقي النار في ميرنا شالوحي، مع نفي حركة «أمل» ان يكون عناصرها قد أطلقوا النار باتجاه مركز التيار في المنطقة، فإن مصدراً سياسياً قريباً من برّي قال ان العلاقات بين بعبدا وعين التينة مفتوحة على كل الاحتمالات إلى حدّ شل البلد.. مستبعداً أي خطر على السلم الأهلي، فلن نسمح بإعادة الفوضى، قال المصدر المقرب.
وقرابة التاسعة، وصل الوزير باسيل إلى مقر التيار في ميرنا شالوحي في سن الفيل، وسط هتافات، تستعيد «بالدم بالروح» ولكن في الجهة المقابلة من بيروت (شرق العاصمة) بعدما نسي اللبنانيون هذه التسميات.
ولم يدلِ باسيل بأي تصريح، لكن بياناً صدر عن تياره دعا من جديد إلى عدم القيام بأي ردّات فعل وترك معالجة الأمر للقوى الأمنية.
لا اخبار طيبة
ومع ان اخبار المساء حملت انباء طيبة، مفادها حصول لقاء رباعي جمع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله والوزير جبران باسيل في حضور مسؤول الارتباط في الحزب وفيق صفا والمعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين خليل، الا ان نفي مصدر قيادي في الحزب لاخبار هذا اللقاء، بدّد الآمال التي علقت على احتمال دخول الحزب على خط الوساطة بين عين التينة و«التيار الوطني الحر»، رغم ان الحزب أعلن في بيان رفضه القاطع للكلام الذي تعرض بالإساءة إلى الرئيس نبيه برّي شكلاً ومضموناً، ورفضه الإساءة له من أي طرف كان، مؤكداً تقديره العالي واحترامه الكبير لشخص ومقام الرئيس برّي، معتبراً أن اللغة التي استخدمها وزير الخارجية في الفيديو المسرب لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح، بل تخلق المزيد من الأزمات، داعياً إلى المسارعة بمعالجة هذا الوضع القائم بأعلى درجة من الحكمة والمسؤولية.
وكانت معلومات ترددت ان الحزب أجرى اتصالات من أجل تطويق ردود الفعل التي انفجرت في الشارع، الا ان مصدراً قيادياً مسؤولاً في الحزب اكد انه لم يقم بأي اتصالات نظراً لصعوبة التوصّل إلى حل في ظل التوتر والتصعيد الحاصل، علماً ان الحزب يعتبر برّي من الخطوط الحمر الممنوع على أي جهة تجاوزها أو المس بها، ومن المعيب في مفهومه ان يتم التخاطب السياسي والتعبير عن الرأي بهذه اللغة المسيئة وغير المقبولة.
ومهما كان من أمر، فإن الاشتباك السياسي بين بعبدا وعين التينة اتخذ أمس منحى خطيراً، بعد تسريب مقطع فيديو لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية باسيل هاجم فيه الرئيس برّي ووصفه «بالبلطجي» بعد أقل من بضع ساعات من إعلان رئيس المجلس التزامه بالتهدئة الإعلامية ووقف النار الإعلامي، وزاد باسيل على هذا الوصف المسيء بإطلاق كلام جديد وفي فيديو اخر يقول به ان «رأس الرئيس برّي لازم ينكسر مش راسنا»، الأمر الذي أدى إلى انفجار الصراع بين الرئاستين في الشارع، وعمد مناصرو حركة «أمل» إلى قطع الطرقات بإحراق الدواليب المشتعلة في عدد من شوارع العاصمة والضاحية والمناطق اللبنانية، وترددت معلومات عن إحراق مكاتب «التيار الوطني الحر» في مار الياس، فيما «هاجم» آخرون مركز التيار في «الميرنا شالوحي» في سن الفيل، وقطعوا الطريق امامه، وحصل إطلاق نار قبل ان يتدخل الجيش لفض الاشكال وفتح الطريق.
ونفى المكتب الإعلامي المركزي لحركة «امل» خبر إطلاق النار على مركز ميرنا الشالوحي، مؤكدا ان القوى الأمنية والجيش يعرفون من أطلق النار، وان الحركة ترفض التعرّض لأي مقر حزبي، في حين اتهم «التيار» عناصر «امل» بالهجوم على مقر عام التيار ورشقه بالحجارة وإطلاق النار، مما اضطر عناصر حماية المقر للدفاع عن أنفسهم، ودعا مناصريه إلى عدم القيام بأي ردّات فعل في أي مكان وترك معالجة الأمر للقوى الأمنية فقط.
عين التنية
اما عين التينة، فقد استقطبت أمس، لقاءات واتصالات مكثفة تمحورت في مجملها على التضامن مع الرئيس برّي واستنكار ما تفوه به الوزير باسيل بحق رئيس المجلس.
وكان لافتا في السياق زيارة لوزير الاشغال يوسف فنيانوس موفدا من رئيس المردة النائب سليمان فرنجية معلنا وقوفه إلى جانب برّي الذي استقبل بعد ذلك وزير الداخلية نهاد المشنوق مناشدا ما وصفه «بالهدوء الوطني للرئيس برّي ومسؤوليته الوطنية عن كل اللبنانيين والترفع فوق الصغائر وعدم السماح لكلمات خاطئة بأن تتسبب بأي توتر في البلد».
ورأى ان الكلام الذي صدر يجب ان يتم الرد عليه باعتذار للبنانيين، والوزير باسيل يجب ان لا تنقصه الشجاعة لقول هذا الكلام.
وتلقى الرئيس برّي اتصالا هاتفيا من الرئيس نجيب ميقاتي وآخر من الرئيس تمام سلام وثالثاً من رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي شدّد في تصريح له على ان الكلام المسرب من باسيل مستنكر وغير لائق ولا يتماشى مع طبيعة العلاقات السياسية الداخلية حتى لو كان من موقع الخلاف في وجهات النظر.
… وفي حين رفضت مصادر باسيل التعليق لـ«اللواء» على تطورات الازمة المستجدة والمطلوب لمعالجتها، قالت مصادر قيادية في حركة «امل» لـ«اللواء» عن المطلوب لمعالجة الازمة: «لسنا نحن من اوقع جبران باسيل في هذا الموقف والوضع، هو أوقع نفسه به وهو المسؤول عن ايجاد مخرج لنفسه منه، نحن قلنا ما عندنا، والناس قالت كلمتها سواء في الشارع او في عين التينة، ولسنا نحن المسؤولين عن عدم فوز باسيل في انتخابات البترون مرتين. هو لم يترك للتيار ولنفسه صاحب واستعدى الجميع، ويورط العهد ايضا، هل هكذا وجه الدبلوماسية في لبنان؟».
واكدت مصادر «امل» انها ليست من طلب من الناس قطع الطرقات، وان قيادات الحركة في كل المناطق تلقت عشرات الاتصالات والبيانات التي تستنكر ما قاله باسيل، وقالت:نحن عملنا على تهدئة الناس حتى لا تتطور الامور اكثر في الشارع.
وفي ردود الفعل، أكد وزير المال علي حسن خليل في تصريح لقناة «NBN» أنه «اذا كان الهدف من وراء ما حصل هو تعطيل الانتخابات فنطمئنكم أنها حاصلة بموعدها»، وقال:اننا لسنا من يطالب رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بالاعتذار، ولكن اذا أراد ذلك فليكن امام اللبنانيين وكل العالم.
واضاف: أن شد العصب الانتخابي لا يكون بالتحريض فالناس أوعى من التصديق.
وإعتبرت هيئة الرئاسة في حركة «أمل» أن «ما جرى تداوله من كلام صادر عن رئيس «التيار الوطني الحر» يحمل ابعادا خطيرة تهدد وحدة البلد واستقراره وامنه»، مشيرةً إلى أن «كلام باسيل دعوة مفتوحة لفتنة ستأخذ في طريقها كل ما أنجز على مستوى البلد وتذكرنا بحرب التحرير والإلغاء».
وأكدت مصادر في الثنائي الشيعي لـ «اللواء» بأن مطالبة زوّار الرئيس برّي باعتذار علني وموثق لباسيل هو اجتهاد شخصي منهم، وان الرئيس برّي وفقا لمصادر عين التينة لم يطلب ذلك، فالاعتذار غير كاف ويجب محاكمته بتهمة الإساءة لرئيس المجلس والتحضير لفتنة.
الحريري
وازاء انفجار الصراع شارعياً بين الرئاستين الأولى والثانية، سارع الرئيس سعد الحريري للتحرك في اتجاه قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون رغم انه كان أعلن ارجاء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، مؤكدا انه ستكون له مبادرة لتهدئة الاجواء، معتبرا ان البلد ليس بحاجة لا إلى تصعيد ولا إلى تأزيم.
ثم أصدر الحريري لاحقا بياناً، بعد التطورات التي حصلت امام مركز ميرنا الشالوحي، مناشدا كافة المعنيين العمل على تجاوز تلك العاصفة التي هبت على البلد وتدارك تداعياتها، خصوصا وان التحديات التي تواجهنا هي أخطر بما لا يقاس من العنف اللفظي الذي نشهده.
وأكّد ان كرامة رئيس الجمهورية، وكرامة رئيس المجلس هي من كرامة جميع اللبنانيين افراداً ومجموعات وطوائف وان الإساءة لأي منهما بأي عبارة أو خطاب أو تصريح هي إساءة لنا ولمؤسساتنا وطوائفنا وسلوك مشين ومرفوض يجب ان يتوقف.
بعبدا
في هذا الوقت، حرصت مصادر قصر بعبدا على استخدام عبارة «الصمت المطبق» ازاء الوضع الناشيء من تسريب فيديو باسيل، وكان لافتا التحرّك الرئاسي السريع لاحتواء أي توقع في انفجار الوضع بين وزيري الخارجية جبران باسيل والمال علي حسن خليل على خلفية ذلك، وهما من عداد أعضاء المجلس الأعلى للدفاع الذي كان سينعقد قبل ظهر أمس، غير ان المصادر قالت ان تأجيل الاجتماع مرده إلى ان تحضيرات زيارة الرئيس الالماني فرانك شتانماير لم تكن منجزة بعد.
وكانت تصريحات الوزير باسيل بالصوت والصورة وما نتج عنها من ردّات فعل قد استدعت لقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي تحدث عن مساعٍ لمعالجة الوضع داعيا إلى التهدئة.
وبعيدا عن الإعلام، كان لقاء الرئيس عون مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
ومن الصدف، ان ما جرى تزامن مع زيارة الرئيس الالماني إلى بيروت وهو الذي أبدى اعجاباً بالتعددية الطائفية في لبنان، واصفاً إياها بالميزة. والوزير باسيل الذي كان من ضمن عداد الوفد الرسمي في لقاء الرئيس الالماني لم يشأ التعليق على ما جرى وعلى الرغم من انه كان محط الصحافيين، الا انه ظل يستمع إلى الأسئلة من دون جواب حتىانه كان يتلقى عبر «ساعته الذكية» اخبار الساعة.
وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان الأمور ستكون قابلة لحلحلة وان مجلس الوزراء المرتقب إنعقاده الخميس في قصر بعبدا لا يزال قائماً.
وعن محادثات الرئيس الالماني في بقصر بعبدا أوضحت المصادر أن شتانماير الذي استغرب عدم مجيء أي رئيس الماني من قبل إلى لبنان وانه أول رئيس لها يزور بيروت منذ 12 سنة، أشاد بالجهد الذي بذله الرئيس عون في معالجة أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري وقال انه سيرفع قبعته للحكمة التي تحلى بها الرئيس عون لمعالجة هذه الأزمة والتصرف حيالها.
ولفتت المصادر إلى ان رئيس الجمهورية أبدى تقديره لوقوف المانيا إلى جانب لبنان وتأكيدها على المحافظة على سيادته، كما في اهتمامها باللبنانيين الموجودين في المانيا على رغم الظروف التي يعيشها بعضهم.
Please follow and like us: