جزمت الصحف بأن لقاء بعبدا الرئاسي سيكون ثلاثياً اليوم. لكنه سيبدأ ثنائياً بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري قبل أن ينضم الرئيس الحريري إليهما. بعد أن كانت تقارير صحفية قد ألمحت أمس إلى احتمال "تغييب" رئيس الحكومة عن هذا اللقاء، بسبب توتر علاقته مع رئيس المجلس النيابي. إذ لم تطأ قدما الحريري عتبة عين التينة منذ توقيعه على "مرسوم الضباط"، مُخْلِفاً بالوعد الذي قطعه لبري. كما حملت الصحف خيراً سارَّاً ثانياً، وهو بدء الترشيحات الإنتخابية في مقر وزارة الداخلية. وإن كانت بدأت ببطء في اليوم الأول، حيث لم يحضر سوى مرشحين اثنين من بيروت وطرابلس الشام. وعزت الصحف هذا الأمر إلى تريث القوى السياسية في إعلان مرشحيها، بانتظار جلاءغموض التحالفات الإنتخابية.
مكتب الترشيح في وزارة الداخلية (تصوير: محمود يوسف)
الأخبار
الرياض تهدّد الحريري
جنبلاط لـ«الأخبار»: لن ألبّي دعوة السعودية… إذا أرادت إحياء المَحاوِر
يهدر البلد بالانتخابات. موسم مؤجل منذ خمس سنوات من التمديد المرذول ــ المرغوب. لو كانت بعض «الرؤوس» تملك وحدها القدرة على اتخاذ قرار، لكانت الانتخابات مؤجلة، في انتظار قانون يناسبها أكثر ومواسم سياسة ومال أكثر دسامة. معظم اللاعبين يتريثون في قول كلمتهم وإعلان ترشيحاتهم وتحالفاتهم. والأكثر إحراجاً بينهم رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري.
متى يقول الرئيس سعد الحريري كلمته الانتخابية؟
الرجل ليس ملزماً بكشف أوراقه منذ الآن، غير أن الملامح السياسية للخيار «المستقبلي» الانتخابي ستتبدى تدريجاً، بدءاً بتقديم الترشيحات رسمياً، اعتباراً من يوم أمس، وصولاً إلى اكتمال إعلان اللوائح الانتخابية في كل لبنان مع نهاية آذار المقبل، مروراً بمحطات ومواعيد إلزامية، أولها خطاب الرابع عشر من شباط، ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وثانيها احتفالية الرابع عشر من آذار، التي يقدَّر لها أن ترسم معالم السادس من أيار الانتخابي.
من جهة، تشي المقاربة الحريرية للترشيحات حتى الآن، بمعاقبة كل من كانوا شركاء في «الكمين السعودي»، سواء بالتجسس أو التحريض أو التزوير أو التمويه.
ومن جهة ثانية، انتهى زمن دفع الفواتير السياسية المفتوح منذ عام 2005، ولا بد من استخلاص العبر من تجربة الانتخابات الأخيرة وما تلاها من تمديد (ولاية ثانية من خمس سنوات). صحيح أن قدرة التحكم الحريرية بالمسار الانتخابي تراجعت كثيراً، لأسباب متعددة، منها ما يتصل بالقانون الانتخابي النسبي نفسه، ومنها ما يتعلق المال والخدمات، غير أن أصل النقاش يقود هنا إلى السياسة، وتحديداً طبيعة العلاقة الحريرية ــ السعودية.
لم تعد رواية توقيف سعد الحريري أو الإفراج عنه خافية على أحد. لكن ثمة أسئلة لا أحد يملك أجوبتها القاطعة: هل أفرج عنه بشروط سعودية وفرنسية (ضمناً أميركية)، أم أنه مطلق اليدين؟
من يراقب أداء الرجل منذ الثاني والعشرين من تشرين الثاني 2017 حتى يومنا هذا، يستنتج سريعاً أن هوامشه صارت أكثر اتساعاً، بدليل عودته إلى الحكومة بدل تثبيت استقالته منها؛ تناغمه سياسياً في الكثير من المحطات مع حزب الله، لا بل الإشادة بالحزب ودوره في تخفيف حدة التوترات في لبنان (مقابلة «وول ستريت جورنال»)؛ اقترابه إلى حد الالتصاق بميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل.
وبدل التزام الحريري الخط السعودي المرسوم له لبنانياً، يحاول توسيع هوامشه، خصوصاً أنه لم يعد لديه ما يخسره في المملكة بعد تصفية معظم أعماله، لا بل إن ما أشيع في بيروت في الأيام الأخيرة عن فوز سعد الحريري وشريكه رجل الأعمال الأردني علاء الخواجة ببناء قصرين ملكيين في المغرب، لا يبدو أنه دقيق، فالأخير ليس واجهة لآل الحريري في المقاولات، لا بل يفوقهم قدرة وإمكانات وعلاقات، وكان قد اشترى منهم حصة وازنة في بنك البحر المتوسط في ربيع عام 2017، فضلاً عن امتلاكه الأغلبية في قرارات مجلس إدارة المصرف.
وإذا كان الملاحظ أن الحريري يحرص منذ «تحرره» على التحدث بنبرة إيجابية عن السعودية، بما في ذلك في بعض الأروقة الضيقة (خشية التنصت السعودي على شبكتيه الأرضية والخلوية)، فإن المراجعات التي حصلت أخيراً بين بيروت والرياض، لا تشي بأي تفهم سعودي لكل محاولات الاقتراب من «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل على وجه التحديد.
ولعل أبلغ رسالة قد تلقاها الحريري، ما نشره، أمس موقع «إيلاف» السعودي ، مذيلاً بتوقيع مراسله في الأراضي الفلسطينية المحتلة (مجدي الحلبي)، وجاء فيه أن سعد الحريري «يتجه نحو الخيار التركي ويبتعد عن المملكة»، وربط الموقع، نقلاً عن «مطلعين على الشأن اللبناني» بين زيارة الحريري الأخيرة لتركيا و«التموضع السنّي اللبناني في حضن تركيا الإخوانية»، علماً أن الحريري كان قد حاذر إبرام أي تفاهم انتخابي مع «الجماعة الإسلامية» في العاصمة والشمال وصيدا والبقاع، مخافة أن يؤدي ذلك إلى استفزاز السعوديين والإماراتيين والمصريين!
ونقل الموقع عمّن سمّاه «مصدراً كبيراً» أن مسؤولاً سعودياً اتصل بوزير لبناني أخيراً، وأبلغه «أن هرولة الحريري إلى تركيا ستكلفه ثمناً باهظاً»، وأن تحالفه مع تركيا «لن يمر مرور الكرام» مع «حليفه (السعودي) وداعمه الأساسي في المنطقة». وهدد المصدر نفسه الحريري بانقلاب «تيار المستقبل» عليه، وذلك في ظل ارتفاع الأصوات في «التيار الأزرق»، من «أجل التغيير وإعادة تصحيح المسار ورفض التفاهمات مع «حزب الله» قاتل والده رفيق الحريري». ترافق ذلك مع هجمة «تويترية» شارك فيها بكثافة في الساعات الأخيرة مغردون سعوديون بعنوان «إيران تحتل لبنان».
ولعل الإشارات السلبية التي تلقاها السعوديون حول مآل المصالحة بين الحريري وسمير جعجع، زادت من حذرهم، برغم حرص رئيس «تيار المستقبل» على إشاعة أجواء إيجابية في الأيام الأخيرة حول «زيارات قريبة متبادلة» بينه وبين جعجع، لا بل سمع البعض كلاماً مفاده أن جبران باسيل يقترب من «القوات» وخطابها بالتنسيق الكامل بينه وبين الحريري، برغم الكلفة العالية لهذا «الاقتراب»، سواء داخل «التيار» نفسه أو على مستوى العلاقة مع «حزب الله» تحديداً.
وإذا كان بعض زوار الرياض قد لاحظوا إهمال القيادة السعودية للبعد المالي للمعركة الانتخابية المقبلة، فإن شخصية سنية بارزة لم ينقطع التواصل بينها وبين الديوان الملكي السعودي، لا تستبعد أن تقول المملكة كلمتها في الرابع عشر من آذار، وصولاً إلى «تلزيم» الاحتفال نفسه سياسياً، لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع، إذا قرر الحريري عدم التزام شروط «الإفراج» عنه (الابتعاد عن عون والانخراط في «المعركة» ضد «حزب الله»).
ومن غير المستبعد أن ينسحب «التلزيم السياسي» على الموضوع المالي، بحيث تتحكم معراب وحدها بـ«القجة الانتخابية» السعودية، الأمر الذي يمكن أن يترك تداعيات في أكثر من ساحة وبيئة انتخابية، لعل أبرزها بيئة الشمال الأكثر انسجاماً مع الهوى السعودي، فضلاً عن التداعيات المحتملة لأي تحالف انتخابي في دائرة البترون ــ بشري ــ زغرتا ــ الكورة، تكون ركيزته «إسقاط جبران باسيل»!
«نحن لا نرفض وجود إسرائيل، ومن حقها أن تعيش بأمان»… «نحن بالنسبة إلينا مسألة (التطبيع مع إسرائيل) ليست قضية أيديولوجية». بين هذه العبارات التي تفوّه بها باسيل لـ«الميادين» في السادس والعشرين من كانون الأول الماضي وعباراته في «الماغازين» في التاسع من كانون الثاني المنصرم، هل يصح القول إن رئيس «التيار الوطني الحر» قرر التموضع سياسياً بما لا يحرج الحريري سعودياً وأميركياً، وبما يضمن استمرار المقايضات في صفقات السياسة والخدمات و«الطاقات»؟
في المحصلة، لا قيمة لكل ما يرسم من سيناريوهات قبل أن يقول الحريري كلمته و«يحرر» عائلته من المملكة.
جنبلاط لـ«الأخبار»: لن ألبّي دعوة السعودية… إذا أرادت إحياء المَحاوِر
يفتَح النائب وليد جنبلاط بابَه الانتخابي لكل القوى والأفرقاء، في محاولة تبدو في ظاهرها أنها تسعى إلى تأمين الحدّ الأدنى من الاستقرار السياسي له. يكمُن خلف هذه المحاولة هاجس حقيقي من المشهد ككلّ، في ما خصّ واقع السلطة وحجم كل طرف وتأثيره. يبدو حريصاً على عدم تهميش أحد، وعلى عدم الدخول في أي مواجهة مع فريق ضد آخر. لذا سيرفض الذهاب إلى المملكة العربية السعودية في حال دعوته إلى إعادة إحياء سياسة المحاور. لكن يبقى الحلف الأساسي والمتين الذي لا يقبل جنبلاط أن يحيد عنه، مع رئيس المجلس نبيه برّي «الكبير والضمانة» (مقال ميسم رزق).
لا يبدو النائب وليد جنبلاط مُهتمّاً بالتفاصيل «السياسية الداخلية» كثيراً. يُفضّل الحديث أكثر عن ملفات اقتصادية واجتماعية. منذ إعلانه التنازل عن المقعد النيابي لنجله تيمور، يحرُص على اتباع هذا النهج، فتجِد إجاباته عن أي سؤال في ما خصّ الخلافات السياسية «مُختصرة» أكثر مما كانت عليه، مفضّلاً الظهور بمظهر «الوسطيّ المُصلح». يتماشى مع السياسة التي اعتمدها بعد 7 أيار 2008. من هنا، حاول بعد الأزمة الناشئة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي احتواءها ليلة تسريب الفيديو الشهير لوزير الخارجية جبران باسيل، الذي وصف فيه رئيس مجلس النواب بـ«البلطجي». يقول جنبلاط، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «اتصل بباسيل ونصحه بالاعتذار من الرئيس برّي»، وحين أجابه باسيل بأنه «أعلن أسفه في صحيفة الأخبار»، ردّ جنبلاط بأنه «غير كافٍ». يرى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي «أننا كنا بالغنى عن هذه الأزمة. وأن الكلام غير السليم الذي خرج على لسان باسيل، كان يستدعي إصدار بيان للاعتذار عمّا جاء في الفيديو.
والاعتذار ليس خطأً. فأنا في الماضي قلت كلاماً واعتذرت عنه، وبالتالي لن يكون وزير الخارجية أول من يُبادر إلى هذا الفعل، إلا إذا كانت لديه حسابات أخرى». وفيما يفصُل جنبلاط بين مواقف العماد عون وصهره، يرى «أننا جميعاً لدينا زلّات لسان، وعلى كل شخص التنبّه في زمن وسائل التواصل الاجتماعي»، مؤكداً أن «لا فكرة لديه عمّا إذا كان التسريب مقصوداً». في كل الأحوال «الأمور يُمكن أن تصطلح يوماً ما، ولا بدّ لها أن تصطلِح، فنحن ننشغل بأمور صغيرة، من دون أن نلتفت إلى زيادة العجز، ومسار النفط الذي يرتفع، وعدم قدرتنا على معالجة موضوع النفايات التي نرميها في البحر».
هل تنصَح الرئيس برّي بطيّ هذه الصفحة؟ «الرئيس برّي كبير، وهو واحدٌ من أركان الطائف. لم يبق سوانا أنا وهو من زمن الماضي الجميل». هناك «حلف تاريخي، عاطفي، سياسي نضالي قديم بيننا، في بيروت والشام، وحين أسقطنا معاً 17 أيار». يؤكّد جنبلاط أن «الرئيس برّي ضمانة، والذين يبنون حسابات على مرحلة من دونه يرتكبون خطأً كبيراً». برأي جنبلاط أن «من الأفضل أن نسير نحو إصلاح الأمور، ووضع جدول أعمال فيه حدّ أدنى من محاولة لمعالجة الفساد، من أجل تخفيف الهدر الناتج من الكهرباء، وتعويض نهاية الخدمة، لا سيما في القطاع العسكري، وإصلاح الضمان الاجتماعي». وماذا عن انفلات الشارع الذي لمسناه بعد الاشتباك الذي حصل في الأيام الماضية؟ لا يرى جنبلاط أنه مؤشّر على شيء، «فأيّ جمهور حين يشعُر بجرح أو إهانة لا بدّ له أن يتحرّك، وهذا الأمر يحصل في بلدان عديدة، وليس استثناءً عندنا». كذلك لا يحبّذ «تكبير» موضوع الخطاب الطائفي الذي يعتمده البعض، «فهذا البلد لا يستمرّ إلا بائتلاف كل المكونات، وأفضل حلّ هو التمسّك بالطائف وتطويره، وحبذا لو يُمكن تطويره».
يرفُض جنبلاط كسر التوازنات الثابتة، أو الدخول في حروب سياسية، أو الانضمام إلى أي محور. ورداً على سؤال، قال لـ«الأخبار» إنه لن يزور المملكة العربية السعودية في حال دُعي بهدف إعادة إحياء ما يُسمى فريق الرابع عشر من آذار، أو حثّها على خوض الانتخابات بشكل موحّد. وقال: «لم أذهب سابقاً، لأنني لا أريد أن أكون في محور ضد محور، ولن أفعلها اليوم»، مشيراً إلى أن العلاقة مع الرياض «جامدة»، وهناك «عتب سعودي نتيجة بعض الملاحظات التي أبديتها في ما يتعلّق بالحرب العبثية (في اليمن)، وشركة أرامكو»، ويُمكن أن يكون هناك ردّ فعل على موقفي من أزمة استقالة الرئيس الحريري وعدم سفري سابقاً.
ولفت إلى أنه «لا رسالة وصلت إليه في هذا الشأن، لكن عدم زيارة السفير السعودي الجديد في لبنان وليد اليعقوب لنا هو مؤشر».
في ما خصّ الانتخابات، يفتَح النائب جنبلاط بابه الانتخابي لكل القوى والأفرقاء في مناطق الترشيح المشتركة. هو غير راضٍ عن قانون الانتخابات لأنه «بعيد عن النسبية، وكرّس إلى حدّ ما القانون الأرثوذكسي. لكنني لم أستطِع فعل شيء في ظل موافقة المكوّنات الكبيرة عليه. حاولت تأخيره لسبب معنوي مرتبط بالشوف وعاليه». ينطلق الرجل في معركة لن يشارك فيها بطريقة مباشرة من الحرص على مهادنة الجميع والانفتاح عليهم، «لكن يبدو حتى الآن أن أحداً لا يريد أن يبادلني بالانفتاح».
ومع أن القانون الجديد يفرض في كل منطقة تحالفاً من نوع معيّن، لكن «ما حدا عم يحكي معنا، باستثناء تأكيد الرئيس برّي أن فريق 8 آذار لن يقترب من المقعد الدرزي في بيروت، وهذا ممتاز»، أما في بعبدا، «فلم يأتني الجواب بعد». في الجنوب «نحن متحالفون مع حركة أمل؛ ففي حاصبيا سوف ندعم النائب أنور الخليل». في الشوف، سيحل تيمور مكان والده، فيما سيبقى النائبان مروان حمادة ونعمة طعمة. الأخير «لا فيتو عونياً عليه». وفي عاليه سيبقى النائب أكرم شهيب في موقعه، كذلك النائب هنري حلو. وسيبقي مقعداً شاغراً على لائحته، لمصلحة النائب طلال أرسلان.
أما في ما يتعلّق بالترشيحات الأرثوذكسية، فلم يحسم جنبلاط خياره بدعم أحد حتّى الآن، «فالنائب فادي الهبر له سجلّ أبيض في المنطقة، لكنا لم نحسم لأننا توجهنا إلى النائب سامي الجميّل ولم نلقَ تجاوباً». وفي ما يتعلّق بالمرشح القواتي في عاليه، أنيس نصّار، «لا تزال القوات غاضبة بسبب دعمنا ترشيح ناجي البستاني في الشوف. لكن لماذا لا ندعم الأخير ونتحالف معه وهو الذي يملك حيثية انتخابية وشعبية كبيرة؟». وفيما لم يُحسم بعد ما إذا كان أرسلان سيكون على لائحة واحدة مع جنبلاط، لا يرى الأخير مشكلة في تشكيل لائحة منافسة تضم أرسلان وقوى 8 آذار «ما دامت منافسة ديمقراطية». ومع تيار المُستقبل «فالتحالف معه بانتظار جلاء الصورة، خصوصاً أن الجلسة الأخيرة مع الرئيس سعد الحريري كانت ضبابية، على أمل أن تعالج المسائل في جلسة قريبة، يُمكن أن تحصل خلال الأيام المقبلة».
في ما خصّ الوضع الاقتصادي، يرفُض جنبلاط الحديث عن انهيار تام، لكننا «لا نستطيع أن نبقى في هذه الدوامة، وكسرها لا يُمكن أن يتمّ إلا من خلال الإصلاح، كما فعل الرئيس رفيق الحريري ذات مرة في وزارة الإعلام حين استطاع أن يتخلّص من فائض الموظفين مثلاً». يؤكّد أن ليس هناك «من خطر كبير، لكننا نواجه ديناً دائماً يعيق الحركة الاقتصادية، لكن لن يؤدي إلى إفلاس الدولة»، معتبراً «أننا لا يُمكن أن نستمر على نفس النمط الاقتصادي الذي ساد التسعينيات، والقائم على قاعدة أن لبنان هو بلد سياحة ومصارف وخدمات، وهي فلسفة روّج لها بعض المحيطين بالرئيس الحريري ولم أؤمن بها يوماً، بل أؤمن بحماية الزراعة والصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة».
وفيما لا تتوانى الولايات المتحدة الأميركية عن الضغط على حزب الله، أشار جنبلاط إلى أن «العقوبات سوف تزداد، وهناك ظلم في مكان ما، لأن هذه العقوبات تصيب صاحب أيّ مؤسسة شيعي في لبنان والخارج»، معتبراً أن «العقوبات سوف تؤثر على الحركة الاقتصادية، لأنها تشكل سلسلة مترابطة، يُمكن للحزب أن لا ينزعِج منها، لكن هناك جمهور لبناني واسع سوفَ تطاله هذه العقوبات لأنها تحصل بشكل انتقائي».
اللواء
«الترويكا الرئاسي» «يفك الإشـتباك» ويمهِّد لمجلس الوزراء الخميس
إجتماع عسكري في الناقورة يؤكِّد إلتزام الخط الأزرق.. والتريُّث سيّد الترشيحات
استحقاقان يرتبطان على نحو مباشر بنجاح الاجتماع الرئاسي الثلاثي في بعبدا عند الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم: الأوّل يتعلق بجلسة مجلس الوزراء، التي سيدعو إليها الرئيس سعد الحريري، ويقال انها ستعقد في بعبدا بجدول أعمال عادي، بعد ان غابت الجلسة الأسبوع الماضي، على الرغم من ان جدول الأعمال، الذي يوزّع اليوم كان قيد الإنجاز..
والثاني، يتعلق بتأخير عقود تلزيم البلوك 9 لاستخراج الغاز والنفط، وهو البلوك، الذي يزعم الجانب الإسرائيلي، ان ملكيته تعود له، داعياً الشركات، لعدم توقيع أية عقود مع لبنان، حيث أعلنت بعض الشركات انسحابها.
ولعل هذا الزعم، الذي وصفه كبار المسؤولين، بالاعتداء، هو الذي يشكّل السبب الفعلي وراء عقد الاجتماع الثلاثي، الذي بادر الرئيس ميشال عون بالدعوة إليه، فاتصل بالرئيسين نبيه برّي والحريري لهذه الغاية.
وتعوّل مصادر مطلعة على ترطيب الأجواء الداخلية، مع إطلاق السباق الانتخابي، إذ ترشح اثنان، أحدهما في بيروت الأولى، عن أحد المقاعد السنية، والثاني عن أحد المقاعد السنية أيضاً في طرابلس، وذلك في اليوم الأوّل لفتح باب الترشيحات، والذي رأى فيه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مناسبة للردّ البليغ على المشككين بحصول الانتخابات.
ولا تخفي المصادر قلقها من الأجواء غير الصحية، التي أصابت البلاد في الأيام الماضية، على خلفية «فيديو باسيل» الذي أصاب الرئيس برّي، وأحدث ما أحدث من ردّات فعل في شوارع العاصمة، وتعتبر ان الفرصة متاحة الآن لاحتواء الخلافات، خصوصاً وأن الاجتماع الثلاثي مفتوح على «العناوين والمستجدات الحاصلة على الساحة الداخلية»، وأن توحيد الموقف اللبناني حول الأمن والاستقرار، مسألة مطلوبة لإنجاح المؤتمرات الدولية الخاصة بمساعدة الجيش اللبناني والاقتصاد سواء في باريس أو روما أو بروكسيل على حدّ تعبير الرئيس الحريري امام أعضاء السلك القنصلي..
ولم يستبعد مصدر نيابي ان تكون النقاط السلبية التي عصفت بالساحة السياسية على طاولة اللقاء الثنائي، المرشح ان يتحوّل ثلاثياً، من زاوية ان المصارحة هي الطريق الأقصر لتبريد الأجواء، ومعالجة الملفات السلبية المتراكمة.
برودة انتخابية
وإذا كان اليوم الأوّل لبدء السباق الانتخابي قد اتسم ببرودة ظاهرة، حيث انتهى على مرشحين اثنين، الأوّل وهو عبد الناصر المصري عن المقعد السني في دائرة الشمال الثانية (طرابلس والضنية والمنية) والثاني المهندس فؤاد مخزومي عن المقعد السني في دائرة بيروت الثانية، فإن هذه البرودة ليست مجرّد قلة حماسة انتخابية، تشهدها عادة الأيام الأولى على فتح باب الترشيح، بل لأن المعنيين في هذا السباق ما زالوا في طور درس خياراتهم وتقييم فرص الفوز والخسارة، في ظل قانون جديد ما يزال في طور مرحلة التجارب، لا سيما وانه يفرض خوض المرشحين للانتخابات ضمن لوائح معلنة، بما يعنيه ذلك من خيارات التحالف والائتلاف المرحلي والتي ستتحكم في ما بعد بصورة المجلس النيابي العتيد.
عدا عن ذلك، فإن البلاد ما زالت منخرطة في أجواء الأزمات السياسية التي تضغط عادة على التحركات والتطلعات ما يشغل السياسيين والطامحين إلى استعادة احجامهم واوزانهم، عن التفكير بشكل سوي، تحت وطأة استمرار الصراعات السياسية مما يحول دون وضوح صورة البحث في التحالفات، قبل ان ترسو عليه ما يمكن ان ينتج من محاولات كسر الخلافات أو رأب الصدع بين الرئاسات.
وبحسب مصادر سياسية، فإن «لقاء بعبدا» الذي سيجمع اليوم الرؤساء الثلاثة، سيكون بمثابة لقاء مفصلي بسبب تشعب الملفات التي يمكن ان تطرح خلاله، خصوصاً وأنه يجب ان يتسم بالمصارحة للوصول إلى المصالحة الضرورية في هذه المرحلة، كما ان من شانه ان يرسم ايضا ملامح المرحلة المقبلة الفاصلة عن موعد الانتخابات المقررة في السادس من ايار القادم بين اركان الدولة ، مع العلم ان هذا الاجتماع يعقد عشية اجتماع مجلس الدفاع الاعلى غداً والذي لا يقل اهمية لا بالشكل و لا بالمضمون عن لقاء اليوم، خصوصا وان على جدول اعماله الكثير من الملفات الاساسية الساخنة والمتعلقة ايضا بالازمة المستجدة مع اسرائيل على اثر التصاريح الاخيرة لمسؤولين اسرائيلين. كما انه من المتوقع ايضا ان تنعكس اجواء لقاء اليوم على اجواء جلسة مجلس الوزراء التي سيدعو لعقدها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يوم الخميس المقبل في القصر الجمهوري كما علمت «اللواء» بعد ان غابت هذه الجلسة الاسبوع الماضي رغم تحضير جدول اعمالها، بسبب ما شهدته الساحتان السياسية والامنية من تطورات دراماتيكية ساخنة كادت تطيح بالحكومة والبلد في آن معا.
وإذ رفضت مصادر وزارية متابعة، عبر «اللواء» الخوض في توقعاتها حول الأجواء التي ستسود جلسة الخميس، على إيقاع ما حصل من تطورات في الأسبوع الماضي، والتي تجاوزت كل المحظورات، فإن المصادر نفسه استبعدت ان يتضمن جدول الأعمال الذي سيوزع اليوم على الوزراء أي بنود هامة أو خلافية، مشيرة إلى ان اهمية الجلسة هي بانعقادها برئاسة رئيس الجمهورية، خصوصاً وان لبنان امام استحقاقات مهمة وكبيرة، وفي مقدمها الأطماع الإسرائيلية بالثروة النفطية اللبنانية في مياهه البحرية، وعلى الحكومة اليوم إدارة الأزمة السياسية الراهنة حتى موعد اجراء الانتخابات.
ونقلت هذه المصادر عن الرئيس سعد الحريري ارتياحه لعودة التوافق والحوار بين اللبنانيين من خلال عودة لغة العقل التي سادت في اليومين الماضيين، آملاً باستمرار هذا التوافق السياسي لأنه يبقى السبيل الوحيد للحفاظ على أمن واستقرار البلد، مشدداً على أهمية تحييد الحكومة والتمسك بالطائف وباجراء الانتخابات عن أي خلافات سياسية قد تطرأ، باعتبار هذه الثوابت الثلاث أولوية في هذه الظروف الدقيقة والمفصلية.
إلى ذلك، أوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان لقاء بعبدا قد يكون مفتوحا في مناقشة سلسلة مواضيع رئيسية خصوصا ان ما من بنود محددة للبحث حتى وإن كان البلوك رقم 9 والتهديدات الإسرائيلية في مقدمها.
ولفتت إلى أن أجواء اللقاء قد تسمح بأن يتشعب النقاش لعدد من الملفات التي شكلت محور تباين بين المعنيين.
وأكدت أن هذا اللقاء من شأنه أن يحدد التوجه بالنسبة إلى عودة عمل المؤسسات الدستورية ولاسيما مجلس الوزراء. ورأت أن أي أمر مرهون بهذا اللقاء، وهو يأتي في ظل التحضيرات لإجراء الانتخابات النيابية ولذلك سيكون هذا الملف في صلب المحادثات على أن يكون التركيز على أهمية الأستقرار. ولم تستبعد أن يصدر بيان بعد الاجتماع الذي حدد قبل الظهر.
وأشارت إلى أن مجرد انعقاده مؤشر إيجابي للمرحلة المقبلة سواء اتخذ عنوان ربط النزاع أم لا.
وأكدت أن اجتماع اليوم سيؤسس لمرحلة جديدة يفترض بها أن تكون مرحلة هدوء سياسي، لا سيما بعد أن وصلت كل من بعبدا وعين التينة إلى الدرجة الأخيرة من السلم. حيث لا يستطيع أحد ان يتقدّم مخافة السقوط ولا أحد يرغب بالتراجع للاخر لكي لا يحسب ذلك انكساراً.
اما مصادر عين التينة، فقد أكدت ان لقاء اليوم سيركز على التهديدات الإسرائيلية للبنان من باب الثروة النفطية والبلوك 9 إضافة إلى الجدار الفاصل جنوباً، إضافة إلى الوضع الأمني وضرورة تحصينه، خصوصاً بعد إصرار الرئيس نبيه برّي على ان هناك طابوراً خامساً يسعى لتخريب الوضع في لبنان، كما انه يطمح إلى ان يُصار إلى مناقشة مرسوم اقدمية ضباط دورة العام 1994 وانتظام عمل المؤسسات الدستورية، رغم ان الرئيس عون يعتبر المرسوم ناجزاً، وغير قابل للبحث.
اجتماع الناقورة
وكان موضوع الجدار الإسرائيلي والتهديدات الإسرائيلية للبلوك 9 البند الأوّل على جدول أعمال الاجتماع العسكري الثلاثي الأوّل لهذا العام، اللبناني والإسرائيلي برعاية قائد قوات «اليونيفل» في الجنوب الجنرال مايكل بيري الذي انعقد أمس في مقر اليونيفل في رأس الناقورة، وحضره وفد من ضباط الجيش اللبناني برئاسة مُنسّق الحكومة لدى قوات «اليونيفل» العميد الركن مالك شمص.
وبحسب البيان الذي صدر عن قيادة الجيش، فانه تمت في هذا الاجتماع مناقشة المواضيع المتعلقة بتطبيق القرار 1701 والحوادث الحاصلة في الفترة الأخيرة في منطقة جنوب الليطاني.
وأوضح البيان ان الجانب اللبناني عرض مسألة الجدار الذي ينوي العدو الإسرائيلي اقامته على الحدود اللبنانية – الفلسطينية مؤكدا موقف الحكومة اللبنانية الرافض لإنشاء هذا الجدار كونه يمس السيادة اللبنانية، خصوصا وان هناك أراضي على الخط الأزرق يتحفظ عليها لبنان، كما عبر عن شجب الحكومة لتهديدات بعض قادة العدو (وزير الدفاع افيغدور ليبرمان) ومزاعمهم حول عدم أحقية لبنان باستغلال البلوك البحري النفطي رقم 9، مشددا على ان هذا البلوك يقع بكامله ضمن المياه الإقليمية والاقتصادية اللبنانية، كذلك عرض لخروقات العدو الجوية والبحرية والبرية لأراضي لبنان وطالب بوقفها فوراً».
ومن جهته، ركّز الجنرال بيري بحسب بيان قيادة الجيش على ضرورة الالتزام الدقيق بمندرجات القرار 1701 وبترتيبات التنسيق والارتباط، مؤكدا ان المحافظة على الاستقرار هي مسؤولية الجانبين، وان القوات الدولية جاهزة لمساعدتهما على ذلك».
وفيما لم يعط الجانب الإسرائيلي أي جواب حول ما طرحه الجانب اللبناني، بحجة انه يريد مراجعة قيادته، أوضح بيان «لليونيفل» ان المناقشات ترتكزت على ترتيبات الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها «اليونيفل» والآيلة إلى تفادي حدوث أي سوء تفاهم أو سوء تقدير على طول الخط الأزرق من أجل ضمان استمرار مناخ الهدوء والاستقرار.
ولفت البيان إلى ان موقف «اليونيفل» من أعمال البناء التي اقترحها الجيش الإسرائيلي هو ان أي نشاط بالقرب من الخط الأزرق ينبغي الا يكون مفاجئاً، بحيث يتم الإخطار عنه بشكل مسبق وكاف لاتاحة المجال للتنسيق من جانب الأطراف، وتم الاتفاق على مواصلة استخدام «المنتدى الثلاثي» لمعالجة هذه المسألة.
وأكّد الجانبان ايضا التزامهما بمواصلة استخدام الآليات التي تضطلع بها «اليونيفل» من اجتماع ثلاثي وارتباط لمعالجة أي مسائل يُمكن ان تؤدي إلى امكانية حدوث توترات الى جانب تقليل نطاق أي سوء فهم بين الأطراف، كما أكدوا مجددا دعمهم لتنفيذ ولاية «اليونيفل» بموجب قرار مجلس الأمن 1701 (2006) والفقرات العملياتية لقرار مجلس الأمن الدولي 2373 (2017).
عون
من جهته، شدد الرئيس عون، خلال استقباله وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس الذي زار ايضا الرئيسين برّي والحريري وأجرى محادثات مع نظيره اللبناني يعقوب الصرّاف، على أهمية التعاون بين الدول لمكافحة الإرهاب وملاحقة خلاياه السرية لوضع حدّ للأضرار التي احدثها أو يُمكن ان يحدثها في الدول والشعوب. وقال ان لبنان يُشجّع كل تعاون مع اليونان وقبرص في سبيل تعزيز السلامة البحرية والأمن البحري، لا سيما وان الدول الثلاث تواجه تحديات مشتركة لعل أهمها الإرهاب الذي يتفشى في المنطقة ويتوسع، إضافة إلى تداعياته السلبية الكثيرة المتمثلة خصوصا بالنزوح الكثيف وتهريب البشر عبر البحر المتوسط.
أمنياً، أعلن الجيش اللبناني امس استشهاد جندي بالاضافة إلى مقتل أحد المطلوبين نتيجة تبادل لاطلاق النار خلال مداهمة أمنية في مدينة طرابلس.
وأوضح أنه أثناء قيام وحداته بمداهمة في منطقة باب التبانة في طرابلس الأحد بحثاً عن «عدد من المطلوبين»، تعرضت قواته «لإطلاق نار ورمي رمانات يدوية، ما أدى إلى استشهاد أحد العسكريين وجرح عدد آخر».
وأعلن في بيان ثان أن وحداته لاحقت «الإرهابي مطلق النار المدعو هاجر العبدالله واشتبكت معه ما أدّى إلى مقتله»، مشيراً إلى أنه أوقف شقيقه كما «تمّ ضبط كمية من الأسلحة والذخائر والأعتدة العسكرية والمبالغ المالية».
اضراب الخاصة
تربوياً، تلبية لدعوة من نقابة معلمي المدارس الخاصة في لبنان، نفذ الاساتذة إضرابا عاما، يستمر لثلاثة ايام، للمطالبة بتطبيق القانون رقم 46 ودفع الدرجات الست، وتفاوتت نسب الالتزام بالاضراب في المدارس، حيث بلغت 40 في المئة.
وأبدى نقيب المعلمين رودولف عبود إستغرابه لعدم البحث في موازنات المدارس، مؤكدا عدم التراجع عن الاضراب المحدد من قبل النقابة الا في حال حصول مبادرة ايجابية، مشيرا الى ان المطلوب من المعلمين الالتزام بقرار النقابة بالرغم من الضغوط التي يتعرضون لها من قبل بعض المدارس.
وشدّد عبود على أنه تم تحييد بعض المدارس التي دفعت مستحقات المعلمين بحسب القانون، لافتا الى ان نسبة الالتزام في الاضراب امس كانت جيدة.
هذا، ومن المقرر ان يعقد عبود مؤتمرا صحافيا اليوم عند الواحدة ظهرا اليوم امام مبنى وزارة التربية.
البناء
حملة غربية على روسيا وسورية لاستباق تقدّم الجيش السوري نحو سراقب وصولاً إلى إدلب
لبنان يربح الجولة الأولى على «إسرائيل»… ويواصل تعزيز نقاط القوة… والمقاومة
لقاء عون وبرّي يصير ثلاثياً… وأولوية الخطر «الإسرائيلي» لا تحجب سائر الملفات
تزامن الاشتعال العسكري لجبهات ريف إدلب، خصوصاً جبهات مدينة سراقب التي يتقدّم نحوها الجيش السوري بثبات، مع اشتعال حرب دبلوماسية وإعلامية غربية على سورية وروسيا اتخذت كما في كلّ مرة يتقدّم فيها الجيش السوري لتحرير مناطق جديدة من يد جبهة النصرة، عنوان اتهامات كيميائية لسورية بحماية روسية، بينما كان الأتراك يحاولون مع روسيا تعويم تفاهمات أستانة بنشر نقاط مراقبة، على تخوم منطقة إدلب، لتصير أقرب لحفظ الدور التركي منها لتأمين مناطق التهدئة، كما كانت مهمّتها بالأصل.
بالتوازي مع هزائم جبهة النصرة وعجز الحملة الغربية عن وقف التقدّم السوري كان التصعيد «الإسرائيلي» يسجل تراجعاً حاولت مواقع «إسرائيلية» يديرها الموساد كموقع «تيك دبكا» نسبته لما قالت إنها تطمينات تلقتها «إسرائيل» عبر وسطاء أوروبيين، من سورية ولبنان تؤكد عدم السماح ببناء مصانع للصواريخ الإيرانية، نفتها مصادر مطلعة في محور المقاومة لـ «البناء»، مؤكدة أن لا رسائل ولا تطمينات، فالتراجع «الإسرائيلي» ثمرة الصمود والثبات على المواقف، وقدرة الردع ومعادلة، لا نريد الذهاب للحرب لكننا لا نخشاها وسنحوّلها من تحدّ إلى فرصة إذا انطلقت شرارتها الأولى.
هذه المعادلة للعجز «الإسرائيلي» الذي ترجمه التراجع عن التهديدات، كان حاضراً في لقاءات الناقورة الثلاثية التي ترعاها الأمم المتحدة ويشارك فيها ضباط لبنانيون و»إسرائيليون»، وقد شهد الاجتماع الذي رعاه الجنرال مايكل بيري ممثلاً الأمم المتحدة، تثبيتاً لموقف لبنان بالإصرار على مواجهة أيّ بناء للجدار الذي يتجاهل النقاط المتنازع عليها ويفرض أمراً واقعاً من طرف واحد، كما أيّ محاولة لعرقلة استثمار لبنان حقوقه في مياهه الإقليمية في النفط والغاز، وخصوصاً البلوك رقم تسعة، بكلّ ما يلزم وما يملك.
ربح لبنان الجولة الأولى من المواجهة، كما تلخص مصادر دبلوماسية مطلعة لـ «البناء» وثبّت أنّ التماسك الوطني والثبات عند الحقوق، ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة، أسلحة لا تزال فاعلة في مواجهة المخاطر «الإسرائيلية»، كما ثبت أنّ أيّ عبث بتماسك أركان هذه المعادلة سرعان ما يهدّد عناصر القوة اللبنانية، التي يجب الاستثمار عليها وتعزيزها، وخصوصاً تأكيد حجم الإحاطة السياسية والرسمية والشعبية التي تحظى بها المقاومة.
هذا الهدف سيكون حاضراً بكلّ مسؤولية على طاولة لقاء بعبدا الذي يجمع اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي سيكون الحاضر الغائب فيه الشريك الثالث الذي يمثله حزب الله، قبل أن ينضمّ رئيس الحكومة سعد الحريري إلى اللقاء ويصير ثلاثياً، وقالت مصادر متابعة للقاء بعبدا لـ «البناء» إنّ جدول أعمال اللقاء ملك للرئيسين، وهما سيستكشفان معاً فرص الانتقال من تأكيد خطة وطنية لمواجهة المخاطر «الإسرائيلية» يستكملانها مع الرئيس الحريري، ويتوّجها اجتماع المجلس الأعلى للدفاع غداً، ليبحثا في لقائهما الثنائي خطوات تمتّن التهدئة القائمة وتحوّلها آلية حوار حول الملفات الخلافية، من دون إفراط بالتفاؤل ولا تفريط بفرص التفاهم، وهو ما يسعى حزب الله للتشجيع عليه عبر الاتصالات الثنائية بالرئيسين والفريق المقرّب من كلّ منهما، ليكون الحاصل الأهمّ للاجتماع، حتى لو غاب عن الحاصل الإعلامي للقاء، أو ارتأى الرئيسان برمجة لقاء ثانٍ للقضايا الداخلية بينهما أو بين معاونين أو أصدقاء مشتركين يستطيعون تدوير الزوايا ولم يكونوا أطرافاً مباشرة في التصعيد الأخير.
لقاء رئاسي لاستعادة الثقة
يجمع قصر بعبدا اليوم الرؤساء الثلاثة في لقاءٍ هو الأول من نوعه منذ عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني الماضي غداة استعادة رئيس الحكومة سعد الحريري من معتقله في السعودية، حيث ستُشكل التهديدات «الاسرائيلية» للبنان العنوان الأبرز للقاء الذي تأكدت مشاركة الحريري فيه الى جانب رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي. ومن المتوقع أن يخرج بموقفٍ موحّد رافض لتهديد وزير الحرب الصهيوني بشأن البلوك الغازي رقم 9 وبناء الجدار الفاصل وتأكيد حق لبنان في ردع ومواجهة العدوان بالوسائل كافة، بحسب مصادر «البناء». كما سيشكل الاجتماع فرصة لكسر الجليد في العلاقة واستعادة الثقة بين عين التينة وكل من بعبدا وبيت الوسط لتأمين مظلة آمنة وملائمة لمعالجة القضايا الداخلية موضع الخلاف.
وأشارت أوساط بعبدا لـ «البناء» الى أن «اللقاء سيضمّ الرؤساء الثلاثة، لكن ربما يبدأ بلقاء ثنائي بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري في حال تأخّر رئيس الحكومة لبعض الوقت لارتباطه باحتفال في السراي الحكومي»، ولفتت الى أن «البحث سيتركّز على التطورات الأخيرة على الجبهة الجنوبية وسيتمّ على هامش اللقاء استعراض الأوضاع الداخلية وما آلت اليه التطورات الأخيرة، خصوصاً على الصعيد الأمني»، موضحة أن «لا جدول أعمال محدداً للقاء». ونقلت الأوساط عن رئيس الجمهورية لـ «البناء» ارتياحه الى «مسار الامور بعد استعادة البلاد حيويتها واستقرارها الامني الذي تدهور الأسبوع الماضي وارتياحه ايضاً الى تطوّر مسار العلاقة مع عين التينة باتجاه الإيجابية ومعالجة الأزمة القائمة. كما شدّد عون على ضرورة بقاء الخلاف السياسي ضمن المؤسسات وليس في الشارع».
وأشارت أوساط مطلعة لـ «البناء» الى أن «الرئيس نبيه بري يعمل على تنقية العلاقة مع رئيس الجمهورية وفصلها عن علاقته المتوتّرة والمتشنجة مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل على أن يتم البحث في معالجة مضمون الفيديو المسرّب في وقتٍ آخر»، ولفتت الى أن «من أهم نتائج الاجتماع الذي سيُعقد هو إنهاء القطيعة بين بعبدا وعين التينة وإعادة تفعيل قنوات التواصل بينهما»، موضحة أن «الاجتماع لن يخرج بحلول جاهزة لجميع القضايا الخلافية، بل سيعقد الاجتماع تحت عنوان استعادة الثقة بين الرئيسين عون وبري والاتفاق على البدء تدريجياً بحلّ الخلافات وفق القانون والدستور والطائف، أما في حال فشل اللقاء في استعادة الثقة فستبقى الأمور معقدة ومعلقة الى ما بعد الانتخابات النيابية». ولفتت الى أن «الجهد الذي يبذله حزب الله يتمحور حول استعادة هذه الثقة وترميم الجسور وفك الاشتباك السياسي والإعلامي بين حليفيه عون وبري». ورجحت المصادر أن «يستأنف مجلس الوزراء عقد جلساته بدءاً من هذا الأسبوع، لكن مع الاتفاق على استبعاد الملفات الخلافية عن جدول أعمال المجلس في هذه المرحلة»، وفي سياق ذلك، علمت «البناء» أن «الرئيس عون طلب من الوزير باسيل وقيادة التيار الوطني الحر ومن إدارة قناة أو تي في خفض سقف التحديات والاستفزازات في هذه المرحلة».
وأشار عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ألان عون في حديث تلفزيوني الى أن «اللقاء بين الرؤساء الثلاثة مفتوح على البحث في أمور عدة، بالإضافة الى بلوك 9 و الجدار «الإسرائيلي» على الحدود». واعتبر عون أن «أهمية اللقاء على المستوى السياسي يأتي بعد أزمة المرسوم وأزمة التيار الوطني الحر وحركة أمل ، كما يحمل أهمية نزع فتيل الانفجار من الشارع». وأكد أنه «لا يوجد أفضل من اللقاء المباشر الذي يبعد الجفاء».
«الأعلى للدفاع» غداً
وإذ يعقد المجلس الأعلى للدفاع يوم غدٍ اجتماعاً برئاسة رئيس الجمهورية، وحضور رئيس الحكومة والوزراء المختصين، بحسب ما علمت «البناء» على أن «يُصدِر قراراً يشدّد من خلاله على تمسّك لبنان بحقه في أرضه وثروته في النفط والغاز لا سيما البلوك 9 ورفض التهديدات «الاسرائيلية» والتشديد على حق لبنان بالتصدّي لأي عدوان بكل الوسائل المتاحة ما فسّرتها مصادر على أن هذه الوسائل تشمل الجيش والمقاومة».
لقاء ثلاثي في الجنوب
وعشية اجتماع بعبدا، انعقد في رأس الناقورة، الاجتماع العسكري الثلاثي اللبناني – «الاسرائيلي» برعاية اليونيفيل. ولفتت مصادر «البناء» الى أن «اليونيفيل طلبت من الجانب الإسرائيلي تأجيل بناء الجدار الفاصل، تجنباً لأي توتر على الحدود، بعد أن تبلّغت القوات الدولية من الوفد العسكري اللبناني أن قرار الجيش اللبناني بالتصدّي لـ»الإسرائيليين» في حال بدأ بناء الجدار»، كما حذّر الوفد اللبناني من تعرّض «اسرائيل» للبلوك 9 ما يؤدي تدهور الأوضاع على الحدود».
وقالت مصادر عسكرية لـ «البناء» إن «جو التهدئة الذي أُشيع على الحدود مع فلسطين المحتلة فرضته معادلات الردع التي وضعتها الدولة اللبنانية على بساط البحث وأرستها المقاومة في الميدان لا منّة من كيان الاحتلال ولا من المجتمع الدولي». وقللت المصادر من احتمالات اندلاع حربٍ مع «اسرائيل» التي لم تستعد زمام المبادرة لشنّ عدوان جديد بعد هزيمتها المدوّية في تموز 2006 ولم تعُد قادرة على شنّ حرب تضمن نتائجها لصالحها في ظل تطوّر قدرات المقاومة وتبدّل المشهد الإقليمي لصالح محور المقاومة»، موضحة أن «لا علاقة بين المناورات التي تجريها «اسرائيل» على الحدود وبين التطوّرات والتهديدات «الاسرائيلية» الأخيرة بالحرب على لبنان»، مشيرة الى أن «إسرائيل تجري خمس مناورات كل عام. وهذه المناورة الأولى في هذا العام». ولفتت الى أن «التهديد «الاسرائيلي» جوبه بموقفٍ لبناني صلب وموقف حاسم من المقاومة ما دفع رئيس حكومة «اسرائيل» بنيامين نتنياهو للتراجع عن تهديداته بشن حرب وطمأنة المستوطنين الإسرائيليين بأن لا حرب ما يدلّ على أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير جاهزة لمواجهة أي ردة فعل على أي عدوانٍ جديد». وأوضحت أن «الاجتماع الثلاثي هو اجتماع دوري ولم يأتِ نتيجة التوتر الأخير على الحدود».
وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «المكوّن البحري في اليونيفيل يتعاظم دوره في الحفاظ على المياه الإقليمية اللبنانية لاسيما المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطمع إسرائيل بالسيطرة على اجزاء منها، قبيل إطلاق لبنان عملية التنقيب عن النفط والغاز فيها»، معتبراً ان «ما عبر عنه وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان يعكس بوضوح حقيقة النيات الإسرائيلية».
وخلال استقباله وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس، شدّد الرئيس عون على أهمية التعاون بين الدول لمكافحة الارهاب وملاحقة خلاياه السرية لوضع حدّ للأضرار التي أحدثها أو يمكن أن يُحدثها في الدول والشعوب.
حزب الله يجدد الالتزام بتفاهم مار مخايل
وفي ذكرى تفاهم مار مخايل بين حزب الله و«التيار الوطني الحر» جدّد حزب الله التزامه التام بالتفاهم وشدّد على «استمرار السير فيه وصولاً لتحقيق الأهداف الكبرى التي يطمح إليها والنهوض بلبنان وأبنائه نحو مستقبلٍ أفضل»، مشيراً الى أن «مفاعيله حاسمة في تحقيق الأمن والسلم الأهلي والاستقرار السياسي، وهو لعب دوراً كبيراً في معالجة الكثير من القضايا الشائكة على المستوى المحلي، ليكون بذلك نموذجاً يُحتذى في بناء العلاقات بين القوى السياسية في لبنان». وأوضح أن «التفاهم برهن خلال السنوات الماضية أنه فرصة تلاقٍ كبيرة وجسر تعارف وثقة بين قاعدتَيْ الحزب و التيار ، وهذا ما يعطي هذا التفاهم أهمية أكبر ويجعله بوّابة جمع لكل اللبنانيين»، مشيراً الى «أهمية الحرص الشديد على صون هذا التفاهم والحفاظ عليه في مواجهة القوى الخارجية التي عملت ولا تزال تعمل على استهدافه وضربه».
سجال «التيار» و«القوات»
في المقابل ومع افتتاح موسم الانتخابات النيابية عادت العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب «القوات اللبنانية» إلى الواجهة من بوابة اتهام «القوات» لوزراء «التيار» باستخدام التوظيف السياسي قبل الانتخابات، وقد اتهمت النائب ستريدا جعجع وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل بالعمل على توظيف 5 مياومين في شركة كهرباء قاديشا بناءً على طلب جهة سياسيّة محليّة.
وأشارت جعجع في بيان لمكتبها الاعلامي، الى أن «مَنْ يدعي مكافحة الهدر والفساد عليه بادئ الأمر أن يعمد إلى البدء بنفسه عبر اعتماد نهج حكم مغاير لما شهدناه ولا نزال نشهده من زبائنيّة سياسيّة تلجأ إلى إساءة استخدام السلطة عبر تسخيرها لمصالح شخصيّة وانتخابيّة بعيدة كل البعد عن المنفعة العامة الوطنيّة»، مؤكدة أن القوات «لن تتراجع قيد أنملة عن مواجهة هذا النهج في ممارسة السلطة».
وأبلغت جعجع وزير الطاقة عبر الهاتف بأنها ستعمد إلى إصدار بيان في هذا الخصوص فرد أبي خليل عليها بأن لا مشكلة لديه وهو سيقوم بالردّ.
في سياق ذلك، وفي اليوم الأول لفتح باب الترشيح، تقدّم مرشحان بطلب ترشيح، الأول هو عبد الناصر المصري عن المقعد السني في دائرة الشمال الثانية طرابلس، المنية، الضنية والثاني هو رئيس حزب الحوار الوطني اللبناني فؤاد مخزومي عن المقعد السني في دائرة بيروت الثانية.
وأكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، تزامناً مع فتح باب الترشيح وبدء الحملات الإعلامية للانتخابات النيابية 2018، أن «الانتخابات ستجرى في مواعيدها وأن هذا الالتزام ثابت وأكيد ولا رجوع عنه. وبالتالي فإن لبنان بات على السكة الصحيحة ديموقراطياً». ودعا جميع الذين سيشاركون في الحملات الانتخابية لـ»التحلّي بروح المسؤولية الوطنية، مع اعتماد لغة تخاطب تستند الى العقل والاعتدال واحترام الرأي الآخر ووضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار آخر».
تبرئة المر في «التخابر غير الشرعي»
في مجال آخر، وفي قرار حمل علامات استفهام عدة، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في المتن منصور القاعي قراراً يحمل حكماً فيه بإبطال التعقبات في حق المدعى عليهما شركة «ستوديو فيزيون» ش.م.ل. و ميشال غبريال المر مما أسند إليهما في قضية التخابر غير الشرعي بعد أن ثبتت براءتهما في قضية الانترنت غير الشرعي.
كما حكم بردّ المطالب المدنية المقدمة من المدعية أي الدولة اللبنانية برمّتها، كما رد طلب الاستعانة بالخبرة الفنية المقدم من المدعي عليهما لعدم الجدوى منه في ضوء النتيجة أعلاه، وبردّ طلب المدعية الرامي الى تكليف الجهة المدعى عليها بيان أرقام الأجراء لديها الذين تمّ تحويل الاتصالات عبرهم لعدم الجدوى منه تبعاً للنتيجة أعلاه، كما بحفظ الرسوم والنفقات كافة.
وأكد رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله، بعد اجتماع اللجنة «أن الملف لدى القضاء ويوجد استئناف من جهتين هما هيئة القضايا والمدعي العام المالي». وقال: «إذا برأ القضاء الجهة المتهمة بالتخابر الدولي غير الشرعي فلا موقف سياسياً لدينا». اضاف: «يمكن الحديث عن سلوكيات بعض القضاة وهناك تحقيقات تحدّث عنها وزير العدل»، لافتاً الى «أننا نلاحظ استنسابية في بعض القضايا».
الجمهورية
قصر بعبدا يستضيف الرؤساء: أجندة مفتوحة لبحث الخلافات وإيجاد العلاجات
الحدث في بعبدا اليوم، الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري يلتقون بعد طول افتراق واختلاف حول مجموعة من الملفات السياسية، وبعدما مرَّ البلد في قطوع كاد يطيح بكلّ شيء لو لم يتمّ تدارُك الأمور في اللحظات الأخيرة. في الشكل يعوَّل على الصورة الجامعة للرؤساء أن تشيع مناخاً مريحاً يساهم في تنفيس بالونات الهواء الأصفر الذي ضَرب لبنان في الآونة الأخيرة. وأمّا في المضمون، فالعنوان العريض الذي يُظلله هو «المصالحة والمصارحة». اللقاء ينعقد بلا جدول أعمال محدّد، إلّا أنّ ما حصَل في الأيام الأخيرة هو البند الأساس الذي يفرض نفسَه فيه وسيشكّل منطلقاً لبحثِ كلّ النقاط الخلافية، علَّ الرؤساء يتمكّنون من بناء مساحات مشتركة حولها، والوصول إلى حلول وسطى حول الملفّات الخلافية، خصوصاً تلك التي تسبَّبت بالأزمة الأخيرة.
موعد اللقاء الرئاسي محدّد في الحادية عشرة قبل الظهر، وعلمت «الجمهورية» أنّ هذا اللقاء قد يبدأ ثنائياً بين عون وبري، إذ قد يتأخّر وصول رئيس الحكومة لبعض الوقت عن الموعد المحدّد لارتباطه برعاية الاحتفال الخاص بإطلاق استراتيجية الرؤية الجديدة لـ«OGERO» في السراي الحكومي.
وإذا كان يَطيب للبعض أن يُسقط على اللقاء الرئاسي وصفَ «غسل قلوب» إلى جانب المصالحة والمصارحة، فإنه يكتسي أهمّية بالغة في هذه المرحلة، ويعوّل عليه أن ينجح، ليس في اللقاء لمجرّد اللقاء والتقاط صورة الرؤساء الثلاثة جنباً إلى جنب، بل في بناء الأرضية الصالحة لتفكيك صواعق الاحتقان من النفوس المشحونة وما رافقَها من ممارسات على الارض، وكادت تذهب بالبلد الى ما لا تُحمد عقباه على كلّ الصُعد.
أجواء الرئاسات الثلاث توحي بإيجابيات، ونيّات بالنأي بالبلد عن أيّ المناخات السلبية، ورغبات معلنة بضرورة تجفيف مصادر التوتير، ومقاربة اسبابها بما تتطلبه من تحسُّسٍ بالمسؤولية، بالاستفادة من تجربة الايام الاخيرة التي استعاد فيها البلد أشباح الحرب الأهلية.
وإذا كان عون، بحسب أجواء القصر الجمهوري يعوّل على أن يخرج اللقاء بنتائج مثمرة ومريحة يَشعر بها كلّ اللبنانيين، فإنّ أجواء عين التينة تعكس بدورها الأملَ في فتحِ صفحة جديدة على مستوى كلّ البلد، وعلى كلّ الصعد. ويقارب بري اللقاءَ بإيجابية ويُنقل عنه قوله: «إن شاءَ الله خير، وتفاءَلوا بالخير تجدوه». فيما عكسَت أجواء بيت الوسط ارتياحاً للجوّ التوافقي، مع تشديد الحريري على الحاجة دائماً الى التلاقي وحلِّ كلّ الامور بالحوار.
وسط هذه النيات الإيجابية السابقة لانعقاد اللقاء والتي أشاعت في الساعات الماضية أجواء إيجابية على الخط الحكومي عزّزت احتمال عقدِ جلسةٍ لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا بعد غدٍ الخميس وبجدول أعمال فضفاض، علمت «الجمهورية» أنّ بعض الوزراء تلقّوا إشارات في فترة بعد ظهر أمس حول أنّ رئيس الحكومة بصددِ توجيه دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، ولكن من دون تحديد متى سيتمّ ذلك.
وعشيّة اللقاء الرئاسي في بعبدا، يَبرز السؤال حول مصير القضايا الخلافية الحسّاسة التي تحرّك البلد على إيقاعها منذ ما قبل نهاية العام الماضي، وتحديداً قضية مرسوم الأقدمية. وقالت مصادر مواكِبة للتحضيرات «إنّ اللقاء كناية عن «أجندة مفتوحة»، ما يعني أنّ كلّ الأمور على الطاولة».
وأكّدت «أنه في ظلّ المناخ الإيجابي السائد، يمكن افتراض أنه سينسحب على النقاشات والمقاربات، ما يمكن أن يؤسّس لمعالجات جذرية وتحديداً للملفات التي تتطلّب تراجعات متبادلة عن المواقف المتصلبة، والاقترابَ من حلول وسطى حولها، إلّا أنّ ذلك لا يلغي أيضاً احتمالَ أن يقرّ الرأي الرئاسي على إبقاء بعض الملفات الحسّاسة على رفّ التجميد، من دون تطوير الخلاف السياسي حولها».
وأشارت المصادر «إلى أنّ أولوية النقاش الرئاسي ستتركّز على التهديدات الإسرائيلية الأخيرة باجتياح لبنان، وكذلك حول الحقل الغازي التاسع واعتبارِه ملكاً لإسرئيل، والبحث هنا سينطلق من تقرير قيادة الجيش حول الاجتماع العسكري الثلاثي في الناقورة أمس، والذي بَحث في موضوع بناء اسرائيل لجدار على الحدود الجنوبية في المنطقة المتنازَع عليها بين لبنان وإسرائيل وبطريقة تبدأ بقضمِ الارض برّاً وتصلُ في تهديدها الى الثروة النفطية اللبنانية في البحر.
وهو الأمر الذي أكّد عليه الجانب اللبناني في الاجتماع لناحية رفضِ الحكومة اللبنانية لإنشاء هذا الجدار كونه يمسّ السيادة اللبنانية، خصوصاً وأنّ هناك أراضيَ على الخط الأزرق يتحفّظ عليها لبنان. كذلك عبَّر «عن شجبِ الحكومة لتهديدات بعض قادة العدو ومزاعِمهم حول عدم أحقّية لبنان باستغلال البلوك البحري النفطي رقم 9»، مشدّداً على أنّ هذا البلوك يقع بكامله ضِمن المياه الإقليمية والاقتصادية اللبنانية، كذلك عرض لخروقات العدو الجوّية والبحرية والبرية لأراضي لبنان وطالبَ بوقفِها فوراً.
إنطلاق الترشيحات
من جهةٍ ثانية، انطلقت مرحلة الترشيحات للانتخابات النيابية المقبلة، ودوّنَت بورصة التسجيل أمس أسماء مرشحين. وترافقَ ذلك مع تأكيد وزارة الداخلية مجدّداً على أنّ قطار الانتخابات قد انطلق في اتجاه هدفِه بجهوزية تامّة ومِن دون عوائق.
فيما نُقل عن رئيس المجلس تأكيده أيضاً «أنّ الانتخابات بأمان ولا خوفَ عليها وستجري في موعدها»، مشيراً إلى «أنّ لبنان كما هو مهتمّ بانتخاباته، فالعالم كلّه مهتم أيضاً بالانتخابات وضرورة إجرائها، وهو ما يؤكّد عليه كثيرون من الرؤساء والمسؤولين في الدول الغربية».
«القوات»
إلى ذلك، أسِفت مصادر «القوات اللبنانية» لِما سمّته «الكلام المتداوَل، ولو على نطاق ضيّق، عن تأجيل الانتخابات، فيما الانتخابات حاصلة حتماً، والاستعدادات لخوضِها انطلقت لدى معظم القوى السياسية».
وأكّدت لـ«الجمهورية» أنّ «القوات» التي استكملت جهوزيتَها الانتخابية تواصِل حركتها التفاوضية مع أكثر من طرف سياسي من أجل توحيد الرؤية الانتخابية بعدما عملت مع تلك الأطراف على إعادة توحيد النظرة السياسية».
واعتبَرت «أنّ الأزمات التي شهدها لبنان في الأشهر الأخيرة دلّت على متانة الوضع السياسي، خلافاً لِما يروِّج له البعض، وأنه في اللحظة التي كادت تتفلّت فيها الأمور تمّ استدراك الوضع سريعاً، لأن لا مصلحة لأيّ طرف بانهيار الاستقرار الذي يشكّل مصلحةً مشتركة للجميع».
وأكّدت المصادر أنه «لا يجب لأيّ خلاف سياسي أن يخرج من المؤسسات الدستورية إلى الشارع، لأنه يسيء إلى صورة الدولة والمؤسسات، فيما كلّ الأزمات قابلة للحلّ تحت سقف الدستور والمؤسسات».
واعتبَرت «أنّ انتقال الأولوية في لبنان إلى الانتخابات النيابية لا يعني إطلاقاً إهمالَ الملفات الحياتية التي تهمّ الناس والحيوية والسيادية لجهةِ السهر على سياسة النأي بالنفس وإبقاء لبنان بمنأى عن صراعات المحاور»، وشدّدت على «أنّ الحكومة وحدها مسؤولة عن السيادة والثروات اللبنانية»، واعتبَرت ما صَدر من مواقف عن «حزب الله» بأنّ «المقاومة تحمي الثروةَ النفطية» يشكّل انتهاكاً للسيادة وخروجاً عن سياسة النأي بالنفس وتجاوُزاً فاضحاً لدور الحكومة». وكرّرت ما كان سبقَ لرئيس «القوات» سمير جعجع أن أكّده بأنّ الحكومة اللبنانية بوكالتها عن الشعب اللبناني بأسره تتولّى حصراً هذا الملف من دونِ تدخّلِ أيّ طرف آخر لبناني أو غير لبناني فيه، لتبقى المسألة مسألة حقوقٍ وطنية لبنانية بدلاً من أن تنقلبَ جزءاً مِن الصراع الكبير في المنطقة».
سجال
وفي ما بدا أنّه سجال انتخابي، لفتَ أمس، قصفٌ سياسيّ بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، تمثّلَ في هجومٍ عنيف شنّته النائبة ستريدا جعجع على وزير الطاقة سيزار أبي خليل على خلفية «توظيفِ الوزير 5 مياومين في شركة كهرباء قاديشا بناءً على طلبِ جهةٍ سياسيّة محلّية» وقالت: «ليس بغريب أن تظهر الخدمات الانتخابيّة جهاراً كلّما اقتربنا من الانتخابات النيابيّة في بلد يَحكمه نهجُ الزبائنيّة السياسيّة، إلّا أنّ العجيب هو أن تطلّ برأسِها في وزارة من يدّعي مكافحة الهدرِ والفساد، فوزارةُ الطاقة والمياة تقع في المحظور من جديد، وهذه المرّة عبر خدمات انتخابيّة تلبيةً لرغبات حالمٍ بكرسيّ في مجلس النواب وحليفٍ انتخابي مفترَض».
وردّ أبي خليل على جعجع بقوله: «جواب واحد: لو تمَّ الأخذ بمطالبها غير المقبولة لكانت انتفَت الزبائنية».
تفاهُم مار مخايل
على صعيدٍ آخر، تُصادف اليوم الذكرى الثانية عشرة لتوقيع التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، بين الرئيس عون والأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، في كنيسة مار مخايل في الشياح. ولوحِظ في هذا الإطار صدور بيانٍ عن الحزب، من دون أن يصدر بيان مماثل عن «التيار».
حيث أعاد الحزب وصفَ التفاهم بـ«الحدث التاريخي» الذي «جَمع قلوبَ وعقول وإرادات فريقين كبيرين وأساسيَين من اللبنانيين كانت مفاعيله حاسمةً في تحقيق الأمن والسلم الأهلي والاستقرار السياسي، وهو لعبَ دوراً كبيراً في معالجة الكثير من القضايا الشائكة على المستوى المحلي، ليكونَ بذلك نموذجاً يُحتذى في بناء العلاقات بين القوى السياسية في لبنان.» وجدّد التزامَه التامّ بالتفاهم، مشدّداً على استمرار السير فيه وصولاً لتحقيق الأهداف الكبرى التي يَطمح إليها والنهوضِ بلبنان وأبنائه نحو مستقبلٍ أفضل».
عون
وقال النائب آلان عون لـ«الجمهورية»: «إنّ هذا التفاهم سَلك مساراً متدرّجاً من تفاهمٍ إلى تحالفٍ، بعدما مرّ بتجارب عدة قرَّبت بين الفريقين ووَطّدت العلاقة وزادت الثقة بينهما، وهو حقّقَ الكثير على المستوى السياسي كتمتينِ الاستقرار الداخلي وحماية السلم الأهلي في عزّ المواجهة الإقليمية بين معسكرَي ٨ و١٤ آذار، كما وإعادة إرساء شراكة حقيقية في البلد تُوّجت بوصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية.
ولولا صلابة هذا التفاهم لَما تمكّنا من تجاوزِ الكثير من المشاكل التي كان آخرَها بعضُ التداعيات الخطيرة للأزمة بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل». وعلى رغم تشكيكِ الكثيرين بها، فإنّ هذه العلاقة قابلة للاستمرار. فصحيح أنّها تتعرّض للاختبار أو لهزّات أحياناً، إنّما هي تختزن داخلها ما يكفي من إرادة وقناعة للمحافظة عليها».
أضاف عون: «في هذه الذكرى، يَختبر تفاهم مار مخايل مدى قدرته على الاستمرارية على مستويَين:
– الأوّل في ظلّ إطارٍ سياسيّ جديد لم يعُد فيه هذا التفاهم حصرياً بين «التيار» و«حزب الله»، فالتسوية الرئاسية شرّعت الأبواب على تفاهمات أخرى مع «المستقبل» و«القوات» وغيرِهم، وليس هدفها استبدال التفاهم مع «حزب الله» بل استكماله على المستوى الوطني.
– والثاني، هو في ظلّ تطوّراتٍ سياسية لم يعُد فيها التفاهم محصوراً بالاستراتيجيات والمواجهات الإقليمية، بل هو يواجه استحقاقاتٍ وشؤوناً داخلية وإدارةَ الدولة وممارسة السلطة مع كلّ ما تحمله من تناقضات وتباينات وتعقيدات وتشعّبات بين مختلف الأفرقاء».