ألقت الديبلوماسية الأميركية بثقلها في لبنان. بعد زيارة مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي بيروت، يومي 22 ـ 23 كانون الثاني الماضي. وصل أمس إليها مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد لمدة يومين. وقالت تقارير الصحف أنه جاء للتمهيد لزيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى لبنان. فما أهداف هذه الزيارات. مصادر مطلعة قالت إن النشاط الديبلوماسي الأميركي يتركز على أربعة ملفات : إرهاب القطاع المصرفي. الحدود الجنوبية. تلزيمات النفط. الإنتخابات النيابية. وأضافت إن ديبلوماسية واشنطن تدس أصابعها في هذه الملفات بسبب عجز "إسرائيل". فالأميركيون يمارسون سياسة التضييق على الإقتصاد اللبناني، ويدعمون محاولات "إسرائيل" لاكتساب مزايا تكتيكية واستراتيجية في البر والبحر ضد لبنان، بينما هم يحاولون تغيير التوازن السياسي الداخلي أو زيادة هشاشته.
اللواء
«غسيل قلوب» في بعبدا .. مواجهة الجدار الإسمنتي والتعدّي على البلوك 9
أزمة المرسوم عالقة وعقد إستثنائي لإقرار الموازنة.. وساترفيلد في بيروت
هل شكل اللقاء الرئاسي الثلاثي في قصر بعبدا «وقفة تضامنية» مع البلد وتحدياته، لا سيما الاعتداء الإسرائيلي براً وبحراً، على طول الخط الأزرق، وصولاً إلى بلوك 9 في البحر المتوسط، قبالة الناقورة؟
المعطيات المتوافرة لـ«اللواء» تؤكد هذا المنحى، وهذا ما فهم من الرئيس نبيه برّي امام زواره في عين التينة، عندما وضع للقاء بعبدا الثلاثي عشرة على عشرة.
بالطبع، بدا ان ضخّ كمية معقولة من التفاؤل، خير من الاقتصار على التوقع أو الانتظار، في ظل معطيات الحرب المستمرة في سوريا والتهديدات الإسرائيلية المتمادية سواء لجهة بناء الجدار الاسمنتي، تجاوزاً للقرار 1701 وانتهاكاً له، أو الادعاء الذي لا سند له بأن إسرائيل تملك البلوك 9 في البحر، والضغط على الشركات الدولية لعدم توقيع عقد استخراج الغاز والنفط من البحر اللبناني.
معلومات «اللواء» تحدثت عن مدخل للمعالجة يبدأ بوضع خطة دعي مجلس الدفاع الأعلى لوضعها اليوم، برئاسة الرئيس ميشال عون، على ان تسير بالاتجاهات الدبلوماسية والميدانية لمنع «اسرائيل من بناء الجدار الاسمنتي عند الحدود الجنوبية، والحؤول دون «التعدّي» على ثروات لبنان النفطية في المياه الإقليمية اللبنانية».
وكشفت المصادر ان الرؤساء الثلاثة على مدى ساعة ونصف «فضفضوا» بالكلام حول أزمة الأيام العشرة، والمخاطر التي كان من الممكن ان تترتب عليها.
ووصفت المصادر الجلسة الرئاسية بأنها كانت أشبه «بغسيل قلوب» من أجل طي الصفحة المؤلمة والانطلاق إلى الامام، «ووضع أطر معالجة» للملفات الخلافية، بدءاً من مرسوم الاقدمية والترقيات، حيث قالت المصادر لـ«اللواء» انه لم يتم التوصّل إلى مخرج مقبول من الرؤساء الثلاثة للمرسوم، من زاوية ان هناك اشكالاً دستورياً، بين مَنْ يرى ان المرسوم يحتاج إلى توقيع وزير المال، ومَنْ يرى ان لا حاجة لتوقيع الوزير.
وبالنسبة لفتح عقد استثنائي لمجلس النواب، قالت المصادر انه اتفق على صدور مرسوم بفتح عقد استثنائي لمناقشة وإقرار موازنة العام 2018.. لأنه لا يجوز بحال من الأحوال الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية..
واتفق الرؤساء الثلاثة على الحفاظ على الاستقرار العام في البلاد ليتمكن اللبنانيون من إنجاز الاستحقاق الانتخابي في أيّار المقبل، بهدوء ومن دون إشكالات ولا على أي مستوى.
وشكلت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد إلى بيت الوسط، حيث التقى الرئيس سعد الحريري بحضور السفيرة الأميركية مناسبة لعرض الوضع المتعلق بالتهديدات الإسرائيلية، لا سيما وان لبنان يتجه خلال الأيام القليلة المقبلة لتوقيع عقود مع ثلاث شركات دولية هي «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفاتك» الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9.
عشرة على عشرة
وإذا كان الرئيس برّي أعطى علامة عشرة على عشرة لنتائج، لقاء بعبدا، فهذا يعني ان اجتماع الرؤساء الثلاثة نجح في تظهير اتفاقهم على العمل داخل المؤسسات وطي الملفات الخلافية، ومواجهة التهديدات الإسرائيلية، بحسب ما جاء في بيانهم المكتوب والذي تمت صياغته بوضوح وضمن نقاط متفاهم عليها وبعناوين متشعبة ورئيسية.
وبحسب معلومات «اللواء»، فإنه في خلال الاجتماع الذي بدأ ثنائياً لمدة 20 دقيقة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، قبل ان ينضم إليه الرئيس الحريري، والذي استغرق أقل من ساعة ونصف الساعة، كان الرئيس عون يعرض الأفكار والرئيس برّي يتجاوب، فيما بدا الرئيس الحريري مهتماً بالتوافق، وفي الخلاصة، طويت أزمة الأيام العشرة مع رواسبها السابقة، ويتطلع الرؤساء حالياً إلى الاستحقاقات المقبلة، وإلى التعاون لاراحة البلد وإعطاء الأمل للمستقبل، الا ان ذلك يبقى مرهوناً بالايام والأسابيع والأشهر المقبلة، وبدا واضحاً ان الاجتماع ولّد أجواء ارتياح قبل موعد الانتخابات النيابية التي يرصدها المجتمع الدولي، كما انه يمهد الطريق لمعالجة ملفات عالقة أو لتحريك أخرى، وامام هذا التوافق لم يعد للفيديو المسرب لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أي مكان لا للنقاش ولا للعتاب.
وعلم ان المجتمعين استعرضوا مختلف المواقف الصادرة من الجانب الإسرائيلي التي توحي بنيات تصعيدية بحق لبنان، كما استعرضوا المعالجات التي تمت سابقاً لا سيما في موضوع ترسيم الحدود البحرية خلال زيارات لموفدين دوليين واميركيين في السنوات الماضية.
وقالت المصادر ان الرؤساء اجروا عرضاً تاريخياً لجميع النقاط المتعلقة بهاتين المسألتين وذلك في ضوء الملاحظات الصادرة عن مختلف الجهات، كما للمتابعة الأميركية له.
ولفتت إلى ان اتفاقاً برز على متابعة الاتصالات الدولية للمحافظة على حق لبنان في مياهه الدولية وعدم خسارة أي نقطة بترول، ولا سيما في اللقاءات التي ستجري اليوم مع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية السفير ديفيد ساترفيلد الذي وصل إلى بيروت أمس، والتقى مساءً الرئيس الحريري في إطار المهمة المكلف بها والتي تتعلق اساساً بالوضع على الحدود الجنوبية والبلوك النفطي رقم 9.
وكشفت المصادر ان الاتصالات سيقودها الرؤساء عون وبري والحريري بهدف المحافظة على الحقول اللبنانية، كذلك علم ان المجتمعين ركزوا على أهمية متابعة الاجتماعات مع الأمم المتحدة ولا سيما القوات الدولية لتأكيد موقف لبنان الرافض لأي تعدٍ على الأرض في موضوعي ترسيم الحدود والنقاط الـ13 المختلف عليها، في الخط الأزرق، مؤكدة ان هناك توجهاً لتفعيل الاتصالات السياسية والديبلوماسية دفاعاً عن موقف لبنان في وجه إسرائيل.
وقالت ان المجلس الأعلى للدفاع الذي يجتمع ظهر اليوم سيستمع إلى تقرير اللجنة العسكرية في الناقورة على ان يتخذ إجراءات ميدانية استكمالية.
اما بالنسبة إلى الملفات الخلافية، فقد كشفت المصادر نفسها ان موضوع مرسوم الاقدمية نال حيزاً وافراً من النقاش، بحيث استفاض كل من الرؤساء بعرض وجهة نظره. وفي الختام، برز تأكيد وتصميم على معالجته بشكل نهائي، وجرى التفاهم على ان تتم المعالجة على نحو يحفظ حقوق الضباط أي الاقدمية لضباط دورة العام 1994 التي أُعطيت لهم ويؤمن صدور مرسوم الترقيات من 1/1/2018، كما اعدته الأجهزة الأمنية المختصة، وعلم ان الرئيس عون قال ان ما يهمّه هو حقوق العسكريين، فجرى الاتفاق على هذه المعالجة.
وقالت ان الرؤساء تطرقوا إلى موضوع الموازنة، وجرى الاتفاق على الإسراع في عرضها على مجلس الوزراء واقرارها واحالتها الى مجلس النواب ودراستها من قبل اللجان المعنية لإنجازها إذا كان ممكناً قبل اجراء الانتخابات النيابية. وتمت خلال اللقاء الإشارة إلى خفض نسبة الـ20 في المائة التي تؤثر على الموازنة.
اما بالنسبة إلى الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، فقد كانت في صلب المحادثات الرئاسية، حيث جرى التداول بها في السياق العام من أجل إقرار الموازنة إذا تعذر الأمر في الدورة العادية للمجلس.
برّي
وحرص الرئيس برّي على وصف الاجتماع بعد انتهائه بأنه كان مثمراً، وان البيان الذي سيصدر لاحقاً سيعبر فعلاً عمّا حصل.
وأكد بري مساءً أمام زواره أنه مرتاح لاجتماع بعبدا «وأعطيه علامة عشرة على عشرة»، كاشفا أنه شدد خلال الاجتماع على ضرورة «الإسراع في إقرار الموازنة في الحكومة وتحويلها الى مجلس النواب لكي يبقى بالإمكان إقرارها من قبل المجلس الحالي».
وأوضح أن «الحكومة المقبلة قد يتأخر تشكيلها وهذا أمر طبيعي ولذلك يجب الإسراع في إقرار الموازنة كي لا نعود الى مسلسل التأخير في إقرار الموازنات»، لافتا إلى «أننا اتفقنا على التصدّي للتهديدات الإسرائيلية والحفاظ على حقوقنا وثروات لبنان في البرّ والبحر».
وكشف «أننا لم نتطرّق أثناء اللقاء في بعبدا لكلام وزير الخارجية جبران باسيل ولم أطلب أساساً اعتذاراً منه بل عليه أن يعتذر من اللبنانيّين لأنّ الإساءة كانت بحقّهم»، مشيرا الى أنه «حين حصل خطأ في الشارع من قبل مناصرين لـ «أمل» اعتذرت على الرغم من أنّني لم أكن على علم بما حصل والاعتذار ليس عيباً».
وأعلن أنه «تمّ الاتفاق على حلّ لمرسوم الأقدميّة يقضي بالاحتكام لما يقوله الدستور ولا خلاف على هذا الموضوع»، معتبرا أن «البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية كان معبّراً».
وشدد بري على «أننا سنذهب الى مجلس الوزراء الخميس لأنّنا أكدنا مراراً استمرار عمل المؤسسات الدستوريّة وسنتعاون مع الجميع من دون تراجع عن مواقفنا الثابتة»، مشيرا الى أن «العقدة الأكبر في التحالفات النيابية هي في الجبل ولكن هناك مساعٍ لحلّها».
الحريري
اما الرئيس الحريري فقد شدّد من جهته على ان الاجتماع كان مثمراً والنتائج إيجابية وكذلك الاجواء، وقال انه كان هناك شرح للمرحلة السابقة ولمسنا الانفتاح بين الجميع، والتعاون قائم بيننا من أجل مصلحة المواطن، كاشفاً ان «الامور إلى حلول حقيقية في كل الملفات، والتركيز على عمل الحكومة والتشريع والمؤتمرات الدولية القادمة».
ولاحقاً، ترأس الحريري اجتماعاً كتلة «المستقبل» النيابية في «بيت الوسط»، صدر في اعقابه بيان عبرت فيه الكتلة عن ارتياحها للاجتماع الثلاثي، ورأت فيه «خطوة في الاتجاه الصحيح لمعالجة التباينات السياسية وضبط إيقاع الحملات تحت سقف الحوار وعمل المؤسسات الدستورية ومع الالتزام الكامل باتفاق الطائف.
ونوهت الكتلة «بالأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع، وطوت مرحلة عابرة من التجاذب السياسي والاعلامي، وهو امر من شأنه ان يلقي بنتائجه الطيبة على عمل المؤسسات، ويسحب فتائل الاحتقان من الشارع».
مجلس الوزراء
واستناداً إلى المناخات الإيجابية التي عممها لقاء بعبدا، يفترض ان تتعزّز في محطتين جديدتين، قبل وبعد ظهر الجمعة المقبل، الأولى في القدّاس الاحتفالي بعيد مار مارون التي يرأسه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، والثانية في حفل توقيع عقود استخراج النفط مع رؤساء الشركات الثلاث في الثالثة والنصف بعد الظهر في «البيال» والمتوقع ان يحضره الرؤساء الثلاثة وأركان الدولة.
وكشفت مصادر نفطية لـ«اللواء» ان حفل «البيال» سيكون احتفالا بالقعود التي وقعت الاثنين الماضي من قبل الشركات الثلاث مع تقديم الكفالات، نافية كل ما تردّد عن سحب إحدى الشركات عروضها بعد تهديدات ليبرمان.
اما جلسة مجلس الوزراء غداً في بعبدا، فستكون بمثابة امتحان لما اتفق عليه في «لقاء بعبدا» لا سيما بالنسبة لما يتصل بالبند رقم 39 من جدول الأعمال الذي وزّع أمس على الوزراء، والذي يلحظ عرض وزارة الداخلية لموضوع البطاقة الممغنطة، لجهة تعليق مفعول نص المادة 84 في القانون الانتخابي ولمرة واحدة كي لا يُصار إلى الطعن بالانتخابات النيابية من جرّاء بقاء مفعول هذه المادة، بحسب ما تمّ الاتفاق على ذلك في لقاء الرؤساء الثلاثة.
واللافت ان تكتل «التغيير والاصلاح» رحب في اجتماعه أمس بما وصفه بـ «تفهم الأطراف السياسية بوجوب تعديل المادة المذكورة» كي لا نسجل تجاوز الحكومة لنص وجوبي». وفي حال أقرت الحكومة هذا الأمر في اجتماعها غداً، فإنه يفترض أن يكون ضمن مشروع قانون يرمي إلى تعليق مفعول المادة 84 في قانون الانتخاب، لمرة واحدة، ما يستلزم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، ابتداء من شباط ولغاية أول ثلاثاء يلي 15 آذار المقبل، موعد الدورة العادية الأولى، والتي تستمر حكماً حتى نهاية أيار، على اعتبار ان الدورة العادية الثانية انتهت مع نهاية السنة الماضية.
وقالت مصادر نيابية لـ«اللواء» انها لا تتوقع ان تثار في وجه هذه المسألة ما أثير في وجه محاولات تعديل مهلة تسجيل اقتراع المغتربين من حملات بلغت حدّ التهديد بوقف جلسات المجلس أمام إمكانية أي تعديل لقانون الانتخاب.
تجدر الإشارة إلى ان اليوم الثاني لفتح باب الترشيحات أقفل على عدم وجود أي مرشحين، فيما الملفت «القوات اللبنانية» عن ترشيح مستشار الدكتور سمير جعجع للشؤون الخارجية ايلي خوري عن المقعد الماروني في طرابلس، وأعلن النائب القومي السوري مروان فارس عزوفه عن الترشح عن المقعد الكاثوليكي في دائرة بعلبك- الهرمل.
البناء
تصعيد يطال بقذائفه دمشق… والجيش السوري يرفع وتيرة العمليات في الغوطة
تقدّم متواصل في جبهات إدلب… ومراوحة في جبهات عفرين
لقاء بعبدا فكّ الاشتباك بين العلاقات الرئاسية والأحزاب والطوائف
شهدت مدينة دمشق وأحياؤها للمرة الأولى منذ شهور تساقطاً لقذائف الهاون من مواقع المسلحين، سقط بعضها في منطقة المزة، وبعضها الآخر في أحياء القصّاع وباب توما ومخيم جرمانا، وسقط بنتيجتها شهداء وجرحى، فيما رفع الجيش السوري من وتيرة عملياته في منطقة الغوطة الشرقية التي تشكل آخر معاقل الجماعات المسلحة ومصدر القلق المتبقي على أمن العاصمة، بينما كان الجيش السوري وحلفاؤه يسجلون المزيد من التقدّم في جبهات أرياف إدلب وحماة وحلب عند محيط مطار أبو الضهور الذي كان تحريره من جبهة النصرة أبرز إنجازات الجيش السوري للشهر الماضي، استعداداً لتحرير سراقب هذا الشهر، كما تقول مصادر عسكرية متابعة في جبهات الشمال السوري، حيث يقابل النجاحات التي يسجلها الجيش السوري والحلفاء إخفاق تركي واضح في جبهة عفرين، التي تلقى فيها المسلحون الأكراد إمدادات بالرجال والسلاح والعتاد من مناطق خلفية مروراً بمناطق تحت سيطرة الجيش السوري وفقاً للاتهامات التركية، التي قالت إنّ جندياً تركياً قتل وأصيب خمسة آخرون برصاص الجيش السوري، في نقطة مراقبة، بينما قالت مصادر في جبهة حلفاء سورية إنّ الجيش السوري نشر شبكات دفاع جوي في المنطقة، في رسالة يبدو الهدف منها توفير المزيد من الدعم للأكراد في مواجهة الحرب التركية، بانتظار موقف كردي أشدّ وضوحاً بالتموضع تحت العباءة الوطنية للدولة السورية وخارج التبعية للقرار الأميركي كي ترفع الدولة السورية من مستوى انخراطها في المواجهة مع الأتراك، الذين لا تزال الحكومة السورية تصفهم بالتساوي مع الأميركيين كقوات احتلال.
لبنانياً، كانت الأنظار مشدودة نحو قصر بعبدا، حيث كان اللقاء الرئاسي الذي بدأ ثنائياً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، قبل أن ينضمّ إليه بعد ثلث ساعة رئيس الحكومة سعد الحريري ليستمرّ بعدها لأكثر من ساعة خرج بعدها الرئيس بري مشيراً إلى نتائج مثمرة، وتلاه الرئيس الحريري بالحديث عن حلول لكلّ المشاكل مبشراً بمرحلة جديدة، قبل أن يصدر البيان المشترك الذي ركز على التهديدات والمخاطر «الإسرائيلية» والعزم على مواجهتها، وتأكيد الحرص على الاستقرار والحفاظ على عمل المؤسسات الدستورية وانتظامها، ومناشدة القادة السياسيين الانتباه لما يُحيط بلبنان من مخاطر وإثبات الحرص على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
معلومات «البناء» تقول إنّ اللغة العامة للبيان كانت مقصودة لعدم إفساح المجال لتأويلات تجعل البيان مخالفة دستورية في الحلول مكان المؤسسات، سواء المجلس النيابي أو مجلس الوزراء، وإنّ مناقشة مستفيضة جرت حول كلّ ما شهده لبنان في الشهرين الماضيين منذ أزمة مرسوم الأقدمية، وإنّ الاتفاق الرئيسي كان على التمسك بإثبات القدرة على تسيير شؤون الدولة وفعالية مؤسساتها مهما كانت الخلافات والاجتهادات. وهذا يعني أنّ الرؤساء معنيون بفصل سلوكهم كرؤساء عن كونهم قادة تيارات سياسية وحزبية من جهة وزعماء لطوائفهم من جهة مقابلة. وهذا الفصل مستحيل ما لم يتمّ التشبّث بحلّ الخلافات الحزبية والطائفية عبر الحوار وتبريد كلّ توتر تثيره. وقالت مصادر متابعة لـ «البناء» إنّ قضية المرسوم العالق كقضية خلافية بين الرؤساء تمّ التفاهم على آلية لحلها ووضعها على السكة، بينما الخلافات الناتجة عن سجالات ومواقف بين الأحزاب، كما كان الحال مع كلام رئيس التيار الوطني الحر. فالرؤساء مجمعون على ضرورة تحييد صفاتهم الحزبية والطائفية عن مثل هذا الخلاف، من جهة، وعلى دعوة القيادات للتعامل مع مثل هذا الخلاف بمنطق السعي للتهدئة والانتباه لمخاطر تعريض الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وبذل جهود الرئاسات لضمان أن يلتزم المعنيون بهذه القواعد في إدارة خلافاتهم.
اللقاء الرئاسي طي صفحة خلاف
تمكّن اللقاء الرئاسي في بعبدا من طي صفحة الخلاف بين الرئاستين والتأسيس لمرحلة جديدة عنوانها حماية الاستقرار الأمني واستمرار عمل المؤسسات وتلزيم رئيس الحكومة سعد الحريري مهمة وضع آليات ومخارج حلول الخلافات.
وأشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» الى أن «اللقاء حقق أهدافه وتمكن من تبريد الأجواء على خط بعبدا عين التينة والاتفاق على الاحتكام الى المؤسسات لفض الخلافات وعلى تجاوز المرحلة السابقة وتحصين الوضع الداخلي في البلد والحؤول دون انتقال الخلافات السياسية الى حرب وصراع في الشارع»، لافتة الى ان «النقاش لم يتطرق الى كلام وزير الخارجية جبران باسيل في محرمش».
أما العناوين الخلافية، بحسب المصادر، فقد اتفق الرؤساء على أن يتكفل الحريري إيجاد المخارج المطلوبة في القضايا الخلافية لا سيما مراسيم الأقدمية ومجلس الخدمة المدنية. ولفتت المصادر إلى أن «اللقاء بدّد قلق اطراف أساسية في البلد من نيات الانقلاب على الطائف والميثاق بثنائيات جديدة من خلال تجديد الرئيس عون التزامه بالطائف بكل تفاصيله، وأنه لم يقصد إبعاد وزير المال عن توقيع مرسوم الأقدمية الانقلاب على الطائف».
وقال برّي، بحسب ما نقل عنه زواره لـ «البناء» إن وزراء حركة امل سيشاركون في جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس من منطلق تأكيد لقاء بعبدا على استمرار عمل المؤسسات وتفعيلها في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية، لافتاً الى انه شدّد خلال الاجتماع على ضرورة إقرار مشروع موازنة العام 2018 وإحالته الى المجلس النيابي تمهيداً لإقرار الموازنة، لا سيما اننا مقبلون على انتخابات نيابية في أيار المقبل ولا احد يعلم كم ستستغرق الحكومة المقبلة من وقت لتشكّل. وفي ما خصّ مرسوم الأقدمية، لفت إلى ان المعالجة ستكون بالاحتكام الى الدستور.
وقالت مصادر عسكرية ودستورية مطلعة على موقف الرئيس بري لـ «البناء» إنه «لم يتم الدخول في تفاصيل حل عقدة مرسوم الأقدمية»، لكنها ألمحت الى أن «اقتراح الرئيس بري الأخير دمج مرسومي الاقدمية والترقيات في مرسوم واحد هو المرجّح ويُعاد توقيعه ضمن التراتبية الدستورية، الوزير المختص فوزير المال فرئيس الحكومة ثم رئيس الجمهورية، وأوضحت المصادر أن «لا إشكالية دستورية ولا بروتوكولية في دمج المرسومين بمرسوم واحد وتذييله بالتواقيع الدستورية، لأن المطلوب ليس إعادة مرسوم الأقدمية من رئاسة الجمهورية الى وزير المال لتوقيعه بل الغاء المرسوم الحالي وإصدار مرسوم جديد»، ولفتت الى أن «ضم دورات العام 1995 و1996 جائز، لكنه ليس شرطاً لدى عين التينة».
وفي ختام لقاء بعبدا الثلاثي، أكد المجتمعون وجوب التزام وثيقة الوفاق الوطني التي ارتضاها اللبنانيون بهدف المحافظة على وحدتهم الوطنية وصيغة العيش الفريدة التي تميّزهم وعدم السماح لأي خلاف سياسي بأن يهدد السلم الاهلي والاستقرار الذي تنعم به البلاد، لا سيما أن لبنان مقبل على المشاركة في مؤتمرات دولية نظمت خصيصاً من أجل مساعدته على تعزيز قواه العسكرية والأمنية، والنهوض باقتصاده، وتمكينه من مواجهة التداعيات السلبية التي نتجت عن تدفق النازحين السوريين إلى أراضيه على الصعد الأمنية والاقتصادية والصحية والتربوية والاجتماعية.
كما اتفق المجتمعون بحسب بيان بعبدا، «على ضرورة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية كافة ولاسيما منها مجلسي النواب والوزراء، وتوفير المناخات السياسية والأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل في أجواء من الديمقراطية… وتدارسوا المعطيات المتوافرة حول أبعاد التهديدات الإسرائيلية، واتفقوا على الاستمرار في التحرك على مختلف المستويات الإقليمية والدولية، لمنع «اسرائيل» من بناء الجدار الاسمنتي داخل الحدود اللبنانية، ومن احتمال تعديها على الثروة النفطية والغازية في المياه الإقليمية اللبنانية، وذلك من خلال سلسلة اجراءات سوف تعرض على المجلس الأعلى للدفاع في اجتماع استثنائي يعقد قبل ظهر اليوم اليوم في بعبدا».
وعشية التئام المجلس الأعلى للدفاع حطّ نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي السفير دايفيد ساتيرفيلد الى لبنان، حيث التقى رئيس الحكومة سعد الحريري على أن يستكمل لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين بدءاً من وزير الخارجية اليوم للبحث في الوضع على الحدود الجنوبية وفي الادعاءات «الإسرائيلية» حيال البلوك النفطي رقم 9.
وفي سياق آخر، كلفت الحكومة الروسية وزارة الدفاع بإجراء مباحثات مع لبنان للتوصل إلى اتفاقية تعاون عسكري. وأشارت الحكومة الروسية الى انّ «أوجه التعاون العسكري مع لبنان تشمل تبادل المعلومات العسكرية والتعاون في مكافحة الإرهاب»، بحسب ما أفادت قناة «الميادين».
وفور انتهاء اجتماع بعبدا الرئاسي، توجّه النائب وائل ابو فاعور إلى عين التينة، حيث التقى الرئيس بري، موفداً من رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. وبعد الاجتماع، طمأن أبو فاعور الى «أننا طوينا مرحلة سوداء، كنا بغنى عنها وما حصل سابقاً أصبح خلفنا والأمور عادت الى المؤسسات». وقال «اعتقد اننا اليوم أزلنا فترة معتمة من يومياتنا السياسية».
أما تكتل التغيير والإصلاح فشدد على ان الوحدة الوطنية هي الحصن المنيع الذي يحمي الوطن وان الدولة تبقى الملاذ من رأس الهرم الى السلطات جميعها الى الجيش الذي هو العمود الفقري للدولة القوية.
ورأى بعد اجتماعه الاسبوعي في الذكرى الـ12 لتفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، أن يوماً بعد يوم يترسخ الاقتناع بأن العملاقين اللذين وقعا المذكرة استشرفا الضرورات الوطنية الكبرى التي اقتضت مثل هذا التفاهم، لافتاً الى ان مثل هذه التحالفات هي ركائز للعيش الواحد الذي هو عنوان الطائف العريض. وأكد الالتزام بالدولة القوية العادلة، آملاً أن يكون الحزب الحليف على مستوى الالتزام ذاته بقيام هذه الدولة. وكان لافتاً رفض تكتل التغيير والاصلاح رفضاً قاطعاً ما تعرّض له الوزير السابق الياس بو صعب، عضو التكتل والمجلس السياسي في التيار، لعدم صحته»، مؤكداً أن مثل هذه الإشكالات الداخلية تحلّ بالأطر النظامية وليس في الإعلام، أي إعلام كان. وأكد التكتل على ان التيار يمثّله رئيس التيار والتكتل يمثّله رئيس التكتل وليكن ذلك مفهوماً.
أمنياً توتر الوضع مساء أمس، في بلدة عرمون إثر الحادث الذي أدى الى سقوط جريحين هما جواد بو غنام ويامن ملاعب، على خلفية إشكال وقع بين شبان من آل ملاعب وأبو غنام من جهة وشبان من حزب الله من جهة أخرى. بيد أن الوضع عاد الى طبيعته مع تسليم حزب الله مطلق النار المواطن أبو فادي نائل للقوى الأمنية، وترافق ذلك مع تنفيذ الجيش اللبناني انتشاراً في المنطقة لحفظ الأمن.
الجمهورية
تحرُّك أميركي يُتوَّج بزيارة تيلرسون… ولقاء بعبدا يفتح باب الحلول
طوّقَ الرؤساء الثلاثة أمس الأزمة التي كانت سائدةً بينهم منذ أسابيع واتّفقوا على معالجات لها يُفترض أن تتبلور خلال أيام، وذلك على وقعِ حراكٍ ديبلوماسي أميركي في اتّجاه لبنان، بدأ بوصول مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد الذي استقبَله رئيس الحكومة سعد الحريري في «بيت الوسط» مساءً تُرافقه السفيرة الأميركية أليزابيث ريتشارد، وعرَض معه آخِر التطوّرات المحلية والإقليمية والعلاقاتِ الثنائية، على أن يلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسَ مجلس النواب نبيه بري. وعُلِم أنّ زيارته للبنان التي تأتي في خضمّ التهديدات النفطية الإسرائيلية وفي غمرة العقوبات الأميركية على «حزب الله»، ستدوم يومين. وكشَفت مصادر ديبلوماسية في واشنطن لـ«الجمهورية» أنّ وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون سيزور بيروت قريباً، وربّما مطلعَ الأسبوع المقبل، في إطار جولةٍ على المنطقة تشمل دوَلاً عربية وخليجية. وقالت إنّ تيلرسون يحمل ملفّاً كبيراً يتناول مختلف التطوّرات الجارية في المنطقة، وكذلك يتناول الوضعَ في لبنان والرعاية التي يَحظى بها في كلّ المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، فضلاً عن جديد الأزمة السورية وتردّداتها على دول الجوار السوري، ولا سيّما منها لبنان، وسُبل مساعدته في ملفّ النازحين السوريين وكِلفته المرتفعة. ولم تستبعِد المراجع الديبلوماسية أن تكون زيارة ساترفيلد تمهيداً لزيارة تيلرسون.
نجَح اللقاء الرئاسي في قصر بعبدا أمس في إعادة الحرارة إلى العلاقات بين الرئاسات الثلاثة بعد توتّرٍ سادها منذ مرحلة ما بعد عيد الاستقلال، فهدموا الجدار الذي فصَل بينهم وصوَّبوا سلاح الموقف في اتّجاه الجدار الإسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية.
وأولى ترجمات نتائج هذا اللقاء تمثّلت بالاجتماع الاستثنائي لمجلس الدفاع الأعلى اليوم في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية، وكذلك بدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد في قصر بعبدا أيضاً غداً لمناقشة جدول أعمال مِن 93 بنداً وُزِّع على الوزراء.
ونوَّه بري لدى خروجه من اللقاء بأجواء الجلسة «المثمِرة»، فيما أكّد الحريري الذي انضمَّ إلى عون وبري لاحقاً أنّ «النتائج إيجابية»، وقال: «كان هناك شرحٌ لكلّ المرحلة السابقة». مشيراً إلى أنّ «الاجتماع مثمِر، وسترون تعاوناً بيننا، وهناك انفتاح بين الجميع».
وعلمت «الجمهورية» أنّ اللقاء الرئاسي لم يتطرّق إلى «فيديو مِحمرش»، والأزمة بين بري وحركة «أمل» مِن جهة والوزير جبران باسيل و«التيار الوطني الحر» من جهة ثانية، وذلك بناءً على اتّفاقٍ ضمنيّ مسبَق بأن تأخذ معالجة هذه الأزمة مساراً مختلفاً وأن يجريَ فصلها عن علاقة الرؤساء بعضهم مع بعض.
وأكّد البيان الذي وزّعه مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بعد اللقاء أنّه تمّ الاتفاق على معالجة ما حصَل خلال الأيام العشرة الأخيرة «من خلال المؤسّسات الدستورية وفقاً للدستور والأنظمة والقوانين المرعية الإجراء»، وأكّد الرؤساء الثلاثة «وجوبَ التزام وثيقة الوفاق الوطني التي ارتضاها اللبنانيون بهدفِ المحافظة على وحدتِهم الوطنية وصيغة العيش الفريدة التي تُميّزهم، وعدم السماح لأيّ خلاف سياسي بأن يهدّد السِلم الأهلي والاستقرارَ الذي تنعَم به البلاد».
واتّفقوا «على ضرورة تفعيل عملِ المؤسسات الدستورية كافة، ولا سيّما منها مجلس النواب ومجلس الوزراء، وتوفير المناخات السياسية والأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل في أجواء من الديمقراطية» .
كذلك تمّ الاتفاق «على العمل لإقرار موازنة سنة 2018 في أسرع وقتٍ ممكن». وأهابوا بالقيادات اللبنانية كافّة «تجاوُزَ الخلافات والارتقاءَ في الأداء السياسي إلى مستوى عالٍ مِن المسؤولية الوطنية التي تفرضها دقّة المرحلة في ظلّ التحدّيات التي تواجه لبنان وتتطلّب وقفةً تضامنية واحدة تحمي وحدةَ اللبنانيين وسلامة الوطن».
وفي موضوع التهديدات الإسرائيلية، اتفقَ المجتمعون على الاستمرار في التحرّك على مختلف المستويات الإقليمية والدولية لمنع إسرائيل من بناء الجدار الإسمنتي داخل الحدود اللبنانية ومن احتمال تعدِّيها على الثروة النفطية والغازية في المياه الإقليمية الدولية، وستعرض سلسلةً مِن الإجراءات في هذا الشأن على المجلس الأعلى للدفاع اليوم.
صراحة وموَدّة
وعلمت «الجمهورية» أنّ اللقاء الذي ساده «جوّ ودّي» تخلّلته بعضُ الطرائف والكلام العام في مسائل شخصية و«قفشات» طريفة، دلّت إلى مدى الانسجام بين الرؤساء الثلاثة الذين كان الجامع المشترك في ما بينهم الحِرص على استقرار البلاد.
ووصَفت مصادر متابِعة أجواءَ اللقاء الرئاسي بـ«الجيّدة جداً»، وقالت لـ«الجمهورية»: «إنّ اللقاء كان عميقاً وصريحاً وسادته مودَّة كاملة. وعرَض المجتمعون لسلسلةِ مواضيع في سياق العرضِ السياسي، انطلقَ من التهديدات الإسرائيلية وضرورة مواجهتها، ومن ثمّ الملفات الداخلية».
وأضافت: «في الموضوع الأوّل، كان هناك تأكيد على ضرورة التنبُّه لنيّات إسرائيل بالتصعيد في لبنان. واستعرَض المجتمعون المعالجات السابقة وخصوصاً في موضوع ترسيم الحدود البحرية من خلال زيارات لموفدين دوليّين وأميركيين في السنوات الماضية.
وقد أجرى الرؤساء الثلاثة عرضاً تاريخياً شاملاً لهذه المسألة في ضوء الملاحظات الصادرة من مختلف الجهات، ولا سيّما الأميركية المتابعة له. وجرى الاتفاق على متابعة الاتصالات الدولية للمحافظة على حقّ لبنان بمياهه الإقليمية وعدم خسارة أيّ نقطة بترولية».
وكشَفت المصادر «أنّ الاتصالات سيقودها الرؤساء عون وبري والحريري بهدفِ المحافظة على الحقول النفطية اللبنانية». وركّز المجتمعون «على أهمّية متابعة الاجتماعات مع الأمم المتحدة والقوات الدولية لتأكيد موقف لبنان الرافض لأيّ تعَدٍّ في ملفَّي ترسيم الحدود والنقاط الـ 13 المختلَف عليها، مع توجّهٍ إلى تفعيل هذه الاتصالات السياسية والديبلوماسية». كذلك أشارت إلى أنّ المجلس الأعلى للدفاع سيتّخذ إجراءات ميدانية استكمالية.
وفي المواضيع الداخلية، كشَفت المصادر نفسُها أنّ مرسوم الأقدمية نال حيّزاً كبيراً من النقاش، بحيث عرَض كلّ طرفٍ وجهة نظره، وبَرز تأكيد وتصميم على نحوٍ يَحفظ حقوقَ الضبّاط، أي الأقدمية التي أعطِيَت لهم، ويؤمّن صدورَ مرسومِ الترقيات من 1/1/ 2018 كما أعدَّته الأجهزة الأمنية المختصة. وعلمت «الجمهورية» أنّ عون قال: «ما يَهمّني هو حقوق العسكريين»، مؤكّداً سيرَه بطرقِ المعالجة التي تمّ الاتفاق عليها.
كذلك تمّ الاتفاق على تعديل المادة المتعلقة بالبطاقة الممغنَطة في قانون الانتخاب لكي لا يُصار إلى الطعن لاحقاً. واتّفقَ أيضاً على الإسراع في إقرار الموازنة العامة وإحالتِها إلى مجلس النواب لإنجازها قبل انتخابات النيابية. وتطرّقَ المجتمعون إلى الدورة التشريعية الاستثنائية، وكان تفاهمٌ على ضرورة فتحِها لإنجاز الموازنة.
برّي
وسُئل بري عن جوّ اللقاء، فقال: «عشرة على عشرة». وأضاف أمام زوّاره أمس: «كان لقاءً إيجابيّاً جدّاً»، والبيان الصادر عنه «يعبّر تماماً عمّا دار فيه، وسترون الترجمة العملية لِما اتّفقنا عليه قريباً». وقال: «إتّفقنا على حلّ لمرسوم الأقدميّة يقضي بالاحتكام إلى ما ينصّ عليه الدستور». وأكّد أنّه «كان هناك إجماع على ذهابِ لبنان إلى مؤتمر روما، لأنّ الجيش معنيّ به، أمّا مؤتمر باريس فيجب أن يَخضع للنقاش وأن يَسلك طريقاً دستوريّاً».
وأضاف أنّه شدّد خلال اللقاء على «الإسراع في إقرار الموازنة العامة لسنة 2018 في الحكومة وإحالتِها إلى مجلس النواب لإقرارها تلافياً للعودة إلى مسلسل التأخير في إقرار الموازنات لأنّ الحكومة المقبلة المنتظَرة بعد الانتخابات قد يتأخّر تشكيلها، وهذا أمرٌ طبيعي».
وذكر برّي أنّ البحث خلال اللقاء لم يتطرّق إلى كلام الوزير جبران باسيل، وقال: في الأساس لم أطلب اعتذاراً منه، بل عليه أن يعتذرَ مِن اللبنانيّين لأنّ الإساءة كانت في حقّهم». وقال: حين حصَل خطأ في الشارع على يد مناصِرين لحركة «أمل» اعتذرتُ من اللبنانيين على الرغم من أنّني لم أكن على عِلم بما حصَل، والاعتذار ليس عيباً».
وأكّد «أنّ موضوع التهديدات الإسرائيليّة في ملفّ النفط نالَ القسط الأكبر من البحث، وعرَض كلٌّ منّا وجهة نظره، وقد دعا رئيس الجمهوريّة المجلسَ الأعلى للدفاع إلى الاجتماع غداً (اليوم) لهذه الغاية».
أبو فاعور
وكان النائب وائل أبو فاعور قد قال بعد زيارته بري موفَداً من النائب وليد جنبلاط: «أعتقد أنّنا اليوم قد تخلّصنا من فترةٍ معتمة من يومياتنا السياسية، وباشَرنا طريقَ العودة إلى جادة الصواب الدستوري والمؤسساتي». وأشار إلى أنّ «هناك قضايا تمّ الاتّفاق عليها وسيَرى المواطنون اللبنانيون نتائجَ هذه الاتفاقات في القريب العاجل على صعيدِ عملِ الدولة، وهناك قضايا أخرى ستكون محورَ نقاش».
«المستقبل»
ورأت كتلة «المستقبل» في الاجتماع الرئاسي «خطوة في الاتّجاه الصحيح لمعالجة التباينات السياسية وضبطِ إيقاع الحملات تحت سقفِ الحوار وعملِ المؤسسات الدستورية ومع الالتزام الكامل باتفاق الطائف».
وتوقّفت «عند الأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع، وطوَت مرحلةً عابرة من التجاذب السياسي والإعلامي، وهو أمرٌ مِن شأنه أن يلقيَ بنتائجه الطيّبة على عملِ المؤسسات، ويسحبَ فتائلَ الاحتقان من الشارع ويعزّزَ مسارَ الاستقرار المطلوب، ويفتحَ الآفاق أمام مواصلة الجهد القائم لنجاح المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان».
مجلس وزراء
وفي هذه الأجواء، وبعد عطلةٍ قسرية لثلاثة أسابيع، يعاود مجلسُ الوزراء جلساته، فيجتمع قبل ظهرغدٍ بجدول أعمال من 93 بنداً معظمُها عاديّ وروتيني. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ المجلس سيُصدر موقفاً إزاء ملفَّي الجدار الإسرائيلي على الحدود والادّعاء بملكية البلوك 9 ، وسيؤكّد أنّه مِن ضِمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وليس في المنطقة البحرية الإسرائيلية.
وأبرز ما سيتناوله المجلس تجميدُ العمل في المادة 84 من قانون الانتخاب والتي تتحدّث عن إلزامية اعتماد البطاقة الممغنطة في قانون الانتخاب الجديد منعاً لأيّ طعنٍ دستوري يمكن أن يتقدّم به أيّ متضرّر في الانتخابات النيابية المقبلة.
وعلى جدول الأعمال أيضاً قضايا أخرى إدارية وماليّة، منها إعادةُ العمل بالقاعدة الإثني عشرية لصرفِ حاجات بعض الوزارات والمؤسسات العامة في انتظار إقرار الموازنة العامة للسنةِ الجارية، ومشروع وزارة الأشغال لتوسعةِ مطار بيروت الدولي بكلفة 200 مليون دولار.
إضراب المعلّمين
من جهةٍ ثانية يُواصل أساتذةُ التعليم الخاص إضرابَهم اليوم في مكاتب النقابة في المحافظات كافة، بعدما اعتصَموا أمس أمام وزارة التربية والتعليم العالي، والتقى وفدٌ منهم برئاسة رودولف عبّود الوزيرَ مروان حمادة الذي شدّد بَعد اللقاء على أهمّية عقدِ جلسةٍ استثنائية تربوية لمجلس الوزراء، قائلاً: «منذ أشهرٍ عدة، أصِرُّ على هذه الجلسة ولا توجد آذانٌ صاغية حتى اليوم»، مشيراً إلى أنّ «المهمّ في النتيجة أنّ القانون سيطبَّق مع الدرجات السِتّ… الوزارة خاضَت معركةً وحصلت عليه».
من جهته، قال عبّود لـ«الجمهورية»: «سنواصل إضرابَنا لليوم الثالث على التوالي (اليوم) وأكّدنا لمعاليه أنّنا لسنا ضدّ مشروع قانون فقط للرفض، إنّما هو رفضٌ في المطلق لأيّ محاولةِ مَساسٍ بالقانون 46». (تفاصيل ص.9).
الأخبار
تيلرسون في بيروت: عين واشنطن على الانتخابات
… ويلاحق حزب الله في أميركا اللاتينية
شرعية عون التمثيلية تعزّزها نصائح النأي بالنفس
في وقت أرسى لقاء الرؤساء الثلاثة في بعبدا أمس جوّاً من الاستقرار السياسي بعد التوتر في الأيام الماضية، يزور لبنان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وعلى جدول أعماله البحث في الانتخابات النيابية المقبلة. ويسبق زيارة تيلرسون وصول مساعده ديفيد ساترفيلد إلى بيروت أمس، في زيارة مقرّرة سابقاً.
علمت «الأخبار» أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون سيصل إلى بيروت منتصف هذا الشهر في زيارة تستمر يوماً واحداً، يلتقي خلالها الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية جبران باسيل. إلا أن زيارة تيليرسون لن يكون جدول أعمالها متصلاً بزيارة نائب مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد الذي وصل أمس إلى بيروت، ومن المقرر أن يلتقي رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري وقيادات سياسية وأمنية معنية بملف زيارته المقررة منذ مطلع هذه السنة إلى بيروت.
وتأتي زيارة تيلرسون لبيروت في سياق جولة إقليمية تشمل مصر والأردن وتركيا، إضافة إلى المشاركة في الاجتماع الوزاري لـ«التحالف الدولي ضد الإرهاب» المقرر عقده في العاصمة الكويتية في 13 من شباط الحالي.
واللافت للانتباه في زيارة تيلرسون، بحسب أوساط ديبلوماسية غربية في بيروت، أنها ستركز على الاستحقاق النيابي المقرر في أيار المقبل، من دون أن تجزم بما إذا كان سيؤكد على الموقف التقليدي لبلاده على إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري. وقالت الأوساط نفسها إن الملفات الإقليمية ستكون جزءاً من جدول أعمال تيلرسون، فضلاً عن متابعة المواضيع التي تمت مناقشتها خلال آخر زيارة قام بها الحريري إلى العاصمة الأميركية، بالإضافة إلى التحضيرات لمؤتمرات باريس وبروكسل وروما.
وفي ما يخصّ زيارة ساترفيلد، قالت الأوساط نفسها لـ«الأخبار» إن المسؤول الأميركي سيركز في محادثاته على قضية ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، وصولاً إلى محاولة احتواء مناخات التوتر التي تصاعدت مؤخراً بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي على خلفية إقدام قوات الاحتلال على بناء جدار بين لبنان وفلسطين المحتلة، فضلاً عن تهديدات وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، التي تناولت البلوك النفطي رقم 9.
وتتزامن زيارة ساترفيلد مع التئام متأخر للمجلس الأعلى للدفاع لمناقشة قضية الجدار الإسمنتي، بعدما كان مقرراً أن يُعقد قبل نهاية كانون الثاني المنصرم. لكن حال دون ذلك الخلاف الذي اندلع حول مرسوم الأقدمية وتسريب كلام وزير الخارجية جبران باسيل المسيء بحق رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ومن المقرر أن يطلع المجتمعون في اجتماع بعبدا، الذي سيترأسه رئيس الجمهورية، على نتائج الاجتماعات الثلاثية في الناقورة، خصوصاً في ضوء المهمة التي أوكلت رئاسة الجمهورية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بها، لمتابعة قضية الجدار الإسمنتي العازل.
وكان موضوعا الجدار والبلوك 9 أمس محور مناقشة في الاجتماع الثلاثي الذي عقد في القصر الجمهوري وشارك فيه الرؤساء الثلاثة. وأشاعت أوساط المجتمعين أجواءً إيجابية، قائلة إن الاجتماع سادته أجواء من المودة والحوار البنّاء، وتم خلاله التوصل إلى صيغة «تضمن معالجة موضوع مرسوم الأقدمية بما يحفظ حقوق ضباط دورة 1994، ويُسهّل في الوقت نفسه صدور مرسوم الترقيات للأسلاك العسكرية». وأشارت إلى أنّ من المُفترض أن تظهر النتائج الإيجابية للاتفاق في الأيام القليلة المُقبلة.
واتفق عون وبرّي والحريري على تعديل المادة 84 في القانون الانتخابي، المُتعلقة بالبطاقة الممغنطة (ولو أنها لن تستخدم في انتخابات 2018)، وذلك من أجل نزع أي إمكانية للطعن فيها مُستقبلاً. وعلى رغم اقتناع برّي بعدم وجود حاجة لتعديل المادة، إلا أنّه لن يُخالف الإجماع على تعديلها.
وأكد المجتمعون ضرورة الاسراع في إقرار مشروع موازنة 2018 قبل نهاية ولاية المجلس الحالي وتحريك بعض مشاريع القوانين العالقة والمحالة على اللجان في مجلس النواب.
كذلك تمت مناقشة استحقاق المؤتمرات الدولية التي ستعقد في العواصم الفرنسية والبلجيكية والإيطالية في الأسابيع المقبلة. وجرى الاتفاق على السير بمؤتمر روما 2، فيما يتمّ عرض مؤتمر باريس 4 على مجلس الوزراء، ومن ثمّ على مجلس النواب، لاستصدار القوانين اللازمة بهذا الشأن.
ووفق معلومات المطّلعين على اجتماع بعبدا، فإن المناقشات لم تتطرق إلى مواقف وزير الخارجية الأخيرة، وتمحور معظمها على قضيتي الجدار والبلوك 9، حيث قدم بري مطالعة عرض فيها لمسار المفاوضات اللبنانية ــ الأميركية، منذ أن تولى الموفد الأميركي فريدريك هوف ملف ترسيم الحدود البحرية، وصولاً إلى يومنا هذا، مشددين على أهمية أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤولياتها في منع أيّ تعدّ إسرائيلي على الحقوق اللبنانية. وتم التفاهم على إجراءات سيتخذها المجلس الأعلى للدفاع.
من جهته، أكّد برّي أمام زوّاره أمس أن «تقييم الاجتماع هو عشرة على عشرة»، مشيراً إلى أن وجهات النظر حول مسألة البلوك 9 والجدار كانت متطابقة. وسئل برّي إن كان جرى التطرّق خلال اللقاء إلى كلام باسيل، فأكّد أنه لم يتطرّق إلى الأمر أبداً، مكرّراً قوله «أنا لم أطلب من باسيل الاعتذار مني بل من الشعب اللبناني»، وأضاف أن باسيل «هو وزير خارجية وصورته أمام الدول الأخرى مهمة لكل اللبنانيين، ولا يجوز أن تهتزّ هذه الصورة في الداخل». وبحسب البيان الذي صدر عن المجتمعين، فإن الرؤساء الثلاثة «اتفقوا على معالجة ما شهدته الساحة اللبنانية من أحداث خلال الايام العشرة الماضية وأسبابها، وتم الاتفاق على معالجة ما حصل من خلال المؤسسات الدستورية وفقاً للدستور والانظمة والقوانين المرعية الاجراء، والتزام وثيقة الوفاق الوطني، وعدم السماح لأي خلاف سياسي بأن يهدد السلم الاهلي والاستقرار الذي تنعم به البلاد».
على صعيد آخر، صدر في الجريدة الرسمية أمس مرسوم إنشاء لجان القيد القضائية التي تتولى إدارة جزء أساسي من الانتخابات النيابية، لجهة فرز أصوات المقترعين في كل دائرة من الدوائر الـ15، وإبلاغ النتائج بعد المصادقة عليها إلى وزارة الداخلية. وتضم كل لجنة قاضيين ومفتشاً، إضافة إلى مقرّر.
… ويلاحق حزب الله في أميركا اللاتينية
في تصريح لافت يشير إلى أحد المساعي الأميركية الخفية في ما يبدو حرباً جديدة «لمكافحة المخدرات»، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في مؤتمره الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الأرجنتيني خورخي فوري: «بالنسبة إلى حزب الله، فقد تناولنا في مناقشاتنا (الأحد الماضي) جميع الأسباب التي تدعونا إلى العمل معاً على كيفية ملاحقة هذه المنظمات الإجرامية ــ العابرة للأوطان ــ التي تعمل بالاتجار بالمخدرات، والبشر، والتهريب، وغسل الأموال، لأننا نرى أنّها مرتبطة بمنظمات تمويل الإرهاب.
وناقشنا بالتحديد وجود حزب الله اللبناني في هذا النصف من الكرة الأرضية، الذي من الواضح أنه يجمع الأموال لدعم أنشطته الإرهابية. لذلك، فهو أمر نتفق معاً على ضرورة التصدي له والقضاء عليه». ويأتي حشر «حزب الله» في هذا السياق ليشير إلى الحملة الأميركية المستمرة على المقاومة، تحت عناوين شتى، بينها «تثبيت» الربط بين المقاومة والاتجار بالمخدرات.
شرعية عون التمثيلية تعزّزها نصائح النأي بالنفس
لا تزال أصداء خطوات وزير الخارجية جبران باسيل وعباراته تثير أسئلة حولها. لكن الكلام ليس معزولاً عن نصائح للعهد، الذي يكاد يكون شعاره النأي بالنفس داخلياً، بعدما اعتمده خارجياً (مقال هيام القصيفي).
لم يطوِ اللقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري أسباب الخلاف بين الطرفين، وليس المقصود هنا مرسوم الاقدمية. ففي وقت كثرت فيه عبارات ملتبسة لوزير الخارجية جبران باسيل، وتعددت اتجاهاتها، لم يعد ممكناً القفز فوقها على قاعدة أنها فقط أخطاء في التعبير. لذا بدأ البحث الجدي عمّا هو خلف هذه المواقف التي ظهرت وكأنها غير مقصودة، في حين تضاعفت شكوك أطراف سياسيين حول حقيقتها.
ثمة كلام سياسي جدي حول نصائح أسديت قبل مدة للعهد وللتيار الوطني الحر خصوصاً بضرورة الابتعاد عن قوى 8 آذار عموماً وحزب الله، بصورة تدريجية. لا يعني ذلك أن التيار مقبل على الانفصال عن تفاهمه مع الحزب أو أن رئيس الجمهورية سيشنّ حرباً عليه. لكن مسار الأداء السياسي للعهد والتيار يظهر منسجماً مع هذه النصائح الدولية والاقليمية، التي صبّت في اتجاه الابتعاد عن المحور الذي قد يتسبّب لهما، وخصوصاً للتيار الذي يرسم مستقبله السياسي بخطوات تصاعدية، في مشكلات إقليمية ودولية.
لم يكن سهلاً التعامل مع هذه النصائح بين ليلة واخرى، خصوصاً بعدما وقعت أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري وتبعاتها مع السعودية. لكن الاقتناع بالنأي بالنفس بمعناه الاقليمي والدولي قد يكون أصبح حقيقة واضحة للتيار والعهد، وشعاراً يحاول باسيل التماهي معه، في أكثر من نقطة، الأمر الذي يجعل مراجعة مواقفه في ضوء هذا الكلام ضرورية، لأنها حينها تعطي منحى آخر.
يمكن قراءة مسار العهد وتياره في ضوء هذه النصائح من خلال أمرين؛ أولاً، العقوبات على حزب الله، والمنحى التصاعدي الذي من المتوقع أن تتخذه في ظل كلام عن إعادة تنشيط حملة أميركية ــ دولية ضده. والعقوبات لن تكون محصورة بعدد من الإجراءات المصرفية التي يمكن للحزب أن يتحايل عليها بالتنسيق مع القطاع المصرفي، وبعض المسؤولين عنه، أو من خلال زيارات لبنانية محدودة الأهمية الى واشنطن، بل المقصود تضييق الخناق على الحزب فعلياً، في إطار قصّ أجنحته الاقليمية. وعلى هذا الاساس أُلحقت النصائح الغربية بضرورة «النأي الجدي بالنفس»، عن كل مشكلات المنطقة، سواء تلك التي للحزب دور فيها مباشرة أو غير مباشرة. وهذا النأي ينسحب حتى على الداخل اللبناني بحيث يحيّد العهد نفسه عن كل ما يلحق الأذى باستقرار الوضع الداخلي لأسباب اقليمية، أو داخلية بحت.
ثانياً، من خلال إعادة رسم مسار الاشهر الاخيرة، يمكن تلمس أهمية الخلفية التي أتى منها رئيس الجمهورية ميشال عون، وحجم التمثيل الذي يعطيه شرعية أي موقف يتخذه. والمقارنة بين الرئيس الحالي بصفته التمثيلية وتلك التي كان يتمتع بها الرئيس السابق ميشال سليمان، حين تحدث عن «ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة بالمعادلة الخشبية»، تؤدي الى فهم الإطار الذي يحمي عون وباسيل، بشرعيتهما «المسيحية»، في خوض أي معركة داخلية أو خارجية، عكس ما كان عليه وضع سليمان. فما قاله باسيل علناً أو يقوله بعض من في الحكم همساً، لم يكن ليمر لو لم يكن قائله هو باسيل نفسه، الذي سبق أن أشاد به علانية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بنفسه، ولو لم يكن باسيل هو الذي يمثل أكبر حزب مسيحي، مهما كانت النظرة «الشخصية» اليه. وليس من السهل التعامل مع رئيس للجمهورية ووزير للخارجية، في قضيتين حساستين، كما حصل أخيراً، من دون النظر الى مكانتيهما وما يمثلان. لذا يفهم أسلوب ردّ الفعل السياسي عليهما، من جانب حزب الله، وأيضاً بمكان ما بري، بروية وبتأنّ، لأن أي تصرف ملتبس كان سيقلب الواقع الحالي في شكل جدي. فبقدر أهمية هذا الغطاء التمثيلي، الذي بفضله يستطيع الرجلان أن يقفزا فوق محظورات كثيرة محلية وإقليمية، تكمن قوة الإحراج الذي يمكن أن يتسبّب فيه للأطراف السياسيين الآخرين من أصدقاء وخصوم على السواء، لا سيما في مرحلة حساسة إقليمياً يحتاج فيها الحزب الى حماية داخلية. وهذه الحماية يفترض أن تأتيه من العهد، في عزّ التجاذب بينه وبين الحريري حول قضايا متشابكة.
وفق ما سبق، بدأت دائرة الحديث تكبر جدياً عن إمكان تغيّر المشهد الانتخابي. فمن تحالف خماسي قبل أشهر، الى احتمالات معكوسة، لا تستبعد إمكان تشكيل التيار الوطني الحر تحالفات مع المستقبل والقوات اللبنانية، في إنتاج جديد لمشهد التحالفات التي جرت قبل انتخابات عام 2005. والحوارات الانتخابية في هذا المجال تسير نحو تقاطعات من هذا النوع قبل أن تتبلور نهائياً في الاسابيع المقبلة، خصوصاً في ضوء رغبة السعودية في تجميع القوى المناهضة لحزب الله في تحالف واحد. وقد يكون تقارب التيار والمستقبل والقوات يصبّ في هذا الإطار غير المعلن، فيسعى مجدداً الى تعزيز وضعيته وموقعه التمثيلي، بما يحصّنه مستقبلاً، علماً بأن عون نفسه كان يرفض، في عزّ علاقته مع حزب الله، أن يقول عن التيار إنه من قوى 8 آذار، بل كان يصرّ دائماً على التمييز بأن التيار حليف لقوى 8 آذار.