دخل الرئيس نجيب ميقاتي على خط "الحقوق الوزارية" للرئيسين ميشال عون وسعد الحريري. وبدا ميقاتي وكأنه مسانداً للأخير، في مواجهة إصرار بعبدا ـ الرابية على فصل حصصهما في الحكومة الجديدة. وتتحدث بعض التقارير الصحفية عن "ضعف" الرئيس المكلف تجاه الحجم الوزاري الذي تطالب به كتلة حزب "االقوات" [الذي يرأسه العميل “الإسرائيلي” السابق] سمير جعجع، وأشارت إلى "ضغط خارجي" على الحريري لعدم استبعاد هذه الكتلة من التشكيل الحكومي، كما يخطط الوزير جبران باسيل …
اللواء
بعبدا تستعجل التأليف.. والحملة مستمرة على «القوّات»
الحريري إلى السعودية والرياض تنفي رواية ماكرون.. والتيّار يدافع عن دستورية الحصة الرئاسية
بقي الرئيس المكلف سعد الحريري على تفاؤله، بعد مرور 24 ساعة على اختتام الاستشارات النيابية غير الملزمة لتأليف الحكومة، وهو وصفها، بعد زيارة قام بها إلى قصر بعبدا، حيث التقى الرئيس ميشال عون «الاجواء بالإيجابية» آملا ان تؤلف الحكومة سريعاً.
ولليوم الثاني على التوالي، بقيت حصة رئيس الجمهورية موضع جدل سياسي في البلاد، على الرغم من ان التيار الوطني الحر، ينطلق من ان هذه الحصة مسلمة دستورية، وهو ما أشار إليه النائب إبراهيم كنعان من ان هذه الحصة «مبتوتة دستورياً وغير قابلة للنقاش».
وإذا كان الرئيس المكلف لا يرى ضيراً من حصة لرئيس الجمهورية، بعد زيارة بعبدا، وتأكيده انه من حق الرئيس تسمية وزراء، وهو حق محفوظ، فإن مصادر المعلومات تحدثت عن وضع تُصوّر اولي للحكومة لجهة العدد (24- 30 وزيراً) أو لجهة التمثيل، حيث ان الأولوية للكتل الكبرى، من زاوية الاقتداء بالنموذج الذي أدى إلى تأليف حكومة تصريف الأعمال، على ان لا يتجاوز الوقت سقف الأسبوعين.
وقالت المصادر أن سفر الرئيس الحريري إلى المملكة العربية السعودية في زيارة عائلية، قد يلتقي خلالها، القيادة السعودية، ستستمر لايام، على ان يعود إلى بيروت الأحد لرعاية افطار مركزي لتيار «المستقبل» في البيال.
تُصوّر الحريري
وعلى الرغم من ان الرئيس المكلف أكّد بعدما وضع رئيس الجمهورية ميشال عون في أجواء الاستشارات النيابية التي أجراها أمس الأوّل، وكذلك امام نواب كتلة «المستقبل» في أوّل اجتماع لهم أمس برئاسته، بأن لديه تصوراً بتشكيل حكومته الجديدة لكنه ما يزال قابلا للبحث، نفت مصادر مطلعة لـ «اللواء» ان يكون الحريري قد حمل معه إلى بعبدا أي مسودة أو تُصوّر اولي يتعلق بالتشكيلة الحكومية العتيدة، مع انه كان متفائلاً، وهذا التفاؤل انسحب بدوره على الرئيس عون الذي شدّد بحسب زواره، على وجوب عدم استبعاد أي مكون سياسي ممثّل في المجلس النيابي.
وأوضحت المصادر ان الرئيسين عون والحريري تداولا في معايير الوزارة الجديدة، وفهم في هذا المجال ان الحكومة الموسعة التي يحكى عنها ستضم بين 24 و30 وزيراً، وهو ما يرغب به الرئيس الحريري، في حين ان الرئيس عون يميل إلى تمثيل الطائفتين العلوية والسريانية، ولو أدى ذلك إلى رفع عدد الوزراء إلى 32 وزيراً، بحسب ما أبلغ النائبين مصطفى علي حسين وعلي درويش اللذين زاراه أمس، لكن الرئيس الحريري لا يبدو انه سيسير بهذا الطرح.
وكان الرئيس الحريري قد بكر بالصعود إلى بعبدا لوضع الرئيس عون في أجواء استشاراته النيابية، نظرا لارتباطه بافطار دار الأيتام الإسلامية غروباً في «البيال»، ومن ثم السفر إلى المملكة العربية السعودية في زيارة عائلية، مكرراً تفاؤله بأن يتم تشكيل الحكومة بشكل سريع جداً، لافتا إلى ان الرئيس عون أبدى تعاوناً كبيراً، وانه اتفق معه على جوجلة كل الأفكار والمعايير المطروحة، ومنها شكل الحكومة وموضوع المداورة في الحقائب السيادية، لاستخلاص أفضل طريقة لتشكيل الحكومة، مشيرا إلى ان الجميع حريص على التمثيل فيها، وانه حريص بدوره على الوفاق في الحكومة، كما حصل في الحكومة السابقة.
ورداً على سؤال نفى الحريري ان يكون قد عرض تصوره الأوّلي لشكل الحكومة، وإنما كان الحديث حول الأفكار فقط، متمنيا ان يتم تشكيل الحكومة البارحة قبل اليوم.
حصة الرئيسين
ولفت الانتباه، في سياق الرد على أسئلة الصحافيين تأكيد الحريري على وجود حصة لرئيس الحكومة، فاصلا بدوره بين حصته كرئيس الحكومة وحصة تيّار «المستقبل» الذي هو «تيار لا يُمكن لأحد ان يشكك بوجوده»، على حدّ قوله، مع انه أجاب رداً على سؤال آخر انه لا يدري ما إذا كان التيار سيحصل على ستة مقاعد وزارية أو أقل.
وجاءت إشارة الحريري إلى حصة رئيس الحكومة، وسط الحديث المتصاعد عن حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، وفصلها عن حصة «تكتل لبنان القوي»، الذي هو ايضا تكتل رئيس الجمهورية.
وفي هذا السياق، حرص زوّار الرئيس عون على التأكيد بأن من حق الرئيس ان يكون له وزراء يمثلونه في الحكومة وحضور في السلطة التنفيذية كونه الوحيد الذي يقسم اليمين على صون الدستور والبلاد، في حين شدّد أمين سر تكتل «لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان بعد اجتماعه الأسبوعي برئاسة الوزير جبران، على ان «حصة رئيس الجمهورية في الحكومة محسومة، وهي غير خاضعة للنقاش»، وقال: «لا أحد يقدر ان يناقش فيها، لأنه أمر مبتوت ومحسوم ان كان على صعيد القانون أو على صعيد الممارسة».
الا ان الرئيس نجيب ميقاتي، أعلن صراحة مساء أمس عبر «تويتر» معارضته للحصة الوزارية لرئيس الجمهورية، معتبرا انها «تكريس لاعراف جديدة لا طائل منها»، وإلا فنحن نؤيد ما قاله الرئيس المكلف عن حصة مماثلة لرئيس الحكومة.
وركز النائب كنعان على ان «تأليف الحكومة من صلاحية رئيس الجمهورية والرئيس المكلف والانتخابات النيابية 2018 هي الأساس لتحديد الاحجام والارتكاز عليها للتأليف، ولفت إلى ان التكتل يأمل ويتمنى، ويطالب من الجميع تسهيل عملية تأليف الحكومة وسنقدم كل ما يلزم لمصلحة العهد ولبنان وجميع المواطنين».
وأوضح عضو التكتل النائب ماريو عون لـ «اللواء» ان التكتل يتمنى تمثيل الطوائف الصغرى في الحكومة، متمنياً ان يأخذ الرئيس الحريري هذا الأمر بالاعتبار، لافتا إلى ان ملف تشكيل الحكومة انطلق، مبديا تفاؤله بقرب التشكيل، وأعلن من جهة ثانية، ان التكتل لم يناقش الملف الحكومي، وتناول فقط مسألة الخلوة التي يعقدها التكتل الثلاثاء المقبل في زحلة والتي ستشمل جميع المواضيع الاقتصادية والإنمائية.
كتلة «المستقبل»
اما كتلة «المستقبل» النيابية، فقد رحّبت بتكليف الرئيس الحريري لتأليف الحكومة، مشيرة إلى ان التحديات تستوجب الإسراع في تشكيلها وعدم إضاعة الوقت في أي تجاذبات.
وقالت مصادر نيابية داخل الكتلة، لـ«اللواء» انه من المتوقع ان يعكف الرئيس الحريري في الأيام المقبلة، على بحث ودراسة كافة الخيارات المتاحة امامه، ولجوجلة كل الأفكار والآراء التي استمع إليها خلال مشاوراته مع الكتل النيابية من أجل ان يبني على الشيء مقتضاه.
ولفتت إلى ان إعلان الكتل عن استعدادها لتسهيل ولادة الحكومة، لا يكفي وحده، بل المهم ان تصدق النيّات وتتنازل الأطراف عن المطالب التي قد تكون ربما مستعصية من حيث الحقائب والاعداد التي طالبت بها، والتفكير واقعيا بما هو متاح لنجاح عملية التأليف.
ونقلت المصادر عن الحريري تفاؤله بإمكانية الوصول إلى حلول لكل الأمور، وان لا تطول مرحلة التكليف، واعتبرت ان تفاؤل الحريري يأتي من منطلق معرفته بأن لا مصلحة لأحد المناورة وتضييع الوقت الذي تحتاجه الحكومة المقبلة من أجل إنجاز الكثير من الاستحقاقات المنتظرة سياسياً واقتصادياً ومالياً، خصوصا وان هناك التزامات دولية واضحة على لبنان تنفيذها بحرفيتها في أقرب وقت ممكن.
ورفضت المصادر النيابية الخوض بالحصص والأسماء على اعتبار ان الوقت ما زال باكرا، معتبرة ان كل ما يصدر هو مجرّد تكهنات وتأويلات، فالموضوع لا زال في بدايته، وهو يحتاج بطبيعة الحال إلى تشاور ولقاءات واتصالات بين كافة الفرقاء السياسيين، وتذكر المصادر نفسها ان التكليف لم يمر عليه أسبوع بعد، وبطبيعة الحال هناك تُصوّر ما وصفه الرئيس الحريري لحكومته المقبلة لكنه قابل للبحث.
افطار «دار الأيتام الاسلامية»
وحرص الرئيس الحريري، في افطار «دار الأيتام الاسلامية» بمشاركة رؤساء الحكومة السابقين ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وممثلين عن المرجعيات الروحية الإسلامية والمسيحية، على الدخول مباشرة في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة، مشيرا إلى التحديات الكبيرة داخلياً وخارجياً التي تستوجب الإسراع في تشكيلها، ومنها خارجياً: التصعيد الإقليمي الجاري عسكريا فوق مسرح العمليات السوري، وسياسيا في فلسطين المحتلة بعد الخطوة المرفوضة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واستراتيجياً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
اما داخلياً، فقال الحريري: «نحن أمام فرصة ذهبية لن تتكرر، بإجراء الإصلاحات التي طال انتظارها، والبدء بتنفيذ البرنامج الاستثماري الذي تم تمويل المرحلة الأولى منه في مؤتمر سيدر قبل أسابيع في باريس، لتحريك عجلة النمو الاقتصادي وتأمين الخدمات الأساسية اللائقة لكل اللبنانيين وإيجاد فرص العمل أمامهم»، لافتاً إلى ان «كل القوى السياسية الرئيسية في البلاد وفي البرلمان واعية للمخاطر الخارجية والتحديات الداخلية، وبالتالي فهي متوافقة على ضرورة الإسراع في إنجاز تشكيل الحكومة. كما أن هناك توافقا بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري وبيني على ضرورة الإسراع في الإصلاح الإداري والاقتصادي، ومن ضمنه أولوية مكافحة الفساد بكل أشكاله.
وقال: «يبقىأن تترجم الأيام المقبلة هذه الإرادة بالفعل، وأن نتواضع جميعا أمام مصلحة لبنان واللبنانيين، وأن نرتفع جميعا إلى مستوى التحديات الماثلة أمامنا، والمرجح أنها ستتصاعد في الأشهر القليلة المقبلة».
وختم واعداً بالبقاء على تعهده بالحفاظ على التعهدات الأساسية التي حمت الاستقرار واطلقت مسيرة الإنجاز، تحت سقف الثوابت التي لا مساومة عليها، وعلى رأسها اتفاق الطائف، والدستور، ونظامنا الديمقراطي، وهوية لبنان العربية، ونأي لبنان عن التدخل بشؤون الأشقاء العرب، حفاظا على أفضل العلاقات معهم».
نفي سعودي
وفيما توجه الحريري مباشرة بعد الإفطار إلى المملكة العربية السعودية، في زيارة تستمر بضعة أيام، لاحت في الأفق الخارجي ملامح أزمة سعودية- فرنسية محورها لبنان، على خلفية حقبة استقالة الرئيس الحريري من الرياض في تشرين الثاني الماضي، إذ ردّت السعودية على كلام للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحدث فيه للمرة الأولى عن احتجاز الرئيس الحريري في المملكة، مشيرا إلى انه لو لم تتدخل فرنسا لكانت وقعت حرب في لبنان حيث نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية أن ما ذكره الرئيس الفرنسي كلام غير صحيح». وذكّر المصدر بأن المملكة، كانت ولا تزال تدعم استقرار وأمن لبنان وتدعم الرئيس الحريري بالوسائل كافة.
وقال: إن كافة الشواهد تؤكد بأن من يجر لبنان والمنطقة إلى عدم الاستقرار هو إيران وأدواتها مثل ميليشيا حزب الله الإرهابي المتورط في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وقتل مواطنين فرنسيين في لبنان، إضافة إلى مد إيران للميليشيات الإرهابية بما فيها ميليشيات الحوثي بالأسلحة والصواريخ الباليستية التي تستخدمها ضد المدن السعودية». وشدد على «أن المملكة تتطلع للعمل مع الرئيس الفرنسي لمواجهة قوى الفوضى والدمار في المنطقة وعلى رأسها إيران وأدواتها.
لقاء الراعي – ماكرون
وفي معلومات لـ«اللواء» ان النفي السعودي لكلام الرئيس ماكرون، اثير على هامش لقاء الرئيس الفرنسي مع البطريرك الماروني بشارة الراعي في قصر الاليزيه، والذي استمر ساعة كاملة، لكن مصادر الاليزيه لم تشأ الرد على الموقف السعودي، ولا أي مصدر في الخارجية الفرنسية «الكي دورسيه».
وإلى جانب هذا الموضوع، اثار البطريرك الماروني موضوع النازحين السوريين، من زاوية ضرورة فصل الموضوع السياسي عن عودة هؤلاء، والا فإن لبنان سيدفع الثمن، وهنا، ودائما، بحسب المعلومات، سأله الرئيس ماكرون: وماذا ستفعلون إذا كان النازحون لا يريدون العودة؟ فأجابه الراعي: «هذه مسؤولية المجتمع الدولي الذي يجب عليه تشجيعهم على العودة».
وبطبيعة الحال تطرق الحديث إلى القانون السوري رقم 10 الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد، ورأى فيه الراعي وجهين: وجه إيجابي يشجعهم على العودة ووجه سلبي، فإذا لم يعودوا فمعناه انهم سيبقون في لبنان، واستمرار وجودهم ليس لصالح اللبنانيين، ولا لصالحهم.
تجدر الإشارة إلى ان كتلة «المستقبل» النيابية، حذّرت في اجتماعها أمس من مخاطر القانون رقم 10 وما يبيته تجاه مئات آلاف النازحين السوريين الهاربين من جحيم الحرب إلى دول الجوار، وبينها لبنان، فيما غرد رئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر «تويتر» قائلاً: «القانون 10 هو استكمال تدمير سوريا من قبل النظام ومن قِبل «داعش» وهما وجهان لعملة واحدة».
وأضاف، غامزاً من قناة الوزير باسيل، من دون ان يسميه، تعليقاً على الرسالة التي وجهها إلى نظيره السوري وليد المعلم: «يقوم البعض من موقع التغطية على حقيقة النوايا بالاتصال بالمعلم في سوريا وبـ(انطونيو) غوتيرس في الأمم المتحدة، مستوضحا حول القانون 10: ماذا يريد هذا البعض الذي يتظاهر بجهله حول نوايا النظام؟
مالياً، قال مصرف لبنان انه باع سندات دولية قيمها 3.022 مليار دولار، موضحا انه كان يعتزم بيع ما قيمته مليار دولار لكنه زاد الحجم بسبب الطلب المحلي المرتفع.
اخلاء الحاج
قضائياً، سجل تطوّر قضائي لافت في الملف الذي عرف بملف «عيتاني- الحاج» حيث وافق قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا على تخلية سبيل المقدم سوزان الحاج التي كانت اوقفت في آذار الماضي على خلفية فبركة ملف زياد عيتاني الذي اتهم بالتعامل مع الموساد الاسرائيلي.
وافيد أن القاضي ابو غيدا اخلى سبيل المقدم الحاج بسند اقامة واصدر قرارا اتهامياً بحقها وأحالها على المحكمة العسكرية. وإذ منع المحاكمة عن الممثل زياد عيتاني واتهم المقرصن ايلي غبش والمقدم الحاج بارتكاب جناية وفق المادة 403 من قانون العقوبات التي تصل الى 10 سنوات سجن، على أن تتم محاكمتهما أمام المحكمة العسكرية. وقد أبقى أبو غيدا على غبش، موقوفا. كما تضمن القرار دفع كفالة مليون ليرة ومنع سفر. وليلاً، وصلت المقدم الحاج إلى منزلها في أدما، وأقيم لها لدى وصولها احتفال شعبي أطلقت خلاله المفرقعات النارية.
البناء
كان موقع الصحيفة مقفلاً حتى الساعة 06:22
الجمهورية
التلويح بالحصص الرئاسية يؤخِّر التأليف .. ونصائح ديبلوماسية بالتروِّي
«صدام» بين «التيار» و«أمل» وآخرين.. آتٍ قريباً؟
في اليوم السادس على التكيلف الحكومي استمرّ التفاؤل الرئاسي بولادة الحكومة سريعاً، على الرغم من أنّ عقَد التوزير والاستيزار بدأت تطفو على سطح التأليف، وسيزيدها تعقيداً حديثُ البعض عن حصصٍ وزارية في الحكومة لكلّ من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بمعزل عن حصص الفريقين السياسيَين اللذين ينتميان إليهما. في الوقت الذي بَرزت نصائح ديبلوماسية تدعو المعنيين إلى التروّي في تأليف الحكومة العتيدة لأنّ في الأفق ما يشير إلى احتمال بروز تطوّرات على الساحة الإقليمية تستوجب مواجهتها بحكومة وحدة وطنية.
في معلومات لـ«الجمهورية» أنّ مرجعيات ديبلوماسية رفيعة تهمّها مصلحة لبنان واستقراره، نصَحت المسؤولين اللبنانيين بالتروّي في تأليف الحكومة، إذا كان تأليف حكومة وحدة وطنية غيرَ متيسّر في وقتٍ سريع، لأنّ التطوّرات المقبلة في لبنان والمنطقة تتطلّب وحدةَ الموقف اللبناني، والتطمينات التي أعطتها الدول الكبرى للبنان في شأن إبقائه بمنأى عن تداعيات ما يحصل في سوريا، يفترض حسب هذه المرجعيات الديبلوماسية، أن تترافق مع شعور بالمسؤولية لدى السلطات اللبنانية، إذ إنّ هذه التطمينات ليست ضمانات.
وفي السياق، علِم أنّ قريبين من الرئيس المكلّف سعد الحريري أسدوا النصحَ إليه بوجوب التروّي وعدمِ التسرّع في إعلان أيّ حكومة خشيةَ من أن يؤدي التأليف السريع إلى خلقِ معارضةٍ شعبية إلى جانب المعارضة النيابية.
وفي هذا السياق، لاحظت مصادر سياسية تراقب عملية التأليف «وجود محاولات خلقِ أعرافٍ جديدة، وأبرزُها ثلاثة: وزارة المال من حصّة الشيعة، حصّة وزارية لرئيس الجمهورية، وحصّة وزارية لرئيس الحكومة غير حصّة تيار «المستقبل». وتوقّعت أن تكون هذه الأعراف «موضعَ خلاف من شأنه تعقيدُ التأليف السريع للحكومة على رغم تأكيدِ رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في أحاديثهما أمام الزوّار أو تصريحاتهما، ضرورةَ الإسراع في التأليف»، وأبدت اعتقادها «بوجود رغبة في تخطّي العقَد ووضعِ كلّ الأطراف أمام الأمر الواقع».
ولكنّ المصادر المطلعة على الظروف التي تتمّ فيها عملية التأليف تجزم بأنّ «حكومة الأمر الواقع سيكون لها تداعيات ليست في مصلحة البلاد التي تواجه أخطاراً وتهديدات إقليمية».
الحريري متفائل
وفي حين تمنّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأليفَ الحكومة في أسرع وقت ممكن، جدّد الحريري الذي سافر ليلاً إلى الرياض تفاؤله في تأليفها سريعاً، وتحدّث بعد زيارته عون لإطلاعِه على حصيلة استشاراته النيابية، عن حوار مرتقَب في الأيام المقبلة مع كلّ الأفرقاء السياسيين، وقال: «سنجَوجل الأفكار ونرى أفضلَ طريقة لتأليف الحكومة، والجميعُ حريص على أن يمثَّل، وأنا حريص على الوفاق داخل الحكومة لمصلحة المواطن اللبناني».
وردّاً على سؤال حول توزيع الحقائب الوزارية، قال الحريري: «إنّ تيار «المستقبل» هو تيار «المستقبل» ولا أحد يستطيع التشكيكَ في ما يمثّل وفي وجوده، كما أنّ لرئيسِ الحكومة حصّةً».
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ البحث بين عون والحريري تناوَل أولى الصيغتين المحتملتين من 26 و32 وزيراً بالاستناد الى القاعدة التقليدية المعتمدة في صيغتَي الـ 24 والـ 30 وزيراً قبل إضافة المقعدَين العلوي والأقلّيات اللذين يطالب بهما رئيس الجمهورية، وهو سبقَ له أن قطعَ وعداً بذلك منذ تشكيل الحكومة السابقة بعد انتخابه رئيساً للجمهورية». وأشارت الى أنّ عون والحريري «تفاهما مبدئياً على الصيغة التي ستُعتمد لتوزيع الحقائب السيادية الأربعة من دون الحديث عن أسماء، في اعتبار أنّ أيّ تفاهم حول الحصص يجب أن يستبق مرحلة إسقاط الأسماء عليها».
ثوابت الصيغة الحكومية
وعلمت «الجمهورية» أنّ عون تَوافقَ والحريري على بعض الثوابت التي ستحكم التركيبة الحكومية الجديدة، ومنها:
– طريقة توزيع الحقائب الخدماتية بعد السيادية من دون الحديث عن أيّ أسماء مقترحة في هذه المرحلة، ولا حديث مقبولاً عمّا يسمّيه البعض «إقصاء» لأيّ مكوّن نيابي.
– الحصص الحكومية باتت محسومة وفقاً لِما سُمّي «الصيغ السابقة»، ولا نقاش في تمثيل رئيس الجمهورية خارج منطِق حصص الكتل النيابية المختلفة أياً كانت هويتها السياسية والحزبية.
– التفاهم على إبقاء الاتصالات مفتوحة بعد عودة الحريري من المملكة العربية السعودية، وهو قد استأذنَ رئيسَ الجمهورية القيام بهذه الزيارة للقاء عائلتِه وتأديةِ مناسك العُمرة في مكة.
– عدم التدخّل لدى أيّ كتلة نيابية أو فريق بما يعني الفصلَ بين النيابة والوزارة، فالقرار يعود للأحزاب والكتل النيابية التي ترغب بتطبيق هذا المبدأ.
عبَّر رئيس الجمهورية عن نيته التقدّم بمشروع تعديل دستوري الى مجلس النواب لتكريس الفصل بين الموقعين، وسيكون هذا الموضوع من أولوياته لِما يوفّر من ظروف نجاحٍ لمن يتولّى مهمّة واحدة منهما.
أكّد الحريري مساء أمس في الإفطار السنوي لدار الأيتام الإسلامية «أنّ كلّ القوى السياسية الرئيسية في البلاد وفي البرلمان، واعيةٌ للمخاطر الخارجية والتحدّيات الداخلية، وبالتالي فهي متوافقة على ضرورة الإسراع في إنجاز تأليف الحكومة. كما أنّ هناك توافقاً بين فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري وبيني على ضرورة الإسراع في الإصلاح الإداري والاقتصادي، ومن ضمنه أولوية مكافحة الفساد بكلّ أشكاله. يبقى أن تترجم الأيام المقبلة هذه الإرادة بالفعل، وأن نتواضع جميعاً أمام مصلحة لبنان واللبنانيين، وأن نرتفع جميعاً إلى مستوى التحديات الماثلة أمامنا، والمرجّح أنّها ستتصاعد في الأشهر القليلة المقبلة».
وأضاف: «مِن جهتي، سأبقى على تعهّدي بالحفاظ على التفاهمات الأساسية التي حَمت الاستقرار وأطلقت مسيرةَ الإنجاز في الحكومة المستقيلة، تحت سقف الثوابت التي لا مساومة عليها، وعلى رأسِها اتفاقُ الطائف، والدستور، ونظامنا الديموقراطي، وهوية لبنان العربية، ونأيُ لبنان عن التدخّل بشؤون الأشقّاء العرب، حفاظاً على أفضل العلاقات معهم».
برّي
في هذه الأثناء قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس «إنّ المفاوضات الجدّية لتشكيل الحكومة هي التي تتمّ بعيداً من الأضواء». وأضاف: «تعاوَنوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». وتوقّع أن تنطلق مساعي التأليف بزخمٍ بعد عودة الحريري من السعودية، مشيراً إلى «أنّ التصريحات والمواقف المعلنة حتى الآن توحي بأنّ هناك سقوفاً مرتفعة وعُقَداً عدة لكن دعونا ننتظر كيف ستنتهي الأمور لاحقاً».
حصّة الرئيس
في هذا الوقت، ظلّت حصة عون الوزارية في الحكومة موضعَ تجاذبٍ بين تكتّل «لبنان القوي» وتكتل «الجمهورية القوية» في ظلّ غياب أيّ نصّ دستوري يَمنح رئيس الجمهورية هذا الحق. إلّا أنّ عون رفض أمام زوّاره أمس «أيّ نقاش يتناول من يمثله شخصياً في الحكومة ومقولة إنّها حصة له»، مبدياً رغبته بتسميتِها «فريق يساعد رئيس البلاد في تنفيذ ما أراده، وهو مَن أقسَم على الدستور». ويَعتبر عون أنّ «بإصراره على هذا المبدأ لن يخرج عن التقاليد السابقة التي اعتُمدت في التشكيلات الحكومية منذ «اتّفاق الطائف» الى اليوم بما فيها موقع نائب رئيس الحكومة الذي سيكون من فريق عملِه كما كان الأمر لدى أسلافه».
تكريس اعراف
في هذا المجال قال الرئيس نجيب ميقاتي في تغريدة عبر» تويتر»: «أدعو جميعَ الأطراف إلى تسهيل مهمّة الرئيس المكلّف بتأليف الحكومة الجديدة على قاعدة النصوص الدستورية بعيداً عن تكريس أعراف جديدة لا طائلَ منها، خصوصاً ما يُحكى عن حصة وزارية لرئيس الجمهورية، وإلّا فنحن نؤيّد ما قاله الرئيس المكلف عن حصّة مماثلة لرئيس الحكومة».
«لبنان القوي»
واعتبَر تكتل «لبنان القوي» بعد اجتماعه برئاسة الوزير جبران باسيل أنّ حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة «مسألة غير قابلة للنقاش ومبتوتة دستورياً وميثاقياً وممارسةً». وأكّد أنّ تأليف الحكومة هو مِن صلاحية رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وأنّ نتائج الانتخابات النيابية «ستكون الاساس لتحديد الأحجام»، وأملَ مِن جميع الأطراف تسهيلَ عملية تأليف الحكومة، مبدياً استعداده «تحت سقفِ الدستور والنظام البرلماني الديموقراطي، لتقديمِ كلّ ما يلزم لتأمين التأليف السريع لمصلحة لبنان والعهد وجميع المواطنين».
«القوات» لـ«الجمهورية»
وأكّدت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّها «الأشد حرصاً على موقع رئاسة الجمهورية ودورِ الرئيس ووزنِه، وإلّا لَما عبَّدت الطريقَ أمام العماد عون للوصول الى قصر بعبدا، بل فعَلت ذلك لإيمانها بوجوب أن يتمتّع الرئيس بحيثية داخل بيئته السياسية ويُجسّد تطلعاتها، لا أن يكون منفصلاً عن البيئة التي أوصَلته. فنحن مَن أوصَلنا الرئيس عون من خلال تفاهمِ معراب، ونؤمِن بهذا التوجّه الذي يجب أن تُبنى الأمور عليه. لذلك، القوى السياسية التي أوصَلت الرئيس تشكّل قوّةَ ارتكاز للعهد، ونحن جزء لا يتجزّأ من قوّة الارتكاز للمرحلة السياسية الجديدة».
وأضافت المصادر: «بكلّ بساطة، رئيس الجمهورية هو مَن عارَض بنفسه في أكثر من إطلالةٍ له إعطاءَ رئيس الجمهورية حصّةً داخل الحكومة، معتبراً أنّ كلّ الحكومة هي حصته، ونحن نقول إنّ الرئيس ينتمي إلى تكتّل نيابي وله حيثيةٌ شعبية كبرى، وبالتالي حصتُه يجب أن تعكس وزنَه النيابي الذي يرتبط مباشرةً به وخِيضَت الانتخابات على هذا الأساس».
وتخوَّفت المصادر من «أن يكون الوزير باسيل يريد وتحت هذا العنوان ضربَ علاقة «القوات» مع العهد عبر التحايل في هذه المسألة واحتسابِ حصّة القوات 3 وزراء واحتساب حصّتِه واللجوء إلى تضخيم حصّة الرئيس من خلال شخصيات تنتمي إلى خط باسيل السياسي على حساب الشراكة والمساوة والتوازن داخلَ الحكومة وعلى حساب ما أفرزَته الانتخابات».
وشدّدت المصادر على «ضرورة احترام تفاهمِ معراب الذي فتحَ طريق بعبدا وقضى بالمساواة وعلى وجوب عدم الالتفاف على أصوات الناس ورأيهم في الانتخابات». وقالت: «مِن هنا يأتي حرصُنا في هذا السياق، فنحن متمسّكون بدورنا في الحكومة الجديدة لأنّنا نستطيع من خلال حجمنا متابعة دورنا الإصلاحي والسيادي، ومحاولةُ الالتفاف على حجمنا الوزاري تهدفُ إلى منعِنا من استكمال هذا الدور.
وبالتالي نحن حريصون على حوار بنّاء ومفتوح مع الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية ومع كلّ القوى السياسية للوصول إلى حكومة تعكس تطلّعاتِ الناس وتجسّد ما أفرزته الانتخابات من أجلِ مرحلةٍ واعدة».
«المستقبل»
مِن جهتها، دعت كتلة «المستقبل» النيابية إلى تضافر الجهود لتسهيل مهمّةِ الرئيس المكلّف، والتوصّلِ إلى تشكلية وزارية تترجم نتائجَ الانتخابات والإجماع الوطني على أهمّية التضامن لمواجهة الاستحقاقات الداهمة على المستويَين الاقتصادي والإقليمي. واعتبَرت «أنّ التحدّيات الماثلة على غير صعيد محلّي وخارجي، تستوجب الإسراع بتشكيل الحكومة وعدمَ إضاعة الوقت في أيّ تجاذبات وخلافات تؤخّر هذا التشكيل، وتعرقل الآليات الإدارية والإصلاحية المطلوبة من الدولة اللبنانية للتعامل مع مؤتمرات الدعم والمشروع الاستثماري للنهوض بالاقتصاد اللبناني».
الراعي وماكرون
مِن جهةٍ ثانية، حضَر الهمُّ اللبناني والخوفُ من التوطين وعدمُ حلّ أزمةِ النزوح السوري في الإليزيه، حيث توَّج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته لفرنسا بلقاءٍ مع الرئيس إيمانويل ماكرون تناوَل كلَّ مواضيع الساعة والملفّات المطروحة.
وأشار الراعي إلى أنه عرَض مع ماكرون «الوضعَ الاقتصادي اللبناني، خصوصاً بعد مؤتمر «سيدر» والإصلاحات المطلوبة بغية تسهيلِ دعمِ لبنان».
وأضاف: «تناولتُ مع ماكرون موضوع النازحين وأهمّية عودتِهم إلى بلادهم، ومِن هنا لا بدّ من فصلِ القضية السياسية عن الوضع الأمني وإعطائهم حقَّ العودة إلى سوريا». وأشار إلى أنّ الرئيس الفرنسي استمعَ إليه «بمحبّة وبدقّة، وأبدى اهتماماً كبيراً بما قلناه، خصوصاً أنّنا أبدينا تخوّفَنا من التوطين، لأنّ عاملَ الوقت ليس لمصلحتنا».
الوضع المالي والاقتصادي
وإذا كان التصدّي للأزمة المالية والاقتصادية هو القاسم المشترك الذي يستخدمه معظمُ المطالبين بالإسراع في تأليف الحكومة الجديدة، فإنّ إقدامَ مصرف لبنان أمس على بيعِ سندات «يوروبوند» من محفظته، في السوق المحلّي أثارَ جملة تساؤلاتٍ حول خطورة الوضع الذي حتَّم الاستغناءَ عن بيع السندات في الأسواق العالمية كما كان مقرّراً سابقاً.
وفي التفسيرات التي أعطيَت لخطة البيع في السوق المحلي، أنّ المستثمرين الأجانب لن يكونوا متحمّسين في هذه الفترة للاكتتاب في السندات اللبنانية، وفقاً لأسعار الفوائد التي جرت عملية البيع على أساسها، خصوصاً في ظلّ التوقّعات برفعِ أسعار الفوائد عالمياً، بالإضافة إلى المناخ الجيوسياسي المتأزّم المفتوح على احتمالاتٍ كثيرة ضاغطة، والعقوباتِ الأميركية المرتقبة على «حزب الله»، والتي تُعتبر كلُّها عواملَ تَحول دون التخطيط للاستثمار على المدى البعيد.
وتأتي عملية البيع هذه، عقب عمليةِ جسِّ النبضِ التي أجرتها جمعية مصارف لبنان في الولايات المتحدة الأميركية لتبيانِ خلفية وحجمِ العقوبات التي قد تفرضُها الإدارة الأميركية على «حزب الله» والمتعاونين معه. وعلى الرغمِ من أنّ المصارف، وإدارة مصرف لبنان تلتزم تطبيقَ العقوبات، إلّا أنّ الأجواء بدت مقلِقةً، خصوصاً حيال إمكان توسيعِ مروحة العقوبات، في المرحلة المقبلة، والتداعيات التي قد تنتج منها.
وقد تزامنَت هذه الأجواء مع زيارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس للحريري.
«صدام» بين «التيار» و«أمل» وآخرين.. آتٍ قريباً؟
إصرارُ كتلة «التنمية والتحرير» على الاحتفاظ بوزارة المال خلال الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيسُ المُكلّف سعد الحريري أمس الأوّل، قابلته مطالبةُ تكتل «لبنان القوي» بوزارة الداخلية أو المال، وعدم تخصيص أيِّ حقيبة وزاريّة لأيِّ طائفةٍ أو حزب. وقد دلّ هذان الموقفان المتعارضان على «صدامٍ» قد يحصل قريباً بين الجانبَين، لأنّ تسوياتِ الليل قد مَحتها استشاراتُ النهار (مقال راكيل عُتَيِّق).
اللقاءاتُ والاتّصالات التي تكرّرت بعد إنجاز الانتخابات النيابية، وكذلك بعد انتخابات رئاسة المجلس واستشارات التكليف الحكومي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري أظهرت بشائرَ حلحلة سياسية أخيراً على مستوى العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» التي كانت تدهورت قبيل الانتخابات بفعل بعض الانتقادات اللاذعة التي وجّهها رئيس التيار الوزير جبران باسيل الى بري.
ولكن يبدو أنّ حقيبة وزارة المال في الحكومة العتيدة قد تحدّ ما اعتُبر «اتّفاقاً بعيد المدى» وستؤدّي إلى تقصيرعمره، واقتصاره على تسوية الليل التي «طيّرت» النائبَ القوّاتي فادي سعد من منصب أمانة سرّ المجلس النيابي إذ استُبدِل بالنائب آلان عون، مشفوعاً بتصويتِ عددٍ «حرزان» من نواب «لبنان القوي» مؤيّدين بري في رئاسة المجلس الجديد.
بري الذي يعتبر كثيرون أنه «صديقُ» الجميع ولا «يأكل حقّ حدا»، دلّ في تأكيده أخيراً أنّ «وزارة المال هي للطائفة الشيعية» على أنه لن يتخلّى عنها «كرمال حدا»، خصوصاً أنه يعتبر أنّ «هذا الموضوع قديم الزمن ومعتمَد منذ التوصّل الى اتّفاق الطائف مباشرة».
عَبَر باسيل استحقاقَ انتخابات هيئة مكتب المجلس النيابي حيث كانت معركة «التيار الوطني الحر» فيها مع «القوات» وليس مع بري، و»هيك هيك بري طالع» يُمكن التصويتُ له التزاماً بـ»الميثاقية» وبالتالي إخراج «القوات» من مكتب المجلس و»تلقينها درساً» في الإستحقاق السلطوي الأوّل بعد الانتخابات النيابية وإيصال رسالة الى مَن يعنيهم الأمر مفادها أنّ «التسوياتِ تحكم».
أما في الاستحقاق التالي، أي استحقاق تأليف الحكومة، فإنّ معركة باسيل و«التيار» لن تكون مقتصرة على «القوات» فقط، بل تشمل كلَّ مَن يعرقل حصولَ «التيار» على ما يعتبره «حقاً مُستحقاً» له من مقاعد وحقائب وزارية. وقد ردّ باسيل بشكل غير مباشر على كتلة «التنمية والتحرير» أمس الأول بعد لقائه الحريري، مؤكّداً «أننا لسنا مع تكريس حقائب لطوائف ولا لقوى سياسية»، مشيراً إلى أنه «يأتي ظرف يسمح أو يتطلّب تسليم حقيبة لمرة أو اثنتين لطائفة أو لكتلة سياسية، أنما هذا لا يكرِّس لأحد أحقّية التمسّك بحقيبة ولا يمنع على أحد من اللبنانيين أن يطالب بحقيبة معيّنة».
وعلى هذا الأساس طالب باسيل باسم تكتل «لبنان القوي» بالحصول على «حقيبتين هما وزارتا المال والداخلية، فقد حُرمنا منهما منذ 2005، واليوم جاء الوقت لكي يحصل تكتّلنا عليهما، لأنه من حقنا أن تكون لدينا إحدى الحقائب السيادية، وهاتان الحقيبتان يجب أن تكونا متاحتين أيضاً لكتلة مثل كتلتنا».
أما تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة وزارة المال الذي اتّفق عليه في اللقاء الأخير بين بري والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، فعاد بري وأكّده للحريري خلال استشارات التأليف الحكومي أمس الأول، فضلاً عن أنّ النائب انور الخليل أعلن باسم كتلة «التنمية والتحرير» بعد لقائها الحريري «أننا أصررنا على وزارة سيادية لم نذكرها وهي معروفة».
في حين تتعدّد طلبات الكتل النيابية توزيراً وحقائب، وقد تخطّى بعضها السقفَ المعقول حجماً وعدداً وتمثيلاً، لاحت في الأفق بوادر نزاعات قد تندلع حول الحقائب نوعاً وكمّاً، وذلك بين الطوائف أو داخل الطائفة الواحدة أو بين الأحزاب، وهذه النزاعات منها ما هو مُعلن ومنها ما يزال مخفيّاً حتى الآن. وأبرز النزاعات المُعلنة، هي بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، ففي حين تعتبر «القوات» أنّ تمثيلها الوزاري يجب أن يوازي تمثيلَ «التيار»، يرى الأخير أنّ حجمَه أكبر من حجم «القوات».
وعلى جبهة وزارية أخرى يتنافس «التيار» مع رئيس «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط الذي يعتبر أنّ نتائج الانتخابات تحتّم حصرَ التمثيل الوزاري الدرزي بفريقه فقط، فيما يقف «التيار» الى جانب النائب طلال أرسلان و»يُعيره» بعضَ نوابه ليُشكّلَ «كُتيلة» أو كتلة نيابية موقتة وهميّة لتمكينه من اقتناصِ مقعدٍ وزاري.
ولكن هل تستقيم الدولة في ظلّ توزيع بعض الوزارات والمواقع الإدارية الكبرى على الطوائف؟ وهل الهدف هو إعطاء الحقوق للطوائف أو للمواطن أيّاً كان انتماؤه؟ يوضح أحدُ الذين شاركوا في صوغ «اتّفاق الطائف» أنّ «إلغاءَ الطائفية شرط لإلغاء الطائفية السياسية، ويتطلّب خطةً مرحلية، كان من المُفترض أن يبدأ الإعداد لها عام 1992». ويقول «إذا ألغينا الطائفية السياسية دون إلغاء الطائفية نكون نلغي الطوائف ونخلق هيمنةً طائفيةً ومذهبية».
الأخبار
الحريري آخر من يشكّل الحكومة
مرسوم التجنيس الجديد: «كلو قابض»
لا يملك الرئيس المكلف سعد الحريري وحده، بطبيعة الحال، مفتاح تشكيل الحكومة، لكنه عملياً بات بعد كل التسويات التي أجراها آخر من يشكّلها (مقال هيام القصيفي).
لم يعكس إجراء الانتخابات النيابية ونتائجها أي تغيير جذري في روزنامة عمل الطرف المتحكم في إدارة اللعبة السياسية، إذ ليس تفصيلاً أن يتم استهداف القوات اللبنانية بكمية الحقائب التي يحق لها بها في الحكومة الجديدة، ومنعها من الحصول على الحصة التي تطالب بها ونوعيتها، بحجة نتائج الانتخابات، فيما يجري العمل لتوزير قوى سياسية بغض النظر عن هذه النتائج، إما لتطويق الرئيس سعد الحريري سنياً أو النائب وليد جنبلاط درزياً.
بهذا المعنى، يصبح السؤال لماذا جرت الانتخابات، وما كانت الفائدة منها، واستطراداً من الذي يشكل الحكومة، رئيس الجمهورية أم رئيس الحكومة المكلف، أم القوى السياسية الرئيسية؟
أولاً، في المبدأ يفترض أن يضع الرئيس المكلف مسودة حكومته بالتنسيق مع الاطراف والقوى السياسية، ويعرضها على رئيس الجمهورية ويتشاور معه. لكن عملانياً، فإن آخر من يشكل الحكومة هو رئيسها المكلف، لا سيما أنه يبدو منذ اللحظة الاولى فاقداً للحجم الحكومي الذي يتمتع به، بعدما فقد أيضاً الحجم النيابي، سواء لجهة عدد نوابه أو غياب الصقور الذين كان عادة يعتمد عليهم. والتحدي الحقيقي الذي يواجهه الحريري هو في إحداث نقلة نوعية في الاسماء التي سيقدمها لفريقه الوزاري، بعد الاخطاء التي ارتكبت في لوائح المرشحين للنيابة، علماً بأن الحريري سيضرب عرض الحائط بالتمثيل الشعبي الحقيقي، بإعادة توزير خاسرين في الانتخابات. ولا يبدو الحريري في أحسن أحواله، وهو يخوض نقاشاً حكومياً يختلف بطبيعته وحيثياته عن النقاشات التي كان يجريها رؤساء الحكومات السابقون. وهو يقدم على مغامرة سيكون فيها مستضعفاً منذ اللحظة الاولى، لأن الخيارات التي تركت له باتت ضيقة. فرغم التنسيق الكامل بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والتفاهم مع الوزير جبران باسيل، إلا أن خوض الحريري نقاش التأليف ينطلق من ثابتة أساسية، هي أن لرئيس الجمهورية كلمة أولى وأخيرة، واضعاً خطوطاً حمراء ومطالب لا يمكن للرئيس المكلف أن يتخطاها. وكيف يمكن لرئيس حكومة أن يقود حكومته وهو ينطلق من حصة لرئيس الجمهورية وفريقه تساوي ثلث الحكومة الثلاثينية كما بات متداولاً؟ وكيف يمكن أن تكون له كلمة فصل في حكومة، بعد التسويات التي أجراها في كل الاتجاهات، وباتت تكبّله: رئيس الجمهورية، حزب الله، الرئيس نبيه بري، والسعودية؟
ثانياً، بات مسلماً أن الحريري لن يضع التشكيلة على الورق إلا بعد عودته من السعودية. فإذا كانت الرياض سهلت للحريري عودته المشروطة بجملة تحسينات وتطمينات أراحت وضعه الداخلي، إلا أنها أيضاً لا تزال تنتظر منه ترجمة حقيقية لمطالب حلفائها في لبنان، وأوّلهم القوات. وتسليم الحريري بما تطلبه القوات، أي بين خمسة الى ستة وزراء، لن يكون سهلاً في ظل لعبة الأرقام والأعداد وتقاسم الحقائب بين الطوائف والمذاهب والكتل، علماً بأن الكلام القواتي أن الحريري لن يشكل حكومة من دون الأخذ بمطالب القوات، يعكس مناخاً إيجابياً فوق العادة، لا يمكن بعد ترجمته حقيقة. والعقدة تكمن أيضاً في موقف الرياض الفعلي في تسهيل تشكيل الحكومة، ما دام الحريري باق في السراي الحكومي في كل الاحوال.
ثالثاً، لا يمكن أن تشكل حكومة من دون موافقة بري وحزب الله، وهذا الأمر أصبح من المسلمات التي لا يمكن لأي طرف سياسي أن يقفز فوقها. ويتعدى موقف الثنائي الشيعي تمسكهما بوزارة المال ومطالبتهما بحصص لهما وحلفائهما التي باتت من باب الأمر الواقع، إذ إن لهما حق الفيتو على حصص الآخرين. هكذا يتم التعامل مع مطالب القوات اللبنانية، فيصبح ممنوعاً عليها الحصول على حقيبة سيادية أو أي حقيبة من الدرجة الاولى. وحتى الآن يتشارك رئيس الجمهورية مع الثنائية الشيعية في وضع هذا الفيتو، فتستمر وزارتا الدفاع والداخلية محرمتين عليها، فيما تمنع عنها الخارجية كما الطاقة حالياً لتمسّك التيار الوطني بهما.
رابعاً، يستهجن التيار الوطني كل كلام عن استهدافه للقوات، رامياً الكرة في ملعب رئيس الحكومة. فإذا كان يريد إعطاءهم حصة وازنة، فلتكن من حصته. إلا أن ما يحصل عملياً هو أن التيار يرفض إعطاء القوات خمسة وزراء، ويريد منصب نائب رئيس الحكومة الذي كان من حصة القوات. من هنا يفترض السؤال: ماذا نص اتفاق معراب في الشق المتعلق بتقاسم الحصص الوزارية؟ ألم يحن الوقت لإعلان ما كتب حينها، علماً بأن القوات لوّحت أكثر من مرة بأنها ستنشر هذا الاتفاق؟ والسؤال الأكثر تقدماً، أيهما يفيد القوات أكثر، أن تكون داخل الحكومة ولو بثلاثة وزراء على الاكثر أم أن تكون خارجها، فتشكل معارضة أكثر إزعاجاً للعهد والحكومة على السواء؟ حتى الآن جواب القوات أنها ستبقى في الحكومة مهما كلّف الامر، وهذا تماماً ما يعرفه التيار، فيزيد من ضغطه عليها.
مرسوم التجنيس الجديد: «كلو قابض»
مع وصول رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ليل أمس، إلى الرياض، في زيارة تستمر بضعة أيام، يطوى ملف التأليف الحكومي، في انتظار ما سيحمله الحريري، بعد عودته، خصوصاً في ضوء ما تردد في الأيام الأخيرة بأن رئيس الحكومة المكلف لن يجرؤ على تأليف حكومة لا تنال موافقة القوات اللبنانية، في ضوء المعيار الذي وضعه السعوديون بوجوب أن تكون معراب هي الممر الإلزامي لولادة الحكومة الجديدة.
وقبيل سفره، أطلع الحريري، أمس، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على حصيلة مشاوراته النيابية و«إيجابية الأجواء الموجودة بين جميع الجهات السياسية». فيما كانت بارزة إجابته على سؤال عن حصّة تيار المستقبل في الحكومة بالقول إن «لرئيس الحكومة حصّة وزارية أيضاً»، فيما كان تكتل لبنان القوي يجدد تمسكه بحصة رئيس الجمهورية، عدا عن حصته الوزارية.
وفيما كان بعض الوزراء، خصوصاً أولئك الذين صار محسوماً أن لا يتم توزيرهم، يشرعون بجمع أوراقهم وملفاتهم من وزاراتهم، شكل الحديث عن مرسوم تجنيس جديد، صدمة لجميع الأوساط السياسية، وقال مرجع رسمي لـ«الأخبار»: لقد جرت العادة أن يبادر رئيس الجمهورية مع قرب انتهاء ولايته إلى توقيع مرسوم التجنيس، ولكن لم يحصل من قبل أن أقدم وزير على توقيع مرسوم قبل خروجه من وزارته.
وأضاف المرجع: المفارقة أن المرسوم الجديد كان يطبخ في دوائر معينة وعلى الأرجح وفق تسعيرة محددة، بعد الانتخابات النيابية مباشرة، والظاهر أن «الكل قابض»، بدليل أنكم ستجدون أن معظم من تم تجنيسهم (بالمئات) هم من رجال الأعمال، رافضاً الخوض أكثر في التفاصيل.
وبحسب المعلومات التي توافرت لـ «الأخبار»، فإن المرسوم «كان جاهزاً للتوقيع منذ جلسة الحكومة ما قبل الأخيرة، غير أن توقيعه أجّل لفترة من دون معرفة الأسباب». وقد أعد المرسوم بالتعاون بين الوزير جبران باسيل ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري (قبل استقالته) نادر الحريري، وهو يتطلب توقيع وزير الداخلية نهاد المشنوق ومن ثم رئيسي الحكومة والجمهورية. وفي حين لم يعرف بعد عدد المشمولين بالمرسوم، لفتت مصادر وزارية إلى أن «العدد لا يتجاوز الـ100 شخص، وأن لا شيء نهائياً حتى الآن. وكل الكلام الذي تناول المرسوم المذكور مبالغ به»، مشيرة إلى مرسوم مماثل وقّع في نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان ولم يتمّ الاعتراض عليه، ولا استغلاله في خطاب طائفي كما يحصل الآن. في المقابل، أكدت أوساط معنية لـ«الاخبار» أن المرسوم دخل مرحلة التجاذب، «ولن يمّر بسهولة».